رواية مغرم مجنون الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم خديجه احمد حصريه
رواية مغرم مجنون الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم خديجه احمد حصريه
#مغرم_مجنون
البارت السادس
قعدت تبص في إيدها، والدم لسه ناشف على أطراف صباعها، لكن قلبها كان مولع أكتر من أي وقت فات.
إحساس غريب... بين الصدمة والخوف والحزن.
ليه دلوقتي؟! بعد كل السنين اللي حاولت تنسى وتستحمل، ليه الدموع دي لازم ترجع دم؟
قلبها كان بينفطر، مش بس من وجع مصطفى والذكريات،
لكن كمان من إحساسها بالعجز، إنها مش قادرة تتحكم حتى في جسمها.
الدمعة التانية نزلت، ومعاها كأن كل وجعها القديم رجع ينبض في صدرها.
زعلت، زعلت من نفسها، من جسمها، من الحياة، من كل حاجة.
وكأنها اكتشفت إن بعض الحزن بيستمر حتى لو حاولت تهرب.
راحت هاجر لحمام غرفتها، غسلت وشها من آثار الدم، وحسّت كأنها بتمسح معاها كمان أثر كل التوتر والغضب اللي جوّاها.
قلبها كان مليان خوف وترقب، بس قررت تاخد بنصيحة الدكتورة، وتحاول تصالح راكان، حتى لو خطوة صغيرة.
نزلت من السلم بخطوات هادية، لكن الدنيا كانت ساكتة جدًا حوالينها.
مامتها في الشغل، وجوز مامتها برضه مشغول، والبيت كله غارق في صمت.
اتجهت نحو أوضة راكان، كل خطوة فيها إحساس مختلط بين القلق والخوف والأمل.
فتحت الباب بهدوء… ولقته نايم على السرير، وشه مرتاح، وأنفاسه ثابتة.
هدوءه كان شبه سكينه تقطع خوفها، لكنها حسّت كده لأول مرة… يمكن دلوقتي يكون وقتها تواجه نفسها وتواجهه.
قربت هاجر منه على السرير، قلبها بيدق بسُرعة.
ملست على شعره بهدوء،و بحذر شديد، عشان ما يصحّاش من النوم.
عيونها بدأت تدمع، والدموع سايبة أثرها على خدها، وهمست بصوت ضعيف مليان ندم:
– أنا… آسفة… آسفة على كلامي معاك اللي دايمًا دبش… آسفة على قلة ذوقي معاك… آسفة إني دايمًا بعاملك وحش…
(أخذت نفس عميق، ودموعها بتنزل أكتر)
– أنا بس… لما بتضغط أو بخاف، بعمل حاجات مش عارفة عواقبها… عارف؟ انا جبانة أوي… كنت جاية أعتذرلك… بس قبل ما أدخل الأوضة بالضبط، قولت هاجي أنكشك وخلاص… أنا آسفة لو جرحتك بكلامي أول مره اتقابلنا فيها.
قامت بسرعة، وهي حاسة بارتباكها كلّه بيطلع في خطواتها، ناوية تمشي بعيد عن السرير… عن اللحظة… عن كل حاجة.
وفجأة، حسّت بإيد بتمسكها!
شدّت عليها برفق، بس في نفس الوقت بحزم، وبصّ لها بعينيه اللي فيها مزيج من الغضب والحيرة، وصوته واطي لكنه حقيقي:
– ما تمشيش…
وكمل بضحكه: لسه معرفتش مين مصطفى.
قفّت، قلبها بقى متلخبط من التوتر والخوف والارتباك، مش قادرة تقول كلمة.
البسمة ارتسمت على وشها، كانت بسيطة بس طالعة من القلب، كأنها أول مرة تبتسم بارتياح من فترة طويلة.
بصّت له وقالت بصوت خفيف فيه شوية دعابة وشوية خجل:
– عندك وقت كفاية تسمع الحكاية؟
راكان، وهو لسه ماسك إيدها، ابتسم ابتسامة صغيرة فيها مزيج من الهدوء والحنين، وقال بنبرة هادية:
– معاكي للصبح.
ضحكت بخفة، دموعها لسه سايبة أثرها، وقالت:
– حيث كده بقى… كوبايتين شاي ونرغي للصبح.
ضحك هو التاني، والجو اللي كان متوتر من شوية بقى دافي ومليان راحة.
بعد شوية، كانوا قاعدين في المطبخ، على الكاونتر بتاع المطبخ الأمريكي.
الإضاءة كانت دافية، وكوبايتين الشاي قدامهم، البخار طالع منهم بهدوء كأنه بيحكي قصة هو كمان.
هاجر أخدت نفس طويل، وتنهيدة خرجت معاها كأنها بتطلع تعب سنين:
– بص يا سيدي… مصطفى دا كان خطيبي.
اتخطبت له قبل ما أسافر المنحة.
أنا… عصبية أوي.
بتعصب بسرعة وبتكلم بطريقة ممكن توجع اللي قدامي من غير ما أقصد.
هو الصراحة… كان بيستحملني.
سكتت لحظة، ومسحت دمعة خفيفة خانتها وهي نازلة على خدها:
– بس كل واحد ليه طاقته… وهو طاقته خلصت.
تعب، تعب مني ومن عصبيتي…
بدأ يقلّ اهتمامه، وبدأ يكلّمني قليل، ويبعد…
وأنا كنت… بشحت منه الاهتمام، بحاول أرجّعه بالكلمة، بالنظرة، بأي طريقة.
راكان فضل ساكت، عينه عليها، بيشوف الوجع اللي بتحكيه،… ما حاولش يقاطع، ولا يواسي.
هو بس… كان بيسمع.
تنهدت تنهيدة وجع، فيها استسلام أكتر من حزن، وقالت:
– لغاية ما في يوم… واجهته.
قولتله لو مش قادر تكمل، قولي، بس متسيبنيش كده…
وفجأة لقيته بيقولي: "أنا آسف… أنا مش هقدر أكمل."
نظرت قدامها في صمت، والإيد اللي كانت ماسكة الكوباية بترتعش خفيف.
كملت هاجر بصوت واطي، فيه بقايا وجع مالوش ملامح:
– مكنتش متخيلة إنه ممكن يقولها…
بعد العِشرة اللي بينا، وكل حاجة حلوة عشتها معاه،
متخيلتش إننا نبعد كده، فجأة، من غير حتى ما نحاول.
عيونها لمعت وهي بتبص في الفراغ، كأنها شايفة الذكريات قدامها على شاشة المطبخ،
– كنت فاكرة إننا هنعدّي أي حاجة…
بس الظاهر إن الحب لوحده مش كفاية.
راكان حس بخنقة في صدره، مش عارف يقول إيه.
نظرة واحدة ليها كانت كفيلة توصله وجعها كله.
مد إيده ناحية كوباية الشاي، بس ما شربش.
كل اللي عمله إنه قال بهدوء:
– يمكن ربنا كان شايف إن وجع البُعد أهون من وجع الاستمرار.
هاجر وهي بتبص ف كوباية الشاي اللي قدامها، صوتها واطي جدًا:
– جايز.
سكتت ثواني، والهدوء بقى تقيل ف المطبخ لدرجة إن صوت المعلقة وهي بتخبط في الكوباية كان باين.
راكان بصّ لها بتردد، كأنه مش عايز يسأل بس السؤال خرج غصب عنه:
– لسه بتحبيه؟
هاجر خدت نفس طويل، وبصّت ف الأرض شوية قبل ما ترد:
– مش بحبه... ومش بكرهه.
كأنها كانت بتختار كل كلمة بعناية، كأنها بتحاول تفهم نفسها وهي بتتكلم.
– هو بقى بالنسبالي حاجة كانت... مش موجودة دلوقتي، بس سايبه أثر.
عارف لما وجع يخفّ بس يفضل مكانه ف القلب؟ هو كده بالظبط.
راكان بصّ لها، وهو حاسس إن الكلام ده مش عن "مصطفى" بس،
ده عن كل حاجة وجعتها وسكتت.
ابتسم بخفة وقال بهدوء:
– يمكن الأثر ده هو اللي بيعلمنا نحب صح بعد كده.
هاجر بسرحان: ممكن
بعد ما خلصت قعدتها مع راكان، اليوم عدى هادي… من غير أي أحداث جديدة، بس جواها كان في دوشة مش ساكتة، أفكار رايحة جاية ومش عايزة تهدى.
تاني يوم، صحيت على صوت المنبّه، جواها إحساس إنها محتاجة تبدأ من أول وجديد، يمكن الجلسة مع الدكتورة تساعدها تشوف نفسها بوضوح.
قامت، لبست لبس بسيط، شعرها سيبته على طبيعته، خدت شنطتها ونزلت، لكن قبل ما تطلع من باب الأوضة، موبايلها رن.
بصت ع الشاشة… “بابا”.
قلبها اتقبض لحظة، يمكن لأنها كانت محتاجة حضنه أكتر من أي وقت.
ردّت وهي بتحاول تخلي صوتها طبيعي:
– ألو يا بابا.
صوته جه دافي :
– إزيك يا هاجر، عامله إيه يا بنتي؟ طمنيني عليك.
ابتسمت بخفة، بس ابتسامتها ما وصلتوش، وقالت:
– الحمد لله يا بابا، أنا كويسه.
سكتت ثواني، وبعدين خرج السؤال اللي كان واقف في حلقها من يوم ما عرفت:
– حضرتك كنت تعرف إن ماما اتجوزت؟
الصمت اللي جه بعدها وجعها أكتر من أي إجابة.
عرفت من سكوته… عرفت إنه كان عارف.
حست بسكين بيدخل في قلبها ببطء، وقالت بصوت مهزوز:
– ليه؟ ليه يا بابا؟ ليه تخبي عني حاجه زي دي؟
صوته جه مكسور، فيه ندم وحنين وكسرة راجل اتعب من الدنيا:
– يعلم ربنا يا حبيبتي إني مكنش هدفي اني اخبي عليكي… أنا قولت ما ادخلش بينك وبينها. هي لو كانت عايزه تقولك، كانت قالت.
هاجر قعدت على أول كرسي قابلها، الموبايل في إيدها بس إيديها بتترعش.
الدموع كانت بتتجمع ف عينيها بس بتحاول تمسك نفسها، وقالت وهي بتهمس:
– بس أنا كنت محتاجه أعرف منك يا بابا… منك إنت. مش اكتشف لوحدي .
صوته جه حنين أوي، بس فيه تعب واضح:
– عارف يا هاجر، وعندك حق... يمكن كنت فاكر إني بحميكي، بس طلع إني وجعتك أكتر.
هاجر بابتسامه باهتة وهي بتمسح دمعة نزلت رغم عنها:
– أنا بس كنت محتاجه أحس إن في حد بيقولي الحقيقه، حتى لو هتوجعني.
باباها اتنهد وقال بحنيه:
– يمكن غلطت، بس عمري ما كنت عايزك تحسي إني بعيد أو بخبي عنك.
وبعدين بصوت واطي:
– وحشتيني يا هاجر مش هتيجي تزوريني تاني.
هاجر بصت ف المراية وهي بتحاول تمسك نفسها من العياط:
– وإنت كمان يا بابا، وحشتني أوي
هجيلك قريب حاضر.
قفلوا المكالمة، بس في قلبها حاجات كتير ما خلصتش...
كل اللي جواها كان خليط من وجع وحنين وخوف....
هاجر فضلت ساكته بعد المكالمة، ماسكه الموبايل في إيدها ومش قادرة تستوعب اللي حصل.
حست إن قلبها بيتكسر للمرة المليون، المرة دي لما عرفت إن حتى أبوها خبّى عنها.
وقفت قدام المراية، وشها باين عليه الإرهاق، عنيها فيها لمعة حزن مش بتروح، مسحت دموعها بسرعة وقالت لنفسها:
– كفاية ضعف يا هاجر… قومي.
نزلت من البيت بخطوات بطيئة،
ركبت العربية، وشغلت الراديو، بس أول أغنية طلعت كانت عن الفُقد… فقفلته فورًا.
طول الطريق كانت ساكته، بتفكر ف كل حاجه ومفيش حاجة مفهومة.
وصلت عند عيادة الدكتورة رقيّة، دخلت وهي بتحاول تبين إنها هادية، بس عينيها كانت بتحكي غير كده.
السكرتيرة أول ما شافتها قالت بابتسامة:
– اتفضلي يا أستاذة هاجر، الدكتورة مستنياكي.
فتحت باب الأوضة، لقت رقيّة قاعدة ووشها فيه طيبه واهتمام، رفعت راسها من الورق وقالت بهدوء:
– أخيرًا جيتي يا هاجر… كنت مستنياكي.
هاجر ابتسمت ابتسامة ضعيفة، وقعدت قدامها وقالت بصوت خافت:
– يمكن اتأخرت… بس كنت محتاجة أتكلم النهارده.
رقيّة مالِت لقدّام وقالت بلُطف:
– تمام يا حبيبتي، احكيلي… إيه اللي وجعك المرة دي؟
– حاجات كتير أوي يا دكتوره، تخيلي… رجعت من السفر ألاقي ماما اتجوزت، من غير ما تقولي!
أعرف كده بالصدفة! كأنّي غريبة عنها، كأنّي مش بنتها…
ولما سألتها عن الكلب بتاعي، “روي”، قالتلي مات… وأنا صدقت!
وهو طلع عايش!
كدبت عليا في حاجات كنت شايفاها بسيطة بس هي بالنسبالي وجع.
دموعها نزلت غصب عنها، مسحتها بإيدها بسرعة وقالت وهي بتكمل:
– حتى بابا… بابا اللي كنت فاكره مبيخبيش عني حاجة، كنت بفتكر إنه الوحيد اللي صادق معايا…
طلع هو كمان عارف إنها اتجوزت، وساكت!
خبا عني زيها بالظبط…
أنا مش عارفه هو أنا اللي غريبة؟ ولا هما اللي بعدوا؟
رقيّة قالت بهدوء وهي بتميل ناحيتها:
– اللي حصل معاكي مش بسيط يا هاجر، وإحساسك بالغدر طبيعي جدًا…
بس عايزاكي تفهمي حاجة، الناس ساعات بتخبّي مش عشان تأذي، بتخبّي عشان خايفة تكسرك، بس للأسف بيكسرونا أكتر لما يسكتوا.
هاجر رفعت عينيها ليها، وقالت بصوت مخنوق:
– يعني أعمل إيه؟ أكرههم؟ ولا أكمّل كأني مش شايفة؟
رقيّة ابتسمت ابتسامة هادية وقالت:
– لا تكرهي، ولا تتجاهلي… واجهي، بس المرة دي مش بالكلام، واجهي بإحساسك.
لما تشوفيهم، ما تلبسيش وش البنت القوية، خليكِ طبيعية، يمكن ساعتها يحسّوا قد اي إنتي كنتِ محتاجة حب مش أسرار.
هاجر سكتت، وبصت ف الفراغ.
عيونها نزلت دموع، دموع خفيفة في الأول، بس فجأة اتبدلت بحرارة غريبة،
والدم بدأ يختلط بيها، ينزل بهدوء على خدها زي وجع ساكت مش لاقي طريق غير كده.
هاجر بصوت مبحوح من الألم:
– بدأت أعيّط دم من تاني… كان بقالي كتير معيطش كده، كنت فاكراه راح خلاص.
رقيّة بصت لها بهدوء، ملامحها مفيهاش خوف، فيها فهم عميق للحالة دي، وقالت بنبرة حازمة بس حنينة:
– دا معناه إنك مضغوطة جدًا يا هاجر… الـ Haemolacria رجعت لأنك مش بتطلّعي اللي جواكي.
لازم تهدي، تبعدي عن أي توتر أو زعل.
اعملي حاجات جديدة، شوفي شغلك، حياتك، نفسك… بس أهم حاجة تبعدي عن أي ضغط ممكن يكسرِك أكتر.
هاجر مسحت الدم من على خدها بإيديها المرتجفة، وقالت بنبرة فيها وجع واستسلام:
– بحاول يا دكتوره… بس حتى وأنا بهرب من الضغط، بيجيلي لحد عندي.
رقيّه قربت منها وقالت بهدوء:
– ما تهربيش، واجهيه بس بهدوء.
لما تبطّلي تقاومي كل حاجة لوحدك، جسمك هيرتاح… وعينك كمان.
هاجر سكتت، عنيها لسه فيها لمعة الدم والدموع، بس جواها حسّت إن فيه حاجة صغيرة بدأت تتنفس.
رقيّة مدت إيدها بهدوء ناحية المكتب، جابت نضارتها ولبستها، وبدأت تكتب في الملف قدامها.
هاجر كانت لسه قاعدة، ممسكة منديل بتضغط بيه على خدها، بتحاول تمسح أثر الدم اللي كان بينزل من شويه.
الدكتورة بصت لها وقالت بصوت هادي وواضح:
– بصي يا هاجر، أنا هكتبلك على شوية أدوية تساعدك ترجّعي توازنك النفسي.
مش علاج سحري، بس هيساعدك تهدي وتقدري تتعاملي مع الضغط.
هاجر كانت بتسمعها باهتمام، وهي تهزّ راسها ببطء.
رقيّة كملت:
– العلاج دا لازم تمشي عليه لمدة شهر على الأقل، ومعاه جلسات منتظمة.
بس أهم من الدوا يا هاجر… إنك تدي لنفسك فرصة ترتاح، تبطّلي تحاربي كل حاجة لوحدك.
هاجر خدت الورقة منها، بصّت فيها شويه وقالت بنبرة فيها امتنان صغير:
– حاضر يا دكتوره… هحاول.
رقيّة ابتسمت وقالت:
– وأنا هنا دايمًا يا هاجر، مش بس كدكتوره، كحد شايفك بجد.
هاجر ابتسمت ابتسامة ضعيفة، فيها شكر أكتر من ألف كلمة، وقامت بهدوء تمشي، والورقة في إيدها ....
يتبععع
ملحقتش اكتب بارت كبير ف اعذروني♥️
#مغرم_مجنون
البارت السابع
رجعت هاجر للفيلا وهي حزينه،
كانت خطواتها تقيلة كأنها شايلة الدنيا على كتفها.
قالت ف نفسها بصوت مبحوح:
" يا رب انا موجوعه.... ليه كل التعب اللي ف حياتي دا؟ أنا تعبت... تعبت من كل حاجه، نفسي أعيش حياه طبيعيه بقى."
قعدت على السرير، وفضلت تبص ف السقف،
وف وسط شرودها، موبايلها رن برساله.
مدت إيدها بكسل، وفتحتها:
"آنسة هاجر، حضرتك اتقبلتي ف الشركة وممكن تبدأي شغل من بكره."
ابتسامه صغيرة اترسمت على وشها،
واتنهدت تنهيدة طويلة كأنها أول نفس راحة من سنين.
في شركة راكان — منتصف النهار
كان راكان قاعد ورا مكتبه الكبير، ضهره مسنود على الكرسي الجلدي، وعينيه مركزة في الشاشة قدامه، بس تفكيره كان في حتة تانية خالص.
حسّ بخطوات عبدالرحمن وهو داخل المكتب، فابتسم وقال بهدوء:
– بقولك يا معلم، في واحدة اسمها هاجر قدمت في شغل الترجمة عندنا؟
عبدالرحمن رفع حاجبه وهو بيفكر:
– هاجر… استنى كده، آه، هاجر أحمد، فاكرها في الأوراق. ليه؟
راكان رفع عينيه ليه، وابتسامة خفيفة ظهرت على وشه:
– دي هاجر بنت مرات ابويا.
عبدالرحمن اتسمر في مكانه، وطلع صوته بنبرة اندهاش صافية:
– بتهزر!
– والله العظيم بتكلم بجد.
ضحك عبدالرحمن وهز راسه بخفة:
– ياااه، الدنيا فعلاً صغيرة… من بين كل الشركات في الدنيا، تختار شركتك انت بالذات!
راكان أطلق تنهيدة فيها سخرية خفيفة وقال:
– أهو القدر بيلعب لعبته، دايمًا بيرجعنا لنفس النقطة.
عبدالرحمن بص له بنظرة فيها تساؤل حقيقي:
– طب هي تعرف إنك صاحب الشركة؟
– لا، ومش ناوي أقولها، هخليها تكتشف بنفسها.
عبدالرحمن سكت لحظة، وبعدها قال بصوت فيه نصيحة صافية:
– خُد بالك يا راكان، البنت دي عصبية شوية… لو عرفت، رد فعلها مش مضمون.
راكان ضحك بخفة وقال بثقة:
– متقلقش، أنا عارف أتعامل مع الغضب… حتى لو جاي من هاجر.
وفجأة، اتخبط الباب بخفة.
رفع راكان صوته:
– اتفضل.
دخلت ياسمين بخطوات محسوبة، ريحتها سبقت كلامها، وشعرها المربوط لورا كان باين عليه النظام والاهتمام.
مدت إيدها بورقة وقالت بابتسامة فيها احترام واحتراف:
– مستر راكان، دا جدول مواعيدك النهارده.
راكان أخد الورقة منها وقال بهدوء:
– تمام، شكراً يا ياسمين.
في اللحظة دي، عبدالرحمن كان واقف جنب المكتب، بس عينيه ما قدرتش تتجاهلها.
اتسعت ابتسامته، وقال في سره وهو مش قادر يخبي انبهاره:
– اللهم صلّي على النبي… الجمال دا كله في جدول مواعيد؟
ياسمين
بَصّت له بنظرة فيها قرف متغلف بالاحتقار الهادئ،
نظرة قصيرة بس وجعت كرامته أكتر من أي كلام،
وبعدين من غير ما تنطق ولا كلمة، لفت وخرجت بخطوات ثابتة.
ساعتها راكان انفجر ضاحك وهو بيقول:
– أهو دا اللي بيحصل لما تبص كده لأي موظفة!
عبدالرحمن حط إيده على راسه وقال بإحراج:
– نفسي تديني وش…
راكان بضحكه: لما تكتفي بيها هي بس ومتبصش برا هاتديك قلبها
ضحك الاتنين، لكن جوا راكان،لكن في وسط الضحك، راكان حس فجأة بحاجة تقيلة جوه قلبه…
مش على ياسمين ولا عبدالرحمن —
لكن على اسم “هاجر” اللي لسه بيرن في ودنه،
كأنه بيقول له: لسه الحساب ما انتهاش.
يتبعع
#مغرم_مجنون
البارت الثامن
اللهم بردا وسلاما على أهلنا في فلسطين ♥️
الصبح – في الفيلا عند هاجر
وأخيرًا جه اليوم اللي كانت مستنياه من اسابيع.
اليوم اللي ممكن يفتح لها باب جديد… أو وجع جديد، هي مش عارفة.
هاجر صحيت بدري، قلبها بيخبط بخفة من التوتر، بس في لمحة سعادة صغيرة مستخبية جواه.
دخلت الحمّام، غسلت وشها بمياه باردة كأنها بتصحّي نفسها من سنين تعب،
ولبست بدلة نسائية شيك لونها رمادي ناعم،
رفعت شعرها على شكل ديل حصان،
وقفت قدام المراية، بصت لنفسها وقالت بخفوت:
– إن شاء الله خير يا هاجر… صفحة جديدة.
حطت ميكب بسيط، لمسة روج خفيف، ونقطة برفان مميزة،
وخدت شنطتها اللي كانت مجهزاها من امبارح بالورق.
وبصت ناحية الركن اللي فيه كلبها روي.
قعدت على ركبتها، مسحت على راسه بابتسامة حنونة:
– ادعيلي يا روي… النهارده أول يوم شغل.
نبح نبحه صغيرة كأنه فاهم،
ضحكت وقالت:
– أوعى تنسى الأكل بتاعك يا شقي.
بعدها قامت بخطوات واثقة،
خرجت من البيت، والهواء البارد لمس وشها كأنه بيقولها "يلا يا بنتي، الدنيا مستنياكي".
ركبت عربيتها الجديدة اللي كانت لسه شاريها من كام أسبوع،
قعدت على الكرسي، خدت نفس طويل،
ولمّا حطت المفتاح في الكونتاكت،
قالت في سرّها:
“اللهم سهّل لي امري، وابدأ بيوم خير يا رب.”
الموتور دار، وصوت الشيخ الهادي اشتغل
وهاجر اتحركت في طريقها للشركة…
في مكتب راكان – قبل ما توصل هاجر بقليل
كان راكان واقف عند الشباك، إيده في جيبه، عينيه بتبُص على المدينة اللي بتتحرك بهدوء تحت.
النهار لسه بيبدأ، بس جواه كان في ضجيج كبير…
ضجيج فكر وخطط، وغصة قديمة عمرها ما راحت.
بص في انعكاسه ع الزجاج وقال بصوت واطي، كأنه بيكلم نفسه:
– النهارده هتبدأ اللعبة.
عبدالرحمن اللي كان واقف جنبه، بص له بقلق واضح وقال:
– بدري كده يا راكان؟
لف راكان ناحيته، عينيه فيها لمعة غريبة بين التحدي والعند:
– انت أكتر واحد عارف أنا مستني اللحظة دي بقالى قد إيه.
النهارده أول خطوة في مشوار طويل…
مشوار له هدف واضح، وانت أكيد عارفه.
عبدالرحمن بلع ريقه وقال بحذر:
– عارف يا صاحبي… بس هي ملهَاش ذنب.
سكت راكان لحظة، وبعدها صوته اتغير، بقى فيه حِدّة جامدة تخلي أي حد قدامه يسكت:
– عبدالرحمن… انت أخويا قبل ما تكون صاحبي.
فـ متخلّينيش أزعل منك.
لو مش هتدعمني… يبقى متكونش سبب ف تأخيري.
عبدالرحمن نزل عينه، مش قادر يبصله،
حسّ إن في حاجة جاية مش هتخلص بخير،
بس سكت… زي أي حد بيحب صاحبه ومش عايز يخسره، حتى وهو شايفه داخل طريق غلط.
راكان رجع يبص تاني من الشباك،
ابتسامة خفيفة، فيها انتصار قبل المعركة، طلعت على وشه وهو بيقول في سره:
“وأهو الدور عليها.”
في مكتب عبدالرحمن – بعد كلامه مع راكان
دخل عبدالرحمن مكتبه بخطوات بطيئة،
قفل الباب وراه بهدوء، وقعد على الكرسي كأنه شايل جبل مش مجرد شغل.
مد إيده لشعره، مسك راسه، وسرح بنظره في الفراغ اللي قدامه.
عينيه العسلية كان فيها بريق تعب،
بيفكر في صاحبه اللي ناوي يدخل حرب مش عارف نهايتها شكلها إيه،
حرب شكلها مش ضد الناس… لكن ضد نفسه.
بينما هو تايه في دوامة أفكاره،
اتفتح الباب بخفة، ودخلت ياسمين،
ملامحها جدية كالعادة، بس المرة دي فيها لمحة فضول وقلق.
كانت شافته من شوية خارج من مكتب راكان،
وشه كان متغير، مش نفس الطاقة اللي دايمًا بيضحك بيها.
حمحمت بخفّة وهي بتقرب منه وقالت:
– مستر راكان كان عايزك تخلص الورق دا.
عبدالرحمن، من غير ما يرفع عينه، قال بصوت واطي وهو حاطط إيده على راسه:
– حطيه هنا يا ياسمين.
سكتت لحظة، وبعدين بصّتله كويس،
كان هادي
الضحكة المعتادة على وشه مش موجوده.
بخطوة هادية، راحت قعدت على الكرسي اللي قدامه،
نبرتها بقت دافئة، فيها قلق حقيقي مش مجرد فضول شغل:
– مالك؟
رفع عينه ليها، حاول يرسم ابتسامة خفيفة على وشه وقال:
– بخير الحمد لله.
ياسمين بصتله بنظرة فيها صدق ومعرفة،
– جرى إيه يا عبدالرحمن؟ أنا ياسمين يا بني، عرفاك اكتر من نفسك…
مالك؟ شايل هم إيه كده؟
سكت، وابتسامته وِهْي بتتهز خفت كأنها بتدوب.
بص لتحت وقال بهمس:
– يمكن شايل هم حد… مش المفروض أشيله.
عيون ياسمين رقّت،
مدت إيدها بهدوء على الورق اللي جابته،
وقالت بلطف:
– ربنا يعدّيها على خير يا عبدالرحمن… بس خليك فاكر،
فيه ناس بتضيع وهي بتحاول تنقذ غيرها.
سكون بيكتم صوت ضميره وهو بيقول في سره:
“يا رب ما تكونش النهاية اللي أنا متخيلها.”
ابتسامته رجعت له بهدوء، وهو بيقول بخفة دم متعمدة يخفي بيها التوتر اللي كان لسه حاسه:
– طبعًا لو قولتلك نتغدى مع بعض مش هترضي، زي العادة.
ياسمين رفعت حاجبها وضحكت ضحكة خفيفة فيها دلال بسيط وقالت:
– ومدام إنت عارف… مستني إيه؟
قرب منها بنظرة فيها هزار، بس عيونه كانت بتقول كلام تاني:
– مستني فرصة من ستّ الحُسن.
ضحكت بخجل خفيف، وبصّت له بنظرة سريعة كأنها بتحاول تهرب من الكلام اللي بيتقال في الهوا بينهم.
قامت تاخد الورق اللي كانت سايباه، ومشيَت ناحية الباب.
قبل ما تخرج، وقفت لحظة، بصت له من على جنب بابتسامة صغيرة وقالت:
– بعد ما أخلص شغل، ممكن نتغدى…
بس لو اتأخرت دقيقة واحدة، هاروح.
عبدالرحمن بضحكه: طب والورق؟
ياسمين وهي بتغمز: لا دي كانت اشتغاله
وقفلت الباب وراها
ابتسم عبدالرحمن ابتسامة واسعة، والنور رجع لوشه،
قال في سره:
“أهي الدنيا مش كلها وجع.”
وقفت هاجر قدام المبنى الكبير، قلبها بيدق بسرعة، أول يوم ليها في الشغل الجديد.
اتنهدت تنهيدة طويلة وقالت لنفسها:
"يارب يكون وش الخير."
دخلت وهي شايفة المكان منظم وشيك، أصوات الكيبوردات، والناس رايحة جاية بابتسامات خفيفة.
بدأت تدور لحد ما لقت مكتبها اللي عليه لافتة صغيرة باسمها "هاجر احمد".
ابتسمت بخفة وهي بتحط شنطتها وتلمس الكرسي كأنها بتطمنه إنها فعلاً هنا.
قعدت تبص حواليها، في كذا مكتب جمبها، وكل واحد مشغول في شغله.
بنت لطيفة من المكتب اللي قصادها بصت لها وقالت بابتسامة:
– أول يوم ليكي؟
هاجر بابتسامة متوترة:
– باين كده
البنت:
– أهلاً بيكي، أنا نانسي، لو احتاجتي أي حاجه انا موجوده.
هاجر بابتسامه:
– ميرسي جدًا
ماعداش دقايق ودخلت السكرتيرة ياسمين، واقفة بثقة وشيك كعادتها، وقالت بنغمة رسمية شوية:
– آنسة هاجر؟ المدير طالبك دلوقتي.
هاجر قلبها دق جامد، قامت بسرعة وهي بتظبط هدومها وقالت:
– تمام، حاضر.
وهي ماشية ورا ياسمين، دماغها مش بتسكت.
هو عايزني في إيه؟
يعني أنا لسه متعينة، أكيد مش هيكون في شغل مهم كده من أول يوم.
يمكن عايز يرحب؟ بس… لأ، إحساسي بيقولي لأ.
يمكن حد قاله حاجه عني؟
كانت بتحاول تطمن نفسها، بس القلق كان باين في كل خطوة.
إيديها بتتعّرق، ونبضها بيزيد كل ما تقرّب من باب المكتب.
وقفت ياسمين قدام الباب وقالت بابتسامة خفيفة:
– اتفضلي، هو مستنيكي جوا.
هاجر بلعت ريقها، خدت نفس طويل، وفتحت الباب ببطء…
هاجر دخلت المكتب بخطوات حذرة، قلبها واجعها من كتر القلق.
الباب اتقفل وراها بهدوء وهي بتبص حواليها…
اللي لفت نظرها كان الشخص اللي قاعد قدام المكتب، مديها ضهره، مش باين منه غير حتة صغيرة من شعره الأسود اللي نازل على ياقة القميص.
فضلت واقفة محتارة، مش عارفة تتكلم ولا تستنى.
قالت بصوت واطي ومرتبك:
– صباح الخير يا فندم… أنا هاجر أحمد.
الكرسي اتحرك ببطء، واللي قاعد لفّ ناحيتها بهدوء…
ولما شافته، قلبها وقع حرفيًا.
هو.
راكان.
هاجر وقفت مكانها، ملامحها اتجمدت، وصوتها خرج متقطع من الصدمة:
– راكان؟
ابتسم هو بنص ضحكة فيها خبث وقال:
– مفاجأة… مش كده؟
هاجر لمّا سمعت الكلمة، حسّت كأن الأرض اتسحبت من تحتها.
– إنت… إزاي؟ ليه ما قولتش إنك صاحب الشركة؟
راكان بهدوء غريب:
– حبيت أعملها ليكي مفاجأة بسيطة بس.
نبرتها عليت وهي بتحاول تمسك نفسها:
– يعني كدبت عليا؟ لما قولت إنك جاي لصاحبك؟
ابتسم بخفة وقال:
– همم… ممكن نقول حاجة شبه كده.
اتنفس بهدوء، ومد إيده ناحية الكرسي اللي قدامه:
– اقعدي، وأنا هفهمك كل حاجة.
سكتت لحظة، وبعدين قعدت… بس ملامحها كانت نار.
بعد دقايق من محاوله تبريره ليها، رفعت وشها وبصتله بنظرة كلها وجع وسخرية:
– يعني ما قولتش لأنك عارف… إني لو كنت عرفت إنك صاحب الشركة، ما كنتش جيت.
لأني ما بقبلش اشتغل بوساطة.
سكتت ثواني، وبعدين وقفت فجأة وهي بتقول بصوت بيترعش من الغضب:
– للأسف يا راكان… أنا مش هشتغل هنا واعتبرني استقلت من دلوقتي.
لفّت وبصت حواليها، والغضب كان طالع منها كبركان.
إيديها بدأت ترجف، ومرة واحدة مسكت الملف اللي على المكتب ورمته، بعده كوب الميه وقع واتكسر، وبعدها كسرت كل حاجة.
راكان وقف مذهول، بيحاول يهديها:
– اهدي يا هاجر! في إيه؟ إيه اللي حصل لكل دا؟
بصتله بعينين مليانين دموع وصوتها طالع عالي من جوه وجع قديم:
– إنتوا كلكوا كدّابين!
كلكوا بتكدبوا وتخبوا عليا!
انا فاض بيا خلاااص
صوتها كان بيرن في المكتب، وصدى الكلمة الأخيرة فضل يتكرر في ودان راكان وهو واقف عاجز، مش قادر ينطق بكلمة.
الموظفين كلهم اتجمعوا قدام المكتب، واقفين مذهولين، عيونهم مش مصدقة اللي شافوه.
ياسمين وقفت جمب الباب، إيدها على صدرها، ووشها كله قلق:
– إيه اللي حصل هنا؟
في اللحظة دي، دخل عبدالرحمن بسرعة، قلبه بيتسارع قبل رجله، ولما شاف المشهد، عينه جت على عين راكان.
هز راسه بيأس، ونظرة واحدة كانت كافية تقول كل حاجة…
كأنها بتقول:
"قولتلك، رد فعلها مش مضمون…"
راكان واقف ساكت، شوية مذهول، شوية مصدوم، كل جسمه متجمد.
عيونه متابعة هاجر اللي واقفة وسط الخراب اللي حصل،
هاجر رمقته بنظرة مشتعلة، كل غضبها، خيبة أملها، وجميع مشاعرها المتراكمة كانت باينة في عينيها، كأنها بتحذر أي حد يفكر يقف قدامها.
وبدون ما تنطق بكلمة، لفت بخطوات سريعة، خرجت من المكتب، تاركة وراها علامات الصدمة على كل الموجودين…
ياسمين وقفت عند الباب، عينها واسعة ووشها كله دهشة،
والموظفين واقفين ساكتين، مش قادرين يحركوا أي حاجة، ولا حتى يتكلموا.
راكان زعق بصوت مليان حزم:
– بتتفرجوا على إيه! يلا كل واحد يروح لمكتبه فورًا.
الموظفين اتحركوا بسرعة، كل واحد راح مكانه وهو ساكت ومندهش من انفجار هاجر.
عبدالرحمن شال صوته عشان يهدي الجو، وقال بحزم لكنه أخف:
– يلا يا جماعة… كله يروح لمكتبه.
بعدين التفت ناحية ياسمين وقال بنبرة هادية لكن فيها لمسة ود:
– اعمللنا فنجانين قهوة يا ياسمين.
هزّت راسها بهدوء، اتجهت ناحية المطبخ، وراحت تحضّر القهوة، بينما عبدالرحمن راح وقف قدام راكان
راكان همس لنفسه وهو ماسك رأسه:
– أنا مش فاهم… رد فعلها القوي دا حصل إزاي؟ حصل إيه لكل دا؟
عبدالرحمن، واقف جنبه وعينه مليانة قلق، قال بحزم:
– قولتلك يا راكان… بعد كل اللي كدبوا عليها، نفسيتها تعبانه، ورد فعلها مش مضمون. وقلتلك كده من الأول.
راكان رفع راسه وبصله ببرود غريب، وفي صوته نبرة تحدي:
– هي اللي جابته لنفسها كده… هبدأ الخطة التانية دلوقتي.
عبدالرحمن اتنفس بصعوبة، وعيناه فيها شك وخوف:
– إنت متأكد من اللي هتعمله، ياصاحبي؟
راكان شد وشه بحزم، صوته كله ثقة:
– أنا عملت كل دا عشان واثق ميه ف الميه من اللي أنا بعمله.
– أنا قولت إني هخدلها حقها… وأنا قد كلامي، ومش هرجع فيه يا عبدالرحمن.
رفع إيده وبص لصورة قدامه…
صورة بنت في التلاتينات، عيونها فيها حزن وغموض، ابتسامتها خافتة لكنها محفورة في قلبه.
راكان ضم الصورة على صدره شوية، وكأنها بتديه القوة اللي محتاجها عشان يكمل خطته، وعينه رجعت تتلمع بشوية عزيمة…
– هيكون اليوم اللي هرجع فيه كل اللي اتسرق منها… وكل اللي وجعوها هوجعم اضعاف..
عبدالرحمن بص بيأس لصاحبه اللي مش هيهدى غير لما يولع الدنيا حوليه
يتبععع
#مغرم_مجنون
البارت التاسع
ياسمين خرجت من الشركة بعد ما خلصت شغلها، الشمس كانت ميلة للغروب، والهواء خفيف بيعدي بين الشجر.
لمحت عبدالرحمن واقف، ساند ضهره على عربيته، بيبص ناحيتها بابتسامة فيها انتظار وراحة.
اسمين رفعت حاجبها وقالت وهي بتقرب:
– اتأخرت؟
ابتسم عبدالرحمن وقال بثقة هادية:
– مبعرفش أعد الوقت وأنا مستنيكي، لو قعدتي سنة برضه كنت هستناكي.
بصّت له بعدم اهتمام مصطنع، وقالت بهدوء وهي داخلة العربية:
– ممم… تمام.
بعد شوية كانوا قاعدين في مطعم بسيط، الإضاءة هادية والموسيقى خافتة.
بدأوا ياكلوا، قطع عبدالرحمن الصمت وقال وهو بيضحك:
– غريبة… أول مرة تقبلي تتغدي معايا.
ياسمين رفعت عينيها وقالت بخفة دم:
– كنت واقعة من الجوع بصراحة.
عبدالرحمن فتح عينيه بدهشة مصطنعة:
– يعني مش عشان أنا واد حليوه وعايزة تخرجي معايا؟
ضحكت وقالت وهي تهز راسها:
– يا شيخ اتنيل.
ضحك هو كمان، وقال بنبرة فيها جدية ممزوجة بدفء:
– يعني مش ناوية تديني فرصة؟
ياسمين اتكأت بإيدها على الترابيزة، وقربت شوية وقالت بعينين فيها لمعة حذر:
– إنت واحد عينك زايغة، وأنا مأمنش أبقى معاك عشان ممكن تبص لواحدة غيري.
ابتسم عبدالرحمن وقرب هو كمان، المسافة بين عينيهم بقت ضيقة جدًا وقال بهدوء:
– بس إنتي ف إيدك تخليني أتوب.
ابتسمت ياسمين بسخرية ناعمة وقالت:
– وأنا معنديش وقت إني أخليك تتوب، لما تتوب لوحدك… ساعتها ممكن أفكر.
ورجعت ياسمين ضهرها للكرسي، جملتها الاخيره كانت كفايه… كأنها بتدي لمحة صغيرة لعبدالرحمن، أمل خفيف لعلاقة بينهم، رسالة صامتة يفهمها لو قلبه صاحي.
ابتسم هو ابتسامة خفيفة، عينيه لمعت، وفي لمعة دي كل الكلام اللي هو محتاج يسمعه… كأنه فهم بالظبط هي كانت بتقصد إيه.
عند هاجر
كانت العربية ماشية في الشارع، بس عقل هاجر كان تايه.
إيديها على الدركسيون، بس قلبها مش معاها…
مش عارفة تروح فين، كل مكان بقى بيخنقها، حتى الفيلا ، غريبة… مفيهاش روح، ولا دفء، ولا حتى ريحة بيت.
وقفت من غير ما تفكر قدام عيادة مكتوب عليها: "الدكتورة رُقية النفوس أولًا."
بصت للافتة، ولقت نفسها بتنزل من العربية من غير ما تحس… كأن رجليها اللي جابتها.
دخلت العيادة، كانت رُقية قاعدة ووشها زي دايمًا هادي ومرتاح.
رفعت عينيها وقالت بابتسامة فيها دفء الأم والأخت معًا:
– إيه الزيارة المفاجئة دي يا هاجر؟ اتفضلي، اقعدي.
هاجر قعدت، ووشها باهت كأن كل النور اللي فيها اختفى، والهالات السودة تحت عينيها
سكتت لحظات وبعدين بدأت تحكي…
حكت كل حاجة.
كل صدمة، وكل وجع، وكل كلمة خلتها تحس إنها اتخدعت.
رُقية كانت ساكتة، بتسمعها بعينين فيها فهم وحنان، ولما خلصت، قالت بهدوء:
– إنتي متضايقة عشان حسيتي إنه كدب عليكي، بس صدقيني يا هاجر… لو مكنتيش قد الوظيفه دي مكانوش وظفوكي
هاجر رفعت عينيها ليها، ودموعها كانت بتلمع وهي بتقول بصوت مكسور:
– بس أنا مش عايزة حد يكدب عليا… حتى لو لمصلحتي.
أنا ليّا الحق إني أعرف الحقيقه ، وأواجه وجعي بإيدي…
أحسن ما أكون ضعيفة كده… ضعيفة زي ما أنا دلوقتي.
رُقية مدت إيدها، مسكت إيدها برفق وقالت بهمس:
– الضعف مش دايم يا هاجر… بس الكتمان بيكسره.
اعملي اللي قلبك شايفه صح، مش اللي خوفك بيقولك عليه.
هاجر سكتت، وبصت في الفراغ، كأنها بتحاول تلاقي في كلام رقية الطريق اللي ترجع بيه لنفسها من تاني.
هاجر مسحت دموعها وهي بتتنهد تنهيدة تقيلة خرجت من جوّا قلبها وقالت بصوت مبحوح:
– يبقى أرجع كندا… كانوا أحلى سنتين في حياتي.
بعيدة عن المشاكل، عن الوجع، عن الضغوطات اللي هنا.
هناك كنت بصحى على هدوء، على نفسي… مش على الخناقات اللي جوايا.
ابتسمت بسمة صغيرة فيها وجع:
– هناك كنت بنام وانا مطمنة شويه، هنا حتى وأنا نايمة بحلم إني بتخانق.
كل حاجة هنا بقت بتوجعني يا دكتورة رُقية… حتى الأماكن اللي كنت بحبها.
رُقية بصتلها بهدوء وقالت:
– كندا كانت راحة يا هاجر ، بس الهروب مش دايما الحل.
يمكن راحتك المرة دي مش في البُعد… يمكن في المواجهة.
هاجر سكتت شوية، عينيها سرحت في نقطة على الأرض،
وقالت بهمس:
– يمكن عندك حق… بس أنا تعبت من المواجهة.
كل مرة بمسك نفسي أكون قوية، بس بحس إني بنكسر أكتر.
رُقية ابتسمت وقالت بلُطف:
– القوة مش إنك ما تتكسريش… القوة إنك تقومي بعد كل كَسرة.
هاجر حست ان كلام الدكتوره صح وقررت تمشي بعد م قالت كل اللي جواها
خرجت هاجر من عند الدكتوره
ركبت العربية وعيونها مليانة دموع مكبوتة، . قررت ترجع الفيلا... يمكن دي تكون آخر محاولة.
في الليل، لما أمّها رجعت من الشغل، كانت الصالة غارقة في ضوء أصفر باهت طالع من الأباجورة. نيهال قاعدة على الكنبة، ماسكة الموبايل ووشها غارق فيه.
هاجر وقفت قدامها وقالت بصوت خافت لكن مليان وجع:
– ماما... محتاجة أتكلم معاكي.
نيهال من غير ما تبص حتى:
– مش دلوقتي، مشغولة.
هاجر حسّت إن الكلمة دي وجعت صدرها أكتر من ألف سكين، شدّت نفسها وقالت بحِدّة:
– ماما، محتاجة بجد أتكلم معاكي.
نيهال رفعت عينيها، زفرِت وقالت بنفاد صبر:
– ها، خير؟
هاجر اتنفست بعمق، كأنها بتحاول تطلع وجع سنين:
– الدكتورة قالتلي إني لازم أواجه وجعي... وأنا قررت أواجهه.
نيهال رفعت حواجبها باستغراب:
– دكتورة مين؟
هاجر ضحكت ضحكة مكسوره، فيها مرارة الدنيا كلها:
– آه، صح... إنتي متعرفيش. أنا بقالي خمس سنين بتعالج عند دكتورة نفسية، اسمها رُقيّة.
من يوم ما إنتي وبابا انفصلتوا... وأنا بتعالج من وجع عمري ما قدرت أحكيه ليكي.
نيهال شدّت نفسها على الكنبة وقالت بسخرية باردة:
– انتي مش أول واحدة ولا آخر واحدة أهلها يتطلقوا.
بلاش دراما اللي عندك دي يا هاجر،زي أبوكي بالظبط.
سكتت هاجر لحظة، بصّت لها بعينين فيها وجع وسنين من الكتمان، وقالت بصوت مبحوح:
– يمكن فعلاً أنا زي بابا... بس انتي عمرِك ما حاولتي تفهمي ليه بقى كده.
نيهال بغضب، صوتها علي واتكسر في آخره:
– افهم؟ افهم إيه اللي فاهماه إنك مديا الموضوع اكبر من حجمه! ....جايه دلوقتي تحاسبيني؟ تحاسبيني على إيه؟
دا أنا كنت بلبسك أحسن لبس، وبأكلك أحسن أكل، ومكنتش بسيبك تحتاجي حاجه!
كنت بجري طول اليوم عشان أوفرلك كل اللي تتمنيه، وبدل ما تشكري تقوليلي إني قصّرت؟!
هاجر سكتت لحظة، ، وبعدين قالت بهدوء موجع:
– فعلاً يا ماما، عمرك ما خلّيتيني محتاجة حاجه... غيرك.
كملت هاجر بحزن، صوتها بيتهدج وهي بتحاول تمسك نفسها:
– حتى لما سافرت... مكنتش عايزة أسافر ولا أتغرّب كنت بس مستنياكي تمنعيني وتقوليلي خليكي معايه، بس لما ملقتش منك كدا قولت خلاص اهو ههرب.
ههرب من البيت، من الزعل اللي مالي الجدران، من نظراتك اللي فيها عتاب أكتر من حب.
كنت فاكرة إن البُعد هيخليني أنسى، بس لما رجعت هنا لقيت كل حاجه بتتعاد من جديد
نيهال بصوت متوتر ومليان غضب متخنق:
– هاجر! إنتي صدّعتيلي دماغي! أنا طالعة أنام.
ولمّا قامت، كانت خطواتها تقيلة، مشيها سريع بس مهزوز، كأنها بتجري من نفسها مش من بنتها.
كانت بتهرب… بتهرب من الحقيقة اللي جوّاها،
اللي عارفاها كويس،
بس عاملة نفسها مش واخدة بالها.
عارفة إن كل كلمة قالتها هاجر صح،
بس الاعتراف بيها كان هيكسرها.
هاجر فضلت واقفة في مكانها، عينيها فاضية، بتتفرج على ضهر أمها وهي بتطلع السلم.
وقفت في نص الصالة، عينيها على الأرض، همست لنفسها :
– كانت آخر محاولة...
هرجع كندا.
فجأة، حست بوجود حد وراها، التفتت بصعوبة ولقت راكان واقف، عيونه متعلقة بيها، فيها مزيج من القلق والحزن:
– هترجعي كندا؟
هاجر نظرت له بحذر، صوتها هادي لكنه قاطع:
– آه... اكتشفت إن حياتي هناك أحسن بكتير من هنا.
راكان اتقدّم خطوة، وعيونه مليانة حزن:
– بس...
قبل ما يكمل، هاجر قاطعته بصوت جاف وحاسم:
– الموضوع منتهي يا راكان.
سابته وطلعت لاوضتها
قعدت على حافة سريرها، عينها واقعة على الأرض،
كانت نفسها تقول كلمة... كلمة تعتذر بيها لراكان عن اللي حصل منها النهارده.
لكن الصوت جواها اتوقف، وكأن عقلها بيزّق قلبها:
– لأ... خلاص... أنا هسافر والكل هيستريح مني
صحّت تاني يوم، والبيت كله ساكت، كل واحد راحل لشغله
كانت حجزت التذكرة من بليل، ودلوقتي بتحضر شنطتها عشان تسافر.
ماكنتش عايزة تتغرب تاني… بس مفيش حل غير ده، ومفيش طريق تاني هتمشي من غير حتى م تسلم على اي حد .
خدت شنطتها بحذر، وودّعت روي، اللي كان واقف ساكت، عيونه مليانة حزن كأنه فاهم كل حاجة وإنه مش هيشوفها تاني.
نزلت السلم، وقفت قدام الفيلا.
عيونها معلقة فيها، كأنها بتودع كل حاجة… كأنها المرة الأخيرة اللي هتشوفها.
بعد كدا اتجهت للعربيه
حطّت شنطة السفر في شنطة العربية، وتنهدت بعمق، ركبت، ومشيت… كل حاجة حواليها كانت عادية، إلا قلبها اللي كان بيخبط بسرعة.
بعد نص ساعة تقريبًا، حست هاجر بحاجة غلط… عربية وراها، بتقرب بسرعة، كأنها بتطاردها. حاولت تهرب، لفّت في حارات ضيقة وأماكن صغيرة، لكن العربية ما سابتهاش… وفي لحظة، زنقت عليها فجأة.
اتصدمت، قعدت في العربية مش عارفة تعمل إيه. العرق نزل على وشها، قلبها كان بيغلي من الخوف.
وفجأة… ظهر اتنين كبار، جسمهم ضخم، كأنهم بودي جارد، جايين ناحية العربية بسرعة. واحد منهم فتح باب العربية بإيدين ضخمتين، مسكها من إيدها، وبدأوا يجروها ناحية عربيتهم.
حاولت تقاوم بكل قوتها، ركضت، صرخت، بس كل محاولة كانت بتخسرها قدام قوتهم.
وفجأة، واحد منهم حط حاجة على مناخيرها
وقال: اتهدي بقى
… ريحة قوية، خنقتها، وعيونها اتغشّيت… وغابت عن الوعي.!
يتبععع
تفتكروا مين ممكن يكون الشخص الغامض اللي خطف هاجر؟"
#مغرم_مجنون
البارت العاشر
الليل كان ساكت إلا من صوت كعب نيهال وهي داخلة الفيلا، التعب باين على وشها، وعلامات الضيق لسه مرسومة من امبارح… من كلام هاجر اللي وجعها أكتر ما كانت متوقعة.
طلعت السلم وهي بتتنهد، ناوية تدخل أوضتها وتنسى كل حاجة،
لكن وهي ماشية، عينها وقعت على باب أوضة هاجر… مفتوح.
وقفت لحظة، قربت بحذر، دخلت بخطوات هادية،
بصّت حواليها… السرير متوضب، النور مطفي،
بس مفيش أي أثر لهاجر.
حست بخنقة مفاجئة، قلبها بدأ يدق بسرعة.
هاجر عمرها ما اتأخرت كده قبل كده… عمرها.
مدّت إيدها للفون بسرعة، دورت على رقمها،
الصوت اللي طلع من السماعة كان كفيل يخلي الدم يجري في عروقها خوف:
"الرقم الذي طلبته غير متاح حاليًا."
وقفت نيهال مكانها،
عينيها بتدور في الأوضة كأنها بتحاول تلاقي تفسير…
بس جواها، كانت حاسة إن في حاجة غلط جدًا حصلت.
على الرغم إنها دايمًا كانت مشغولة عنها،
ومكنتش بتقعد معاها كتير ولا تسمعها زي ما كانت هاجر نفسها،
لكن في الآخر… هي أمها.
لكن مهما اتقال ومهما حصل، بتحبها وبتخاف عليها،
وجواها قلب أم عمره ما عرف القسوة،
يمكن اتلخبط، يمكن اتأخر في الحنية،
بس دلوقتي الخوف سيطر على كل حاجة.
نيهال بدأت تمشي بسرعة في الطرقه، قلبها بيخبط ف صدرها،
فتحت باب البلكونة تبص لو العربية بتاعة هاجر لسه في مكانها…
لكن المكان فاضي.
إيديها بدأت ترتعش وهي بتنزل السلم،
كل خطوة فيها خوف وأسئلة كتير في دماغها:
"هي راحت فين؟ طب ليه ما قالتش؟ طب ليه التليفون مقفول؟"
فضلت نيهال واقفة في نص الصالة، عقلها بيلف بأفكار متشابكة،
فجأة لمعت في بالها فكرة،
قالت لنفسها بصوت متردد:
– ممكن تكون سافرت؟
بس سرعان ما سكتت، نظرتها راحت بعيد وهي بتهمس:
– بس لو كانت سافرت… كانت هتقول، ولا عشان اللي حصل امبارح؟
الخوف اتبدّل بقلق أعمق، وبسرعة راحت على أوضة هاجر،
فتحت الدولاب بإيدين بيرتعشوا،
وبصت جوا… الفراغ كان أبلغ من أي رد.
الهدوم مش موجودة.
وقفت لحظة، خبطات قلبها بقت مسموعة،
وبعدين قعدت على السرير ببطء، كأن التعب وقع على جسمها كله مرة واحدة.
نظرتها اتجمدت على الأرض،
وشها اتبدّل، مابين صدمة ووجع وندم،
وقالت في سرها وهي بتتنهد تنهيدة طويلة:
– يعني فعلاً… سافرت.
دمعة نزلت بهدوء على خدها،
مش بس خوفًا… لكن حزنًا على بنت كانت محتاجة حضنها، وهي ما فهمتش غير بعد ما راحت.
هاجر قامت وهي بتتنفس بصعوبه،
عينها بتلف في المكان الغريب اللي حواليها،
الحوائط لونها باهت، والإضاءة خافتة كأنها جاية من لمبة صغيرة ف الركن.
بصت على نفسها…
اللبس مش لبسها!
فستان بسيط، مش بتاعها خالص،
حست برعشة في إيديها وهي بتقول لنفسها بصوت مبحوح:
– إيه دا؟ أنا… أنا فين؟!
جريت بسرعة على الباب،
شدته بكل قوتها…
خبطت عليه، صرخت:
– في حد! افتحواااااااا!
لكن مفيش ولا صوت.
الهدوء كان مرعب، كأن المكان مفيهوش روح.
رجعت تبص حوالينها،
قلبها بيدق بسرعه،
راحت ناحية الشباك، حاولت تفتحه بالعافية،
لكن لما بصت من بره…
اتجمدت.
المسافة عالية جدًا،
شايفه تحتها زي فناء كبير،
بس مفيش أي صوت عربيات، ولا ناس، ولا حتى طيور.
كأنها في مكان بعيد عن الدنيا كلها.
رجعت بخطوات بطيئة لورا،
قعدت على الأرض وهي بتحاول تهدى،
وبصوت واطي مليان خوف قالت:
– أنا… فين؟!
طلعت نيهال السلم بخطوات بطيئة، التعب باين على ملامحها، بس قلبها هو اللي متقلق أكتر من جسدها.
وقفت قدام باب أوضة راكان، خبطت بخفة وقالت:
ـ "راكان؟"
صوته جه من جوه هادي وواثق:
ـ "اتفضل ."
دخلت، عينيها فيها قلق واضح وحزن،
ـ "كنت عارف إن هاجر هتسافر؟"
ابتسم راكان ابتسامة خفيفة، فيها مزيج غريب بين الهدوء والخبث، وقال:
ـ "سمعتها امبارح وهي بتقول إنها ناوية تسافر."
نيهال عقدت حواجبها:
ـ "يعني مقالتش ليك بنفسها؟"
ـ "لا."
قالها وهو بيبص بعيد عنها، صوته ثابت أكتر من اللازم… كأنه حافظ الكلام قبل ما يقوله.
ـ "غريبة، كنت فاكرة إنكم قريبين."
ضحك بخفة، ضحكة باهتة مفيهاش روح، وقال:
ـ "كنت فاكر كده برضه… لكن يمكن كنت متوهم."
سكت لحظة، نظره راح للأرض، بس في عينيه لمعة غريبة، لمعة مش مفهومة — مابين غموض ورضا مكتوم.
نيهال قالت بحزن:
ـ "حصل امبارح بينا كلام، يمكن أنا زعلتها… قللت من مشاعرها، بس كل دا من خوفي .... خوفي اني أواجهها وأنا عارفة إني غلطانة."
قرب منها بخطوة، صوته بقى ناعم أكتر من اللازم وهو بيقول:
ـ "ما تلوميش نفسك يا طنط، هاجر محتاجة وقت، يمكن السفر يكون راحة ليها."
كلماته كانت ناعمة، لكن في نبرته حاجة باردة، كأن اللي بيواسيها مش فعلاً حاسس بيها،
كأن كل حرف بيطلع منه محسوب…
وبينما نيهال بتبص له بعين أمّ حنونة،
هو كان بيبصلها بعين فيها سرّ، سرّ تقيل محدش يعرفه غيره.
في تاني يوم الصبح، راكان خرج من البيت ببرود كأنه رايح شغله عادي، لكن في عينيه نظرة مختلفة، نظرة فيها سرّ مخفي وهدوء مريب.
ركب عربيته، شغّلها بهدوء، والابتسامة الصغيرة اللي على وشه كانت غريبة… فيها راحة، بس راحة من نوع مش طبيعي.
الطريق كان طويل، ساعتين وهو ساكت، لا صوت غير الموتور وأنفاسه المنتظمة كأنه حافظ الرحلة دي كويس.
كل ما قرب أكتر، الملامح حواليه بدأت تتغير، البيوت قلت، والطريق بقى أوسع… كأنه داخل عالم تاني، بعيد عن العيون والناس.
وفي الآخر وقف قدام فيلا كبيرة، فخمة بس هادية بشكل يخوف، مافيهاش أي حياة.
قدام الباب، كان واقف اتنين بودي جارد أجسامهم ضخمة، ملامحهم جامدة، أول ما شافوه فتحوا له الطريق من غير كلمة.
نزل راكان من العربية بخطوات ثابتة، عيونه بتلمع ببرود غريب،
طلع السلم، وكل خطوة كانت محسوبة، لحد ما وصل الدور التاني، وقف قدام باب معين…
مد إيده في جيبه وطلّع مفتاح صغير، فضي اللون،
دخل المفتاح في القفل بهدوء، صوته المعدني دوّى في الممر،
ولما لفّه… الباب فتح.
وقف لحظة، خد نفس عميق، وابتسامة خفيفة ارتسمت على وشه كأنه داخل على مشهد مستنيه من زمان.
جوه، كانت الغرفة غارقة في ضوء خافت جاي من لمبة صغيرة في الركن،
وفي نص الأوضة… كانت هاجر.
قاعدة على السرير، عنيها متعلقة بالباب،
أول ما شافته اتجمدت في مكانها، كل عضلة في جسمها تشدت،
الخوف اتجمع في ملامحها وهي بتهمس بصوت مبحوح:
ـ "راكان؟!"
دخل راكان بخطوات باردة وهادية، كأنه داخل بيته،
قفل الباب وراه بالمفتاح، وراح يحطه في جيبه بهدوء…
ابتسامة صغيرة ظهرت على وشه، فيها غموض ووثوق غريب، وقال بصوت واطي:
ـ "مفاجأة مش كده؟"
هاجر وقفت بسرعة، قلبها بيدق بعنف،
ـ "إنت… إنت اللي… خطفتني؟!"
قرب منها بخطوة، نظراته سابتش وشها لحظة،
ـ "خطف؟! كلمة تقيلة أوي يا هاجر، أنا بس حبيت اخد حقي "
ـ "إنت مجنون حق اي؟!"
صوتها اتكسر وهي بتقولها، دموعها بدأت تلمع في عينيها،
لكن راكان ضحك بخفة وقال:
ـ "مجنون؟ يمكن… بس كلامك مش هيأثر فيا ولا هيخليني اتراجع عن اللي ف دماغي ."
الكلمة دي خرجت منه بهدوء، لكن وقعها كان تقيل عليها،
هاجر قالت وهي بتضحك ضحكة فيها وجع وسخرية، صوتها بيرتعش وهي بتحاول تخبي خوفها ودموعها:
ـ "كل دا… عشان اللي حصل في المكتب؟!"
ابتسامة راكان اتسعت، بس كانت ابتسامة خالية من الدفا، فيها برود غريب ونغمة خبيثة خلت قلبها ينقبض:
ـ "لا يا هاجر، أنا مش تافه أوي كده… أنا هاخد حقي من الشخص اللي كان السبب في موت أمي."
سكت لحظة، وصوته اتغير، بقى تقيل كأنه طالع من جرح قديم، عيونه لمعت بغل دفين وهو بيكمّل:
ـ "هاخد حقي منهم بالطريقة اللي توجعهم."
هاجر اتراجعت خطوة، ملامحها اتبدلت، الخوف بدأ ياكل ملامحها، قالت:
ـ "وانا مالي؟ مالي بكل ده؟ أنا معرفش مامتك ولا عمري شوفتها!"
نظرات راكان سكنت عليها، كان فيهم وجع مش مفهوم، قرب منها بخطوة بطيئة وقال بنبرة خافتة بس بتغلي من جوّه:
ـ "ما تعرفيهاش… بس هي هتعرف وجع فقدِك، زي ما أنا عرفت وجع فقد أمي."
هاجر بصّت له بذهول، حاجبها اترفع وملامحها اتجمدت كأن الزمن وقف للحظة،
صوتها خرج متقطع بين الخوف والدهشة:
ـ "مين اللي هتعرف وجع فقدي؟ أنا مش فاهمة حاجة!"
راكان ضحك ضحكة خفيفة بس مليانة مرارة، ضحكة مافيهاش ولا ذرة دفء،
قرب منها بخطوة، عيونه كانت بتولّع غضب، وصوته نزل حاد زي السكينة:
ـ "أمك… نيهال عمر القاضي، هي السبب في كل اللي بيحصلك دا."
هاجر اتجمدت مكانها، الكلمة دخلت ودنها بس عقلها رفض يصدق،
ـ "ماما؟! إنت بتقول إيه؟!"
راكان شد نفسه وقال ببرود قاتل، كل حرف بيخرج منه كأنه بينتقم:
ـ "أيوه، مامتك… هي السبب في موت أمي، والنهارده… جاي الدور عليكم تحسّوا بنفس الوجع اللي أنا عشت فيه سنين."
صوته كان ثابت بس عنيه كانت بتكشف كل العاصفة اللي جواه،
دموع الغضب مكبوته، وهاجر حسّت إن الدنيا بتلف بيها، قلبها بيتخبط في صدرها،
الكلمات تقيلة… تقيلة أوي، والهوى في الأوضة بقى خانق.
سألت بصوت واطي مبحوح:
ـ "إزاي؟! إزاي ماما تكون السبب؟!"
راكان بوجع:
_ياااه إزاي دي محتاجه اقولك من اول م امك دخلت شركه أبويا و .....
صوت الموبايل قطع اللحظة زي سكينة بتشق الهوا،
راكان عض شفايفه بزفره مليانة ضيق،
مد إيده ف جيبه وسحب الفون رد وهو بيحاول يسيطر على نبرته:
ـ "ألو، في إيه يا عبدالرحمن؟"
جاله صوت عبدالرحمن متوتر، نفسه متقطع كأنه جري قبل ما يتكلم:
ـ "طنط نيهال يا راكان… جت الشركة وهي متعصبه وشكلها غضبان ومنهاره"
راكان اتعدل في مكانه، عضلة فكه شدت، وصوته بقى حاد:
ـ "منهارة ليه؟ إيه عرفت حاجه؟"
عبدالرحمن بلع ريقه وقال بسرعة:
ـ "لندا… وهي بتنضّف الصبح لقت باسبور هاجر!
يعني البنت مسافرتش، ونيهال دلوقتي بتدور عليها في كل مكان…
وكمان شاكّة فيك، بتقول إنك كدبت عليها وقلت إنها سافرت!"
يتبعععع
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملةمن هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق