القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

 


سكريبت اختيار امى كامل بقلم سوار حصريه





سكريبت اختيار امى كامل بقلم سوار حصريه

 



— أوعي تكوني مفكرة إن أنا ممكن أبصلك أو أفكر فيكي ..


قال كلامه بحدة وهو بيقرب مني ، وأنا عيوني في عيونه وساكتة ، كمل بغل واضح :

— اتجوزتك بس علشان أمي اللي اختارتك ، سيبت البنت اللي كنت بتمناها بسببك ..


قلبت عيوني بملل وأنا بقول بابتسامة مستفزة :

= قصدك سيبتها علشان أنت ضعيف ومقدرتش تقف قدام مامتك ..


ملامحه بهتت من ردي ، فكملت بنفس اللهجة :

= وإن كان عليا ، فأنا اتقدملي عريس وشوفته مناسب فوافقت ، وبعدين يا زوجي الغالي لو مفكرتش فيا هتفكر في مين ؟! أوزن الكلام كدا علشان الحرمانية حتى ..


نظراته زاغت وهو بيبلع ريقه بتوتر ، وبيضغط على قبضة ايده جامد ، لمحت الدموع في عينيه ، فاتنهدت بوجع ، وأنا حاسة بنغزة في قلبي ، اللي عرفته عن حماتي أنها شخصية متسلطة وقيادية ، وربت فيهم الخوف والطاعة الكبيرة من صغرهم ، تأثيرها عليهم كبير واستخدامها لفرض البر وحش أوي ، قدرت أنها تجوز كل ولادها على مزاجها ، حتى جوزي كذلك واللي عرفني كدا ، هو تدخلها المبالغ فيه في حياتنا بس الواضح أن زوجي جاب أخره من الوضع ..


بصيت ليه وهو بيبعد وبيدخل أوضتنا وبيقفل على نفسه ، وقفت لثواني اتنفس بهدوء قبل ما ادخل وراه .


= عايزين نتكلم يا مالك ..


قولتها بهدوء وأنا واقفة قدامه ، كان قاعد على السرير وباصص في الأرض بتعب واضح عليه ، كنت مدركة أن في صراع جواه مبينتهيش ، صعب إنك تتمنى حاجة وتتحطم قدامك ، واللي حطمها هو أول واحد المفروض كان يساعدك .


رفع عيونه المحمرة ليا وهز رأسه بضعف ، مشيت قدامه ناحية الكنبة في أوضتنا فجه ورايا وقعد جنبي ..


حمحمت بهدوء قبل ما ابدأ كلام :

= بص يا مالك أنا وأنت اتجوزنا بموافقتك وكامل وعيك ، أنا لا رخيصة ولا فرضت نفسي عليك ، وكل تصرفاتي معاك من التودد والمعاملة الطيبة دا لأنك جوزي ، ومش حرام إني اعمل كدا وحتى لو بعمل كدا علشان أحببك فيا بردو مش غلط ، الغلط هو كلامك إني بفرض نفسي عليك ، أنا بتصرف التصرفات اللي من حق أي زوجة .


بصلي بهدوء وهز رأسه بتأكيد على كلامي ، وهو بيقول بندم :

— عندك حق في كل كلمة ، أنا بجد آسف ...سيبت سبب المشكلة وجيت ألومك أنت وكأن أنت السبب .


عيونه اتملت دموع والمرادي سمحلها تخرج :

— أنا اللي ضعيف فعلاً ، أنا اللي كل حياتي بقول حاضر ، متصاحبش فلان ..حاضر يا ماما ، كل الأكل ده مع إني مبحبش طعمه ..بس حاضر يا ماما ، كورة ايه اللي عايز تلعبها في وقت فراغك أنت هتذاكر أكتر ...حاضر يا ماما ، ايه علمي رياضة ده أنت لازم تكون دكتور ، أنا عارفة اكتر منك ...حاضر حاضر يا ماما .


بصتله بشفقة وزعل على حاله ، اللي عاشه صعب ، كم مرة اتمنى حاجة واتحرم منها بحجة أنا أوعى منك ، كم مرة انجبر على حاجة مش بيحبها علشان يرضيها ، ايه في طلباته غلط علشان تكسر بخاطره في كل مرة وتعمل كدا ، عمره كله بيتقاله لأ وأنت مش فاهم وأنا اللي عارفة ، طلعت راجل ضعيف مهزوم ، أبسط حقوقه فإنه يختار شريكة حياته مسلوبة منه ..


وأنا...ذنبي ايه إني اتجوز واحد مش شايفني ، أكيد كارهني زي ما بيكره أي حاجة اتفرضت عليه ، حطيت ايدي على رقبتي وأنا حاسة بخنقة ، وايديا بترتعش تلقائي زي كل مرة بتوتر فيها ..


قام من مكانه فجأة ، فرفعت عيوني ليه بتساؤل :

= رايح فين يا مالك ؟!


رد بصوت مبحوح وهو بيبعد عيونه عني :

— هطلع أتمشى شوية وأجي ، عايز أبقى لوحدي ..


قومت وقفت قدامه ، وأنا بقول بقلق :

= بس الوقت اتأخر أوي..


طبطب على كتفي بالراحة وسابني ومشي :

— مش هتأخر ، اقفلي على نفسك وأنا هاخد المفتاح معايا .


فضلت متابعاه بعيوني لحد ما خرج من البيت ، قعدت في مكاني بتعب وأنا بسمح لدموعي تنزل ، شايفة كل أحلامي في إني أبني بيت دافي بتتسرب من بين ايديا ، مش دي الحياة اللي كنت متخيلاها ولا دي علاقتنا اللي كنت بحلم بيها ..


صراع جوايا بين إني أكمل أو إني انفصل ، بس هنفصل بعد كام شهر جواز بس ، طيب وأهلي هيبقى موقفهم ايه ؟

طيب لو كملت هيتغير ولا لأ ؟ هنعرف نعيش ولا حياتنا هتتشكل زي ما حماتي عايزة ؟ 


مسحت على وشي بعنف :

= يا الله ..


قومت من مكاني بتعب نفسي أكتر منه جسدي ، ودخلت اتوضى وصلي وادعي ربنا يرشدني للصح لأني بجد مش عارفه أعمل ايه.


رفعت كمامي فشوفت العلامات الزرقة اللي ظهرت ، العلامات دي بتظهر كل ما بنضغط نفسياً ، وكأن جسمي بيقولي حتى لو طنشتي هطفحهولك بلا أزرق..


تجاهلتها واتوضيت وخرجت أصلي وأنا بسلم أمري لله ..


———————


" مالك " .


