رواية مغرم مجنون الفصل السادس عشر 16بقلم خديجه احمد حصريه
رواية مغرم مجنون الفصل السادس عشر 16بقلم خديجه احمد حصريه
#مغرم_مجنون
البارت الستاشر
عينيه كانت معلّقة في الباب الزجاجي، كل حاجه حواليه شبه اختفت… مافضلش في ودنه غير صوت الأجهزة وهي بتصدر إنذار متلاحق، كأنها بتعدّ دقايق روحه قبل ما تقع.
إيده كانت بتترعش، بيحاول يثبّت نفسه بس قلبه مش قادر.
رقيه لمست ضهره بهدوء وقالت بصوت حنون:
ـ إن شاء الله هتبقى كويسة يا راكان، صدقني ربنا مش هيكسر قلبك المرة دي.
هو ما ردش…
بس عيونه كانت بتحكي كل حاجة، كانت مليانة خوف، ندم، وذعر من فكرة إنه ممكن يفقدها.
شهق نفس طويل وقال بنبرة مبحوحة، صوته مكسور:
ـ عمتي… أنا حبيتها، أوي… مش عارف ازاي ولا إمتى، بس حبيتها لدرجة وجعتني.
ـ شوفت فيها نفسي، نفس الكسرة، نفس الغُربة، نفس الخوف من الناس.
ـ بس الفرق… إنها كانت بتحارب الوجع وأنا كنت بستخبى وراه.
رقيه بصت له بنظرة فيها حزن وفهم:
ـ لو فعلاً بتحبها، متخليش حبك يبقى لعنة عليها.
كلماتها دخلت جوه قلبه زي سكينة باردة، حس بيها بتشق طبقات الغضب اللي عاش بيها سنين.
غرز إيده في شعره، بيحاول يمسك نفسه من الانهيار، لكن أول دمعة غدرت بيه ونزلت على خده، كانت حارة كأنها بتحرق الذنب من جوه.
وفجأة…
صوت الأجهزة جوّا تغيّر، ضربات سريعة، والأنوار الحمرا بدأت تومض.
رقيه شهقت:
ـ يا ساتر يا رب!
الجسم اللي واقف اتشلّ، رجله مش قادرة تتحرك، قلبه وقع قبل ما يسمع صوت الدكتور بيصرخ:
ـ البنت بتفقد الوعي تاني!
وقتها راكان همس بصوت مبحوح، صادق، مليان خوف حقيقي لأول مرة في حياته:
ـ لأ… متسبينيش يا هاجر، متسبينيش انتي كمان…
الدكاترة خرجوا بسرعه، ووشوشهم مش مريح.
راكان اتجمد مكانه، عينيه بتجري على ملامحهم كأنه بيستنى يسمع كلمة "نجت"، بس محدش نطقها.
الدكتور بص لرقيه وقال بهدوء حزين:
ـ الحالة دخلت في غيبوبة، ضغطها وقع فجأة ومخها محتاج وقت يستقر… هنحاول نثبتها.
الكلمة نزلت على راكان زي طلقة.
غيبوبة.
فضل واقف قدام الإزازة، بيبص لها وهي نايمة هناك، سلك في دراعها، أجهزة بتقيس نبضها، ووشها شاحب كأنها مش هنا…
قرب بإيده ناحية الإزاز، حط كفه عليها بهدوء، صوته خرج مبحوح وواطي:
ـ هاجر، فوقي بقى… أنا اللي غلطت، أنا السبب فكل اللي حصلك، بس فوقي عشان أقولك إني آسف…
دموعه نزلت غصب عنه، مش قادرة تتخبّى المرة دي.
قعد على الكرسي جنب باب الغرفة، رأسه بين إيديه، كل حاجة ف دماغه بتلف…
صورها وهي بتضحك، وهي بتتخانق، وهي بتبصله بخوف، وهي بتنهار.
رقيه قعدت جنبه وقالت بهدوء:
ـ ادعيلها ادعيلها وهي هتبقى بخير ان شاء الله
رفع عينه الباينة فيها الهزيمة وعيونه اكتفت بالبكى
فونه كان بيرن كتير، والصوت مزعج وسط سكون الممر الطويل.
