رواية جمال العقل و جمال الشكل كاملة بقلم رفيف احمد كامله
رواية جمال العقل و جمال الشكل كاملة بقلم رفيف احمد كامله
أُعجِبتُ بابنة جيراننا ليليان لجمالها الأخّاذ ، منذ أول يوم انتقلَت به مع عائلتها إلى المنزل المجاور لنا ، فكان إعجابي بها دافعاً لأن أدرس بجّد وأتخرج من الجامعة ، ثمَّ أتقدَّم لطلب يدها قبل أن يسبقني شاب إليها .
حمدت الله أنها ليست مرتبطة ، حيث أنَّ أمي تعرَّفت بأمها وعرفت منها ذلك . كنتُ كل يوم أخرج به من المنزل أتمنى أن ألمحها لعلَّ يومي يبدأ بسعادة عند رؤية ذلك الوجه الملائكي ؛ لكن ولسوء حظي كنت أرى ابنة جيراننا جوليا التي بات إعجابها بي واضحاً وضوح الشمس ، حيث أنها كلما طبخت طعاماً أو قامت بإعداد حلويات ، تُحضر لنا طبق وتقول لأمي:
-أتمنى أن يُعجَب وسام بطبخي.
فأصبحت العائلة بأكملها تناديني ، بزوج جوليا المستقبلي ، لكني لم أكن مسروراً بذلك ، فطالما فضَّلتُ الجمال بالفتاة على كل شيء ، حيث أنَّ جوليا كانت ذا مستوى جمال أقلَّ من المتوسط ، مما جعلني كلما لمحتها على درج العمارة أو في الشارع ، أزيح ناظريَّ كي أتجنَّبَ رؤية ابتسامتها التي أصبحَت تصيبني بالاستفزاز ، كوني لم أعطها أيَّ أمل يجعلها تتمسك بي بتلك الطريقة.
ما إن تخرَّجْتُ، حتى طلبْتُ من أمي أنْ تذهب لخطبة ليليان، فقالت :
-ولمَ لا تريد جوليا يا بني، إنها فتاة طيبة القلب وتحب مساعدة الكبيروالصغير ، عدا عن عملها بالجمعيات الخيرية ، و تواجدها بالمقدمة في أي عمل به خير للناس ، غير أنَّها مثقفة تقرأ الكتب بشكل يومي ، على الرغم من انشغالها بمساعدة الناس ودراستها .
فرمقتها قائلاً:
-كل تلك الصفات لا تعنيني، أريد ليليان.
ذهبت أمي لخطبة ليليان ، فكانت فرحة قبولها بي لا تضاهيها فرحة على الإطلاق . تم الاتفاق على حفل الخطوبة بعد أسبوع من زيارتنا لهم. وقامت والدة ليليان ووالدتي بدعوة كل الجيران ، وبالطبع كانت عائلة جوليا من المدعوّين.
باليوم الذي عرفت به جوليا بأمر خطبتي على ليليان ، أتت إلى منزلنا ، وبعد أن فتحت أمي الباب قالت لها :
-خالتي أريد الحديث مع وسام .
-حاضر يا ابنتي .
-وسام ، جوليا تريد الحديث معك .
أُصِبنا جميعاً بدهشة كبيرة لقدومها ، لكني شخصياً كنت أعتقد أنها سترجوني أنْ لا أرتبط بليليان ، وما إن وقفتُ أمامها حتى قالت لي بابتسامة وبهدوء تام :
-أنت تعلم علم اليقين بأني معجبة بك ، وحاولت جاهدة أن أجعلك تبادلني الإعجاب أو حتى تبادر بالحديث معي ، لكن بما أنك فضَّلْت فتاة أخرى عليَّ ، سأخرجكَ من عقلي وقلبي وكأنك لم تكن يوماً ، فمن لا يريدني لا يستحق أن يأخذ ولو جزءاً بسيطاً من تفكيري ، والآن وداعاً .
اتسعت حدقتا عينيَّ من الدهشة، وأنا أقف كتمثالٍ مُحَنَّط ، وبعد أن ابتعدت خطوتين ، عادت وقالت لي بابتسامة ثقة :
-يا إلهي ، لقد نسيت أن أقول لك مبارك خطوبتكما ، وأسأل الله أن يتمم زواجكما بخير ، ويرزقكما أطفالاً تنير حياتكما.
ما إن دخلتُ حتى تعالى تصفير وتصفيق ابن عمي جاد الذي كان يمضي السهرة معنا برفقة أبيه وأمه ، ثم قال :
-كان يجب أن يكون التصفيق لجوليا ، فقد سمعت حديثها معك ، يا أخي إنَّ الفتاة القارئة تملأ دماغي كفنجان قهوة الصباح ، إنَّ ثقتها بنفسها وجرأتها بالحديث معك ، جعلتني أدرك أنك أحمق حينما بدَّلتها بفتاةٍ أخرى .
فضحكت أمي وقالت لجاد :
-إنَّ ابن عمك من الشباب الذين يلهثون خلف الفتاة الفاتنة بشكلها ، لنرى كيف ستكون فترة خطوبته من الحسناء ليليان.
فردَّ جاد قائلاً:
-فعلاً يا زوجة عمي ، وأنا عكسه تماماً فأنا من الشباب الذين يلهثون خلف الفتاة الفاتنة بعقلها ، غير أني لم يكن لي نصيب بأي فتاة على الرغم من أني أكبر من وسام في السن ، لأني لم أُصادف بحياتي سوى شبيهات ليليان ، وهذا بالتأكيد لتكون جوليا من نصيبي ، وطالما ضمنْتُ أنها لم تعد تريد وسام سأتقدم لخطبتها .
فرحت زوجة عمي وأمي ثم قالتا بابتسامة عريضة:
-أنالكَ الله مرادك .
ثم قلت له وأنا عريض المنكبين:
-هنيئاً لكَ بها، فأنا يكفيني من الحياة ليليان ، لأني أعدُّ الدقائق لتتم حفل خطوبتنا ، لكي آخذ رقمها ، ونتعرف ببعضنا أكثر ، حينها فقط أستطيع أن أنام وأصحو بسعادة على سماع صوتها.
…..يتبع
الجزء الثاني:
# جمال العقل و جمال الشكل :
كان يوم خطوبتنا أسعد يومٍ في حياتي ، فقد شعرتُ كأني ملك وبجانبه الملكة ، ننظر إلى بعضنا بعينين تلمعان وكأنّنا أصبحنا مخطوبان بعد قصة حب دامت سنين . لكن لم يُعَكِّر صفو سعادتي لبعضٍ من الوقت سوى جوليا ، فبينما كنتُ جالساً أنا و ليليان ، أقبَلت نحونا ، وصافحت ليليان وقبَّلَتْها، ثم صافحتني وقالت :
-مبارك لكما ، حقاً إنكما تليقان ببعضكما .
ابتسَمت ليليان وتشكَّرتها ، بينما أنا أُصبتُ بدهشة كبيرة لقدومها، ولم أستطع حتى أن أبتسم بوجهها ، فطالما خشيت الفتيات المثقفات اللواتي لهنَّ أدمغة تُدبِّرُ المكائد ، وللحظة خشيتُ بأنَّ جرأتها ومصارحتها لي قبل الخطوبة كانت تمهيداً لانتقامها مني ، وسعيها لتخريب علاقتي بليليان .
جلستُ وعينايَ تنظران نحوها بريبة ، فإذا بجاد أتى وقال لي:
-أريدكَ جانباً .
ابتعدنا قليلاً عن مصدر الضجيج ، ثم قلت له :
-ماذا تريد ؟!
-لم يسبق لي وأنْ تكلَّمتُ مع جوليا ، فقد رأيتها بضع مرات عندما فتحْتُ الباب لها ، وكان ذلك فقط بالأوقات التي أحضرَتْ أطباق الطعام لك ، راجيةً أنْ تنال إعجابك.
فقلت له بنبرة ضيق:
-بحقكَ يارجل ، أهذا الوقت المناسب لحديثك عن جوليا ، اختصر وقل ماذا تريد .
-بما أنك أخذْتَ استراحة من الرقص أنتَ ومخطوبتك، أريدكَ أن تُعرّف جوليا بي ، لعلَّ هذه الليلة تكون المُقَدِّمة لخطوبتنا لاحقاً .
حلَّقَ قلبي فرحاً لكلامه ، وقلت في قرارة نفسي:
هذه الفرصة المناسبة لاُقرِّب جاد من جوليا .
ابتسمتُ لجاد وقلت له:
-على الرحب والسعة يا ابن العم ، فيوم المنى هو اليوم الذي أراكَ بهِ عالقاً بشباك الحب، التي ستُدْخِلُكَ لقفص الزوجية الأبديّ.
أمسكته من يده ، ودخلنا بين الحضور وأنا أبحثُ عن جوليا ، فرأيتها تتجه نحو ليليان ؛ حينها جَمِد الدم في عروقي خوفاً من أن تكون شكوكي نحوها صحيحة ، فناديتها بأعلى صوتي:
-جوليا ، جوليا .
فالتفَتت نحوي ثم قالت بدهشة :
-وسام ! هل تركْت خطيبتك ، من قبل أنْ تنتهي حفلة الخطوبة ؟!
ثم ضحكَتْ لاعتقادها بأنها قالت فكاهة ، فإذا بجاد يضحك معها ، فرمقتهما بنظرة ضيق وأنا أقول في نفسي:
وافقَ شنٌّ طبَقَة ، فكلاهما يفتقدان لروح الدعابة.
ثم قاطعتُ ضحكهما وقلت :
-ابنة جيراننا العزيزة ، هذا ابن عمي جاد ، عاشق لقراءة الكتب ، وعضو دائم المساعدة بكافة الجمعيات الخيرية في المدينة ، وعلى الرغم من انشغاله، لا ينقطع يوماً عن فعل الخير، وحتى مع تعبه يغفو بشكل يومي والكتاب على وجهه ، أي أنه نسخة أخرى عنكِ ، أرجو أن تمضيا الوقت معاً ولا تقاطعانني أنا وليليان.
ثم هرولتُ لحبيبتي دون أن أنتظر رد جوليا ، وأنا أقول في قرارة نفسي:
إنْ كانت تخطط أنْ تنتقم مني كوني تجاهلتها ما يقارب السنتين ، سيكون تعارفها بجاد وخطوبتها منه مانعاً لحدوث فراق بيني وبين ليليان ، فأنا على يقين أنَّ الفتيات الجميلات لطيبة قلوبهنّ ، سيِصَدِّقْنَ أيَّ شيء يُقال لهن ؛ فربما تقوم جوليا بالخبث والكذب على ليليان ، كأنْ تقول لها بأنَّ وسام تركني عندما وجد فتاةً أجمل مني ، حينها ستخشى ليليان الزواج بي وحتماً ستتركني .
وفجأة خَطَرَ ببالي الكلام الذي قلته أمام جوليا ، فابتسمتُ وقلت :
سامحني الله على الكذب ، كوني بالغتُ كثيراً بمديحِ جاد.
بعد أن عرَّفْتُ جوليا بجاد ، اطمأنَنْت أنَّ جاد لن يدعها وشأنها طوال حفلة الخطوبة دون أن يضمن قبولها به ، كي يأتي مع عائلته لخطبتها ، مما جعلني أمضي الحفلة وعينايَ غارقتان بحبيبتي وكأنَّ لا أحد سواها بالمكان.
بعد انتهاء حفلة الخطوبة ، تبادلنا الأرقام أنا وليليان ، ثم عاد كل منا مع عائلته إلى المنزل . ما إن دخلنا حتى أرسلتُ لها أبيات شعر برسالة ، وانتظرْتُ ردها الذي صدمني عندما رأيتُ كلمة شكراً فقط دون أي كلمة أخرى ، لكن سرعان ما رجَّحتُ ذلك لخجلها.
في صباح اليوم التالي صحوتُ على صوت جاد يُكلِّم أمي فقفزتُ مذعوراً خشية أن تكون جوليا قد رفضَته ، مما يعني أنها قد وضعَتْني برأسها ، وقبل أن أخرج لكي أراه ، رأيته قد اقتحم غرفتي والابتسامة تغمر وجهه ، ثم قال:
-بعد أن أمضيت طوال الوقت برفقة جوليا وتبادلنا أطراف الحديث ، أخبرتها أني معجب بها وأني أودُّ خطبتها ، فوافقت.
كان ذلك ثاني أجمل خبر سمعته في حياتي، فعانقته وهنئته من صميم قلبي ، ثم قلت له:
-متى ستأتي برفقة عائلتك لخطبتها ؟!
-أخبرتُ أمك تواً أنَّ أمي ستأتي في وقت الغذاء لتتفق معها، ومن فرحتي أتيتُ بنفسي لأخبركم.
-أرجو الله أن يتمم زواجك بها على خير ، والآن أخرج أريد أن أتحدث مع خطيبتي.
اتصلتُ بليليان مراراً وتكراراً لكنها لم تجب ، فرجَّحتُ ذلك أنَّ هاتفها بوضع الصامت و لم تصحو بعد ، وأنها حالما تصحو ستقوم بالاتصال بي على الفور ،مما جعلني أرسل لها رسالة كتبت بها :
حبيبتي أشرقت الشمس بنور وجهك ، ومع ذلك لن يبدأ يومي إلا بسماع صوتك.
تناولنا الفطور مع جاد ، ثم ذهبتُ برفقته لإحضار حاجيات الغداء قبل قدوم أمه ، وبسبب تسكعنا لم نعد إلا بعد الظهيرة بساعتان ، كونه أمضى الوقت وهو يصف جمال أفكار جوليا، ولباقتها بالحديث ، ورزانتها التي لن يجدها إلا بامرأة مثقفة ناهزَت الأربعين .
توقَّعت أن أرى مكالمات ورسائل من ليليان لكني لم أرى ولا مكالمة واحدة أو حتى رسالة ، وقبل أن يتملَّك الضيق قلبي أرسلَتْ رسالة ، كتبت بها:
مساء الخير وسام ، أعتذر عن عدم الرد ، كون هاتفي صامت وطوال اليوم لن أستطيع الرد عليكَ أو الحديث معك لانشغالي.
برغم برود ردِّها ، لكني حمدت الله أنها بلَّغتني بوضعها ولم تتجاهلني طوال اليوم .
ما إن دخلَتْ زوجة عمي ، حتى اتَّفقت مع أمي على تحديد يوم الخميس موعداً لزيارة أهل جوليا ، فانتفضْت وقلت :
-الخميس يعني بعد ستة أيام ، لماذا لا تجعلوها في الغد ، اتَّصِلوا بعائلتها الآن وأخبِروها.
فضحكوا جميعاً ، وقال جاد مندهشاً:
-ولماذا هذا الحماس الزائد وكأنك العريس؟!
فقلت بتلعثم :
-أريدكَ أن تسير بأسرع وقت نحو قفص الزوجية .
ثم قلت بقرارة نفسي :
بل أخشى أن يحصل أمر ما بالستة أيام ، يبعدكَ عن جوليا.
فقالت أمي :
-وسام على حق ، خير البرِّ عاجله .
فقامت واتصلت بأم جوليا وأعطت الهاتف لزوجة عمي ، وبعد إلقاء التحية والسلام ، اتفقوا على القدوم في الغد لخطبة جوليا لجاد .
غمرت السعادة قلبي كجاد ، عندما وافَقَت عائلة جوليا عليه ، وتم تحديد موعد حفلة الخطوبة بعد عشرة أيام . أمضيتُ ثلاثة أيام أُرسِلُ بها رسائل لليليان من الصباح إلى المساء ، منها ما اطٔمَئِنُّ بها عن حالها ، ومنها ما أكتب بها أبياتاً من الشعر، لكنها لم تكن تجب إلا بكلمة شكراً أو بخير ، مما جعلني أمتعض من ذلك الوضع وأبدأ بالشَّكِ عما إن كان هنالك أمر مريب يحدث معها .
في اليوم الرابع ، عندما عدتُ إلى المنزل ، رأيتُ جوليا قد خَرَجت من منزل ليليان ثم عانَقَتا بعضهما عناق الصديقات اللواتي أمضَيْنَ عمراً مع بعضهنّ . حينها اشتعلتُ غيظاً من جوليا، ثم قلتُ في قرارة نفسي:
-حتماً معاملة ليليان الباردة لي ، سببها جوليا .
جعلني ذلك أتراجع إلى الخلف بضع خطوات ، وأختَبِئُ بجانب سور السلم ، وما إن أغلقَت ليليان الباب ، ونزلت جوليا حتى أوقفتها قائلاً:
-تبقّى ستة أيام على خطوبتكِ لابن عمي ، ولا أزال عالقاً برأسكِ.
فقالت لي وهي مُقَطَّبة الجبين :
-ماذا تقصد ؟! ، ومالذي أوحى لكَ أنَّكَ عالقٌ برأسي؟!
-ليليان التي كانت يجب أن تتحدث معي في صباح اليوم التالي لخطوبتنا ومن الصباح إلى المساء ، لم تتكلم معي إلا مرات معدودة وبضع كلمات ، وكل ذلك لا أرى سبباً له سوى أنكِ قمتي بتحريضها ضدي عن طريق افتراءاتك عليَّ بأني أحببتكِ وتخليتُ عنكِ لأجلها ، وذلك فقط لتنتقمي مني على تجاهلي لكِ.
حينها ضحِكَتْ وقالت :
-والله لم أجد بحياتي شخصاً على أرض الواقع ذا مُخيِّلة واسعة مثلك ، يجب عليك أن تجرب كتابة القصص والروايات ، ستصدقني ستلاقي كتاباتك رواجاً كبيراً.
فقلت محتداً:
-جوليا ، أنا لا أمزح .
-وسام ، تصفَّح رسائلك من الآن إلى المساء ، وابقَ منتبهاً لرنين هاتفك ، وعندما تشعر بالسعادة عليك أن تعرف أني سببها .
ثم هرولَتْ إلى المنزل وأنا واقف مكاني أحاول فهم قصدها ، وما إن دخلتُ إلى المنزل حتى بدأ هاتفي برنين نغمة الرسائل، فإذا بها رسائل متتالية من ليليان ، تعتذر بها عن تقصيرها معي وتسألني عن حالي ، وعن هواياتي المفضلة ، والكتب التي أُفَضِّل قراءتها ، وبينما أنا غارقٌ بدهشة في قراءة الرسائل التي لمستُ بها اهتماماً كبيراً ، رنَّ هاتفي فإذا به رقمها ، وما إن أجبتُ على اتصالها حتى قالت لي بنبرة رقيقة:
-وسام ، لقد أرسلتُ لكَ خمسون رسالة منذ خمسة دقائق ولم تُجِب إلى الآن ، يا تُرى ما السبب ؟! .
ثم ضَحِكَتْ بِرِقَّة ،حينها ضَحِكْتُ من صميم قلبي ، وبعد أن طلبتُ منها إنهاء الإتصال لكي أعاود الاتصال بها ،أمضينا ساعة كاملة نتكلم بها عن الأشياء التي نحبها ونكرهها ، وبعد ذلك استأذَنَتْ أن تُنهي الاتصال ، فتمدَّدْتُ على السرير ثم أصبحتُ أتخيل كيف ستصبح حياتنا في المستقبل مملوءة بالحب والتفاهم ، وفجأة تساءلتُ عن تبدُّل حال ليليان ، ثم أتى ببالي كلام جوليا ، لكن سرعان ما قلتُ :
-لا يهمني سبب تبدل حالها طالما أنها أصبحت تتحدث معي براحة ،و كأنها حبيبتي منذ سنين .
لكن بعد زواجي من ليليان بأشهر قليلة ، تمنَّيْتُ لو أني سألتُ جوليا عن قصدها ، وعرفتُ منها سبب التبدل المُفاجِئ لحال ليليان .
في ليلة خطوبة جاد وجوليا ، قالت لي ليليان :
-مع أني لم أعرف جوليا إلا منذ فترة قصيرة ، لكني أخبرتها بما يؤلمني وكأني أعرفها منذ سنين ، وأتمنى لها السعادة مع جاد من كل قلبي .
فقلت لها:
-لا تنخدعي بمظاهر الناس ، ولا تعطي سرك لأحد ، ثم ما هو الشيء الذي يؤلمكِ وأنا لا أعرفه ؟!
فقالت بتلثعم :
-أمور تخص البنات .
لم أرغب حينها بالإلحاح عليها لتخبرني بسرها ، كي لا تشعر بالنفور مني .
أمضيتُ خمسة عشر يوماً ، أتكلم بها مع ليليان بشكل يومي، حيث أنها لم تنقطع عني أو تتأخر في الردِّ على رسائلي ؛ إلى أنْ طلب أباها مني القدوم للحديث بأمر هام ، وبعد أن ذهبتُ وأنا أتساءل عما يريد ، أخبرني أنه يريد أن يُقدِّم موعد حفل الزفاف ، بأن يكون بعد ثلاثة أشهر عوضاً عن ستة ، لاضطراره السفر للعمل بمدينة أخرى ، والانتقال مع زوجته للعيش فيها . حلَّق قلبي فرحاً ، كوني شعرتُ أنَّ الأيام ببعد ليليان تمضي ببطء.
وبسبب انقطاع جاد عن زيارتنا في الخمسة عشر يوماً ، قررتُ أن أذهب بنفسي لإخباره بذلك الخبر المفرح ، وسؤاله عن سبب انقطاعه ، وبعد أن هنأني قال لي بضيق:
-برغم سعادتي بجوليا ، لكن انشغالها عني جعلني أشك بأنها لا تزال تفكر بك ، كوني كلما أردت محادثتها بشكل مطوَّل تنهي الحوار وتعتذر بحجة أنها مشغولة .
اتسعت حدقتا عينيَّ من الدهشة لصراحته، ثم قلت له:
-لو كانت تفكر بي ، لن توافق على الخطوبة منك .
-ولماذا لا نقول أنها ارتبطت بي لتنساك ؟!
حينها قلت بضيق:
-جاد ، ما رأيك أن تسألها وتدعنا نخرج من دوامة التساؤلات؟! لكن لا تنسى أن تخبرني بردها .
بعد أن أمضيت وقتاً معه ، عدت إلى المنزل وأنا أخشى أن يكون كلامه صحيحاً ، ولم تمضِ بضعة ساعات حتى اتصل بي وقال بصوت يضحك:
-أشكرك من صميم قلبي على اقتراحك ، فقد سألتها عن سبب انشغالها عني فأجابت بعد اعتذار مطوّل ، بأنَّ الجمعية الخيرية أخذت كامل وقتها في الفترة الأخيرة إلى جانب دراستها المكثفة كون هذه السنة هي سنةُ تخرجها ، ووعدتني بأنها ستبحث عن فتاة تساعدها في الجمعية ، لكي تمضي وقتاً أطول في الحديث معي ، والتعرَّف ببعضنا أكثر كون زفافنا سيكون حال تخرجها، أي بعد زفافكما بثلاثة أشهر .
حمدت الله أنَّ علاقتهما ستسمر، وأنَّ لا شيء يشوبها ،غير أني سعدت كثيراً كون جوليا مشغولة لدرجة أنها لن تفكر بتحريض ليليان ضدِّي ، إلى أن اكتشفتُ متأخراً بأنَّ جوليا كانت هي السبب بزواجي من ليليان .
…. يتبع
الجزء الثالث والأخير :
# جمال العقل و جمال الشكل:
أمضَينا الخطوبة كجميع المخطوبين ، حيث أننا تحادثنا كل يوم وزرتهم كل أسبوع ، و بعد أن تمَّ الزفاف سافر والدا ليليان للاستقرار في المدينة المجاورة لنا .
مضى أوَّل شهرين براحة لا مثيل لها، إلى أن بدأت ليليان تتغير معاملتها معي ، كطريقة كلامها التي أصبحت جافة بعد أن كانت نبرة صوتها تشعُّ بالدفء والحنان ، وكلما حاولتُ أن أقترب منها وأمازحها كانت تنتفض من مكانها كمن أُصيبَ بصاعقٍ كهربائي ،ثم تقول بضيق شديد:
-وسام ، دعني وشأني ، فلست في مزاج يسمح لي بتحمُّل أحد.
في كل مرة كنتُ أنظر لها بصدمة كبيرة ، تجعلني غير قادر على النطق بكلمة ، فأنسحب لغرفة أخرى وأدعها بضعاً من الوقت وحدها ،كي تهدأ ثم أسألها عن سبب ضيقها لكنها تُجيب:
-لا شيء ، ألا يحق للمرء أن يتضايق بلا سبب؟!
بعد مضيّ شهر ، رجَّحْتُ سبب تبدِّلها بأنها مشتاقة لوالديها ، فاقترحْتُ عليها أن نذهب لزيارتهما أسبوعاً كاملاً ، لكنها ردَّت بضيق :
-لا أريد رؤية أحد .
حينها طفحَ بي الكَيل فقلت لها بغضبٍ حاولْتُ إلجامه :
-مابكِ؟! ، ماالذي جعلكِ تتغيَّرين معي لهذه الدرجة ، أيعقل أنكِ ندمتي على الزواج بي ، وأنك تريدين الطلاق ؟!
حينها صرخَت قائلة:
-نعم ، ندمت ، وزواجي منك كان سببه جوليا .
شعرت كأني تلقَّيتُ سكيناً بقلبي ، وأنا أقول :
-لم أفهم !
-أتذكُرعندما كنا بخطوبة جاد وجوليا ، عندما أخبرتُكَ بأني قلت لجوليا عما يؤلمني ؟!
-نعم ، أذكر .
-كان الذي يؤلمني أنَّ خطيبي السابق قد تخلى عني بعد شهر من خطوبتنا ، والسبب أنَّ حبيبته السابقة قد عادت له ، ولأني كنت أهيم به عشقاً ، كان فراقه أكبر صدمة تعرضت لها في حياتي، فقد كنت أحبه منذ أول سنة لنا في الجامعة ،وكنت قد اعتقدت بأني نسيته، لكن بعد أن تمت خطوبتنا أنا وأنت ، رأيته في الشارع صدفة ، وعندما التَقَت عيوننا شعرت حينها أني لا أزال أحبه.
حينها قلت بغضب :
-وما دخل جوليا ؟!
-جوليا قد قالت لي بأنَّ خطيبي السابق لا يستحقني ، وأني يجب أن أكون مع الرجل الذي يرغب بي من كل قلبه ، وأني لن أجد رجلاً يقدِّرني ويحبني مثلك أنت ، وهذا الذي جعلني أستمر بعلاقتي معك ، وجعلني أشعر بالانجذاب إليك ، فأيقنتُ أني سأحبك بعد الزواج .
فصرخت قائلاً:
-وماالذي استجدَّ إذاً ؟!
-لم أستطع أن أحبك ، وشعوري نحوك وارتباطي بك كان فقط لأنسى خطيبي السابق.
حينها انهمرت دموعي دون أن أشعر ، فقلت لها :
-هل أفهم من كلامكِ أنكِ تريدين الطلاق ؟!
-أتمنى ذلك ، لكن أبي لن يقبل بطلاقي بهذه السرعة ، دعنا نكمل السنة ثم نتطلق.
عشنا مع بعضنا كالأغراب منتظرين مرور السنة للطلاق ، وبعد زواج جاد وجوليا بثلاثة أشهر ، سألتُ جاد :
-هل أنت سعيد مع جوليا ، أم أنَّ علاقتكما قد اختلفت بعد الزواج؟!
فردَّ قائلاً:
-والله يا ابن العم ، لا يزعجني شيء بعلاقتي بها سوى أني من آخر أولوياتها ، حيث أنها مهتمة بالتحضير لدراساتها العليا ، وبالجمعيات الخيرية ومساعدة الناس ، لدرجة أنها تصل لآخر اليوم قائلة:
-حبيبي ، اشتقت لك ، كيف حالك ؟! وكيف أمضيت يومك ؟!
وما إن افتح فمي لأخبرها كيف قضيت يومي حتى تقول لي:
-أعتذر حبيبي ، فأنا منهكة أريد النوم ، دعنا نتحدث في الغد.
سرحت في خيالي وأنا أفكر بجميلة العقل وجميلة الشكل ، وللحظة شعرت بالندم أني ضيَّعت جوليا مني ، ثم تذكرت كلام ليليان ، عندما قالت بأنّ جوليا السبب باستمرارها معي مما جعلني أطلب من جاد أن يأخذني للجمعية التي تعمل بها جوليا ، فذهبنا وقلت لها أمام جاد :
-أختي ، أعتذر عن سوء نيتي تجاهك ، فبعد الخير الذي فعلتيه معي أدركت أنه لا يجب على المرء أن يعامل أي أحد بسوء ظن .
ثم أخبرتهما ما جرى بيني وبين ليليان، ورجوت جوليا أن تقنع ليليان بعدم الطلاق ، فقالت :
-منذ اللحظة التي خطبت بها ليليان،أصبح شعوري نحوكَ أنك أخي الذي لم تنجبه أمي ، لأنك إنسان محترم ، لم تستغل إعجابي بك لغايات سيئة كما يفعل أغلب الشبان ، بل تجاهلتَني لكي لا أتعلق بك دون أمل ، وعندما أخبرتني ليليان أنها تريد أن تنهي علاقتها بك ، كانت أخلاقكَ الحسنة هي السبب بأني أقنعتها أن تستمر معك ، ووعد مني بأني سأقنعها أن تنتزع فكرة الطلاق من رأسها.
استطاعت جوليا أن تُقنع ليليان بعدم الطلاق، فعادت علاقتنا كالسابق ، لكن الكلام الذي قالته ليليان جعل بقلبي ندبة اعتَقَدْتُ أنَّ السنين لن تمحوها .
إلى أن حملت ليليان بابنتنا الأولى وقررت أن تسميها جوليا، لأنها السبب الذي جعلنا نستمر مع بعضنا ، حينها شُفِيَت تلك الندبة كأنها لم تكن ،وبعد أن احتَضَنّا ابنتنا، أصبحنا نسعى أن نجعلها نسخة أخرى من جوليا بجمال عقلها ، إلى أن اكتمَلَت سعادتنا عندما سمعنا أنَّ جوليا وجاد ينتظران مولودَيهما التوأم وسام وليليان .
بعد أن ولَدَت جوليا ، أصبحنا أنا وليليان نتدخل دوماً لحل المشاكل بينها وبين وجاد ، والذي سببه انشغالها عنه وعن الأولاد ؛ وبالمقابل تدخَّلت جوليا وجاد للصلح بيني وبين ليليان مراراً وتكراراً، بسبب افتعالها للمشاكل وطلبها المستمر للطلاق ، كوني لم أسمح لها بالعودة إلى العمل بعد الولادة كي لا تنشغل عني وعن ابنتنا ، مما جعل جاد يطلب من جوليا أن تصبح كليليان ، وليليان تطلب مني أن أصبح كجاد الذي يتحمَّل انشغال جوليا عنه وعن وَلَدَيه .
….. انتهت


تعليقات
إرسال تعليق