بمجرد ما طلعت من البيت ، حسيت بضيق في صدري والغصة تملكت مني ، نزلت بسرعة ورحت للبحر ، كان الشط خالي والهوا برودته معقولة ، خدت نفس عميق وخرجته بصعوبة ، وثانية والتانية وبدأت انهار ، دموعي نزلت وأنا ضامم نفسي ، مش عارف اعمل ايه ؟ وايه الحل لحياتي ؟ لامتى هفضل اتوجع ؟ ولامتى هيضيع عمري في الزعل والقهر ؟ شغلي وحياتي ومراتي اللي بقيت في نظرها ضعيف ، طيب أخرتي هعمل فيها ايه ؟ لامتى هفضل تايه ومش عارف أنا عايز ايه ؟ ويوم ما بعوز ببقى جبان وأفلت ايدي ...


رفعت عيوني للسما بتيه وهمست بصوت مكتوم :

— اعمل ايه ؟ ... أنا والله تايه ، أنا لوحدي ... مليش غيرك بجد ...أروح لمين ؟!


رجعت بعيوني للأرض تاني ، وبتلقائية حطيت ايدي على بوقي أكتم صوت بكايا ، حتى وأنا لوحدي مش عارف أصرخ زي الناس ، جسمي كان بيتهز بعنف ، وحسيت بدماغي وعينيا وجعوني ..


فضلت شوية اتنفس بعنف وأنا بحاول أهدى ، بس كل مدى دموعي تزيد وذكرياتي مش سايباني ، أحلامي كلها عدت قدامي وهي بتدمر وأنا واقف ساكن مبعملش حاجة .


سمعت صوت تليفوني ، ففتحته وأنا بمسح عينيا ، كانت مكالمة من " زينب " ، بعتلها رسالة اطمنها ، وبعدين قومت من مكاني ومشيت بخطوات تقيلة ، كان الوقت اتأخر وبقت الساعة اتنين ومفيش ناس في الشوارع ، ودا من رحمة ربنا بيا لأن منظري مكانش كويس خالص .


وقفت قدام الباب ثواني اتنفس فيهم في محاولة إني أهدى ، محاولتش حتى أصلح هيئتي ، شئ جوايا حاسس أنها هتكون أمينة على ضعفي وانهياري .


سميت وفتحت ، وبمجرد دخولي شفتها جاية ناحيتي ، وعيونها بتمر عليا تفحصني بقلق ، لحد ما ثبتت على وشي ، وهي بتقول بخوف :

= مالك أنت كويس ؟ اتأخرت ليه ؟


ابتسمت ابتسامة باهتة وأنا بهز رأسي بأه ، قبل ما اهزها بلأ وأنا بنهار وبرمي نفسي في حضنها..


ضمتني جامد وهي بتمشي ايديها على ضهري بالراحة ، وصوتها اتخض من هيئتي :

= باسم الله على قلبك يا مالك ..باسم الله عليك .


غرزت نفسي في حضنها أكتر ، وأخيراً صوت بكايا علي ، كنت حاسس أن قلبي بينتفض مع كل شهقة ، وروحي بتنسحب مع كل صرخة ، لأول مرة ارتاح في زعلي ، لأول مرة الغصة متخنقنيش ، مرة خرجت فيها كل تعبي من غير تفكير أو حساب لبعد كدا .


فضلنا مدة مش عارف اد ايه ، بس كل اللي أعرفه إني شبه ارتحت ، كنت ساند رأسي على كتفها بتعب وأنا بتنفس بهدوء ، وهي لسه بتطبطب عليا بحنية .


= تعال نقعد يا مالك ، زمان رجليك وجعتك ..


رفعت رأسي بهدوء ناحيتها ومشيت معاها نقعد على الكنبة ، سندت رأسي على حرفها وغمضت عيوني وكل منايا أنام .

حسيت بيها بتمسك ايدي ، ففتحت عينيا اللي ورموا وبصيتلها بدون كلام ، ابتسمتلي بلطف ممزوج بقلق وهي بتسألني :

= أحسن دلوقتي ؟!


حركت عيوني اطمنها ، اتعدلت من مكاني ، وحاوطت ايدها اللي ماسكة ايديا ، بصيت في عينيها لدقيقة قبل ما اتكلم بصوت حاولت أطلعه طبيعي :

— أنا عايز اتعالج يا زينب ، مش عايز أكمل حياتي كدا ..


عيوني اتملت دموع تاني وأنا بكمل :

— عايز أحس إني عايش بجد ، عايز ارمي كل همومي دي وابقى خفيف ، عايز اتخلص من النسخة دي ، أنا مليش غير عمر واحد مش عايزه يتسرق مني والماضي يبوظهولي أكتر من كدا .


رفعت ايدها مسحتلي دموعي ، وأنا باصص لها بهدوء مستنيها ترد عليا ، ابتسمت ابتسامة مهزوزة وشوفت في عينيها نظرة حلوة ، كأنها بتقولي برافو ..


= دا أحسن قرار يا مالك ...أحسن قرار .


بصيتلها بامتنان لوقوفها جنبي ، حطيت ايدي على رقبتي بحرج ونظرات عينيا بتزوغ في كل مكان :

— طيب وعلاقتنا ...لو ..لو حابة تنفصلي فحقك ، وأنا مستعد أعملك اللي أنت عايزاه ، بس دلوقتي كلام الناس هيكتر لأننا لسه متجوزين قريب .


مسمعتش ردها ، فرجعت بنظري ليها ولاقيت نظراتها مش مفهومة ، هي ممكن تكون مفكراني أناني بس مش عايز أتعبها معايا أكتر من كدا .


ردت بهدوء وهي بتقوم من مكانها :

= سيب كل حاجة لوقتها يا مالك ، ولما أقرر حاجة هقولك .


فضلت متابعها لحد ما دخلت الأوضة ، وأنا بفكر أنه لازم أخد خطوة وألحق نفسي ..


—————


— أنت رايحة فين ؟!


قولتها باستغراب وأنا شايفها بتحط أخر دبوس في الخمار ، وشايلة شنطتها على كتفها ، بصتلي بإبتسامة غريبة وهي بتقول ببساطة :

= جاية معاك .


— جاية معايا فين لامؤاخذة ؟!!


انجچتني وهي بتتكلم بالراحة ، غالباً بتاخدني على قد عقلي :

= مش أنت رايح عند الدكتور .


— اه ..


= ما أنا بقى جاية معاك عنده .


وقفت مكاني قبل الباب بكام سنتي ، وأنا بحاول استوعب أنها عايزة تساعدني ..بس مش لدرجة تيجي معايا عند الدكتور .


اتكلمت بهدوء :

— بصي يا زينب عارف إنك عايزة تساعديني ، بس المساعدة دي هترهقك أنت ، فخليكي أنت هنا ، وأنا هكون كويس متقلقيش ..


بصتلي لثواني بصمت قبل ما تقلب عينيها بملل :

= يا ريت لو خلصت كلامك نمشي علشان منتأخرش ، وأنا أصلا مش جاية علشانك ، أنا جاية علشان أخليك تفسحني بعد ما تخلص ، لأني بقالي كتير ما خرجتش ولا شوفت الناس ، وزهقت من قعدة البيت .


بصيت لها بقلة حيلة ، وبعدين شاورتلها بايدي تطلع ، خرجنا وكنت طالب تاكسي من قبلها ، ركبنا وابتدت رحلة الصمت الظاهري و الفوضى الداخلية ، خوف على قلق على ارتباك ، فكرة إني هحكي لحد كل اللي عشته واللي حسيته ، وإني هرجع اتألم تاني وكأنها لسه بتحصل دلوقتي .


مسحت على وشي بضيق ، وألتفت ناحية زينب أشوفها مشغولة في ايه ، كانت بتتفرج على الطريق بتركيز ، عيونها بتضيق وتوسع وهي مستمتعة ، عدت ريس سريعة من جنبنا وهي فضلت متابعاها بشغف ، عقدت حواجبي باستغراب وأنا بقول :

— أنت بتحبي الريس ؟!


لفت ناحيتي بسرعة ، وعيونها لمعت وهي بتقول بحماس :

= جدا يا مالك ، يا عيوني عليها بتخطف قلبي خطف كدا ..


عينيا وسعت بذهول ، واتعدلت علشان أكون في مواجهتها شوية :

— ياه للدرجادي .


= وأكتر ..دي من الحاجات اللي بحسدكم أنتم الشباب عليها .


ابتسمت وسألت بفضول :

— وبتحسدينا على ايه كمان ؟ أنا أصلا كنت حاسس أن حياتنا مش بايظة من شوية ، صاحبي اتكسر دراعه الأسبوع اللي فات ، كدا عرفنا السبب ..


حطيت أيدها على بوقها تكتم الضحكة :

= يعم مش القصد ، بس أن فيه حاجات بتعملوها مش بنعملها إحنا..


— زي ؟!


= زي إنكم بتروحوا المسجد في أي وقت ، بس إحنا صلاتنا في البيت أفضل ، بحس أن الواحد فيكم لو مهموم ممكن يدخل يصلي وبعدين ينام عادي في المسجد ، كمية طمأنينة وآمان وتطنيش للدنيا غير طبيعية ، كمان لما بتتخنقوا ممكن تنزلوا في أي وقت تتمشوا ، وممكن تسافروا لوحدكم عادي ... أنتم واخدين كل أساليب التخفيف عن النفس وأحنا وشنا في الحيطة .


رفعت حاجبي بهزار :

— دا على أساس إني مش مخرجك دلوقتي ، وبعدين لما تعوزي تخرجي قوليلي وأنا أخرجك ...بس بلاش حقد ونفسنة .


شوحت بايدها بزهق مصطنع :

= يعم اجري ، دا أنت بتيجي من الشغل بيبقى هاين عليك تنام على السلم بس علشان برستيجك بتستحمل ، ويوم الأجازة بتفضل نايم تلت اربعه ، خليني ساكتة أحسن .


عضيت شفايفي بغيظ وأنا ببصلها بمعنى كل دا وساكتة ..


ابتسمتلي بسماجة وبعدين شالت شنطتها استعدادا أننا ننزل ، بعد ما وقفنا قدام العيادة ..


يتــبع ...



حاسبت السواق ، و وقفت قدام المبنى بعد ما العربية مشيت ، فضلت عيوني متعلقة باليافطة الكبيرة الموجودة ، والتوتر ابتدى يعلى ..


حسيت بزينب بتمسك ايدي ، وبتشبك صوابعها في صوابعي ، بصيت ناحيتها بملامح باهتة فابتسمتلي بدعم .


شددت على ايدها ودخلنا لجوا ، وأنا بذكر ربنا في سري ، فضلنا قاعدين مستنيين دورنا ، كنت براقب الناس اللي قاعدة وملامحهم المطفية ، ليه الناس بتوصل غيرها لكدا ؟ ليه بيأذوهم ومبيحسبوش حساب مشاعرهم ؟ ليه كسرة غيرهم عندهم هينة ؟ 


ـ أستاذ مالك عبدالرحمن ...دورك اتفضل .


فوقت على صوت السكرتيرة بتنادي باسمي ، بصيت ناحية زينب بتوهان فضغطت على كفي بالراحة ، خدت نفس عميق وخرجته بهدوء وأنا عيوني متعلقة بعيونها ، وهي بتشجعني بنظراتها ، قومت من مكاني ودخلت ناحية الأوضة بخطوات تقيلة متوترة .


خبطت ودخلت بهدوء ، حيته وقعدت على الكرسي قدامه .


" مصعب الطيب " أشهر ثيرابيست في المدينة ، عرفته من ناس معرفة في الشغل ، راجل في الأربعينات تقريباً ، وشه بشوش ومريح ..


ابتسم بهدوء وهو بيبتدي كلام :

ـ اسمك جميل يا مالك على اسم ابني الصغير ..


قال جملته بعد ما شاف اسمي في بطاقة الكشف ، فابتسمتله بتوتر وأنا بشكره بهدوء .


لاحظ توتري فاتكلم بطمئنة :

ـ بص يا مالك أنا عايزك تطمن لأن مفيش أي كلمة بتتقال هنا بتطلع برا ، ومفيش أي حاجة تقلل منك ، أنت هنا علشان تداوي نفسك وتحميها لأنها ليها حق عليك وهتتحاسب عليها ..


هزيت رأسي ، وهو كمل :

ـ ودلوقتي قولي ايه سبب إنك جيت النهاردة.


بصيتله لثواني بنظرات مترددة ، بلعت ريقي وخدت نفس وبدأت أتكلم :

— أنا جيت علشان مش عايز أكون ضعيف ، مش عايز أكون مجرد تابع بيقول حاضر وبس ، مش عايز أحلامي تضيع مني أكتر من كدا ، عايز اتمسك بشخصيتي وأعمل اللي عايزه ومخافش ..


ـ بس أنت فعلاً قوي يا مالك ، وجودك هنا في حد ذاته قوة ، كتير من الناس بيرفضوا يعترفوا أن عندهم مشكلة وعايزين يعالجوها ، وبيفضلوا عايشين في دور الضحية ، وجودك النهاردة هنا دا شجاعة منك علشان تكون إنسان أفضل .


عيوني لمعت بالدموع ، وأنا ببصله بامتنان :

— شكراً بجد ..


ـ الشكر لله يا مالك ، ودلوقتي احكيلي من الأول ايه أصل المشكلة ؟


هزيت رأسي وبدأت أحكي ، وغصب عني بكيت :

— من صغرنا وإحنا متربيين أننا نقول حاضر ونعم وبس ، أنت صغير متعرفش حاجة وإحنا أوعى منك ونفهم عنك ، أمي كانت شخصيتها قوية وكنا عايشين على قوانين مبتتغيرش ، وبابا كان بيسافر كتير فكانت ماما هي المسؤولة عن كل حاجة .


— كنا بنتعاقب لو خالفنا أوامرها ، فتربى فينا خوف كبير منها ، خوف حتى تمرد المراهقة مقدرش يتغلب عليه ، كنا بنتمنع من اللعب بحجة أننا لازم نذاكر أكتر ونكون أشطر من زمايلنا ..


وقفت ثواني أخد نفسي ، لما حسيت نفسي اتخنقت بالعياط ، قرب الدكتور مني كوباية المايه ، فرفعتها وايدي بترتعش ، شربت وحطيتها تاني ، وكملت :

— لما دخلنا مرحلة المراهقة زي ما بيقولوا ، وقتها بقينا نتعصب كتير ونعترض ، بس وإحنا خايفين ، صراع جوايا بين أفكار وشعور جديد عليا وبين خوفي منها اللي لسه موجود ، للأسف لما لقتنا ابتدينا نتمرد أنا وأخواتي بقت تدخلنا من طريق البر ، وأننا بنستقوى عليها خصوصاً وأن بابا كان متوفي قبلها بكام سنة .


— فبقينا نسكت ونقول حاضر ، وكل مرة كان الكلام بيزيد عن أننا معندناش خبرة وأننا مبنعرفش نتعامل ، وأكتر من مرة فرض رأي قدام الناس وإحنا مش عارفين نتكلم ، حتى القرارات المهمة في حياتنا كانت تلغي رغبتنا وتحقق اللي هي عايزاه .


حسيت بنغزة في قلبي ، فحطيت ايدي عليه وأنا بكمل :

— لما كنت في الثانوية كانت درجاتي كويسة في الرياضة ، وكنت حابب أدخل هندسة وفضلت أبحث عن معلومات عنها وأعرف تخصصاتها ، وأسبوع كامل بتدرب قدام المرايا ازاي أقول لها قراري ..


سكت ونزلت عيني للأرض وأنا بضغط على كفي جامد ، فاتكلم الدكتور بسرعة :

ـ لو مش عايز تكمل كفاية دلوقتي..


حركت رأسي بنفي وأنا عايز أطلع كل حاجة :

— لما سألتني هختار علمي رياضة ولا علوم ، قولتلها رياضة وأنا بتأمل أنها توافق ، بس كل أحلامي اللي بنيتها ادمرت ، قالتلي لأ أنت هتدخل علمي علوم ولازم تدخل طب ، كل محاولاتي إني اعترض فشلت ، خصوصاً أنها استخدمت معايا أسلوب جديد وهو أنها متكلمنيش ولا تعتبرني موجود ، أكلمها متردش وتقوم من على الأكل لو قعدت ودايما مكشرة في وشي ، شهر كامل على الحال ده ، لحد ما مقاومتي ضعفت واستسلمت لقرارها.


دموعي زادت وأنا بفتكر حالي وأنا بتخيل حلمي بيتحقق ، لحظات الخوف اللي مريت بيها وأنا بواجهها ، حتى لحظات قهري على حلمي اللي ضاع .


مد الدكتور ايده بمنديل وهو بيسألني :

ـ أنت متجوز يا مالك ؟!


حركت رأسي بأه ، وأنا ببتسم بمرارة :

— دا السبب اللي خلاني جيت ..


ـ وضحلي قصدك ..


— مراتي هي اللي واجهتني بضعفي ، هي اللي خلتني أفكر في العلاج ، أنا مكنتش عايز اتجوزها ، هي بردو اختيارها وأنا كنت معجب بواحدة تانية بس كالعادة رغبتي ملهاش قيمة .


عقد حواجبه باستغراب :

ـ وايه اللي حصل خلى مراتك تقولك كدا ؟


— البنت اللي كنت معجب بيها اتجوزت ، وقتها حسيت إني بتكسر تاني غير كسرة يوم جوازي ، وكعادة كتير من الضعاف روحت أطلع عصبيتي على اللي أضعف مني ، بس هي كانت أقوى وأحسن .


ـ مراتك عارفة إنك قررت تتعالج ؟!


ابتسمت ابتسامة باهتة ، وكل مشاعر الإمتنان اتجمعت جوايا :

— مراتي معايا برا ، أصرت تيجي معايا علشان تكون جنبي ، لولا تشجيعها ليا بعد توفيق ربنا مكنتش جيت ولا عتبتها .


ابتسم بود :

ـ مراتك باين عليها إنسانة واعية يا مالك ، مش أي حد يقدر يعمل اللي هي عملته ، غيرها كانت ممكن تحول الموضوع لخناقة كبيرة ، بس كون أنها توصل في الأخر إنك تتعالج فدا ذكاء كبير منها .


ابتسامتي وسعت وأنا بمسح دموعي ، وبعترف جوايا بصدق كلامه ، أنا لسه لحد دلوقتي مش مستوعب إزاي لسه بتساعدني .


انتبهت عليه وهو بيكمل كلام :

ـ وأنت يا مالك معدنك كويس ، إنك تسمع لزوجتك وتفكر في كلامها منغير ما تاخدك العزة إنك الراجل ، وأنك تعترف بفضلها وتديها مكانتها الحقيقية في حياتك من أنها تكون الداعم ليك ، والجزء المخفي اللي بتطلع فيه خوفك ووجعك ، هو نضج كبير منك مبيعملهوش كتير من الرجال .


قام من مكانه وهو بيلف يقعد على الكرسي قدامي :

ـ أنت عملت أهم خطوة في العلاج يا مالك وهي الإعتراف ، ووجودك هنا دليل صدقك على رغبتك في التعافي .


ـ مبدئياً مفهوم البر مختلف عن اللي اتعلمته ، وأبسط حاجة أن القرارات المرتبطة بمصيرك مبتكونش على هوى والدتك ، بس استشارة والقرار ليك أنت ، ورفضك لقرارها مش عقوق خالص .


ـ هنتعلم واحدة واحدة أننا نتناقش ونعترض بأسلوب كويس ، وأهم حاجة الثبات على المبدأ ، الموضوع مش هيجي من مرة واحدة ، دا هيحتاج وقت كبير فمهم تكون صبور .


شاور بعيونه ناحية الباب :

ـ وأظن أن هيكون في دافع وداعم قوي ليك خلال الرحلة ، نصيحتي متفرطش فيها .


حولت عيوني للباب المقفول ، وأنا بقول وإحساس الذنب مش مفارقني :

— طيب وهي ذنبها ايه تعيش مع واحد لسه بيتعالج ، دا غير أنها أكيد اتوجعت من أني كنت معجب بغيرها ...تفتكر ننفصل أفضل ولا لأ ؟!


ـ اتناقشت معاها في كدا ولا لسه ؟


اتنهدت وأنا بهز رأسي :

— قولتلها لو عايزة تنفصل ، فأنا هعملها اللي هي عايزاه ..


بصلي لثواني بتفكير :

ـ و ردها كان ايه ؟


— قالتلي مش هتديني رد دلوقتي ، بس أنا مش عايزها تضيع وقتها معايا ، كفاية وجع ليها لحد كدا .


عدل نضارته بروية وبعدين قال :

ـ وهو ايه اللي هيوجعها بعدين يا مالك ؟!


عقدت حواجبي باستغراب :

— هيوجعها إني كنت معجب بغيرها وأنها حست أنها مش مرغوب فيها ومفروضة عليا ..


ـ أنت لسه في عندك مشاعر للبنت التانية ؟!


اتخضيت من السؤال وملامحي بهتت ، حاولت أدور على شعور الحزن اللي كان محاوطني قبل كدا بس ملقتش ، بصيت لعيونه بتوهان :

— مش عارف ... أنا مبقتش أفكر فيها من لما اتجوزت زينب ، بس لما عرفت أنها اتجوزت حسيت بإحساس وحش ..


ـ امم ..وليه بطلت تفكر فيها ؟!


فركت ايدي بتوتر ، وحسيت بالحرج :

— خفت أكون كدا بخون زينب ، ايوا جوازنا شبه انفرض عليا ، بس مقدرش استحمل إني أكون خاين ، لأن أكيد لو هي مكاني كنت هضايق جدا  .


ضحك بخفة فبصتله باستغراب ، وهو بيقول :

ـ مش قولتلك معدنك نضيف يا مالك ، بس محتاج تاخد الأمور ببساطة ومتفكرش كتير ، وسيب الموضوع زي ما مراتك قالتلك ...وركز على علاجك دلوقتي.


بصيت له بهدوء لدقايق ، وهزيت رأسي وأنا بقوم من مكاني وبودعه ، بعد ما راجع معايا أهم خطوات العلاج .


خرجت برا ، وأنا حاسس نفسي أخف مما كنت ، معقول مجرد الكلام يخليني ارتاح ، طيب لو اتعالجت هيبقى شعوري ايه .


مشيت ناحية الكرسي اللي قاعدة عليه زينب ، كانت مركزة في الفون جامد ومش دريانة بحاجة .


— زينب ..


ناديت عليها بهدوء وأنا واقف قدامها ، فانتبهت ليا وهي بتقوم تقف ، ولأول مرة ألاحظ فرق الطول بينا ...دي طلعت قصيرة أوي.


بصتلي بقلق وهي بتركز في ملامحي :

= أنت كويس يا مالك ؟! 


حركت رأسي بابتسامة هادية ، زي هدوء روحي في اللحظة دي ، ومسكت ايديها ومشينا علشان أفسحها زي ما قالت ..


قعدنا في مطعم نتغدى ، كنت لسه غرقان في الجلسة ولسه بفكر في كلام الدكتور ، بس لفت انتباهي نظرات زينب ، اللي كل شوية ترميني بيها ..


— في حاجة يا زينب ؟!


اتعدلت في قعدتها ، وبصت لبعيد وهي بتحاول تتحكم في فضولها :

= لأ مفيش حاجة ، هيكون فيه ايه يعني..


سكتنا إحنا الاتنين ، قبل ما تقول بزهق :

= بقولك ايه خلصني عملتوا ايه ؟ وقولتوا ايه ؟


ابتسمت وقررت مرخمش عليها ، وحكيتلها كل اللي حصل ، باستثناء أخر جزء ، احتفظت بيه لنفسي ..


مدت ايدها وطبطبت على كفي اللي على الطرابيزة :

= المهم أنت ارتحت ...حاسس نفسك أحسن ؟


ابتسمت برواقة تتنافى مع عيوني اللي لسه موارمة :

— مرتاح ..حاسس أن في أمل .


شددت على ايدها وأنا بكمل بامتنان وآسف :

— شكراً يا زينب ، شكراً بجد ...كنت محتاج حد يواجهني مش يشفق عليا ، وأنا آسف لكل لحظة حزن حسيتي بيها ، يعلم ربنا إني من لما اتجوزتك مفكرتش فيها ..


حاولت توقفني ، فضغطت على كفها بالراحة ، وأنا بهز رأسي بنفي :

— سيبيني أكمل ، علشان مش عايزك تفكري إني خونتك ولو حتى مجرد تفكير ..


— من لما اتجوزنا وأنا معاملتي معاكي محدودة ودا مش لعيب فيكي والله ، بس كنت شايف جوازنا مفروض عليا ..ف ..


قاطعتني بهدوء :

= فكرهته ..وشوفتني وضع انفرض عليك .


بصيت في الأرض ومقدرتش أرفع عيني فيها ، أنا اللي خدت من وجعي سبب علشان أوجع غيري ، هي مكانش ليها ذنب في أي حاجة ...غير أنها مراتي .


= اسمعني يا مالك ..


رفعت رأسي بعد ما سمعت جملتها ، وتنهيدتها الطويلة :

= أنا مش هقولك منجرحتش ... لأ انجرحت وزعلت ، ويمكن التصرف المناسب لحالتي أننا ننفصل..


سكتت وأنا سكت ، بس حسيت بإحساس بشع وكأني بتخنق ، أنا بعترف أنها إنسانة كويسة وممكن ملاقيش زيها ، بس مليش عين أطلب أنها تكمل معايا ..


= علشان كدا قراري هو ..


—————


= خلاص يا مالك ..


قولتها بزهق وأنا بطبطب على رأسه اللي على كتفي ، كنا قاعدين على الكنبة وهو محاوطني ، وساند رأسه على كتفي..


رد بغيظ وهو هاين عليه يولع في نفسه :

— يا زينب أنا قولت حاضر بدون تفكير ، تدريب الليالي راح في ثانية ..


هزيت رأسي وأنا بهاوده :

= معلش يا غالي..بكرا هتاخد موقف جامد جمودة..


— أنا كنت ناقص أقولها حاضر من قبل ما تتكلم ..


= مسلمات مسلمات .


— دا أنا الدكتور مصعب هينشل مني ، أنا معترضتش غير مرة واحدة من أصل تلتاشر ، أنا كان ناقص أقول لها أنا بطاطا تحت رجليكي..


رديت بهزار :

= مشوية ولا مسلوقة ..


رفع رأسه من على كتفي ، وبصلي بقرف وقام ناحية الأوضة .


بصيت ناحيته وهو ماشي ، وأنا بفتكر ردي عليه من شهرين ، لما قررت إني أكمل معاه ، وقتها هو اتصدم وأنا كمان ، بس شىء جوايا كان بيحثني على كدا ، ودي كانت أول مرة أفضل إحساسي على عقلي ... واتمنى مندمش .


قومت وراه ، لقيته اتوضى وخرج ، كنا الساعة تلاتة ونص ، بيصيح الساعة تلاتة ونص الفجر المفتري.


طلعت كوفية تقيلة ، ومديتها ناحيته وهو بيلبس الكوتش ، بصلي بطرف عينه وبعدين خدها بقمص .


مشيت ناحية الكومودينو ، وجبت البرفيوم من عليه ، لفيت لاقيته ورايا بيعدل شعره في المرايا ، خدها من ايدي واتكلم من غير ما يبصلي :

— اخلصي اتوضي بسرعة علشان منتأخرش ..


ضيقت عيوني بشك وأنا بسأل بعدم فهم :

= نتأخر ايه يا باشا ، أنت اللي رايح الجامع ..


— ما أنت هتيجي معايا وتصلي في مصلى النساء .


عيوني وسعت بصدمة :

= ليه ؟!


غمزلي بعينه ، وزقني بخفة :

— بيقولوا في واحد قمر هيأم بيهم النهاردة..


رديت بغباء :

= مين ؟


بصلي من فوق لتحت بقرف ، وبعدين سابني وطلع :

— أخلصي يا زينب علشان منتأخرش .


فضلت واقفة لثواني ، وبعدين اتنططت في مكاني بفرحة ، وجريت اتوضى ، طلعتلي إدناء زيتي نفس لون التيشيرت بتاع مالك وعليه خمار أسود ..


طلعت بسرعة ومسكت ايده ، وهو بيضحك على حماسي :

— هتصلي وتستني على ما أبعتلك رسالة وتنزلي ، علشان متقفيش في الشارع ..


حطيت ايدي على رأسي بتحية :

= تمام يا فندم .


هز رأسه بقلة حيلة ومشينا سوا ناحية الجامع ، ناس قليلة خالص كانت في الشوارع والأنوار خفيفة ، والهوا على برودته كان جميل ، هوا الفجر بيكون غير ، بيكون خفيف على الروح .


وصلنا للجامع ودخلت ناحية مصلى النساء بعد ما ودعت مالك ، رميت السلام على الموجودين وقعدت مستنية المؤذن يقيم الصلاة .


سمعت الإقامة واللي كانت بصوت مالك زي ما اتوقعت ، ابتسامتي وسعت وحسيت بالفخر وأنا ببص حواليا ، وعايز أروح لكل واحدة من اللي قاعدين أقولها دا جوزي اللي بيصلي بينا .


اصطفينا للصلاة ، اتنفست بعمق وأنا بستشعر هيبة الموقف ، وبيتردد في دماغي قول ابن القيم (° للعبد بين يدي الله موقفان: موقفٌ بين يديه في الصلاة، وموقفٌ بين يديه يوم لقائه. فمن قام بحق الموقف الأول هُوِّن عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يُوفِّه حقَّه شُدِّد عليه ذلك الموقف . °) .


وقفت مستنية تكبيرة الإحرام ولسان حالي يا رب وفقني للإحسان في الصلاة ثم تقبل ، صلينا ومع كل قيام أستشعر تذللنا لله أنه يهدينا الصراط المستقيم ، وألا نفتن في ديننا مثل غيرنا ، ومع كل ركوع وسجود هو إعلان طاعة وذل وعلم بحجمنا أمام ملك الملوك جل وعلا .


وبمجرد ما خلصنا صلاة وقولنا الأذكار ، رميت نفسي على أرضية المصلى وشعور إني في بيت الله ..بيت سيدي طاغي عليا ، بصيت للحيطان بحب وأنا مش شايفاها مجرد طوب ، بل شيفاها السور اللي بيفصلني عن وحوش الدنيا ، وهنا بس المكان الآمن ... الكل في حضرة الملك آمن ... الكل في حضرة الله آمن .


ثبت نظري فجأة على السقف وأنا بستوعب أن مالك جابني هنا علشان يحققلي اللي نفسي فيه ...هو لسه فاكر دا أنا نسيت .


قطع تفكيري رسالته ، فقومت من مكاني وعدلت هدومي وخرجتله ، قربت ناحيته فمدلي ايده أنجچتها ، وبدأنا نمشي سوا ، وأنا كل شوية أبصله بطرف عيني..


— هتفضلي تبصيلي بجنب عينك كتير ، قولي اللي عندك بدل ما تحولي ..


قال كلامه وهو باصص قدامه منغير ما يبصلي ، فضيقت عيني بشك قال يعني كدا شكلي جدية :

= هو أنت جبتني علشان كنت قولتلك قبل كدا ؟!!


رفع حاجبه بسخرية :

— يااه ..هي الإشارة لسه جاية تلقط ... صباح الفل .


تغاضيت عن نبرة السخرية ، وابتسامتي بقت من الودن للودن :

= كدا فاضل الريس والسفر ..


وقف مكانه بصدمة ، وهو بيبصلي بعيون مذهولة وحواجب هتخرج من وشه من المفاجأة ، بربشت بعيوني ببرائة :

= ايه يا مالك أنا كنت قايلاهم باكيدج على بعض ، هتخنصرني ولا ايه ؟!!


بصلي لثواني بدون رد فعل ، قبل ما يشد رأسي لحضنه بغيظ وهو بيزقني علشان نروح :

— هشحت بسببك ...بس اصبري عليا ، دا إحنا نص الشهر بنقضيه بطاطس وجبنة يا مفترية .


= الاه وأنا مالي ... أنا من حقي أصرف وأدلع ..


— اه وأنا أشقى وأتقطع ..


ضحكت عليه بخفة ، وبعدين رجعت أكلبش في دراعه تاني ، وهو بيبصلي بضيق مصطنع ، بنحاول أن علاقتنا تكون بسيطة وسلسة ، مساحة آمنة مش مصدر للوجع ..كفاية وجع الدنيا لينا .


——————


= أنت فين يا مالك ...كل دا تأخير ؟ أنت قولت خارج من بقالك ساعة ونص أنت فين ؟


سمعت صوتها العالي في التليفون ، عارف أنها قلقانة بس مش مدياني فرصة أرد ، حاولت أوقفها وأنا بقول بنهجان :

— زينب ..


قاطعتني بزعيق :

= بلا زينب بلا عز الدين ، أنا قليت البانيه من بدري وبرد دلوقتي ، وسيبالك البطاطس أنت اللي هتقليها ومـ ...وايه .. أنت بتنهج ليه ؟ أنت كويس حد عملك حاجة ؟!


ضحكت على فزعتها ، بتاخد نص قرن على ما تستوعب ، اتكلمت وعيوني بتدور في المكان حواليا بسعادة :

— زينب أنا بلعب كورة ..


سكون عم المكان ، وثانية والتانية وسمعت صوت عياطها وهي بتقول بسرعة :

= أحلف بالله ..


— والله بلعب مع شباب في النادي أهو..


قالت بسرعة ولهفة :

= طيب بص روح أنت دلوقتي كمل لعب ، بس حاسب لأحسن تقع ، و وخليهم يصوروك متنساش ، ولو عايز تتأخر تمام بس طمني عليك ..


قطعت كلامها وأنا بهديها :

— اهدي ..اهدي خدي نفس ، أنا إن شاء الله مش هتأخر وخليت واحد من الشباب يصورني علشان تشوفيني ...وصحيح البطاطس مين هيقليها كدا ؟!


قولتها علشان أشتتها ، فاتفاجأت بردها :

= يعم ولا يهمك هقليها أنا... إحنا عندنا كم مالك يعني..


— الله يكرم أصلك .


= هتغسل المواعين ..


— حسبي الله .


= يلا سلام يا أبو المماليك..خلي بالك من نفسك .


— سلام ..


قولتها بغيظ اتحول لضحكة حلوة ، وأنا مش مصدق إني بحقق رغبة الطفولة اللي اتمنيتها كتير ، وأن زينب جنبي حاسة بيا ومش بتقلل من مشاعري .


جريت أكمل لعب ، كنت بجري وأنا مش عارف ألمس الكورة حتى بس مبسوط ، بضحك بسعادة حتى لو دخل فينا جون ، مش هاممني شكلي قدام حد ...كل اللي شاغلني هو فرحتي بس .


خلصنا لعب ، لميت حاجتي ومشيت بخطوات سريعة وأنا متحمس أرجع لزينب ، حودت على محل اشتريت لينا شوية سناكس ناكلهم أخر السهرة .


وصلت للبيت وطلعت وأنا بدندن بروقان ، خبطت خبطتين قبل ما أفتح ، دخلت وناديت عليها وأنا بخلع الكوتش ..


— زينب ...زينب أنا جيت .


ثواني وكانت ظهرت قدامي ، عقدت حواجبي باستغراب وأنا شايفها لابسة الاسدال ...كانت بتصلي ولا ايه .


قربت عليها بسرعة وحضنتها بفرحة ، حاسس بحماسة كبيرة :

— أنا مبسوط أوي يا زينب ، كنت بجري زي ما أنا عايز ...حسيتني حر يا زينب .


خرجتها من حضني وأنا بضحك على لعبي :

— مكنتش عارف لا أقطع كورة ولا ألمسها حتى ، ودخل فينا أجوان بالكوم و ... أنت مبتروديش ليه ؟!


قولتها باستغراب وأنا شايفها بتشاورلي بعيونها وأنا مش فاهم :

— ايه اللي حصل ؟


قالت بهمس :

= يا بني آدم مامتك جوا وأنت داخل بتزعق وصوتك جايب أخر الشقة .


بصتلها برجاء أنها تنفي كلامها ، بس هزت رأسها بآسف ، بلعت ريقي بتوتر ومسكت ايدها ودخلنا ، رميت السلام وقربت بوست رأس ماما باحترام .


طبطبت على كتفي بالراحة ، وقعدت جنبها :

— حضرتك عاملة ايه ؟ وأخبار صحتك ايه ؟


ـ الحمد لله بخير ، أنتم عاملين ايه ؟


ابتسمت ابتسامة بسيطة :

— الحمد لله إحنا كويسين ..


سكتنا وحسيت الجو اتوتر ، خصوصاً أن الفترة اللي فاتت اتصادمنا كتير سوا ، بصيت لزينب وقولت بود :

— لو سمحت يا زينب هاتيلنا عصير من جوا ..


قامت زينب وسط اعتراض ماما : 

ـ مفيش داعي يا مالك ..


— لأ يا ماما ميصحش ..


طبطبت على رجلي بحنية :

ـ تسلم يا حبيبي ... ألا قولي يا مالك هو مفيش حاجة كدا في السكة ؟!


ضغطت على ايدي جامد ، وحمحمت بتوتر :

— حاجة ايه يا ماما ؟


ـ عيل يعني يا مالك ، هي زينب لسه محملتش ؟


— لأ يا ماما لسه ربنا مأردش ..


ـ ونعم بالله ..بس بردو ناخد بالأسباب وتروحوا تكشفوا ، أنتم ليكم سنة وشوية متجوزين ، ليكون فيه حاجة .


سكت لثواني وصوت تنفسي بدأ يعلى ، على دخول زينب علينا ، رفعت عيوني ناحية ماما ، وأنا بقول بنبرة ثابتة :

— الحمد لله إحنا كويسين يا ماما ..بس إحنا اللي مأجلين الموضوع..


بانت الخضة في صوتها ، وهي بتبصلي باستغراب :

ـ يعني ايه مأجلين الموضوع ، وهو القرار دا بيتاخد كدا ..


فضلت مثبت عيوني في عيونها لأول مرة ، وأنا بدافع عن حقي في إدارة بيتي زي ما أنا عايز :

— القرار دا مخدتوش في لحظة طيش يا ماما ، أنا وزينب قررنا سوا نأجل الخلفة ، إحنا لسه مش مؤهلين نتحمل المسؤولية دي ، ولا عندنا الوعي الكافي لتربية طفل ..


لوت بقها بسخرية وهي بترد بزعيق :

ـ وهي تربية العيال عايزة ايه يعني ؟ ما أنا خلفت أخوك الكبير وأنا عندي ١٨ سنة ، وربيتكم أحسن تربية ..


بمجرد ما سمعت صوتها العالي حسيت بخنقة ، اتجنبت إني أنبش في الماضي ، وقولت ببساطة :

— وأنا معنديش القدرة دلوقتي إني أربي أطفال ..


بصيت في عيونها بعمق وأنا بكمل :

— دول أرواح هتحاسب عليهم ، لازم اتعلم إزاي أكلمهم وأعلمهم وأربيهم ، إزاي أوجههم من غير ما أذيهم ، وإزاي أنزل بعقلي لمستواهم علشان أفهمهم ..محتاج أتعلم كتير لسه يا أمي .


عيوني دمعت وسط كلامي ، فارتبكت نظرات ماما وبعدت بعيونها عني ، شاورت لزينب وحطيت قدام ماما العصير ، واستمرت الزيارة لوقت قصير ، قبل ما أقوم أوصل ماما للتاكسي اللي طلبته .


عيوني اتعلقت بالتاكسي واتسربلي إحساس بالفخر ممزوج بالحزن ، وأخيراً أنا حر ..


———————


ـ برافو يا مالك .. أنت كدا قطعت شوط كبير في العلاج ، ومتبقاش غير رتوش صغيرة .


كنت قاعد مبتسم بسعادة وأنا سامع إطراء دكتور مصعب عليا ، قربت من المكتب أكتر بحماس :

— بجد يعني أنا كدا اتعالجت ..


ضحك بخفة عليا وهو بيهز رأسه بتأكيد :

ـ بجد يا سيدي ، وتفكيرك عن الأطفال ناضج جداً ، ولو عايز ممكن أرشحلك دورات وكتب يساعدوك ..


هزيت رأسي بابتسامة عريضة :

— أكيد يا دكتور عايز ..


وقفت ثواني أبصله بصمت ، فسألني باستغراب :

ـ فيه ايه يا مالك ؟


مشيت ايدي في شعري بإحراج ، وأنا ببصله بتوتر :

— بصراحة عايز أقولك حاجة ..


ـ متقول يا ابني ..


 فضلت باصصله بتوتر ، وبعدين غمضت عيوني وأنا بقول بسرعة :

— أنا بحب زينب ..


فضلت مغمض عيني ومش سامع صوته ، ففتحتهم ببطء ، لقيته مربع ايديه وبيبصلي بدون تعبير :

ـ وبعدين ؟!


— بعدين ايه ؟! هو مش كدا غلط ، وأنا حبيتها علشان ساعدتني و وقفت جنبي .


ـ هو إحنا بنحب الناس على أساس ايه يا مالك ؟


دورت بعيني في المكان وأنا بفكر ، وبعدين رجعت بصيت له بجهل :

— علشان هما كويسين !!


قلع النضارة وحطها قدامه وهو بيتنفس بعمق ، قبل ما يقول :

ـ بص يا مالك الحب بيكون ليه أسباب ، منها ذاتية ومنفعة متعدية ، يعني طبيعي أحب شخص لأنه أمين وصادق وطبيعي جداً أحب اللي سندني وقت وقوعي ، المغزى أن الحب ليه أسباب كتير ، وأنا واثق إنك بتحب زينب حب حقيقي مش مجرد امتنان .


— وحضرتك عرفت ازاي ؟!


ابتسم بجانبية :

ـ من أول يوم جيت فيه هنا ، وكان واضح إعجابك بقوتها و حكمتها ، ورحمتها وطيبة قلبها ، واتعزز الحب ده بالعشرة وبمساندتها ليك ، بس أنت اللي موسوس حبتين ..


حركت ايدي بعشوائية وعيوني لمعت بحب :

— يعني أنا كدا بحبها بجد ؟!


ـ اه يا سيدي بتحبها بجد ، هتعترف ليها امتى ؟


وداني احمرت بإحراج :

— هو لازم اعترف يعني..


بصلي لثواني بدون كلام كأنه بيترجم الكلام في عقله ، وبعدين زعق بنفاذ صبر :

ـ لأ مش لازم تعترف ، أصلا إحنا عند الكلام الدبش ألسنتنا طولها مترين ، أما عند الكلام الحلو الكويس بينزل علينا الحياء والخجل ..


— ما هو يعني الكلام دا بحسه ممحون في نفسه ، ما أبين لها حبي بالأفعال وخلاص ..


ـ وأنت هتتشل لو اتكلمت ، لسانك هينقص حتة لو قالها بحبك كل شوية ، مستخسر في أقرب الناس ليك كلمة حلوة ...حسبي الله.


سندت خدي على ايدي :

— يعني عايزني كل شوية أقولها يعني ولا ايه ؟!


ـ متقولها كل شوية هي هتاخد من وقتك اد ايه ، مش هياخد ثانيتين على بعض ، بس هتفرق في مودها هي كتير ، طالما نقدر نقول كلمة حلوة بنتعامل شبه الخرس ليه ؟ دا أنت لو بتتخانقوا و قولتها لها هتنسى الخناقة وتنسى الزعل ، وممكن تنساك أنت شخصيا ...


بصتله ببرائة وأنا مش فاهم متعصب ليه :

— خلاص يا دكتور أنا كنت بطلب نصيحتك وهعمل بيها ، ليه العصبية دي ؟


بصلي بقرف ورماني بالورق اللي قدامه :

ـ أطلع برا يا مالك ... أطلع برا يلا .


قومت من مكاني جري ناحية الباب ، وبعدين رجعت بسرعة ناحيته حضنته جامد وبوست رأسه ومشيت ، وهو بيضرب كف على كف مني .


طلعت من العيادة وأنا واخد قرار إني هعترف ، وأقولها لها كل شوية ، دخلت محل ورد واشتريت ورد جميل ورقيق شبهها ..


دخلت البيت بالراحة علشان متحسش بيا ، كانت قاعدة في الأوضة على السرير وباصة قدامها بصمت ، قعدت جنبها بحماس ، ورفعت وشها ليا :

— عايز أقولك حاجة مهمة ..


= وأنا كمان يا مالك ..


عيوني وسعت بسعادة ، معقول تكون عايزة تعترف هي كمان ، عدلتها علشان تكون في مواجهتي :

— طيب نقول سوا ..


هزت رأسها وأنا بدأت أعد ، وعند تلاتة كنا قايلين :

— أنا بحبك .


= أنا حامل .


— ايه !!


= ايه !!


بصتلها لثواني بدون كلام ، وعقلي بيحاول يستوعب " حامل " :

— حامل بجد يا زينب ؟!


هزت رأسها بملامح متوترة ، فبصيت قدامي بذهول ورجعت بصيتلها تاني :

— حامل ..حامل اللي هو بيبي وكدا .


ردت بزهق :

= اه يا مالك ..


— يعني هبقى بابا ..


وعند الحتة دي استوعبت ، زينب حامل في ابننا دلوقتي ، الادرينالين ارتفع في جسمي فجأة وأنا بحضنها بحماس ، ولسه الفكرة غريبة على دماغي ، ايوا كنت لسه هدخل كورسات بس مش مشكلة نتعلم في شهور الحمل ..


ضميتها جامد وابتسامتي كل مدى توسع ، بعدتها شوية وسندت جبهتي على جبهتها ، وبقول بحب :

— مبروك يا حبيبي..


= أنا بحبك .


تمـت .😊


تعليقات

close