طلعه بالعافية من جيبه، بإيد مرتجفة شوية، وبص على الشاشة…
عبدالرحمن.
فتح الخط بصوت مبحوح ومتعب:
ـ أيوه يا عبد الرحمن.
عبدالرحمن صوته كان مليان قلق:
ـ راكان! البودي جاردز قالولي إنك في المستشفى مع هاجر، إيه اللي حصل؟ اسم المستشفى إيه؟! بسرعة!
راكان مسح دمعة كانت نازلة من غير ما يحس وقال بصوت واطي متكسر:
ـ مستشفى****... الدور التالت، غرفة ٣٠٥.
عبدالرحمن:
ـ جاي حالًا، استنى، ما تعملش أي حاجة لوحدك.
راكان سكت لحظة، وبعدين قال بصوت مخنوق:
ـ مش فاضل أعمل حاجة يا عبد الرحمن... كل حاجة خلاص اتعملت.
قفل المكالمة وهو بيبص تاني ناحية باب الغرفة، وكأن نظره ممكن يصحيها.
كل نَفَس منها، كل صوت للجهاز، كان بالنسبة له حياة أو موت.
الفون رجع يرن تاني، المره دي الرقم غريب، لكن راكان عرفه فورًا… رقم واحد من البودي جاردز اللي في الفيلا.
مسح دموعه بسرعة، ومسح وشه بإيده وقال بصوت متعب:
ـ في إيه؟
صوت البودي جارد جه وراه دوشة هوا:
ـ باشا… لقينا واحد بيلف حوالين الفيلا بقاله ربع ساعه، شكّينا فيه… مسكناه. نعمل فيه إيه؟
راكان وقف مكانه، ملامحه بدأت تتغير:
ـ ابعتلي صورته دلوقتي.
لحظات… وجات الصورة.
بص فيها، عينه اتسعت وبعدين ضحك ضحكة قصيرة غريبة، نصها وجع ونصها غضب.
ـ سمير…!
ضحك وهو بيهز دماغه:
ـ حتى دلوقتي لسه بتلف حوالين الخراب اللي عملته بإيدك؟
سكت لحظة، صوته اتغير وبقى تقيل وواضح:
ـ حُطّه مع نيهال.
البودي جارد رد بسرعة:
ـ أوامرك يا باشا.
قفل الخط، وفضل باصص قدامه ف الهوا، حس إن الدنيا كلها بتلف حواليه…
كل الوجوه، كل الأسرار، كل الوجع… دلوقتي بقى محبوس في مكان واحد.
بعد دقايق، باب الطوارئ اتفتح بعنف، وعبدالرحمن دخل وهو لاهث، لسه نفسه متلاحق من الجري.
قرب من راكان اللي كان واقف قدام باب الغرفة، وشه شاحب، وعينه حمره من كتر الدموع.
عبدالرحمن بحنين وقلق:
ـ معلش اتأخرت عليك، وصلت بس ياسمين لبيتها وجيتلك على طول… هي حالتها إيه دلوقتي؟
راكان بصله، صوته مبحوح، كأنه طالع من وجع مش من حنجرة إنسان:
ـ دخلت ف غيبوبة.
عبدالرحمن وقف مكانه، الكلمة كسرت جوه قلبه رغم إنه مش يعرفها زي راكان، بس شاف الألم في وش صاحبه وقال باستغراب:
ـ انت بتعيط؟ مالك يا راكان؟ مش دي بنت الست اللي كانت السبب ف موت أمك؟
راكان عض شفايفه، حاول يمسك نفسه، لكن صوته خرج مكسور:
ـ كنت فاكر كده… كنت فاكرها جزء من وجعي، بس طلعت هي الوجع نفسه…
سكت ثواني، دموعه نزلت وهو بيكمل:
ـ انت كنت عندك حق يا عبدالرحمن، هي ملهاش ذنب… والله ملهاش ذنب ف أي حاجة.
بص على الغرفة اللي جوها هاجر وقال بصوت واطي مليان ندم:
ـ أنا بجد اكتشفت إني بحبها.
عبدالرحمن قرب منه، حط إيده على كتفه بهدوء وقال بصوت مطمن:
ـ خير إن شاء الله يا صاحبي… ربنا كبير، وهتقوم بإذن الله، بس إنت لازم تفضل جمبها دلوقتي، متسيبهاش لوحدها.
راكان وقف ساكت، عينه مركزة على هاجر اللي كانت في غيبوبتها، وأومأ بصمت، وكأن كل الكلام اتلخص في حركة واحدة.
عبدالرحمن بص حواليه، عينه لاقت رقيه واقفة جنبهم، حضورها كان هادي لكن فيه وزن، كأنها شريكة في كل اللي حصل وملامحها مليانة حزن وحنان مختلطين مع بعض.
راكان، بصوت هادي لكنه مليان حزم ودفء، قال:
ـ دي عمته اللي حكيتلك عنها.
عبدالرحمن مد إيده ليها، بعينين فيها احترام وتقدير، وابتسامة خفيفة على وشه:
ـ اتشرفت بحضرتك.
رقيه لمست إيده، ابتسمت بحزن، وقالت:
- انا اكتر.
راكان وقف لحظة، عيونه مركزة على هاجر اللي لسه في غيبوبتها، قلبه مليان توتر وقلق مش قادر يتحكم فيه. بعد صمت قصير، نطق بصوت هادي لكنه واثق:
ـ أنا هرجع عشان أشوف هتصرف إزاي مع نيهال وأبويا… قفل انت حساب المستشفى.
عبدالرحمن بص له، وقال بصوت هادي:
ـ تمام متقلقش هتابع كل حاجه.
رقيه حركت راسها، عيونها مليانة حنان كأنها مش بتعتبر هاجر مجرد مريضه عندها لا كمان بتعتبرها بنتها :
ـ أنا هفضل هنا جمبها.
راكان أومأ، صوته واثق لكنه مختلط بشوية شعور بالارتياح:
ـ طيب اللي يريحك.
ركب راكان العربية واتجه للفيلا وعيونه مولعة بالغضب، كأن النار مولعة جوا قلبه، ويده مشدودة على المقود. كل عضلة في جسمه كانت جاهزة للانفجار.
وصل الفيلا، والبودي جاردز فتحوا له الطريق بصمت. الهواء في المكان كان ثقيلاً، ريحة الحديد والخرسانة مختلطة بالغبار، وكأن المكان نفسه بيستنكر وجوده.
دخل وقف قدام باب حديدي ضخم ومقفل بإحكام. أحد البودي جاردز فك القفل بصوت صرير حاد، والباب فتح ببطء، كأن المكان نفسه يتألم.
سمير ونيهال كانوا مربوطين بكلبشات نازلة من الحيطة، وجسدهم يرتجف من الخوف. عيون سمير كانت مليانة غضب مختلط بالرعب، بينما نيهال حاولت تثبت دموعها بصعوبة.
راكان دخل، وابتسامة باردة مرعبة رسمت على وجهه، صوته هادئ لكنه مليان تهديد:
— أهلا أهلا يا أبويا… نورت السجن بتاعي. رأيك في المكان؟ حلو مش كدا؟
سمير، بغضب مختلط بالخوف، صوته مرتجف:
— آه يا قذر… دي آخر تربيتي فيك؟
راكان تقدم خطوة، عينيه ثابتة على سمير:
— آخر تربيتك؟ لأ … دي بس البداية.
نيهال حاولت تتحرك لكن القيود شدتها أكثر، وصوت الحديد وهو بيصر على جلدها زاد من رعب الجو.
راكان ضحك ضحكة قصيرة لكنها حادة، وكأنها سكين بتقطع الهواء:
— استعدوا… هتعرفوا يعني إيه الوجع الحقيقي .
راكان شاور لاحد البودي جاردز.
البودي جارد طلع مكنة حلاقة للرجال، صوتها الميكانيكي صدى في المكان الصامت.
عيون نيهال اتسعت، وصوتها اتقطع:
— إنت هتعمل إيه؟
راكان ضحك ضحكة قصيرة وباردة:
— هتشوفي دلوقتي.
قرب منها، هي حاولت تتحرك، تحاول تهرب، لكن القيود شدتها، كل حركة كانت صعبة ومؤلمة.
سمير، بغضب مختلط بالخوف، صوته مرتجف لكنه حاد:
— اللي هتعمله دا ليه عواقب يا راكان!
راكان رفع المكنة بحركة هادئة، عيونه مليانة برود:
— أركن انت على جمب لسه دورك مجاش.
راكان شد المكنة بحركة باردة، وابتسامته ما زالت مرعبة.
نيهال حاولت تتحرك، لكنها مربوطة، وكل محاولة كانت تزيد من شعورها بالعجز والخوف.
صوت المكنة بدأ يقرب من شعرها، والجو كله صامت إلا من دوي المكنة وصوت أنفاسهم المخبولة.
نيهال بدأت تبكي بصوت مكتوم، شعرها يتحرك تحت يد راكان، وهو يمسك المكنة بثبات:
— افضلي ساكته ...... ده أفضل ليكي.
قطرة عرق نزلت من جبينها، قلبها كان بيدق بسرعة، وكل شعرة تقع من رأسها كانت كأنها قطعة من كرامتها بتروح.
سمير حاول يهتف بغضب
— كفاية يا راكان…حرام عليك!
راكان ضحك ضحكة قصيرة وقاسية:
— حرام عليا؟ واللي عملتوه في أمي دا مش حرام؟ إنتوا السبب ف اللي انتوا فيه دلوقتي هحرق قلبكوا زي م حرقتوا قلب امي.
نيهال كانت منهارة تمامًا، عيونها مليانة دموع، ووجهها شاحب من الصدمة والرعب.
كل خصلة من شعرها تسقط على الأرض كانت كأنها قطعة من روحها بتروح.
ضحك راكان ضحكة قصيرة، قاسية، مسكها من هدومها بشدّة كأنها لعبة بين إيديه، وقال بصوت يخرّج القسوة من كل حرف:
— دي بس البداية… لسه مشفتوش الوجع بجد.
سمير اتجمد للحظة، صوته فيه حدّة وارتجاف خفيف:
— نعمل إيه عشان تسيبنا؟
راكان بصله بسخرية، عيونه مليانة استهزاء:
— هو الميت بيرجع تاني؟
بص عليهم بقرف، وبصوت هادي بس فيه تهديد خفي قال للبودي جاردز:
— كل يومين، ابقوا ارميلهم أي أكل.
ومشي راكان، رجليه بتخبط الأرض بصوت تقيل كأنه إعلان عن نهاية أي أمل ليهم. الباب اتقفل وراهم، والصمت ملّ المكان، صمت غريب تقيل على القلب.
عند عبدالرحمن
رجع عبدالرحمن بيته وعيونه مرهقة من يوم طويل، رمى نفسه على الكنبة كأنها الملجأ الوحيد اللي يقدر يستريح فيه. قبضته على الهاتف بدأت ترعش شوية، ولما فتحه لقى ياسمين متصلة بيه.
ضغط على زر الاتصال، وصوتها وصل له بنبرة فيها قلق واضح:
— إيه اللي حصل عندك؟ أهلك كلهم بخير؟
ابتسم عبدالرحمن، حاول يخفف التوتر اللي حسّه في صوتها:
— انتي قلقانة على أهلي ليه بقى؟
ياسمين حاولت تبين إنها مش مهتمة زيادة، لكن القلق كان باين:
— أ… أنا بسأل بس عشان استعجلت وخليتنا نرجع فجأه و كان ورانا شغل كتير ومخلصنهوش.
عبدالرحمن حس بدفء اهتمامها، ابتسامة صغيرة ارتسمت على وجهه، رغم إرهاقه.
عبدالرحمن بنبرة مرحة شوية:
_ طيب تمام… شكراً على سؤالك. على فكرة، اهتمامك ده بيريحني أكتر من أي حاجة.
ياسمين ابتسمت من التليفون، قلبها دق بسرعة، وحست إنها فعلاً مهمة ليه، حتى لو حاولت تخفي مشاعرها.
ياسمين بنبرة خجولة:
_طيب… كويس. على الأقل كده عرفت إنك بخير…
عبدالرحمن رجع يتكئ على الكنبة، وهو حاسس براحة غريبة، وكأنه مهما كان اليوم صعب، وجودها في حياته بيخليه يقدر يبتسم.
**بعد اسابيع**
عند نيهال
نيهال بصوت مبحوح من أثر التعب، عيونها شبه مغلقة بسبب الإرهاق وقلة الطعام:
_ أنا تعبت خلاص… قوله بقى على الحقيقة!
نيهال بهمس مرتعش:
_الحقيقة… إن أميرة عايشة!
سمير بصوت متقطع وهو بينهج، ووشه مليان توتر:
_شكل فعلاً… مفيش حل غير كده… بس لازم… قبل ما نقوله… نضمن إنه يخرجنا من هنا.
نيهال رفعت عينيها ليه، عيونها مليانة خوف وقلق:
_إزاي نضمن ده… سمير؟ إحنا محبوسين هنا… وزي م غدر مره ممكن يغدر بينا تاني!
سمير أخد نفس عميق، يحاول يثبت نفسه، صوته صار أهدأ لكنه حاد:
_لازم نلعبها صح… خطوة واحدة غلط، ومش هنخرج أبدًا.
الجو حوالينهم مليان صمت ثقيل، صدى الحديد والزنجير بيخلي اللحظة مشحونة بالخطر، وكل حركة أو كلمة ممكن تغيّر مصيرهم.
في صباح اليوم التالي، قبل ما يروح راكان الشغل، اتجه للمستشفى اللي هاجر محجوزه فيها.
لقى رقية، عمته، نايمة على السرير المقابل من الارهاق ، وهاجر نايمة في غيبوبة بهدوء، وشها شاحب وعيونها مغلقة كأنها بعالم بعيد عن كل حاجة.
قرب راكان وقعد على الكرسي المقابل لهاجر، قلبه موجوع، وعينيه مليانة حزن وحنين.
راكان بصوت خافت واهتزت كلماته: _وحشتيني… وحشتني ضحكتك وهزارك… وعصبيتك… وحشتني كل حاجة فيكي… قومي… وده وعد مني… هاحمي قلبك من أي وجع بعد كده…
عيناه مليانة دموع، لكنه مسك نفسه،
مد إيده بحذر، ماسك كفها بلطف، وحس بدفء ضعيف تحت يده، كأنه بيهمس لها إنه موجود معاها، مهما كانت صعبة اللحظة.
رقيه فاقت، لقته قاعد جنب هاجر وعيونه مليانة قلق. قربت منه بابتسامة هادئة وطبطبت على ظهره:
— هتفوق وهتبقى أحسن من الأول.
هو رفع عينيه عليها، لقى الاطمئنان فابتسامتها، وحس بشوية هدوء بيرجع له بعد التعب والقلق.
ودّع عمته بالسلام، وركب عربيته وهو حاسس بشوية فراغ جوّه، طريقه للشركة كان كله زحمة، لكنه مش مركز، عيونه على الفون. قلبه اتلخبط لما بص للتاريخ 11/11… ده تاريخ موت أمه!
وقف فجأة على جنب الطريق، جنب محل ورد صغير. نزل من العربية بخطوات ثقيلة، وريحه شمس بعد المطر حركت في دماغه ذكريات قديمة. دخل المحل، وأيده تختار من بين الورود، وردتها المفضلة اللي كانت دايمًا بتحبه. شمّه شوية، حس بريحة بتفكرّه بيها، وفي عيونه لمعة حزن وحنين.
رجع للعربية، قلبه بيدق بسرعة، وعينيه شايفة الطريق قدامه كأنه بيعدّه كل ثانية. حرك العربية ورايح المقابر، كل متر بيعديه كان بيقربه من لحظة مواجهة الألم الحقيقي… مواجهة فقدان الأم اللي عمره اتعود عليه بالذات ف اليوم دا.
وصل المقابر، والدنيا ساكته، حتى الهوا واقف كأنه بيشارك حزنه.
وقف قدام قبر أمه، نظرته كانت تايهة،
مد إيده بهدوء، حط الورد اللي كانت بتحبه،
وساعتها قلبه
بدأ يدق جامد… كل نبضة كانت بتوجعه أكتر.
عيونه اتملت بالدموع، حاول يمسك نفسه، لكن فجأة انهار، انفجر من البُكا كأنه طفل صغير بيدور على حضن يطبطب عليه ويطمنه.
قعد على الأرض جنب قبرها، لمس الحجر بإيده، وقال بصوت مبحوح بيتكسر بين شهقاته:
— أنا تعبت أوي يا أمي… كل حاجة حلوة بتروح مني، انتي رحتي مني، وهاجر كمان بتروح مني…
اتنهد تنهيدة طويلة، وكمل بصوت واطي مليان شوق:
— انتي وحشتيني أوي، نفسي أحضنك وأشكي لك همي، نفسي أسمع صوتك وانتي بتقولّي لي "ما تخافش يا حبيبي".
فجأة، لمس كتفه حد بخفة. رفع عينه ولقى عبدالرحمن واقف جمبه، صامت، بس عيونه مليانة تعاطف. قعد معاه على الأرض ساكت، من غير كلام،
قعد عبدالرحمن جنبه ساكت، وسايب له المساحة يبكي براحتُه.
بعد شوية، الصوت اتكسر بين شهقاته وهو بيحاول يتكلم:
— عارف يا عبدالرحمن… أنا كنت فاكر إنّي قوي، بس الحقيقة لأ… أنا ضعيف أوي.
مسح دموعه بإيده المرتعشة وكمل:
— كل حاجة بحبها بتضيع، أمي راحت، وهاجر بتبعد عني يوم بعد يوم… حسّيت إن ربنا بياخد مني كل اللي بيخليني أعيش.
عبدالرحمن سكت لحظة، وبصله بنظرة كلها صدق، وقال بهدوء:
— يمكن مش بياخدهم، يمكن بيعلّمك إزاي تتمسك باللي باقي… أو يمكن بيجهزك لحاجة أكبر.
رمق راكان الأرض وقال بصوت واطي:
— بس الوجع صعب، صح؟
ابتسم عبدالرحمن ابتسامة باهتة وقال:
— أيوه صعب… بس مش دائم، ولازم تفتكر إن اللي بيحبونا عمرهم ما بيروحوا فعلاً… بيعيشوا جوانا، جوه كل ذكرى وكل نفس بناخده.
سكتوا هما الاتنين، سكون بسيط، والريح عمالة تعدي عليهم بهدوء.
بص ناحيه قبر أمه وقال بخفوت:
— وحشتيني قوي يا أمي.
عبدالرحمن حط إيده على كتفه وقال:
— وهتفضل في قلبك طول العمر، بس قوم… هي أكيد مش كانت تحب تشوفك مكسور كده.
رفع عينيه، بص في السما، كأنّه بيدور على طيفها بين الغيوم…
مسح دموعه بهدوء، وبص تاني على القبر كأنه بيودعه .
عبدالرحمن وقف جنبه، مد له إيده يساعده يقوم، قال بصوت واطي فيه حنية:
— يلا يا صاحبي… خلينا نمشي، عندنا حاجات لازم نخلصها.
قام ببطء، ولسه عيونه فيها أثر الدموع.
ركبوا العربية، وساد الصمت بينهم شوية. عبدالرحمن كان سايب له المساحة، وهو سايق بعينين تايهة، بس جوّه دماغه قرار بدأ يتكوّن.
بص قدامه وقال بنبرة هادية لكنها حاسمة:
— لازم أخلص اللي بدأته … مفيش رجعة.
عبدالرحمن اكتفى ببصة صغيرة ناحيته، عارف إن الكلام مش محتاج رد. العربية اتحركت، والدنيا برا كانت رايحة في اتجاه الشركة…
وصلت العربية قدام الشركة، المبنى واقف شامخ كعادته،
نزل من العربية بخطوات واثقة، رغم إن جواه لسه في دوشة من البكاء اللي لسه مخلصش.
دخل الشركة، وكل العيون اتلفت عليه. الموظفين واقفين مش فاهمين ليه سمير بقاله فتره مجاش الشركه
وابنه جه دلوقتي؟ ، الهوا في المكان متوتر، كأنهم حاسين إن في حاجة كبيرة هتحصل.
وقف في النص، بنبرة هادية بس حازمة، وقال:
— يا جماعة، من النهارده أنا المسؤول عن إدارة الشركة.
همهمات خفيفة بدأت تنتشر، نظرات استغراب وتساؤلات.
رفع إيده يشير لهم يسكتوا، وكمل بثقة:
— الأستاذ سمير هو ومدام نيهال سافروا برا البلاد لأسباب خاصة، وسابوا لي توكيل رسمي بإدارة الشركة لحد ما يرجعوا .
مد يده بملف فيه الورق، وقال وهو بيقلب نظره في الوجوه قدامه:
— كل القرارات هتعدّي من خلالي. واللي عنده أي اعتراض، يقوله دلوقتي.
سكت الكل… النظرات متبادلة، بس محدش نطق.
ابتسم ابتسامة خفيفة، فيها مزيج من ألم ودهاء، وقال بهدوء:
— تمام… نبدأ الشغل.
اتجه لمكتبه، خطواته تقيلة لكنها مليانة عزيمة، كأن البكاء اللي كان في المقابر تحوّل دلوقتي لقوة صلبة جوّه.
قعد راكان على الكرسي الكبير في مكتب سمير، أول مرة يحس بثقل المكان ده على روحه.
السكوت مالي الغرفة، وصوت عقرب الساعة هو اللي بيكسر الهدوء.
عبدالرحمن قعد ع الكرسي المقابل ليه وقال بهدوء:
— محدش من الموظفين كان مصدق إنك هتجي النهارده بنفسك .
ابتسم راكان ابتسامة خفيفة بس فيها وجع وتعب، وقال:
— في حاجات لازم تتعمل بإيدي
عشان محدش يشك ف اختفائهم.
سكت لحظة، عيونه رايحة ناحية المكتب اللي كان بتاع سمير، وبعدين بص لعبدالرحمن وقال بنبرة هادية بس حاسمة:
— من النهارده، انت هتبقى مسؤول عن شركتي… كل التفاصيل الكبيرة والصغيرة هتعدّي من خلالك.
عبدالرحمن اتفاجئ شوية:
— شركتك؟ طب وإنت؟
راح راكان معدّل قعدته، وقال وهو بيحط إيده على سطح المكتب:
— أنا هكون مسؤول عن شركة أبويا.
صوته كان ثابت، بس وراه طبقة وجع مش بيحاول يخفيها.
عبدالرحمن بصله باستغراب وقال:
— يعني خلاص… ؟
ابتسم راكان ابتسامة خفيفة، وقال بنبرة غامقة فيها تصميم:
— أيوه قولتلك الوجع هيبقى اضعاف
عبدالرحمن سكت لحظة، وبصله بنظرة قلق:
— بس راكان، اللي بتبدأه ده طريق مش سهل.
راكان رفع عينه ليه وقال بهدوء قاتل:
— ولا عمري اخترت السهل .... وانت ف ضهري وانا واثق من دا.
ابتسم عبدالرحمن ع كلامه لكن كان جواه حاجه بتقوله إن مش دا الصح وان عمر الانتقام ما كان حل! لكن اكتفى بالسكوت.
حرفيا هاجر وحشتني وحشتكوا إنتوا كمان؟😔♥️
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملةمن هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق