سكريبت فقدان الام كامله بقلم حور حمدان
سكريبت فقدان الام كامله بقلم حور حمدان
كنت قاعدة وسط الناس، الأصوات حواليا متداخلة... عزا، قرآن، دعوات، دموع، وكل حاجة كأنها بتتخبط في وداني من بعيد.
بس أنا، كنت حاسة إني مش هنا.
مش في المكان ده، ولا في اللحظة دي.
كنت تايهة في دوامة، مش عارفة أصدق إن ماما خلاص... راحت.
كل ما حد يقول "البقاء لله"، بحس الكلمة بتدخل جوايا زي سكينة.
البقاء لله؟ طب وأنا؟ أنا أعيش إزاي من غيرها؟
كنت ببص على مكانها، الكرسي اللي كانت بتقعد عليه، صوتها وهي تناديني: "يا جنى، تعالي ساعديني في المطبخ"،
كل حاجة في البيت ريحتها، كل نفس من الهوا فيه أثرها.
الدموع كانت بتخوني، بس قلبي بيصرخ من جوه:
ليه يا ماما؟ ليه سبتيني وأنا لسه محتاجاكي؟
كل لحظة وأنا قاعدة هناك، بتتكرر في دماغي اللحظة اللي دخلت فيها الشقة.
كان اليوم عادي، أو أنا كنت فاكرة كده...
رجعت متأخرة شوية، زي العادة، وهي كانت لوحدها في البيت.
كنت داخلة وبيدي المفتاح، وقلبي متطمن إنها هناك،
لكن اللي شُفته، لا يمكن أنساه.
كانت على الأرض...
عينيها مقفولة، ملامحها هادية بشكل يخوف.
فضلت أصرخ "ماما، قومي بالله عليكي قومي"،
بس هي ما قامتش.
كل حاجة بعدها كانت ضباب... صوتي، نفسي، دموعي، كلهم اختفوا في لحظة.
الناس جم، الإسعاف، الجيران، كله اتحرك حواليّ وأنا كإني متجمدة.
حد كان بيهزني وبيقول "اصبري"،
بس أنا ما كنتش سامعة غير صوتها جوا دماغي.
الصوت ده هو اللي قتلني بعدين.
افتكرت رسايلها...
افتكرت آخر مرة كلمتني فيها.
كانت بتقولي وهي فرحانة:
مش هتيجي بقاا بعملك الفشار اللي بتحبيه...
كنت متضايقة يومها، مكنتش في المود أتكلم.
كتبتلها بضيق:
اي القرف دا يا ماما اي دا يجد.؟ دا منظر.
والرد اللي بعدها كان زي خنجر دلوقتي بيقطعني كل ما أفتكره:
بتقولي على النعمة بتاعت ربنا دي قرف؟ دا أنا معرفتش أربي...
ساعتها ضحكت بسخرية وقلت لنفسي: "ماما دايمًا بتكبر كل حاجة"،
بس دلوقتي... دلوقتي نفسي أقولها "آسفة"
آسفة على كل كلمة خرجت مني وأنا مش قاصدة.
آسفة على كل مرة اتأخرت فيها برة وهي مستنياني على العشا.
آسفة على كل يوم رجعت مكشرة بدل ما أبوس إيدها وأضحك في وشها.
كنت قاعدة في العزا، والكل حواليّ بيواسيني،
بس أنا كنت عايشة جوا مشهد تاني...
شايفة ضحكتها، صوتها، ريحة طبخها، وكل لحظة بيني وبينها بترجعلي واحدة واحدة.
افتكرت لما كانت بتزن عليا عشان أكل، وأنا أقولها:
"خلاص يا ماما بطلي زن، مش جعانة."
دلوقتي نفسي الزمن يرجع، عشان أكل حتى لو مش جعانة.
بكيت... بكيت لحد ما وجع عيني بقى ألم في صدري.
قلت وأنا ببص على صورتها اللي محطوطة قدامي:
ارجعي يا ماما... أرجوكي ارجعيلي.
هاكل كل حاجة تعمليها، والله ما هقول مش بحبها.
مش هتأخر تاني، والله ما هخرج برة البيت إلا وإنتِ راضية.
مش هرفع صوتي عليكي، ولا هقول كلمة تزعلك.
كنت بكلم الصورة كأنها هترد،
كأنها ممكن في لحظة تفتح عينيها وتضحك وتقول: "خضيتيني يا جنى".
بس مفيش صوت.
بس السكون.
والبرد اللي ساكن في قلبي من ساعتها مش راح.
الناس بدأت تقوم، وكل واحدة تبصلي بحزن،
بس محدش عارف إن وجعي مش في غيابها بس...
وجعي في كل كلمة خرجت مني غلط.
في كل مرة ما قلتش "بحبك"، في كل مرة ما حضنتهاش.
قمت أدخل أوضتها، ريحة عطرها لسه في الهوا،
المسبحة بتاعتها على التسريحة، والنظارة فوق المصحف،
ولقيت ورقة صغيرة، بخطها، مكتوب فيها:
"ما تزعلش يا بنتي من كتر كلامي، أنا بس بخاف عليكي."
الدموع نزلت من غير إرادة،
حضنت الورقة كأني بحضنها،
وقلت وأنا ببكي بصوت عالي:
انتي كنتي بتخافي عليا وأنا اللي خفت منك، سامحيني.
ارجعيلي يا ماما، أرجوكي، ارجعيلي بس دقيقة واحدة.
عايزة أقولك إني كنت بحبك حتى وأنا بزعق.
صوتي كان بيتهدج، نفسي متقطع،
بس في النص كنت حاسة إن روحها سامعاني،
زي ما كانت دايمًا بتحس بيا قبل ما أتكلم.
قعدت على سريرها، مسحت دموعي،
وبصيت للسقف وقلت بهدوء:
يا رب، لو في طريقة، خليني أشوفها في حلم،
خليني أقولها اللي مقدرتش أقوله وهي عايشة.
وسكت،
وساعتها حسّيت كأن ريحتها عادت تاني في الهوا،
وكأن حضنها بيطمني من غير كلام.
عيوني غفلو غصب عني، يمكن من التعب، يمكن من الوجع،
بس اللي شُفته وأنا نايمة...
ما كانش مجرد حلم.
كان كأنه حقيقة.
كنت واقفة في نفس الصالة،
النور خافت، وريحتها مالية المكان،
ولما بصّيت ناحيت المطبخ...
شُفتها.
ماما.
كانت واقفة هناك، بنفس الهدوم اللي كانت لابساها آخر يوم.
وشّها منوّر، بس في عتاب في عينيها،
نادت عليّا بصوتها الدافي اللي كنت بموت عليه:
جنى...
جريت عليها وأنا بعيط،
مامااااا، ماما إنتِ رجعتي؟
قربت مني، بس ما حضنتنيش...
مدّت إيدها على خدي، لمستها كانت خفيفة جدًا، كأنها نسمة.
قالت بهدوء، بس كل كلمة منها كسرت قلبي:
أنا زعلانة منك أوي يا جنى...
حسّيت روحي بتتهز، قلت وأنا بعيط:
سامحيني يا ماما، والله ما كنت أقصد، كنت متضايقة ومش واخدة بالي.
أنا آسفة على كل كلمة، والله بحبك.
ابتسمت ابتسامة وجع، وقالتلي بصوتها اللي كنت مستنيه أسمعه:
عارفة يا بنتي... عارفة إنك بتحبيني،
بس الكلمة اللي بتتقال بوجع بتوجع القلب، حتى لو بعدها ندم.
قربت أكتر،
لمست شعرها، بس صوابعي عَدّت من خلالها كأنها دخان،
ساعتها عرفت إنها مش هنا... إنها حلم.
قالت وهي بتبصلي بعينين كلها حنان:
أنا مسامحاكي يا جنى...
بس حافظي على نفسك، متزعقيش، ومتسيبيش البيت فاضي من غير ضحكتك.
صرخت وأنا بمد إيدي ليها:
لااااا، استني يا ماما، متروحيش، أرجوكي متسيبينيش تاني.
بس هي ابتسمت وراحت تسيبني،
خطوة ورا خطوة، لحد ما النور اختفى،
ومعاها اختفى الدفا،
واختفى كل صوت... إلا صوتي وأنا بنادي:
مامااااا...
صحيت مفزوعة، جسمي كله عرق،
بس ريحتها كانت لسه في الهوا.
بصّيت حواليا، لقيت المسبحة بتاعتها على الكومود،
كأنها كانت هنا... ولسه ماشية من شوية.
حضنت المسبحة وبكيت،
بس المرة دي مش بس بالوجع،
بكيت بحنين، وبشكر، وبحب ملوش نهاية.
همست وأنا حاضناها:
بحبك يا ماما،
وهعيش زي ما كنتي عايزة،
بس وعد، لما أنام تاني... تعاليلي تاني.
وانتهى كل شيء بصوت النسمة اللي دخلت من الشباك،
كأنها همستلي:
"مسامحاكي... يا بنتي."
الاسكربت دا خلاني اعيط وانا بكتبة
حقيقي الواحد من غير ام ميسواش اي حاجة، ربنا يديمك يا امي ويديم صوتك وضحكتك وجمال حضنك طول حياتي يارب اللهم احفظ أمي من كل وجع، وخلّيها دايمًا بخير وسعادة، وارزقها راحة ما بعدها تعب، وضحكة ما تفارقش وشها أبدًا، يا رب طوّل عمرها وخلّيها سندي طول حياتي
#تمتت
#فقدان_الام
#حكاوي_كاتبة
#حور_حمدان
 














تعليقات
إرسال تعليق