سكريبت ولا طلاق تلاتة لو مدفعتش اللي عليك هبوسك وسط الحرم الجامعي." كامله بقلم نورهان علام
سكريبت ولا طلاق تلاتة لو مدفعتش اللي عليك هبوسك وسط الحرم الجامعي." كامله بقلم نورهان علام
" ولا طلاق تلاتة لو مدفعتش اللي عليك هبوسك وسط الحرم الجامعي."
كنت واقفة جنب كتفه فلقيته جري وقال:
"اهدي يا بنت المجانين هتفضحيني."
"ادفع اللي عليك يعني ومش هيبقى في فضايح."
قرب مني، وبص ليا بقرف وطلع 200 جنيه من محفظته وقال:
"يا رب تفتكري، عشان أنا دافع الـ200 جنيه دي أربع مرات قبل كده."
شهقت وأنا بحط إيدي في وسطي وبقول:
"إيش تقصد يا واد؟
تقصد إني كدابة؟"
"لا طبعًا، فشر اللي يقول كده."
"تقصد إني نصابة؟"
"ما أنتِ نصابة عليا في قلبي ومحدش قالك حاجة."
ضحكت بصوت عالي، راح كتم بُقي وهو بيقول بعصبية:
"بت، اتضبطي كده لا أزعلك على نفسك."
"خلاص يا أنووس قلبك أبيض بقى."
"يلا على محاضرتك، هبقى أجي أخدك، يا ريت ما تتحركيش من المدرج."
"خايف عليا يا واد؟"
رفعت حاجبي وأنا بقولها بتشكيك، فضحك وسابني ومشي. فضلت ماشية مبتسمة لغاية ما وصلت للمدرج. وأنا بخرج حاجاتي من الشنطة لقيت البلطو بتاع أنس، طب بشري اللي مشرفنا، ومشرف العيلة كلها.
قمت من مكاني بسرعة أجري على دخول الدكتور اللي كان هيقع ووقعت له حاجاته!!
مبروك، أنس مسقطش لوحده. لميت حاجته وأنا بدي له وبعتذر وحاجاتي كلها عمالة تقع.
أخذت حاجتي وطلعت أجري بعدها. كده كده راجل مكحكح ومش عارف اسمي، يحلني بقى لغاية ما يجيبني في مدرجات حقوق.
مشيت شبه بجري، من حقوق لطب للمعمل بتاعهم مسافة كبيرة. وصلت في وقت قياسي عند المعمل، كان الكل موجود والباب اتفتح. توقعت إن ده أنس اللي هيتطرد لأن البلطو مش معاه، لكنه مطلعش هو. كان شاب طويل كده، لابس أسود في أسود، وعنده لحية بسيطة خالص. فضل واقف وباصص في الأرض لغاية ما سألته.
—————————————————-—————————————————-
خرجت لقيت شبر ونص اللي بيقولوا عليه في وشي. كان نظر فجأة، عشان كده غضيت بصري عنها بسرعة وبصيت في الأرض. بس إيه الأحجام دي يا جماعة؟ متأكدين إن دي مش بنت واحد فيكم وجابها معاه؟
فضلت واقف ساكت وعيني في الأرض، مدرك إن أي طالب تاني لو نسي البلطو هيبقى عادي. لكن وهدان أبو ليلة، له تعامل تاني.
"هو أنس جوه؟"
بصيت ناحيتها أتأكد الصوت العالي ده جاي من الحنجرة دي فعلا ولا إيه.
"أنس النحاس جوه؟؟"
"أيوه جوه."
ما عرفوش بعينه بس سمعت اسمه جوه. سكتت شوية وبعدين قالت جملة بصوت مش مسموع، غالبًا بتكلم نفسها فكانت هتمشي، لكني قلت لها:
"آنسة... أنتِ مش داخلة الامتحان ؟"
"لا أنا حقوق أصلًا، بس..."
ما استنتهاش تكمل كلامها. رحت قلت لها:
"طب تديني البلطو ده... وأنا هديه لأنس بنفسي."
بصت بشك وقالت:
"أنت تعرف أنس؟؟"
ضحكت في نفسي على السؤال وبعدين قلت من غير ما أبص لها:
"أنس ده أخويا... هاتي بس البلطو."
اديتني البلطو على طول وأنا جريت على جوه، اعتذرت وقعدت مكاني. من حقي أحضر بدل ما البلطو موجود. بالمناسبة أنا ما كدبتش، أنس أخويا في الإسلام، فكوني قلت إنه أخويا ده لا ينفي اني معرفوش.
وكده كده أنا عرفت اسمه، فسهل عليا أديله البلطو بعد السكشن.
—————————————————-—————————————————-
"يا اللي منك لله، ما جبتش البلطو ليه؟ فضلت قاعد ملطوع قصاد المعمل. لولا واحد صاحبي في صيدلة إداني البلطو بتاعه كنت هشيل المادة."
"نعم!
أنا اديته لصاحبك اللي لابس أسود عشان يدخله لك."
"صاحبي مين!
هو أنا عندي صحاب في الدفعة أصلًا؟"
أحيه، أنا ضيعت البلطو بتاع أنس ولا إيه؟ ده يقتلني فيها. بصيت بعيد لقيت الحرامي اللي أخد مني البلطو جاي علينا. جريت ناحيته وأنس جري ورايا من غير ما يفهم في إيه، هو متأكد إني رايحة أعمل مصيبة.
"يا كداب يا حرامي! بتقول إنك صاحبه وأخدت البلطو وخلعت!"
في ثواني كان ذراع أنس رجعني وراه، وهو وقف مع الحرامي بيتكلم وفي الآخر لقيته بيسلم عليه وأخد البلطو وأخد إيدي معاه ومشينا.
"ده طلع صاحبك بجد!."
"اكتمي خالص لغاية البيت."
زفرت وسيبت إيده عشان أعدل طرحتي اللي اتزحلقت لما جريت. عارفة إن اللي عملته ده غلط وهو بيضايق، بس انفعلت واتعصبت، ما بحبش حد يضحك عليا.
"يلا يا أنس يا حبيبي انزل صلي وأنا هحط الغدا."
"حاضر يا سوسو، هقيم ورق العنب ده وأنزل على طول."
كانت ماما لسه هتعترض، لكني سبقتها وأخدت الطبق من قدامه.
"مافيش أكل يا واد يا صعلوك أنت... أنت بتفوت المغرب في المسجد بقالك تلات أيام عشان بطنك. طلاق تلاتة مش هتحط لقمة في بُقك غير لما تطلع. وهمتك بقى عشان فاضل دقيقتين على الإقامة."
بص ليا بعند وهو بيخطف صباع ورق عنب وبيجري على السلم وهو بيقول:
"ابقوا دورلكم على محلل يا قطة، لحسن أنتِ طلقتي الراجل ده ٩٩٩ مرة من امبارح بس."
—————————————————-—————————————————-
دخلت البيت، أنا لسه فاكر الشبر ونص وبضحك. بجد أنا ممكن أرفعها بإيد واحدة وأعملها زي عجينة البيتزا. يا سلام لو أم هناء تعملي بيتزا النهاردة، ولا تعمل طاجن لحمة ضاني. فضلت ماشي بحلم بالأكل لغاية لمحت أبويا قاعد بعيد، وقبل ما أروح قصاده لقيت أمي وأم هناء مسكوني وقالوا:
"استنى يا وهدان، أبوك متعصب أوي دلوقتي."
"إيه حصل! ما الدنيا كانت فل الصبح."
"عرف إنك هتشيل المادة بسبب إنك نسيت البلطو، وإن الدكتور هزقك، وكان في بنت عنده خبطت فيه ووقعت حاجته ومشيت من غير ما تعتذر، وهو حلف إنه يعرف اسمها ويخليها تشيل المادة."
"على فكرة أنا دخلت الامتحان يا ماما، وبعدين الله أعلم إيه عند البنت خلاها مستعجلة كده. كل الناس عندها ظروفها."
كنت مضايق أوي، لأن أخباري بتوصل له بث مباشر، ولأن البنت دي فعلًا هيشيلها المادة أربع سنين عادي. أبويا دكتور جامعي من النوع اللي الطلاب بيكرهوه. نفسي أسأله بيصعب حياتهم ليه. طلعت أوضتي بزهق والمغرب أذّن. اتوضيت سريعًا ونزلت جاري عشان ألحق الإقامة في المسجد. هو بعيد عن الفيلا كتير. نزلت على السلم جاري ولسه هقرب من الباب لقيت أبويا بينادي:
"وهدان!"
"حاضر يا بابا، هروح أصلي وأجيلك من عنيا."
قوتها وأنا بطير على الموتوسيكل بتاعي وفي أربع دقايق كنت في المسجد، وبعدها للبيت. المرة دي كان سهل أسمع صوت أبويا من على بعد كيلو من مكتبه:
"أيوه هي قصيرة، ابعتلي صورتها يا خالد...
أيوه هي البنت دي، عاوز اسم فيروز طه عبد العزيز. تلغي كل أعمال السنة، واعمل على اسمها. كده كده فرقة رابعة عندهم امتحان كمان يومين. البنت دي ما تاخدش ولا درجة يا خالد!
ولا درجة واحدة، عاوزها تشيل المادة عشان تتعلم الأدب."
ما كنتش قادر أستنى أكتر. فتحت الباب ودخلت، فصلت مستني يخلص مكالمته. وفعلا خلصها وبدأ يزعق لي من غير ما ألحق أقول كلمة!!
"يا أهلا بالشيخ وهدان. استشيخ أنت وأنا لسه بلم زبالتك... هو ده اللي هترجع الكلية؟! وهتدخل امتحاناتك!
أنت هتبطل تدفس أسمي في التراب إمتى؟؟
لسه خلصانين من قضية المخدرات وقفلنا عليها، ناقص إيه ما عملتوش يا وهدان؟"
كانت راسي في الأرض، مش عارف أقول كلمة، ومش عارف أمحي الزبالة اللي كتبتها بنفسي على اسمي. عارف إنه استحمل كتير ولم ورايا بلاوي كتير، لكني قلت:
"والله يا بابا اتغيرت. وهدان بتاع زمان والقرف ده انتهى. أنت بنفسك شايفني يا في البيت يا في المسجد يا في الكلية. وأنا عارف إن قضية المخدرات مش بتاعتي، أنت بنفسك شاهد على ده!
مش هنكر إني كنت بشرب كل فترة!
لكن مش لدرجة بيع وقضية."
"بلا شاهد بلا مش شاهد! أنت مش حطيت اسمنا في القرف ده!
وبعدين عملت إيه في امتحان النهاردة؟ ومشيت من الكلية بدري ليه؟"
"أنا اتصرفت في البلطو ودخلت الامتحان وكان تمام. ومشيت بدري لأني مش بحب دكتور جمال وهو مش بيسيبني في حالي. كده كده أنا ضامن مادته."
"اتفضل اطلع بره."
ما قدرتش أمسك نفسي من الضحك. إيه لازمتها "اتفضل" بقى. كنت فصلت واقف وأنا ناوي أكلمه في حوار البنت دي.
"بابا... ممكن بس أطلب منك طلب."
"عاوز إيه؟"
"البنت اللي خبطتك دي، بلاش تشيلها المادة. حرام يعني، أكيد ما كانتش تقصد توقع حاجاتك أو تكسر المج بتاعك. الله أعلم يمكن حصلها ظرف أو كانت مستعجلة."
"وإيه كمان يا أستاذ وهدان؟؟
تحب أرتبها على الدفعة كمان؟
وأنت أصلًا تعرفها منين؟ تكنش واحدة من الزبالة اللي بتتلم عليها؟ هي أصلًا شكلها بنت..."
يتابع…
|2|
"أنوووس... اصحى يا باشا."
قام مفزوع على صوتي وهو بيقول:
"إي... إي، نفسي أصحى مش مفزوع منك."
"مش هتصدق مين بعتلي... سهيلة بعتت لي."
ثم اتعدل أول ما سمع اسمها وقال:
"قالت إيه ولا محتاجة إيه؟"
"قالت إنها في حاجات مش فاهمها، وعاوزاني أشرحها لها عشان الامتحان كمان يومين، وأنا عزمتها النهاردة بعد الكلية على الغداء... ابسط يا عم، هتشوفها."
نهيت كلامي وأنا بغمز له، فقال وهو بيقوم من مكانه يجهز لبسه:
"مين قال إني هبقى موجود؟ هنزل أروح في أي حتة عشان تبقى براحتها."
لا مجال للنقاش مع أنس، عمري ما فهمته. شيلت همي وخرجت عشان ننزل الجامعة سوا، من الصدفة الحلوة إن امتحانه في معاد محاضرة ليا.
———————————————
كنت طاير بالموتوسيكل، مبحبش أقول عليه بايك. مؤخرًا بقيت كل ما أركبه أقول "دراجة نارية"، الاسم جامد أوي. كانت السرعة رهيبة والطريق فاضي، ومحدش يعرف إن الدموع كانت بتسيل. مكانش الهوا، يمكن بوجع الإنسان على القرف اللي كان بيعمله. فضلت ألف لغاية الساعة 8 الصبح، كان عندي سكشن عملي وامتحان، والحمد لله كنت فارم المادة. كنت حريص إني آخد البلطو، وكل ما أبص للبلطو أفتكر الشبر ونص بتاعت امبارح.
"أبو ليلة اللي وحشنا... شايفك بدأت ترجع الكلية وتحضر السكاشن."
"الحمد لله، غباء إن الإنسان يهمل نعم ربنا عليه."
رفع حاجبه، مش متخيل إني بقول كده، فقرب مني وغمزلي وقال بصوت هادي:
"الليلة في السخنة... ليلة سفاري نار، وسباق بايك كمان، وحتت طرية تنسيك اسمك يا باشا."
"شوف حاجاتك عند حد تاني... أنا بطلت."
فضل متنح شوية من برودي، وركز في ملامحي ولحيتي الصغيرة وقال:
"بطلت إيه، للامؤاخذة؟"
"بطلت أي حاجة ممكن تغضب ربنا، وبحاول أكفر عن القرف اللي كنت بعمله... إيه مش مفهوم؟"
"إنت هتستشيخ علينا! ده إنت البابا بتاعنا."
"لو إنت شايف إن الإنسان يتوب لربنا مشيخة؟
فآه أنا يا عم استشيخت، وياريتني شبه الشيوخ. وبعدين البابا ربنا تاب عليه، ربنا يتوب عليكم إنتو كمان. لو محتاج أي حاجة أنا لسه وهدان أخوك، لكن لو شغل شمال فبلاش تتصل بيا، عشان غرضك مش عندي."
فضل باصص عليا وأنا ماشي. أنا مدرك الصدمة، لأني أنا كمان مصدوم. خلصت السكشن، وكان بعده، وروحت على المكتبة أذاكر ساعتين، وبعدها نزلت المسجد أصلي أربع ركعات ضحى سريعًا. أهو الإنسان يدفع أجر الصحة اللي عاش سنين بيصرفها في معاصي.
"بسم الله الرحمن الرحيم."
قولتها بفزع وأنا باصص على شمالي، لقيت شاب نائم! من تلت ثواني مكانش فيه حد.
"أكيد مش عفريت فاضي ملقاش غير المسجد يطلعلي فيه!"
"يا سطا إنت قطعتلي الخلف، وأنا لسه صغير عاوز أتجوز."
لف ناحيتي واعتدل في قعدته، وهو بيضيق عيني ولسه هيسأل، فسبقته بضحك وقولت:
"أيوة... وهدان أبو ليلة."
"أنس النحاس."
"كنت بدور عليك عشان أشكرك على البلطو تاني، حقيقي إنت مش عارف إنت عملت معايا إيه."
"والله أنا اللي بعتذرلك على اللي حصل... وعموما الموضوع واحد يا خويا."
ابتسمت، شكله شاب محترم. خليته يقوم يصلي الضحى، وبعدها خرجت الشيت للمادة اللي كنت عاملها وأنا سهران، فيها كل الحاجات المهمة والثغرات اللي بين السطور، وكمان بصمجة توزن الدماغ.
"بص، ركز على الحتة دي... بقاله أربع سنين بيجبها في الميدترم."
بص للشيت وقاعد يراجع عليه بسرعة، وبعدين بصلي وقال:
"متأكد إنك وهدان أبو ليلة يا سطا؟"
ضحكت جامد وأنا بقول:
"والله وهدان، بس وهدان اللي ربنا تاب عليه. وبعدين متقلش بالشيت ده، ده أنا خبرة أربع سنين في سنة رابعة بس."
"وهدان، أنا من فرقة أولى وأنا بسمع عنك. إنت كان زمانك متخرج ومعاك عيال."
"أهو لعب العيال بقى هو اللي شغلني عن مستقبلي وحياتي. وأديني رجعت، وأن تأتي متأخرًا خيرٌ من أن لا تأتي."
خرجنا من المسجد، وكنا رايحين على مدرج الامتحان وبنراجع سوا، لغاية ما لقيت الشبر ونص بتاعت امبارح بتجري على أنس وسط الزحمة ودموعها مغرقاها وبتحضنه.
"فيروز!
فيروز... اهدي يا حبيبتي، حصل إيه بس؟ فهميني."
خرجت من حضنه ومسح دموعها، وانحنى شوية لطولها، لأن فرق الطول بينهم شاسع. وأنا كنت قاعدت شوية عنهم، لكن نبرة صوتها العالية مع شهقاتها وهي بتتكلم كانت واصلة ليا:
"الد... الدكتور... منعني من الدخول... هزقني جامد... أنا شلت المادة من قبل ما أمتحن يا أنس."
"أنا مش فاهم حاجة يا حبيبتي. براحة وبطلي عياط، أنا هتصرف وهحل الدنيا، بس اهدي وفهميني."
جم وقعدوا جنبي، وهو مقربها له وماسك يديها وبيقولها:
"احكيلي يا فيروز من غير عياط."
"امبارح لما نسيت معايا البلطو... أنا جريت عشان ألحق أجيبهلك... من غير قصدي خبطت في الدكتور وحاجاته وقعت، وأنا كمان حاجاتي وقعت. اعتذرت له ولميت حاجته... ومشيت من غير ما أحضر المحاضرة أصلًا عشانك. من شوية لما دخل قال اسمي وخلاني أقوم..."
عيطها زاد، وأنس عمال يهديها، وبعدين قالت:
"طردني وهزقني قصاد الكل، وقال إني مش هتخرج بسبب المادة دي، ومش هحضرله تاني."
كنت استوعبت كويس مين الدكتور ده، وكنت قاعد قرفان من نفسي. الامتحان بتاعنا كان هيبدأ، وأنا مدرك إن أنس مشغول مع مراته دلوقتي، بس لازم يدخل الامتحان. معرفش ليه حللت إنهم متجوزين، بس شكلهم مش إخوات أبدًا. وأنا امبارح سمعت أبويا بيقول "فيروز طه"، وأنس اسمه أنس مصطفى النحاس. والولد شكله محترم مش لدرجة يحضن واحدة مش مراته أو أخته!
"أنس... امتحانك!!
ادخل وأنا هستناك هنا، مش هتحرك."
كان كلامها، وجملتين تلاتة خلاه يدخل. قومت معاه، والامتحان عدى وهو شكله متوتر. فقربت منه وقولت:
"محلولة بإذن الله، ركز بس في امتحانك، والأمر كله بيد ربنا."
خلصنا الامتحان، وهو مشي معاها، وأنا روحت على مدرجات حقوق أدور على أبويا. في الآخر معرفتش أوصل له، روحت البيت وكان بالي مشغول ومضايق على أنس، وأنا مدرك إنه لازم يحل المشكلة عشان مراته، ووضعه كطالب مش يخليه ياخد حقه ولا باطل من دكتور الجامعة المخضرم! عشان كده قعدت أدور على رقمه في جروب الدفعة، لغاية ما وصلت واتصلت بيه. فردت واحدة ست كبيرة شوية لكن صوتها مرح ولذيذ:
"ألو؟"
"رقم أنس النحاس؟"
"أيوه هو يا حبيبي، بس هو نايم. أقوله مين؟"
"ولااا طلاق تلاتة لو منزلتش تجيب آيس كريم لأحزنك عشان التيشيرت الجديد."
"بنت أبوكي بحق، فكري تلمسيه! ده أنا أفضي لك الشامبو أول 700 جنيه في قاعدة الحمام... مين بيتصل يا سوسو؟"
كان حوار عائلي لطيف مقدرتش مضحكش عليه. ضحكت على كلام أنس وهو بيتخانق مع أخته الصغيرة، لغاية ما أنس كلمني أخيرًا وقال:
"إيه يا وهدان... معلش على الفضايح العائلية دي. آمرني."
"ولا يهمك يا باشا. المهم إنت هتعمل إيه في حوار الدكتور اللي ضايق مراتك؟ أنا عندي اقتراح..."
"مرات مين، للامؤاخذة؟"
عقدت حاجبي باستغراب وقولت:
"مش قصدي أتدخل، بس البنت اللي كانت بتعيط الصبح دي مراتك؟ أنا محروج وأنا بكلمك والله، بس الدكتور ده يبقى أبويا، وأنا كنت بحاول نلاقي حل سوا، عشان هو صعب وكده."
"تتحرج ليه يا ابني؟
أكيد مش هاخد حد بذنب حد. أنا فكرت أقدم شكوى، متزعلش يعني، بس ده مستقبلها، ونشوف الأمور هتمشي إزاي."
"بص، أنا عندي حل أفضل..."
قولت له الاقتراح اللي عندي، وفعلا اقتنع. وأنا فضلت مستني أبويا على الغدا، لأننا من امبارح متكلمناش. أنا بس فهمته إن البنت ملهاش علاقة بينا. وخرجت من بابا لسه داخل البيت، وفعلا دخلت مكتبه بعد الغدا وقولت:
"بابا... كنت قاصدك في خدمة، وعارف إنك مش هتكسفني."
"عاوز إيه؟
واسطة عشان تعدي من امتحان النهاردة؟"
اتنهدت، وقولت بهزار خفيف عشان الجو يفك:
"أنا مستني بس النتيجة تظهر ونشوف ترتيبي على الدفعة، عشان تعرف إني فعلًا كنت جد لما رجعت الكلية وهشرفك."
"مافيش حد مسؤول عن سمعتي قدك. شوية ملموملي على شلة مقاطيع وشرب وسهر، ودلوقتي استشيختلي. وكل ما حد يلعب في ودانك بحاجة تعملها. مش عارف إمتى هشوفلك شخصية ورأي."
ابتسمت بوجع وزهق. مهما حاولت، الصورة هتفضل كما هي. عشان كده قفلت الموضوع وقولت:
"ده مش موضوعنا دلوقتي. أنا بس كنت قاصدك في حاجة تانية... البنت اللي خبطت فيك من يومين، صدقني هي مكانش قصدها. جوزها يبقى صاحبي وفي دفعتي، وكان ناسي البلطو معاها. ولما جات عند المعمل، أنا اللي أخدت البلطو ودخلت الامتحان. يعني لولاها كنت هشيل المادة بجد. هي أنقذتني، فرد المعروف لها إنها متشيلش المادة هي كمان."
سكت شوية. كنت عارف إنه هيبدأ يفكر. أجمل خصاله إنه مش بينسى المعروف، وكمان بيحب صورته تكون كويسة. ورغم إنه بيقطمني، أنا متأكد إنه فرحان إني رجعت الكلية، بس خايف يثق فيا عشان أنا كتير أوي ضيعت ثقته. فطبيعي ياخد وقت لغاية ما يتقبل الوضع الجديد ويأمن له.
"إنت قولتلي صاحبك ده يبقى جوزها!؟"
بصيت شوية، وبعدين قولت:
"مش عارف، بس غالبًا جوزها أو قريبها أوي. أنا مفهمتش العلاقة أوي."
"على العموم، فيروز طه سليمان مش متجوزة. عشان بس هي اللي أنقذتك، أنا هخليها تنجح، بس مش هتدخل محاضراتي مرة تانية غير لو اعتذرت قصد المدرج."
"متشكر أوي يا بابا، ربنا يبارك فيك."
كنت مبسوط. فكرة إنه يوافق على طول دي معجزة. ومدرك إن البنت مش هتدخل محاضرة من غير ما تعتذر له. عرفت أنس اللي حصل، والغريب إنها اختارت إنها مش هتعتذر ومش هتدخل المحاضرات، وهتدخل الامتحان على طول. وده خلا أبويا يحطها في دماغه أكتر!!
الترم الأول خلص، والتاني قرب يخلص كمان، وأنا وأنس بقينا صحاب. وبطبيعة الحال، كنت بيصادف فيروز كتير. كنت بحكم بصري عنها عشان تخص صاحبي ومن أهل بيته، رغم إني نفسي استوعب بالعلاقة اللي بتجمعهم.
————————-———————————————
"أنوووس"
"جيتي في وقتك يا قطة، كنت عاوزه أفتحك في موضوع مهم."
رفعت حواجبي بشك، وقاعدت قدامه مربعة، وأخذت كيس الشبسي اللي في إيده وقلت:
"سمعني يا سيدي، نويت أخيرًا تروح تسأل البنت على رقم أبوها؟"
"مش عارف بتلفي وتدوري وتوصلي للنقطة دي إزاي، بس لا، مش ناوي آخد الخطوة دي. وعموما، أنتِ اللي سألتِ حد على رقم أبوكي."
"هم اللي أتصوا في نظرهم كتروا اليومين دول ولا إيه؟"
"أنتِ بس اللي حلوة زيادة ومجنونة، وتوقعي أي حد فيكِ يا فيروز... أنتِ بس مش شايفة دا بسبب حد غبي."
ابتسمت وأنا بقول له، وعيوني اشتملت دموعي، وشبكت في ذراعه وقلت:
"أنت مرايتي الحلوة يا أنس. أنا من غيرك مش هعرف أمشي ولا أعيش. تعرف إني من بعدها قولت إني مش بدخل في حياتي واحد إنت مش موافق عليه... ها بقى؟ ماقولتش مين اللي أتص في نظره وطلب رقم أبويا؟"
"حد من دفعتك، اسمه حسن. شكله محترم يعني مش وحش، بس لسه عاوز أسأل عليه وأتعامل معاه."
"أهم حاجة قولت له على ضوابط الخطوبة! معندناش حد يعطف ويلطف من غير كتب كتاب."
"قولت لهووافق؟"
"مش عارفة ليه مش مرتاحة يا أنس. ارفضه وكبّر دماغك من الحوار دا. مافيش راجل بييجي من وراها حاجة عدلة."
"ارفضه!!"
"آه، صدقني مش مرتاحة خالص."
————————————————————
— بعد أيام —
"يا رايق! قاعد بتشرب قهوة وأنا ملطوع بجيب لحضرتك الملازم."
"مش إنت اللي تطوعت، وقلت المكتبة جنب بيتك ومش عارف إيه. وبعدين دا لبن مش قهوة."
"لبن! طب اطلب لي واحد موز باللبن كبير، ويلا نذاكر عشان لسه هجيب فيروز من عند صاحبتها."
طلبت فعلا الموز باللبن، وكل ما بيجيب سيرتها يبقى عاوز أسأله!
هي تقربلك إيه؟ يعني هي من محارمك؟ هي مش مراتك ومش أختك، بس جايز يكونوا إخوات من الأم.
"أنس! معقول إنت هنا؟
أخبارك إيه، فكرت في الموضوع اللي اتكلمت فيه؟"
كان واضح على أنس إني انزعجت. أصلًا الشاب دا بشوفه واقف مع أنس بقاله أيام، معرفش هو عاوز منه إيه.
"الحمد لله يا حسن... أخبارك إنت إيه؟
صدقني يا ابني أنا سألتها واديتك إجابتها، وأنا مقدرش أضغط عليها."
"مش ضغط... بس حاول مرة كمان، يومين كده واعرض عليها تاني."
"بإذن الله، بس معتقدش رأيها هيتغير يا أبو علي."
مكنتش فاهم هنا بيتكلموا على إيه. جملتين تلاتة والشاب مشي، وأنس رجع يبص للفراغ بضيق، فقلت:
"مالك يا صاحبي؟
إيه اللي مضايقك؟"
"حسن دا متقدم لفيروز، وهي مش موافقة. وأنا قولت لها، بس بقاله أيام بيصر إني أعرض عليها تاني وأنا مش عاوز."
الدنيا كانت بتتعقد أكتر وأكتر، مكنتش فاهم حاجة، بس المعلومة اللي أخدتها من اليوم كله مع أنس إن مافيش حد في حياتها. مكنتش عارف ليه يهمني أسمع أخبارها، مش بدوّر، لكن أما بتبقى قدامي بتشدني لكل حاجة عنها.
مر كام يوم على كلامي مع أنس، حاجات كتير جات في بالي لغاية ما كنت قاعد مع أبويا في الجنينة وبتناقش في حاجات كتير، فقولت:
"بابا، أنا عاوز أتجوز..."
ضحك بصوت عالي وقال بسخرية
" تتجوز مرة واحده!
قول ترتبط … تخطب "
" اولا حرام أكلم واحده من غير رابط شرعي، واكيد يعني مش هروح اتجوز على طول، هنروح نتقدم ونعمل خطوبة بسيطة واتعرف عليها …. خطوات كتير بس اخرتها جواز يعني "
"وعينك رسيت على مين في الأخر بقى يا استاذ وهدان؟"
" فيروز طه "
يتابع …
|3|
"أنا مش فاهمة برضه هو طردك ليه؟"
ضحكت على حالتي وأنا قاعد في ورشتي أنا وعلي صاحبي، اللي قفلناها من سنة، رديت على سؤال أمي:
"والله أنا قولت له عاوز أتجوز وأتقدم لوحدة، وعينك ما تشوف إلا النور بعدها... وأدي آخرتها نايم في ورشة علي."
"أنا مش عارفة أفهم منه حاجة يا وهدان من ساعة ما مشيت وهو متعصب وماشي يشخط وينطر، حتى مقاليش إيه اللي حصل بينكم، ومصمم بكرة يروح الجامعة مع إنه كان ناوي يروح مراجعة الدكتور... هي البنت دي زميلتك في الكلية؟"
"نازل بكرة الكلية!! طب اقفلي وهكلمك تاني."
قفلت معاها وأنا مدرك إنه مش ناوي على خير، على الأقل ممكن يجرحها وهي مالهاش ذنب وإلى الآن ما تعرفش حاجة، اتصلت بأنس فردت عليَّ "سوسو".
ما أعرفش اسمها ولا تقرب له إيه، أنس شخص غريب جدًا رغم وده وكرمه وجدعنته إلا إنه مش بيقول كلمة واحدة عن بيته أو طفولته مثلًا.
"السلام عليكم يا وهدان يا ابني."
"وعليكم السلام ورحمة الله يا طنط، هو أنس صاحي؟"
"لا يا حبيبي نايم، وفونه بيشحن جنبي."
"طب معلش ممكن تصحيه ضروري، ما تقلقيش ما فيش حاجة تقلق بس هأسأله على حاجة ضروري."
"حاضر يا حبيبي أنا هأقوله يتصل بك."
بعد شوية اتصل بيَّ أنس وهو بيقول:
"خير يا وهدان أنت كويس؟؟
فيك حاجة؟ حصل حاجة أجيلك؟"
ابتسمت على صوته القلقان رغم إننا معرفة شهور قليلة إلا إني بقيت عارف إني في ظهري وهألاقيه وقت ما أحتاجه.
"لا خير ما تقلقش، هو بس حصل حاجة وكنت عاوز أقول حاول ما تجيبش بكرة آنسة فيروز الكلية."
"فيروز!
وإيه علاقتها؟
مش فاهم إيه اللي حصل؟"
"هأفهمك لما أشوفك بس بلاش تخليها تحضر بكرة وما تقلقش نفسك بجد ما فيش حاجة تقلق، هو بس حصل كام حاجة وهأفهمها لك بكرة لما أشوفك."
كان قلقان ومضايق إني ما قولتش بس الحمد لله وثق فيا وقال إنه مش هينزلها، وكمان قالي أجيله البيت عشان نتكلم وكمان أجيب له حاجاته اللي نسيها معايا.
————-————-————-————-————-
"وفيها إيه لو ابنك عاوز يتجوز يا محمد، مش أنت بنفسك اللي نفسك في دا من كذا سنة لعله يعقل... أهو عقل من غير جواز وجاي بنفسه بيقولك عاوزه يبدأ حياة تانية ويستقر."
"شكله يوم باين من أوله.... بصي يا سماح، إذا كان ابنك الغبي مفهّمك إني رافض جوازه عشان البنت اللي عاوزها يبقى ابنك عبيط عشان ما فهمش وأنتِ كمان عبيطة."
"أنا عمري ما كنت عبيطة يا محمد!
أنا عارفة إنك رافض فكرة الجواز من أصله!
مع إنك اللي كنت بتحلم يبقى عندك أحفاد، وبتحلم يبقى ابنك يبقى طولك وواقف معاك بيسندك!"
"وأنتِ شايفة حال ابنك دا ينفع أستند عليه، أنا تعبت، مش كل يوم فكرة جديدة وشخصية جديدة، أنتِ عاوزاني أعتمد على وهدان اللي كان هيتفصل من الكلية من سنة عشان قضية مخدرا.ت!!!
اللي كان هيوسّخ سمعتي! ووهدان اللي كان بيجي لي عيونه حمرا من الدخان، ولا إبراهيم اللي من استعراض نفسه عمل حادثة وكان مدغدغ أربع شهور!
ابنك لحد دلوقتي إيده الشمال بتترعش لو شال حاجة تقيلة!"
"وأنا عاوزة تفهمني إنك خايف منه!
أنت خايف عليه يا محمد، نفسي تطلع خوفك وحنينك دي قدامه، مش بألومك بس يمكن سبب إنك دايمًا كنت شادد عليه خلاه لما كبر وشاف الدنيا أغرته وزغللت عينه، خلينا متفقين إننا كان علينا دور كبير من ساعة ما ابنك دخل الكلية!
أكتر مرحلة المفروض أنت تصاحب ابنك فيها أنت سبته وأنا عمري ما كنت أقدر أحافظ عليه.... بس ابني اتغير يا محمد، ابننا اتغير، وهدان اللي بينام زي القتيل بقى بينام على الأرض عشان يقوم للفجر، بقى يجري على المسجد مع كل أذان، ابنك أنت لو دخلت أوضته هتشوف وهدان وهو رجع يقرأ ويتعلم في أي حاجة قصاده، أنا واثقة إنه اتغير يا محمد، أديه فرصة وبلاش تبعده عنك بإيدك تاني."
"أنا بقى مش عارف أصدقه زي ما أنتِ مصدقاه، مش قادر آمن له، فاكرة كام مرة جه قال أنا هتغير وهأبطل أعمل مصايب...."
"لا استنى... ما كانش بيقول إنه هيتغير كان لما بتيجي مشكلته لغاية عندك وإن في إيدك تنقذه وتقول بدل المرة مرتين وتلاتة وأربعة إنك مالكش دعوة وإن دا مش ابنك! ساعتها هو قالك إنه مش هيوصلك مصايبه تاني! لدرجة إن في القضية راح لصاحبك وما جالكش، ما تحاولي ترمي الذنب كله عليه، إحنا الاتنين مذنبين."
"تقدري تقولي ابنك ناوي يتجوز على أساس إيه؟
ابنك بيشتغل؟
معه شغلانة ومعه فلوس ولا ناوي يعتمد على فلوسي."
"إنك تقول كلمة فلوسي دي غلط، أنت بدل ما معاك واجب تساعد ابنك، وبعدين أنت عارف إن وهدان هيرجع لورشته، رغم إنك معترض على الشغل لا بس أنت شوفت إزاي إنه اللهم بارك بيكسب منه هو وصاحبه."
"لما يعمل كدة وأنا أتأكد إنه مش هيرجع زي زمان هأبقى أدخل معه بيت ناس وأتقدم لبنت الناس."
"يعني أنت مش معترض على البنت؟"
"في اللحظة الأولى كان فيه اعتراض، بس دا موقف وراح لحاله وأنا ممتن لها إنها أدت لوهدان البالطو وبسببها دخل الامتحان عمري ما أنسى المعروف دا لإني ما كنتش هأغفر لوهدان أو أدخله الامتحان حتى لو غصب عنه، ولما راجعت نفسي لقيت إن البنت ذكية وشاطرة بس مجنونة شوية."
"وإيه العمر غير لحظة جنان، ربنا يكتب لهم اللي فيه الخير."
————————————————————————
خطب وأنس فتح لي، ودخلنا على أوضته، وطنط سوسو ما سابتناش من فطار لعصاير، وما كنتش عارف أتكلم كلمتين من كرم الضيافة.
"أيوة فهمت بقى فيه إيه؟"
"أنا هكلمك إنك صاحبي دلوقتي... حصل حوار معي أنا وبابا... بص يا أنس... أنا عاوز أتقدم لآنسة فيروز، ما كنتش حابب تسمع من أي حد غيرك عشان كده قلت لك بلاش أروح الكلية، قلقان بس إن يحصل أي حاجة."
"تتقدم لفيروز!"
"قبل ما تكمل كلامك، أنا يعلم الله إني ما وقعتش عيني فيها، وإني والله صُنت بيتك، بس وقت ما حسيت بحاجة أول حاجة عملتها إني رحت فتحت أبويا في الموضوع."
"وأهلك رأيهم إيه؟"
"أهلي موافقين.... بس هم خايفين مني أحرجهم قصاد حد... بس أنت عارف إني عمري ما أقل بأصلي معك ولا معها، صح؟"
"أنا عارف ده... بس ما أقدرش أديك كلمة، وفيروز شخصية... مش هتقبل تثق في أي حد، فإحنا وصحوبيتنا ما لهاش علاقة بالموضوع ده."
"طبعًا أنا متفهم ده، أنا صليت استخارة مرتين والله ومرتاح، والأمور شكلها بتتيسر."
ضحك لي وهو بيقول:
"متأكد إن الأمور بتتيسر؟
أصل فيروز نزلت الكلية وأنت شكلك مطرود من بيتكم... مش حاسس إن الكلام ده إشارة؟"
"هي فيروز نزلت الكلية؟!"
قمت بسرعة على البلكونة واتصلت بأبويا.
"بابا أنت في الكلية؟"
"أيوه... يا ريت تجي لي عشان كلامنا ما خلصش امبارح."
"بابا... بالله عليك ما تقول لها حاجة، بلاش عدم ثقتك فيَّ يخليني أخسرها."
ما اعرفش قلت "أخسرها" إزاي! كأنها خرجت من قلبي على لساني، أصلاً أنا مستغربني، فيروز ولا مرة اتكلمت معاها غير ساعة البلطو، وبأشوفها بالصدفة، وكانت بالنسبة لي "شبر ونص" مستفز بلذاذة غريبة، لكن بعد الاستخارة الأولى والثانية حاسس إن فيه حبل بيشدني ناحيتها، فعلًا ما كنتش عاوز الحبل ده يتقطع، أنا عاوزه ينشد أكثر لغاية ما أوصل لها.
"هأستناك كمان ساعة في الكلية."
"حاضر يا بابا."
قفلت معه ودخلت لأنس، وقلت له إني لازم أمشي وهنتكلم ثاني بالليل.
————————————————————————
"والله سوسو هتزعل لو ما جيتيش، أنتِ كذا مرة تقولي جاية وما تجيش!"
"يا فيروز افهميني.... أنس عايش معاكم، مش هأعرف أجي لك وهو موجود."
"يا بنتي والله هينزل، طب إيه رأيك أتصل به أخليه ينزل على بال ما نوصل؟"
"هأقل راحته في بيته، وقت ثاني بجد نبقى نتجمع عندي."
"عندك إيه أنتِ، عندك ترسانة رجالة... أخواتك خمسة وعيال عمك ثلاثة اللي مواضعين مع أخواتك، عايشة وسطهم إزاي مش عارفة."
ضحكنا وهي مشيت لإن ابن عمها جه أخذها، دي بقى سهيلة، اللي خطفت أنس، وأنا متأكدة إنه هو كمان خطفها، بس الحياة بيبقى لها رأي ثاني، كان معي حاجات لازم تتسلم للمعيد وأروح بعدها، سلمتها الحمد لله، ولاحظت إن دكتور محمد بيبص لي كتير النهارده، رجل غريب وتركيبته غريبة، كنت لسه هأخرج واكتشفت إن موبايل سهيلة في شنطتي!
جريت على بره بسرعة عشان ألحقها عند البوابة، لكن خبطت في درفة!
الحاجة وقعت مني وموبايلي اتدغدغ على الأرض وأنا بأبص على الأرض بصدمة!
"أنت بهيم ما بتشوفش!"
كنت لسه هأنحني ألم الحاجة من الأرض لكنه قال:
"ما تطويش!"
وانحنى هو لم حاجتي كلها وفوني اللي اتكسر وهو بيقول لي:
"أنا آسف... والموبايل هأكلم أنس عشان أصلحه."
لما قال أنس، رفعت عيوني ناحيته وعرفته!
ده وهدان صاحب أنس! وابن دكتور محمد!
هو أنا مش بألاقي غير العيلة دي وأخبط فيها!
وقبل ما أتكلم، أخذت الموبايل منه، لقيت سهيلة وابن عمها جم.
"يا بنتي بأدور عليكِ... الموبايل بتاعي معك؟"
"أيوه كنت لسه هأجيبه لكِ."
كنت لسه هأخرجه لكن لقيت ابن عمها حضن وهدان بعشم وصوته عالي وهو بيقول:
"وهدان أبو ليلة... والله زمان يا راجل، أوعى أقول إنك في سنة رابعة!!"
كنت مستغربة من كلامه بس بعدت عنهم أنا وسهيلة اللي سألت باستغراب!
"أنتِ تعرفي وهدان أبو ليلة منين؟"
رفعت حاجبي باستغراب من كونها تعرفه فقلت:
"ده صاحب أنس من فترة، ما ليش كلام معه أصلاً، ده وقفنا دلوقتي صدفة... بس ليه؟"
"أنتِ ما سمعتيش عن وهدان أبو ليلة؟
ده ما فيش دفعة في طب آخر أربع سنين ما تعرفوش!
يا بنتي بقى له 8 سنين في طب منهم أربع سنين في سنة رابعة!
كان صاحب أخويا ودفعته بس أخويا اتخرج بقى له سنين أهو، أصلاً دفعتنا معظمها يعرفوه عشان ابن دكتور محمد وكده."
"سهيلة، أنتِ ولحظة أنك بقى لك دقيقتين بتتكلمي على وهدان ده!
أنتِ مش بتكلميني كلمتين على بعض في العادي... في حاجة عاوزة تقوليها يا ريت تقوليها على طول."
"ما فيش والله أنا بس قلقت، مش قصدي والله بس اللي أعرفه عن وهدان مش لطيف، بايكر وعلى طول في سباقات وحواليه بنات كتير وحاجات كتير ربنا يهديه، فخفت إن سكتك تيجي على سكته!"
سكت شوية مستغربة وألقيت نظرة سريعة عليه وعلى لحيته تحديدًا!
"جايز يكون كده أو... كان كده.
لأن حقيقي وهدان من ساعة ما صاحب أنس وهو اتغير كتير، بقى بيذاكر أكثر ومش بيفوت صلاة في المسجد، حتى إنه بدأ يحفظ قرآن، فتأثير وهدان على أنس تأثير جميل، لعل يكون تاب."
"يا رب يكون تاب، أنا مش قصدي أطلعه وحش والله.
الفكرة إني اللي أعرفه عنه ما يطمنش وكده، بس ربنا يحفظه ويهديه."
————————————————————————
دخلت أنا وهو كافيه وقعدنا وطلبنا قهوة وبدأت أتكلم:
"أنا مدرك إنك قلقان مني، ويمكن عندك رفض أصلًا لفيروز شخصيًا... لكن حاول تديني فرصة، أنا بقالي سنة بأحاول أقف على رجلي وأصلح اللي أقدر عليه، وأرجع ثقتك من تاني فيا، بس حقيقي أنا اتغيرت، والله ببكي كل ما أفتكر أنا كنت إزاي، وإزاي كنت بأزعلك وبأعمل لك مشاكل، والله أعمل أي حاجة عشان تسامحني وترجع تثق فيا!"
"وهدان أنا مش معترض على جوازك، أنت داخل على 29، أكيد لو كنت مشيت عدل من سنين كان زمان أحفادي حوليَّ، أنا لسه خايف منك ومن جنانك."
سكت شوية وبعدين قولت:
"أنا عاوز أتجوز وأستقر ويبقى لي حد أرجع أرتاح عنده، وأخف الحمل والضغط العصبي عليك، أنا اتغيرت... فرصة واحدة بس."
فضل باصص لي وبعدين قال:
"وأفرض إني مش موافق على فيروز؟"
مش عارف كنت حاسس في نبرته خبث فقولت:
"من حقك ترفض، لكن مش من حقك تقرر بدل عني، وبرضه إنك تكون مش راضي عليَّ دا عادي أنا ابنك، بس هي اختياري وبإذن الله لو خير لي هتكون نصيبي، سواء رضيت بها أو لا فقدر ربنا هيكون."
"كإنك بتقولي دي حاجة ما تخصكش بس بشياكة."
ضحكت أنا وهو وبعدين قولت:
"لا مش قصدي كدة، بس دي حياتي أنا، أنا من حقي أقرر، وأنت تختار تقف جنبي أو لا، ويا ريت ما تسيبنيش لوحدي وتثق في قراري."
————————————————————————
-بعد أيام-
صحيت صليت الفجر، وبعدها صليت استخارة وفضلت قاعدة مكاني بأفكر في كلام أنس، وهدان صاحبه! ما كانش فيه رفض كبير في البداية، كان الموضوع مش مفهوم اللي هو عاوزة أسمع وفي الآخر أقرر، سمعت عنه كلام من أنس، وكلام سهيلة في بالي، وبصيت على حساباته كانت صور له أو للبايك أو وهو بيسوق، ما كانش فيه أي موسيقى أو كلام مش لطيف أو صورة مع بنت، ما كانش فيه أي لون غير الأسود والأحمر، الأحمر لون البايك.
الباب خبط وبعدين دخل أنس قعد قدامي وهو بيقول:
"إيه يا قطة... جاية بتفكري... والتفكير في حد ذاته أمل."
"مش عارفة يا أنس، أنا سمعت عنه حاجات... يعني عن ماضيه وأنا قولت إنه تاب، مترددة بس حاسة إني عاوزة أوافق."
"بصي... وهدان أنا شوفت منه مواقف وأفعال تخليني أبقى مطمن عليكِ معه، فكل حاجة بين إيدك!
بلاش تخلي خوف قديم يضيع عليكِ فرصة."
توتر رهيب، كنت مجهزة قائمة أسئلة في دماغي، وكلها طارت لما قعدت قصاده، كان لابس أسود زي معظم الأيام، وأنا كنت لابسة جيبة مشجرة وبلوزة بيضا بسيطة، قعدنا وهو كان مبتسم وبدأ يتكلم:
"بصي... أنا عارف إنك سمعتي عني حاجات كتير أوي، والحاجات دي تخلي أي بنت تهرب بس عاوز أقولك إن الحاجات دي في الماضي، ربنا تاب عليَّ منها، وبقيت شخص تاني خالص."
"أنا شايفة دا... الشخص اللي بياخد بإيد أنس في حاجات كتير حلوة مش هو الشخص اللي بيتكلموا عنه."
"اتبسط إنك بتفكري كدة، بصي أنا هأعرفك على نفسي. اسمي وهدان أبو ليلة، وأبو ليلة دي عشان أنا عاوز أخلف بنت وأسميها ليلة، عندي 28 سنة و... رابعة طب، وبإذن الله هآخد السنة بسنتها ومش هأعيد حاجة تاني... وكمان عندي ورشة ميكانيكا كنت شغال فيها سبع سنين وبقالي سنة قافلها بس بإذن الله هرجع أفتحها قريب... ما عنديش أخوات خالص، أمي وأبويا ربنا يبارك في عمرهم... تعريف عام وبسيط عني بما إنك ما تعرفيش غير اسمي."
كان بيتكلم بثبات وخفة، ونبرته لذيذة، وعيونه عليَّ! عيونه عليَّ من ساعة ما دخل، متوترة! عيونه ما كانتش بتترفع فيَّ أصلًا، متفهمة إن دي رؤية شرعية ومعنوية عشان هو يشوفني أصلًا بس متوترة أوي.
"أنا فيروز طه، 22 سنة، رابعة حقوق خلاص قربت أتخرج... ما عنديش أخوات... بابا متوفي من سنين، حياتي كلها عبارة عن أنس وماما... بس كدة."
ابتسامته خفت شوية وكنت شايفة على ملامحه فضول وكمان تساؤل كبير وهو بيقول بحرج:
"معلش بس في حاجة عاوز أسألك عليها؟
هو أنس يقربلك إيه بالضبط؟
يعني أنس يبقى أخوكِ في الرضاعة مثلًا أو أخوكي من أمك بس؟"
سكت شوية وأنا مش عارفة أجيبها له إزاي، أنا وأنس متوقعين سؤال زي كدة، ومن حقه، واحد متقدم لواحدة شايفها لازقة في شاب هو مش فاهم هي تقرب له إيه.
"أنس! أنس يبقى ابن أختي."
"نعم؟!!"
———-———-———-———-———-———-—
|4|
"أنس!
أنس يبقى ابن أختي."
"نعم!!"
كان متنح ومصدوم، رمش أكتر من مرة في محاولة للاشتعال، وبدأ بسأل من تاني:
"يعني إيه ابن أختك؟
أختك ولا خالتك؟
ممكن تفهميني عشان أنا دماغي ساحت... وبعدين إنتِ لسه قايله إنك معندكيش أخوات!"
"بص يا وهدان، أنا مامتي اتجوزت صغيرة أوي، وأختي اتجوزت كذلك في سن صغير، وجوزها توفى في أول شهور حملها، ويوم ولادتي كان يوم ولادة أنس... تحسه جو أفلام شوية لكنها الحقيقة. إن أختي بعد الولادة بشهور قررت تتجوز وتسافر مع جوزها السعودية، وكان شرطه إنها تسيب ابنها!
وهي كانت مصوره لماما إنها هترجع على طول وهتقنعه إنها تاخد أنس معاها... ومشفنهاش غير بعد 15 سنة، كنت أنا وأنس في أولى ثانوي!!!
كان بابا الله يرحمه هو اللي بيرعينا أنا وأنس، كان ناس كتير بتحسبنا أخوات، لكن أنس كان عارف إن دول جده وجدته وأنا أبقى خالته. عشان كده هو بيكره رابطة الصلة اللي بينا ومش بيحب يقولها، لأنها بتفكره إنه طول عمره كان منبوذ من أمه... وأنا قولتلك فعلًا معنديش أخوات، مش كذب، أنا أختي شوفتها أربع مرات!
أول مرة وأنا عندي 15 سنة!
حاليًا هي عندها أولاد أصغر مني أنا وأنس بسنين قليلة، وأصلًا علاقتي أنا وأنس إننا روح في جسد، مش أخوات حتى. أنس ملوش حد غيري أنا وماما، وعمره ما قلها غير يا سوسو."
كان ساكت، سكت فترة طويلة وهو بيقولي:
"أنا آسف لو سؤالي فتح موضوع ضايقك، بس الموضوع كان مريب. كنت متأكد من أنس إنه عمره ما يقرب بالشكل ده من واحدة مش من محارمه، بس كنت محتاج أفهم."
"ده حقك عمومًا... بس ممكن متفتحش مع أنس الموضوع ده، لأنه حساس بالنسبة له... وأهلك برّه، يفضل إنهم ميعرفوش برضه."
"متقلقيش، أنا هتصرف. عمري ما أخلي حد يقول كلمة ممكن تضايقك أو تضايق أنس... أنس فعلًا اللي بقى حتة مني."
اتوترت فجأة من كلامه!
التوتر كان بسبب إنه قال الكلام بتلقائية حقيقية، خرج من قلبه على لسانه زي ما بيقولوا. رجعت أبص في كل حتة في الأوضة، لقيته قال:
"على فكرة، الرؤية الشرعية عشان نشوف بعض. ممكن تبصيلي شوية... يعني يمكن مثلًا مطلعش حلو... أو وداني كبيرة مثلًا."
كتمت ضحكتي وأنا برفع عيوني فيه. يعني أنا عارف شكله، شوفته كتير وشوفت صوره، بس المرة دي مختلفة. نظراتي كانت سريعة له وبعدين فصلت ساكتة. كان في بالي أسئلة كتير لكنها طارت، فقال هو:
"طب بصي... ممكن تكوني متوترة شوية فهساعدك شوية. إيه مثلًا الصفات الأساسية اللي عاوزاها في شريك؟ أو بتقسمي مثلًا موصفاته إزاي؟"
قد إيه ساعدتني يا وهدان! انبسطت جدًا إنه خفف وطأة توتري، اتنهدت وقلت:
"أول حاجة دينه. يعني مؤخرًا بقيت أدرك إن اللي معندوش دين وأخلاق عمره ما هيعرف يصون البنت اللي معاه. أهم حاجة في دينه إنه يكون عارف ربنا، عارفه بجد، يعرف صفاته وأسماؤه ويكون مستشعر إن ربنا بيراقبه، وإنه من الآخر يتقي الله... وحاجة تانية مهمة، إنه يكون بيغض بصره، يكون مستكفي بالشخص اللي معاه، مش كل شوية ينغص عليه حياته ويقعد يعدل في شكله وشخصيته... بص يا وهدان!
أنا لو شكلي وشخصيتي مش عاجبينك يبقى بلاش من أولها."
حاولت مكنش عدائية، وحاولت أكتر مبينش جروحي، بس للأسف دموعي كانت بتلمع في عيني قبل ما الكلام يخرج. لقيته ابتسم ببشاشة وقال:
"أنا جاي عشان إنتِ اختياري. لو كنت عاوز حد غيرك أو في حاجات تانية كنت روحت له. أنا قاعد هنا عشان أتعرف عليكِ وأعرفك، مش جاي أقيم وأغير... ولو قلت على حاجة في تغيير هيبقى للأفضل بيكِ وباقتناعك، وهكون أكبر داعم ليكِ. في قرارات مشتركة وفي قرارات بنتناقش فيها بشكل مشترك، لكن القرار بيرجع لواحد بس."
كنت مرتاحة من كلامه، وابتديت أصدقه، فرديت له السؤال وقلت:
"طب وإنت؟
إيه الصفات الأساسية في شريكة حياتك اللي مستحيل تستغنى عنها؟"
"إنها تكون على دين. عارفة حقوقها كلها وعايفة واجباتها. تسيبني أنا القوام عليها، أنا أحميها وأصرف عليها، أطيب بخاطرها، أخرجها، أكون جزء أساسي في حياتها. وإنها تكون بتسمع الكلام. وأهم حاجة تاخد بإيدي للصح، تغيرني لو لقيتني على طريق غلط، تنصحني لو عملت حاجة غلط، تعاتبني لو قصرت في حق ربنا. وكمان تكوني سكني وراحتي وسري. متكونش العلاقة بينا ند بند، لا، تكون علاقة مريحة محدش فينا مضطر يرسم ويخطط عشان يوصل لحاجة من التاني. لما حد يحتاج حاجة من التاني يروح يقوله وهو مش شايل هم حاجة وعارف إن اللي محتاجه هيلاقيه... وبرضه إن محدش يدخل في مشاكلنا!"
كانت زيارة خفيفة على القلب. اليوم خلص وأنا معظم الوقت بعد ما مشوا ساكتة. فعلًا مش بفكر في حاجة، بس حاسة إن في هدوء جميل في دماغي ومستمتعة بيه.
——————————————————————-
رجعت البيت وأخذت دش سريع، وبعدين نزلت لأني أقعد معاها شوية. قعدت جنبها وبوست يديها وأنا بقول:
"سرحانة في إيه يا ست الكل؟"
"فيك يا نور عيني. معقول يا وهدان كبرت والأيام عقدتك، وجه اليوم اللي عاوز تفتح فيه بيت وتستقر؟ ابنك الفرحة مش سايعاه. سيبك من وش الخشب اللي مركبه لك، أبوك فرحان بيك ونفسه يشوفك أحسن الناس."
"يمكن مش أحسن الناس، بس أنا ماشي على أحسن طريق. ادعيلي يا أمي ربنا يغفر لي، وسامحيني على قلقك وخوفك، ولو يوم زعلتك بكلمة غشيمة مني ولا قلة أدب، سامحيني."
ابتسمت وأخذتني في حضنها وقالت:
"مسمحاك يا حبيبي، مسمحاك من قبل ما تطلب السمح. ربنا يهديك... قولي بقى، عملت إيه مع فيروز النهاردة؟"
"والله أنا قولتلها اللي عندي، وكنت شايف في عيونها خوف وقلق. خايف بس لا ترفض، مش عارف لسه يا أمي... بس حاسس إنها ليا. أنا مستغربني أصلًا، أنا مش عاوزها تضيع يا أمي."
——————————————————————----

مرّ أسبوع، مستني خبر من أنس. كل خمس دقايق بسأله. كنا قاعدين سوا في ورشتي ومعانا علي صاحبي، بنشرب شاي وبنقرر هنعمل إيه في الورشة. أصل أنس مؤخرًا حب يشاركنا وكان هنكبر المجال. الفرق بيني وبين أنس إني دخلت المجال ده عشان أبويا، ورغم إني شاطر فيه إلا إني مش ناوي أشتغل، وأنس عكسي، مستني اللحظة اللي يبينها بدراسته فيها.
"أنس... ما تقوم تروح بيتكم كده."
بص لي بصدمة وليه هيتكلم، فضحك علي وقال:
"معلش يا ابني، معندوش صبر. بيقولك روح شوف أختك وافقت ولا لأ."
"ما تهدى بقى، قولتلك عمري ما أضغط على فيروز عشانك."
"أوف بقى!
ده أنا صاحبك، اضمني عندها. تاريخي الأسود لو عرفت منه حاجة هتطردني أنا وإنت."
قولتها وأنا بنفخ زي العيال الصغيرة، فقال:
"والله دي مشكلتك إنت."
شربت الشاي وأنا ببص له بقرف. موبايله نور برسالة. أخدت الفون قبل ما هو يمسكه وبشوف الرسائل من برّه. كنت حاسس إنها من فيروز، وقد كان:
- أنوووس،
هات معاك كيس إندومي خضار كبير وإنت جاي،
وكيس شبسي كبير، ودور على لتر من أي حاجة مش مقاطعة -
بصيت للفون بقرف وأنا بقوله:
"أشوف فيكم يوم إنت وهي يا بعيد، هو الشات بينكم عبارة عن دليفري!!"
"أديك بتشوف أهو... عشان متقولش إننا خدعناك. فيروز بتاكل بـ٩ آلاف في الشهر لوحدها، ده غير التسالي."
قالها وهو بيضحك، فضحكنا كلنا. وبعدها الفون نور تاني، فبصيت بقرف وهو أخده من مكانه وفتح الرسالة. فضل ساكت شوية وأنا بصيت له باستغراب، فقال:
"التنسيق ظهر يا أبو الصحاب، هتدخل دور تاني."
قالها بسخرية، فخطفت الفون منه بسرعة. لقيتها كاتبة:
-أنس، عرّف وهدان صاحبك إني عاوزة أقعد معاه مرة تانية، عشان في كلمتين محشورين جوايا، وبعد كده هبقى أقرر -
——————————————————————----
دخلت الكافيه وشفتها هي وأنس قاعدين. كان باين عليها الضيق والحيرة. دخلت وقعدت، وبعدها أنس قعد قريب منّا شوية عشان نعرف نتكلم. كان طلبها إننا نتقابل بعيد عن البيت والأهل، لكن طبعًا في وجود محرم.
"وهدان... أنا عارفة وشايفة وحاسة إنك اتغيرت عن زمان، بس مقدرش... مش عارفة أستوعب إنك كنت في يوم من الأيام كده. أنا دورت على حاجات ليك قديمة، لقيت صور وفيديوهات في أكونت بنت!
أنا مقدرش أستحمل حاجة زي كده. إنت إنسان شوفت كل ألوان البنات وكلمتهم. إزاي ممكن تقنعني إنك لما تلاقي أقل عيب فيا مش هتقارن!
حتى بينك وبين نفسك. أنا بقولك إني عاوزة أوافق ومرتاحه، لكن الصور دي رعبتني."
كنت أسمع كلامها، بفتكر لحظة لحظة وصورة صورة. كل حاجة عملتها تخليني مكسوف قصادها بالشكل ده. سرحت للحظة وأنا بقول لنفسي: هعمل إيه قصاد ربنا؟
أنا مش عارف حتى أرفع عيني ناحيتها. إزاي هبقى قصاد ربنا؟ مكنش عندي رد، أنا بس ريحت راسي على الترابيزة بتعب!
آه... بعد الرحلة دي كلها أعترف إني تعبت، واتعب هديني. تعبت من إني بحاول أثبت للكل إني اتغيرت، وأنس براعي الكل إنه ميصدقش، وأنس بمثل إني متقبل ده كله ومش موجوع. أنا غلطان!
وموجوع... الألم حقيقة بيمر بيها العاصي، والفاخر، والتائب، والصالح. كنت لسه هعرف راسي، فلقيتها بتقول:
"أنا عاوزة أصدقك يا وهدان. ممكن تقسم لي إنه لو حصل بينا نصيب، إنك عمرك ما تقلل من جمالي ولا من شخصيتي؟ وإنك تشوفني دايمًا كفاية؟... دي مشكلتي وأنا بعترف بيها، أنا محتاجة أحس إني كفاية على طول."
——————————————————————----
"أنووووس."
لا لا، مش فيروز اللي بتتكلم، ده أنا بعد خطوبة ثلاثة شهور من فيروز. أينعم مش بنتعامل من غير ضوابط شرعية، والفترة الأخيرة قلبي محوش كله كلام كتير، مستني بس لحظته اللي هينطلق فيها.
"وهدان... مش ملاحظ إنك من ساعة ما خطبت وانت دمك بقى سُم؟"
"أيوه عارف، أنا حقد السناجل ده. روح اتلحلح إنت واتقدم للبنت بدل ما تخلل جنبنا."
"والله يا حبيبي أنا مش داخل على التلاتين. أنا لسه شاب، والعمر قدامي."
سكتنا شوية، أنا كملت شغل وهو قاعد بيذاكر. بعدين قومت وقلت له:
"أنووووووس!"
"كرهت اسمي بسببكم... عاوز إيه!"
"يعني مش هتخلوني أكتب الكتاب برضو؟ عاوز أحضر حفلة تخرجها."
"تكتب الكتاب؟
يا باين فيروز لسه بتسأل نفسها كان قرار صحيح إنها وافقت ولا لأ."
"يوه بقى، دي معجونة بالطين والتردد."
"طب بس لا تخلي ليلتك إنت اللي طين."
"أيوه يعني هكتب الكتاب أمتى... مش عمها قال خطوبة ست شهور؟"
"يا حبيبي، إنت عندك خلل في الحسبة. عدى ثلاث شهور بس. وبعدين أنا حاسس إنها عاوزة تفركش، بس مش عاوزة تجرحك."
"ده عند أمك يا حبيبي. أنا شايف إنها بدأت تطمن وتصدقني، وإحنا خلاص شهر ونبدأ في تجهيزات الشقة."
——————————————————————----
مرَّ أربع شهور ونص، ووهدان كل يوم بيزيد إعجابي به، بفكره وأخلاقه.
فاكرة كام مرة كان يبقى عندنا ويشيلني ويسيب الكل وينزل عشان المغرب أذّن، وينزل بسرعة عشان يلحق. ومكان الشقة وهو بيختاره جنب مسجد، وإنه محافظ على ضوابط الخطوبة وبيحاول ما يغضبش ربنا، وكمان بيقترح عليَّ دورات أسمعها وكتب أقرأها.
وكل مرة بيجي فيها بيجيب لي كتاب هدية ومعها QR كود لشرح الكتاب.
كنت نازلة أنا ومامته وأمي وأنس وهو، عشان بنختار أجهزة البيت وكده.
"اختاري يا حبيبتي اللي إنتِ عاوزاه."
قالتها مامته وهي بتطبطب على كتفي.
ابتسمت وقربت وبدأت أختار، وهو واقف ابتسامته بتوترني. خلصنا الأجهزة واليوم خلص ووصلنا بعربية بقالي فترة بشوفها معاه، والبايك اختفت. كان واقف مع أنس بيتكلموا، وسلّم على الكل وسلّم عليا، بعدين مشي هو وطنط.
"أنس… هي البايك بتاعة وهدان فين؟"
"بيصلحها وبيجدّد فيها."
"أنا مش عارفة أحدد مشاعري تجاه البايك دي."
غمز لي وهو بيقول:
"مش عارفة تحددي مشاعرك تجاه البايك؟ ولا تجاه صاحب البايك؟"
"اللي اتنين يا أنس. تصرفاته بتقول لي صدقيه، بس إنت فاهم يا أنس… أنا أسيب أي شخص مهما كان مناسب لمجرد إني خايفة. أنا خايفة إن لما يشوفني كُلي ما يعجبوش. أنا محتاجة واحد ينبهر كل ما يشوفني، يحسسني إني أجمل واحدة في عينه، مش أحلى واحدة في العالم. وهدان شاف بنات جميلة بشكل!
أنا مدركة إن الجمال نسبي، وأنا واثقة في جمالي، لكن بالعقل… هو عيونه أول ما تشوفني هتبدأ تقيِّم وتقارن."
"أقول لك على حاجة يا فيروز؟"
"قول يا أنس."
"وهدان ما رفعش عينه في حد من ساعة ما عرفته، حتى فيكِ بيجاهد عيونه إنها ما تترفعش. وهدان تاب توبة نصوحة… أَحسبه عند ربنا كده. بس حقيقي، أنا عارف إنك الوحيدة اللي هتملي عينه."
——————————————————————----
"جاهزة؟؟"
"محسسني إني داخلة إنترفيو يا أنس. أنا هموت من التوتر… سهيلة فين؟ الخمار فين يا أنس؟ لا لا… أجِّلوا كتب الكتاب، أنا مش جاهزة."
"نعم يا عنيا؟"
"في إيه يا أنس؟ استهدى بالله… أنا هموت من الرعب."
"بِتّ! انتِ اضبطي كده، أنا خارج لوهدان، عشان لو سمع كلامك ده هيمسك في رقبتي أنا."
"أوعى تقول له على الخمار، والله هزعلك."
خرج أنس، وجات سهيلة بعده. كنت باصة لهم بيأس. لفيت الخمار الأزرق على فستاني الأبيض اللي كسرت بيه قاعدة كتب الكتاب، وفصّلت فستان أبيض عليه فراشات زرقاء ملموسة، ومن غير نقطة ميكب، ولا حتى كُحل.
"يا رب على الجمال والدلال! وهدان قلبه هيقف من حلاوتك."
"أنا مش مطمنة لوهدان خالص، حاسة إني عاوزة أهرب."
أخذت إيدي من غير كلام وجرّتني على بره. خرجت لقيت الكل بيبص لي، الكل متجمع عشان حدث كبير. والحقيقة إني عاوزة أهرب بأي طريقة. أنا صغيرة على الكلام ده، حد يفهّمني إزاي عدّى ست شهور!
"بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير."
لحظة مهيبة. الكل فرحان وبيهني، وأنا واقفة متجمّدة بشد على أعصاب إيدي. كنت هموت من الخوف والتوتر… شدني في حضنه بحنية. رعشتي كانت ظاهرة، وبعدين سكنت تمامًا وهو محني ومغطيني كلي. حسيت بشدة، وبعدين بوسة خفيفة على خدي، وقال:
"يا أهلا بيكِ يا روحي اللي كانت رايحة مني، وردّت لي من تاني."
"وهدان!… إنت عملت إيه؟"
معرفش كنت مبتسمة ليه وأنا بسأله وبرفع كفي على خدي. فضحك وهو بيمسح على راسي وقال:
"إحنا لينا حساب على الخمار ده."
"مش حلو؟؟"
سألته باستغراب، فباس راسي قدامهم كلهم وهو بيقول بهمس:
"حلو بزيادة… والحلاوة دي ليا لوحدي."
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خلصت ساعتين كتب الكتاب، واتصورنا كتير أوي بموبايله. محبناش يكون في فوتوغرافر، كل حاجة كانت بسيطة وخفيفة. وكل صورنا كان لازق فيا. فرق الطول كان واضح. كان متفق مع وأنا وأنس إني هخرج، وهيجبني بالليل.
وخرجنا بره القاعة. كان في بايك جامدة أوي لونها أزرق خطفتني. أخذ إيدي ورفعني عليها، وهو بيقول لي:
"زرقا عشان ده لونك المفضل."
"وهدان! هي دي بتاعتك؟!"
قولتها بحماس، وحضنته بلا وعي. القلب والعقل استسلموا خلاص. ضحك وهو بيشد عليا وبيقول:
"أيوه يا قلب وهدان."
ضحكت وأنا بلمس البايك بحماس، أول مرة وأجمل مرة. بصيت له بتهديد وأنا بقول بهزار:
"مافيش واحدة بعدي هتلمس البايك دي."
قلب عيونه بلطافة وانحنى وهو بيقول:
"هو مافيش واحدة قابلك لمستها أصلًا."
"إيــه؟! هي دي مش البايك الحمرا بتاعتك وإنت جددتها؟"
"مقدرش أخليكي تلمسي حاجة غيرك لمستها قبلك. إنتِ تستاهلي تكوني الأولى في كل حاجة. إنتِ… لا في زيك ولا في بعدك يا فيروز."
تمّت💙
#نورهان_علام
تعليقات
إرسال تعليق