رواية ذكريات مجهولة الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم قوت القلوب
رواية ذكريات مجهولة الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم قوت القلوب
الفصل الأول
«الكِتابْ»
يتطاير فى السماء تلفحه رياح الشتاء الباردة ليلتف لعدة مرات ليقع هاويًا على الأرض محدثًا صوت إرتطام مزعج لم ينتبه له أحد فقد خلت الطرق من زائريها بهذا الوقت فمازال الجو معتم قبيل الفجر بقليل ...
لينقشع السواد وتظهر الخيوط البيضاء لتقطع سواد السماء معلنة ميلاد يوم جديد ...
بدأ المارة يتحركون مجيئه وذهابًا دون الإكتراث لذلك الشئ الملقى بإهمال إلى جانب الطريق ....
ومع سطوع أشعة الشمس الذهبية التى داعبتها نسمات الصباح لتعم الكون بدفئها إنتشر الجميع فى دوامة صباحية كل متجه لوجهته ....
فهذا يتجه نحو عمله وهذا لقضاء مصلحته ....
كذلك هؤلاء الأطفال الأبرياء بملامحهم البسيطه الملائكية يرتدون ملابسهم الموحدة كـ زي خاص بالمدرسة يحملون فوق ظهورهم حقائب ممتلئة ، يسيرون ببطء متجهين إلى المدرسة بنشاط وحيوية ....
أخذ هؤلاء الأطفال بالإلتفات يمينًا ويسارًا خوفًا من السيارات المتسارعة التى تحيط بهم ....
ليتقدم أحد الأطفال منحنيًا بجسده الصغير نحو هذا الشئ الملقى على الأرض ليلتقطه ....
وفى سرعة كبيرة إلتف أصدقائه من حوله متسائلين بفضول ....
" إيه دة ؟!! إنت لقيت إيه يا (براء) ؟!!"
" وريني كدة عايز أشوف ؟!؟"
لـ يلكز أحدهم صديقه بكتفه متشدقًا برقبته ليستطيع النظر لما وجده صديقه ...
" وسع بس يا (سيف) ...خليني أشوف (براء) لقى إيه ... !!!"
سيف: إستنى يا (علي) ... أنا جيت الأول ...
براء بغرور: خلاص خلاص ... أنا إللى لقيته ... دة كتاب قديم ... وأنا إللى لقيته ...
علي: هاته يا (براء) ... شكله عاجبني ...
براء بإصرار: لأ ...... أنا إللى لقيته يعنى بتاعى ...
سيف بغضب طفولى: إشمعنى بقى ... ولا بتاعك ولا بتاعه ... أنا عايز الكتاب دة ...
براء: أنا الكبير وحعرف اقرأ فيه ... أنتوا مش حتعرفوا ...
علي بحده : قلت لك هات الكتاب دة ...
براء بتحدى : لأ ..
بدأت مشاجرة بين الصغار ليتهاوشوا فيما بينهم ، و يزداد صياحهم وصراخهم بصوت عالٍ ...
لحقت بهم إحدى الفتيات الصغيرات من زميلاتهم بالمدرسة قائله ...
أسيل: فيه إيه ... بتتعاركوا ليه ... ؟!!
براء: عاوز ياخد منى كتابي يا (أسيل) ...
علي : دة مش كتابه على فكرة ... دة كان واقع فى الأرض يعنى مش بتاع حد ... وأنا كنت حرجعه لصاحبه ....
أسيل: وهو فين صاحبه دة ... إنت تعرفه ...؟!!
على : كنت حدور عليه ...
براء: كداب ... إنت عاوز تاخده ليك أصلاً ....
أسيل : حقول للمس عليكم على فكرة ...
تركتهم (أسيل) وركضت بإتجاه المعلمة التى كانت لاتزال تقف أمام بوابة المدرسة القريبة منهم لتبلغها بما حدث ولِمّا تشاجر (علي) و(براء) و(سيف)....
إقتربت منهم المعلمة لتبتسم نحو الأطفال وطلبت منهم بحزم الدخول إلى المدرسة ...
المعلمه: بلاش تزعلوا بعض ... هاتوا الكتاب دة وإدخلوا كلكم جوه المدرسة يلا ....
لينصاع جميع التلاميذ لما أمرت به المعلمه .....
نظر الأطفال بعضهم لبعض بغضب ليتوجهوا إلى فناء المدرسة كالعادة للقيام ببعض التمارين الصباحية لترافقهم المعلمة بعد ذلك إلى فصلهم ...
دلفت المعلمة لاحقه بالتلاميذ إلى فصلهم لتضع أدواتها فوق سطح المكتب واضعه معهم (الكتاب) الذى وجدوه الأطفال خارج المدرسه .....
شعرت المعلمة بالتساؤلات تعلو وجوه الأطفال فى حيرة فأى منهم سيحصل على هذا الكتاب ....
المعلمه: قولولي بقى .... بتاع مين الكتاب دة ...؟؟!!
ليرد براء مسرعًا: بتاعي أنا ....
علي : لأ يا مس ... مش بتاعه ... هو لاقاه واقع على الأرض بره المدرسة ...
هنا فطنت المعلمة أنها يجب أن تتحلى بالذكاء حتى لا تسبب فتنة أو ضيق بين هؤلاء الأطفال ... كذلك يبدو أنه دفتر قديم لا قيمة له ...
ففكرت على الفور بتحفيز هؤلاء الأطفال بإستخدام هذا الدفتر أو كما يطلقون عليه "الكتاب"....
المعلمه: طيب واضح كدة إننا مش عارفين مين صاحبه ... وأكيد هو قديم وصاحبه مش محتاجه ... إيه رأيكم نعمل مسابقة جميلة فى الفصل وإللى حيجاوب على كل الأسئلة يفوز بالكتاب دة ...
همهم التلاميذ بالموافقة ليتحفزوا جميعًا للإجابة بتميز على أسئلة المعلمة التى تطرحها عليهم السؤال يلى الآخر بمهارة ...
وبعد إنتهاء المعلمة من مسابقتها مع التلاميذ لم يفز أى من الأولاد بالكتاب بل فازت به الطفلة "سمر"
("سمر" فتاة جميله صغيرة ذات ملامح طفولية بريئه لكنها تتمتع بذكاء يفوق سنها كذلك شقاوة محببة يعشقها كل المحيطين بها ....)
أعلنت المعلمة فوز (سمر) بالمسابقة لتمد يدها ملوحة بهذا الدفتر مطالبة (سمر) بالتقدم لنيل جائزتها ....
تقدمت (سمر) لتمسك بالدفتر بيديها الصغيرتين وهى تشعر بسعادة بالغة لفوزها العظيم اليوم ...
عادت (سمر) إلى مقعدها مبتسمة بسعادة لتضع الدفتر القديم بحقيبتها وسط زهوها بإنتصارها على الجميع لتجلس بهدوء مستكملة اليوم الدراسي بصورة عادية ....
________________________________________
أوقف سيارة أجرة ليجلس بالمقعد المجاور للسائق بألفة وكأنه يعرف السائق حق المعرفة ...
لكنه فى الحقيقة يرى هذا السائق لأول مرة بحياته لكن هذه هى طبيعته الإجتماعية ....
"هشام .... (هشام) شاب فى الثامنة والعشرون قمحى البشرة ذو شعر بني ناعم كثيف يلتف بعشوائية محببة .... ذو أنف مدبب وسيم الطلعة ذو لحية صغيرة نابته والتى زادت من وسامته وأكسبته مظهر أنيق ... خاصة مع ارتدائه نظارته الشمسيه و قميص صوفى أسود يعتليه جاكيت قصير بدون أكمام ووشاح صوفي ممزوج بين الأحمر القاني والأخضر الزيتي مع الأسود مما أعطاه مظهر مميز وملفت ..."
وضع حقيبته الجلدية فوق ساقيه وهو يتحدث بأريحية مع السائق فى حديث طويل عن أوضاع الناس وقلة حيلتهم ...
فما كان من (هشام) سوى أن يبدأ فقط الحوار ليستطرد السائق فى سرد معاناته هو وغيره من المطحونين فى دوامة الحياة ...
ليستمتع (هشام) بهذا الحوار الذى يديره كلما إستقل سيارة من سيارات الأجرة خلال تنقله من مكان لآخر ....
وسط هذا الحديث الذى لا ينقطع ، إختلس (هشام) النظر إلى ساعته بنظرة خاطفة فمازال أمامه بعض الوقت لوصوله إلى البيت الكبير ...
لكنه فى داخله لا يشعر بأى إشتياق إطلاقًا للذهاب إليه على الرغم من غيابه لما يزيد عن ستة أشهر منذ آخر زيارة له لهذا البيت وساكنيه ....
_________________________________________
بإحدى المستشفيات ...
جلست فى صمت ودمعه حفظت مكانها على وجهها .. تلك الدموع التى تساقطت فى طريق محفوظ محفور بعينيها الذابلتين منذ أمد بعيد ...
كم تشعر بالوحدة ...كم تمنت الموت ... وكيف تحب وجودها فى هذا العالم الذى لم يشعر بوجودها يومًا ... كيف .....؟؟؟؟
سؤال طالما تردد صداه فى رأسها ...كيف تحب الدنيا التى لم تحبها ؟؟؟
كيف تعيش بالدنيا فى هذه الوحدة القاتلة ....؟؟؟
مسحت دمعتها بأطراف أصابعها لتبتعد عن جلستها أمام النافذة متعتها الوحيدة بهذا البرد القارس ...
جلست على طرف الفراش قابعه بصمت لتتمدد بعدها محاوله النوم هاربة من واقعها البائس ....
________________________________________
تركيا ....
إسطنبول ....
يجب أن تسترخى قليلاً فبعد عمل شاق لأيام طويلة ، ها هو أخيرًا يوم تستطيع أن ترتاح به وتستنشق هذا الهواء العليل ذو النسمات الباردة ....
"(أميمه) ....(أميمه) .... هو إحنا جايين هنا عشان تنامى ....؟!!"
( أميمه ... شابة فى أواخر العشرينيات تتمتع بإطلالة ساحرة ذات عيون بنية واسعة وشعر بنفس لون عينيها وأنف دقيق وابتسامة هادئة ... هدوئها المميز أعطى لها غموض جذاب لتحيط بها هالة للتساؤل دومًا عن شابة مثلها لكن صمتها كإجابة عن تساؤلات الجميع زاد من هالة الغموض حولها لتجذب الإنتباه من كل المحيطين بها)
أميمه: أيوة .... جايه أنام عندك مانع يا (سيلا) ..؟!!
(سيلا .... فتاة تركية من أصل عربي بيضاء البشرة ذات عيون خضراء تصبغ شعرها القصير بلون أحمر نارى مزعج جدًا خاصة لـ(أميمه) لكنها لن تتدخل فذلك من حرية (سيلا) الشخصية .... تعمل كمساعدة لـ(أميمه) وصديقة مقربة لها منذ خمس سنوات مدة معرفتها بـ(أميمه) ....لطالما كانت الفتاة المخلصة وصديقة يعتمد عليها وقت الشدة على الرغم من أن مظهرها يوحى بالنقيض .... فيظهر عليها التمرد واللامبالاة ....)
سيلا: لأ .... أنا عايزة أخرج من مود الشغل .... عايزة أرتاح وأتكلم كلام البنات .... مش عايزة أنام أو أقعد ساكته ....
أميمه: أنا عاوزة كدة ... متوجعيش دماغي ... مش حيبقى فى الشركة وهنا كمان .....
سيلا: أنا إللى الحق عليا أنى جيت معاكِ ....
أميمه: قومي روَّحي ...
سيلا: لو فاكرة أنى جايه لك لوحدك تبقى غلطانة ....
وأشارت (سيلا) بعيناها بإتجاه طفل صغير أخذ يلعب بسعادة مع إحدى السيدات .....
إستكملت (سيلا) حديثها مردفه ..
سيلا: أنا جايه عشان حبيبى "مينو" ولا أنتِ فاكرة إنك لوحدك إللى بتحبيه ...
إبتسمت (أميمه) فهى تعلم بصدق محبة (سيلا) لولدها "يامن" ذو الأربع سنوات ...
أميمه: طيب طالما بتحبيه كدة ما تشوفيلي حل .... (ماندى) حتسافر كمان يومين إجازة وحتقعد شهر فى بلدهم ... ومش لاقيه حد يساعدني مع (مينو) وأنتِ عارفة ضغط الشغل إللى عندنا ....
سيلا: طب ما أجى أقعد معاكِ الشهر دة إيه رأيك ...؟!!
اميمه بإندهاش: حقيقي .... ممكن تسيبي والدتك وتيجى تقعدى معايا ؟!!
سيلا: وليه لأ .... إنتى عارفه هى بتحبك إنتِ و(مينو) قد إيه ....
اميمه: يا ريت يا (سيلا) ... لأنى بجد مش لاقيه حل ....
سيلا: أول ما (ماندى) تسافر حتلاقيني فوق دماغك .... ولو حبيتي أجيب ماما كمان معايا ....
اميمه ضاحكه: لأ ... كدة حتعبكم أوى أوى ....
سيلا: لا متخافيش ... هى كمان بتحب (مينو) جداً كأنه حفيدها بالضبط ...
اميمه: بجد .... تبقوا عملتوا فيا معروف جامد فى الشهر دة .... وكمان البيت واسع وحنرتاح فيه كلنا ....
سيلا: إتفقنا يا مديرتي الحلوة ... من بكرة حنبقى عندك ...
ضحكت (أميمه) وهى توارى ضيقتها فما تعيش به لم يكن حُلمها قط .....
_________________________________________
المدرسة ...
إنتهى اليوم الدراسى ليخرج التلاميذ من المدرسة بعضهم يسير على الأقدام كما جائوا ... وبعضهم يستقل سيارة أحد والديه ..... والبقيه تستقل الحافلة الخاصة بالمدرسة .....
وصلت (سمر) إلى الحافلة لتجلس بمقعدها التى تتخذه كل يوم إستعدادًا لعودتها إلى البيت .......
_________________________________________
هشام..
فى الطريق ...
بعد قطع طريق طويل وسط هذا الزحام المرورى الشديد ، توقفت سيارة الأجرة أمام بوابة كبيرة للبيت الذى على الرغم من بهائه و رقية إلا أنه يبعث فى نفسه الضيق ...
لكن (هشام) مضطر للمجئ إلى هنا ....
تقدم بخطوات متثاقلة نحو الممر المؤدى إلى داخل هذا البيت الكبير ...
فتح الباب بحرص وهدوء لكنه لم يستمع لأى صوت بالداخل فيبدو أنهم جميعًا خارج المنزل الآن ....
تنهد (هشام) ليطلق زفيرًا ينم عن الراحة ... فآخر ما كان يود رؤيته أن يكون أحدهم موجود بالبيت ....
هشام : كويس أوى مفيش حد هنا ... أخد إللى كنت عايزة بسرعة وألحق أمشى قبل ما يرجعوا .....
رفع (هشام) وشاحه الصوفي المميز إلى الأعلى وهو يعدل من وضع حقيبته على كتفه صاعدًا الدرج إلى الدور العلوى متجهًا إلى غرفته القديمة .....
________________________________________
الصغيره سمر ...
بعد مرور بعض الوقت وصلت الحافلة لبيت (سمر) ترجلت منه الصغيرة بثقة متوجهة نحو البوابة الكبيرة التى وجدتها مفتوحة على غير العادة ...
تقدمت إلى داخل البيت لترى من هذا الذى وصل إلى البيت قبلها وقام بفتح البوابة ... فعاده الجميع يصلون بعد مجيئها ..
________________________________________
المستشفى ....
جلست تتناول الحساء الذى وضعته لها الممرضة منذ قليل فهى لا تستطيع تناول أكثر من ذلك لحالتها الصحية المتدهورة ....
بعد عناء طويل تمكنت من تناول ربع طبقها وهذا يعتبر إنجاز كبير فى حالتها الصحية ...
تلك الحالة الفريدة التى سببت لها ألما وضيقًا فوق ضيق وحدتها ، بالإضافة إلى ذلك الهم الثقيل الذى أثقل كاهلها دون التوصل لمعرفة من أين ستستطيع سداد تكاليف العلاج بهذه المستشفى ، وكأنه لا يكفيها همومها ، فليأتى علاجها وتكاليفه هم إضافى يضاف إلى ما عندها من هموم ...
___________________________________________
فى البيت الكبير ....
تقدمت (سمر) بخطواتها الشقية المرحة تبحث بين أرجاء البيت عمن قد وصل قبلها ...
صعدت السلم المؤدى إلى الغرف بالدور العلوي وهى تتلفت ناظرة نحوهم لإكتشاف من وصل قبلها ، سمعت صوتًا بغرفة أخيها الحبيب (هشام) الذى طال غيابه ولا تعرف عنه شيئًا منذ فترة طويلة ...
تقدمت نحو الغرفة ناظرة بعيناها الصغيرتان لتقفز بفرحة فور رؤيتها له ....
سمر : (هشـــــااااااااام) ....
إلتفت (هشام) إليها ليجد ملاكه الصغير يقف بالباب ، إتسعت إبتسامتة الساحرة ليلقى بالحقيبة المعلقة بكتفه فوق الفراش ...
فاتحًا ذراعاه بقوة إشارة لهذه الصغيرة لتندفع بقوة نحو (هشام) ملقية نفسها بين ذراعيه محتضنًا إياها فكم إشتاق إليها .... وهى فقط ....
سعادة غامرة تجلت على محيا تلك الصغيرة فكم إشتاقت له وإفتقدت وجوده بالفعل ....
هشام: وحشتيني أوى أوى أوى ..... عاملة إيه يا (سمور) ...؟!!
سمر : إنت كنت فين يا (هشام) .... إنت وحشتني أوى ...
هشام: كان عندي شغل كتير أوى أوى حبيبتي ..
سمر بحزن طفولى: طيب أقعد معانا ... عايزاك تقعد معايا يا (هشام) .... مش عايزاك تمشي ....
هشام : طيب والشغل ... أسيب الشغل يعنى ...؟!!
سمر: ماليش دعوة .... محدش هنا بيحبني زى ما إنت بتحبني وعايزاك تبقى عايش معايا هنا على طول ....
هشام: بجد مينفعش يا (سمور) .... إنتِ عارفة أن أنا صحفي ... وشغلي لازم أسافر كتير .... و ...
قاطعته (سمر) قائله بذكاء يفوق عمرها الصغير ...
سمر: حقول لبابا وماما ميعملوش حاجة معاك ولا يزعلوك خالص ....
توتر (هشام) من ملاحظة (سمر) أن علاقة (هشام) بهم غير طبيعية ويشوبها العراقيل والمشكلات .....
هشام مستفسرًا : قصدك إيه يا (سمر) ....؟!!
سمر: أنا فاهمه كويس خناقاتكوا على طول وإن بابا وماما بيزعلوك .... أنا مبقتش صغيرة ... أنا عارفة إن هو دة إللى مخليك بتسافر ومش عايز تقعد معانا ...
إبتسم (هشام) لفطنة أخته الصغيرة التى تشبهه كثيرًا ....
هشام : ولو .... مينفعش تتكلمي فى حاجات زى دى .... إنتِ لسه صغيرة .... تمام ...
نكست (سمر) رأسها بحزن : حاضر ....
هشام: أنا جيت أخد الملفات والورق بتاعي دة وماشى على طول .... متقوليش لحد إنى جيت يا (سمور) .... ماشى حبيبتي .....
أومأت (سمر) رأسها بحزن لتضع وجهها بالأرض لتخرج من غرفة (هشام) بصمت ....
جلس (هشام) على طرف الفراش حزينًا لما آل إليه الوضع ببعده عن أهله ...
هشام فى نفسه: ربنا يسامحكم على إللى بتعملوه معايا ......
نهض واقفًا مرة أخرى ليجمع بقيه الأوراق التى جاء من أجلها حتى يرحل قبل عودتهم من الخارج .....
وضع جميع أوراقه والإسطوانات التى كان يريدها بحقيبته الكبيرة وإستعد للرحيل مرة أخرى من هذا البيت قبل أن يلاحظه أحد .....
فوجئ (هشام) بـ(سمر) واقفه أمامه بعيونها البريئة الممتلئة بالحزن تترجاه ليبقى ....
سمر : عشان خاطرى خليك يا (هشام) ....
هشام أطبق شفتيه بأسى : (سمر) ... حبيبتي .. أوعدك إننا فى يوم من الأيام حنرجع نعيش سوا مع بعض ... بس دلوقتِ صعب أوى ....
سمر : وأنا حستناك .....
ربت (هشام) على رأس (سمر) بحنان ليقبلها قبل توجهه نحو باب الغرفة منصرفًا بسرعة حين نادته (سمر) قائله ....
سمر : (هشااام) .....
إلتفت إليها (هشام) بعيون تملؤها الحزن لهذه الصغيرة التى تفطر قلبه بتركها بهذه الصورة ....
سمر : خد ده .... هدية منى ليك ...
ومدت (سمر) بالدفتر القديم الذى حصلت عليه كجائزة بالمدرسه نحو (هشام) ليمسكه بتعجب وإندهاش من شكله القديم المهترئ ....
هشام: إيه دة ...؟!!
سمر: دة كتاب أخدته هدية فى المدرسة النهاردة ... خده إنت يا (هشام) ...
أبتسم (هشام) على براءة (سمر) ليمد يده بجيب الجاكيت مخرجًا هاتفًا محمولاً ليقدمه لـ(سمر) قائلاً ....
هشام: هاتي الكتاب وخدى التليفون دة هدية منى عشان أعرف أتصل بيكِ وأطمن عليكِ .....
سمر بفرحة : تليفون ... ليا أنا !!!!! أنا حخبيه عشان محدش يعرف انه معايا ....
رفعت قدميها لتقف على أطراف أصابعها محاولة الوصول لـ(هشام) لتُقّبله على وجنته فإنحنى لها (هشام) حتى تصل إليه ثم إبتسم (هشام) لأخته الصغيرة ومد يده وأخذ الكتاب ووضعه بحقيبته وقّبل رأسها بحنان خارجًا من باب الغرفة ......
فوجئ (هشام) عندما هبط درجات السلم بـ (هايدى) تدلف من الباب بغرورها المعتاد .....
لحظة لم يكن يريدها (هشام) مطلقًا ، ود لو أن مجيئه كان فى الخفاء و رحيله أيضًا بالخفاء لكن الحظ لم يكن حليفه ...
(هايدى ....كانت "هايدى" تختلف تمامًا عن (هشام) فكانت تميل إلى القصر بعيون ناعسه تهتم بالمظاهر جدًا ... فتاة فى العشرين من عمرها ذات بشرة بيضاء باهتة أخفت عيوبها بالكثير من مساحيق التجميل حتى تكاد لا تدرك ملامحها الحقيقيه من كثرتها .. )
تفاجئت (هايدى) برؤيتها لـ(هشام) بعد هذا الغياب الطويل .....
هايدى : أهلاً .... أهلاً ..... أخيرًا شُفناك ...؟؟؟؟
هشام : أنا مش فاضي للتريقة بتاعتك يا (هايدى) ....بعد إذنك .....
أزاح (هشام) (هايدى) عن طريقه بمد كف يد منحيًا إياها بعيدًا عن طريقه متوجهًا إلى الخارج ....
هايدى بسخرية : متستعجلش أوى كدة .... بابا وماما بره على فكرة ....
أغمض (هشام) عيناه بحسرة فقد فشل فيما حاول الهروب منه بلقائهم الآن الذى يدرك تمامًا ما سوف يحدث مجددًا ....
إلتفت اليها (هشام) بملل ...
هشام : والمطلوب ....؟؟؟؟
هايدى: ولا حاجة .... بقولك بس ....
تركته (هايدى) لتصعد إلى غرفتها مباشرة فهى لن تزعج نفسها بمشاجرة والديها مع (هشام) الآن ....
تقدم (هشام) نحو الباب ليفتحه فقد نفذ السهم وباتت مقابلته معهم أمر محتوم .....
نظر (هشام) نحو والده وزوجة أبيه يقفان أمامه فى إستعداد للدخول ليقفا لبرهة فى مقابلة (هشام) ..
بقلم قوت القلوب رشا روميه
( "معروف "والد (هشام) تاجر متمرس مشهور يعرفه الكثيرون فهو يعمل فى مجال التجارة محققًا ربح مادي كبير من هذا العمل حيث أقام بإنشاء شركة ضخمة تدر عليه ربح مادى عالٍ جدًا ... لكن على الرغم من ثرائه الا أنه كان قاسى جدًا على (هشام) إبنه من زوجته الأولى والتى تزوج بعد وفاتها مباشرة من (جيهان) سيدة المجتمع المعروفة برقيها وسمعة عائلتها المعروفة .... كانت (هايدى) إبنة (جيهان) الوحيدة ومدللتها الصغيرة التى حازت على إهتمام كبير من (معروف) ليصل بدلالها إلى قلب وإرضاء (جيهان) ... ليرزقا فيما بعد بـ(سمر) أختا لكل من (هشام) و(هايدى) )
نظر (معروف) إلى (هشام) بإستهزاء ....
معروف : شرفت أخيرًا ...... خير .... إيه إللى جابك .....؟!!
هشام : كنت باخد ورق مهم وماشى على طول ....
معروف: إنت فاكرني مغفل ومش عارف أنت جيت هنا ليه ... لا ... أنا عارف كويس ... أنت جاي تاخد فلوس ....
هشام : فلوس ...!!!! لأ طبعًا .... ولا عايز منكم فلوس ولا عايز منكم حاجة .... أنا ماشي ...
(جيهان) "زوجة والد هشام": أنت فاكر إننا هُبل ولا إيه ؟؟ .. قول أخدت إيه من البيت وإحنا مش هنا ...؟!!
هشام بحده : قلت لكم مجرد ورق بس .. ولا عايز ولا حعوز منكم حاجه أبدًا ....
جيهان : فتشه يا (معروف) ....
توجه نحوها (هشام) بنظرات غاضبة تعلو ملامحه الصدمة ....
هشام : إيه ....؟!! ...
ويبقى للأحداث والشخصيات بقيه ،،
انتهى الفصل الاول،،
قراءة ممتعه،،
قوت القلوب ( رشا روميه )،،،
ذكريات مجهولة
الفصل الثانى
« غُربة نَفس»
وقفت (جيهان) زوجة (معروف) والد (هشام) بتحدى وهى تحث زوجها ضعيف الشخصية أمامها بأن يفتش (هشام) ، ولده الوحيد بعد إتهامه بالسرقة ...
جيهان : أنت فاكر إننا هُبل ولا إيه ؟؟ ..قول أخدت إيه من البيت وإحنا مش هنا ؟!!
هشام بحدة : قلت لكم مجرد ورق بس ..ولا عايز ولا حعوز منكم حاجه أبدًا ....
جيهان : فتشه يا (معروف)....
توجه نحوها (هشام) بنظرات غاضبة تعلو ملامحه الصدمة ....
هشام : إيه ....؟!! مش للدرجة دى يا هانم.....
قالها (هشام) بسخرية مستطردًا بغضب...
هشام : إنتوا عارفين ومتأكدين إنى عمرى ما أسرق .... وإنتوا عارفين أخلاقي كويس ....
جيهان بتهكم : أخلاقك ....!!!!!
توجه (هشام) بنظرِه نحو والده معاتبًا إياه ...
هشام: إنت برضه ساكت ...!! رُد عليها .... إتكلم مرة واحدة ودافع عن إبنك الوحيد .... ليه .. !!!! ليه دايمًا محسسنى بالغُربة وأنا معاك .... ليه دايمًا بتتعامل معايا و كأنى غريب .... هو أنا مش إبنك برضه !!!! .... ما تتكلم ... ليه .... ليه بتعمل معايا كدة ؟؟!!
أدار (معروف) وجهه معرضًا عن (هشام) فهو يدرك أنه صائب فى ذلك لكنه لا يقوى على التعامل معه بغير ذلك فلا طاقة له بمواجهة زوجته (جيهان) التى تكره (هشام) منذ دخولها لهذا البيت الكبير ، فلاذ بالصمت ردًا على عتاب (هشام)....
شعر (هشام) بغصه فى نفسه مما حدث ....
نعم ذلك رد فعل تعود عليه كثيرًا من والده ، لكن بكل مرة يظن أنه مازال لديه الأمل فى أن يحن والده عليه ليضمه إليه ويحتمى به فمنذ صغره وهو بعيد جدًا عنه ، دائمًا ما يشعره بالغُربة بين أهله .....
نظر (معروف) نحو ولده وقد تحركت داخله إنتفاضة عتاب لنفسه على قسوته مع ولده حين حاول التحدث لكن قبل نطقه بكلمة واحده كانت (جيهان) ترمق معروف بنظرة غاضبة وهى تصرخ به ليتوقف عما ينوى فعله ..
جيهان: (معروووووف)....!!!
ليتراجع وقتها (معروف) عن نصرة ولده خازلاً إياه ، ليعدل (هشام) من وضع حقيبته فوق كتفه ليخرج مسرعًا من باب البيت بعدما نظر نحو والده بنظرة لوم وإنكسار .....
خرج (هشام) من البيت محملاً بثقل يشعر به كُلما أتى إلى هذا البيت .. طالما تسائل لماذا يعامله والده بهذه القسوة ؟؟؟
لماذا لا يشعر بحبه أو بعطفه عليه ؟؟؟ وأن والده سعيدًا لبعده عنه ويكون فى شدة التضايق عند رؤيته ؟؟؟
كم تمنى أن يشعر بحبه ودفئه وحنانه ... لكنه خص (سمر) ، و(هايدى) إبنه (جيهان) فقط بهذه الرعاية والحنان ....
أَذنبه أن والدته توفت وتزوج والده من هذه المرأه الغيوره التى لم تحبه ولم تحب وجوده قط بالبيت ؟؟
وكانت سعيدة عندما ترك (هشام) البيت ليقيم بسكن الطلاب بعيدًا عنهم ..
حتى أنه بعد التخرج إستقل بحياته وسكن بشقة صغيرة إلى جوار عمله بالصحيفة التى يعمل بها ...
أسرع (هشام) ليستقل إحدى سيارات الأجرة حتى لا يتأخر ، لتنطلق به السيارة بسرعة .....
_________________________________________
وسط إرتباك جم تقدم أحد الشباب ليقف بدون حراك فى إنتباه تام ، فحضوره الطاغي وشخصيته القوية كافيان بأن يطيحا به الأرض فلن يتهاون معه هذه المرة فطبعه القاسي والصارم سمة مميزة به ....
"أنت فاهم إنت هنا فين ؟؟! .....هنا الغلطة بموت ... هنا الغلط مرفوض ... ومش بس مرفوض دى محاكمة عسكرية كمان ... فاهم يا حضرة الضابط ...."
الضابط: مفهوم يا (علاء) باشا ... بس أنا فعلاً ..ااا ..
علاء مقاطعًا بحدة : إنتهى .... حترجع على موقعك دلوقت و أى غلطة تانية حسابها عسير .... لولا حضرة الضابط (أحمد) كان حيبقى مكانك مش هنا .. حرس الوزراء والحرس الرئاسي الغلطة فيهم بموت فاهم ..
الضابط: مفهوم يا فندم ...
علاء: إتفضل على مكانك بسرعة ....
("علاء عجب" ... رائد شرطة إستطاع لكفاءته الوصول لقيادة مجموعة الحرس الخاص لوزير الصناعة ، له سلطات عديدة وقوة متفردة فلا يقهره شئ مطلقًا ..... شاب يتمتع بملامح قوية على الرغم من زُرقة عيناه الحادتين وشعره الأسود الحالك والتى أكسبته طلة مهيبة بنظراته الحادة والمخيفة فى بعض الأحيان لكل من يواجهه أو ينافسه ...)
إعتدل (علاء) بجلسته وهو ينظر إلى الضابط (أحمد) بقوة بنظرة يملؤها اللوم ...
علاء: أنت عارف إللى إنت عملته دلوقتِ دة لا يمكن يعدى بالساهل لأنى عمرى ما رجعت فى كلمة قلتها ...
أحمد ممازحًا : خلاص بقى يا حضرة الضابط ...دى غلطة مش مقصودة وهو فعلاً مكانش يقصدها ...
علاء : والله لولا إتوسطت ليه ما كان حيشوفها تانى ... هو إحنا بنلعب ... دى أرواحنا بتبقى على كفوفنا ...
احمد : خلاص بقى ... إنت بقيت صعب أوى يا (علاء) ... مكنتش كدة ....
علاء بضيق: مفيش حد بيفضل على حاله ...
احمد : طب مش ناوي تفكها علينا وعلى نفسك شوية وناخد راحة ...
علاء : لأ... عايز تاخد راحة أنت براحتك أنا مش تعبان ....
احمد: (علاء) أنت بقالك زيادة عن شهرين مشفتش حتى أهلك ... مينفعش كدة ...
علاء: أنا كدة مرتاح ....
(أحمد) مشفقًا على حال صديقه الذى إنغمس بالعمل حتى فقد كل متعته بالحياة ، حتى أهله وإخوته لا يراهم إلا كل بضعة شهور ، فلقد أقام بشقة خاصة به بعيدًا عن الجميع ، يذهب إليها حينما يلحُ عليه القائد بالقيام بالراحة .....
_______________________________________
بإحدى البيوت الشعبية القديمة .....
نادت إحدى السيدات بصوتها الحنون المنكسر على إبنتها تتعجلها قائله .....
" يا (رحمه) ..... يا (رحمه) .... يلا يا حبيبتي ... (هاجر) جت أهى .... يلا يا حبيبتي أحسن تتأخري ..."
("رحمه" فتاة رقيقة بيضاء ذو عينان بلون العسل وشعر مموج أسود اللون .... لها إبتسامة عذبة تملأ وجهها على كل الأحوال ... حتى وهى تشعر بالضيق ... دومًا ما تخفى كل ضيقها خلف إبتسامتها فهى تفضل أن تقابل الحزن والضيق بالإبتسام بدلاً من أن تعيش لحظاته ... تتلألأ عيونها الجميلة ذات الأهداب الطويلة بلمعة مرحه واضحه للعيان ... (رحمه) فتاة يحبها الجميع لرقتها وطيبتها وخفة ظلها .. رشيقة كفراشة طائرة .. ذات شخصية مرحة محببة للجميع .... )
رحمه: أنا جاهزة خلاص أهو .... جايه على طول ..
خرجت (رحمه) من الغرفة وهى تحمل حقيبتها على كتفها تتحرك فى عجالة لتلحق بصديقتها (هاجر) التى تنتظرها أمام البيت ....
رحمه: ماما .... أنا نازله ....مش عايزة مني حاجة ....؟!
أم رحمه: لا يا حبيبتي خدى بالك من نفسك ....
رحمه: أنا خلصت الأكل وغسلت الأطباق والمطبخ رايق ومش محتاج حاجة ... بالله عليكِ ما تتعبى نفسك خالص ... ماشى ...
أم رحمه: حاضر يا حبيبتي ...
رحمه: أنا بقولك أهو ... إوعي تخليني أنزل وتعملى حاجة تتعبك زى المرة اللى فاتت ... ولو عوزتي أى حاجة نادي بس على (أم محسن) جارتنا ...بالله عليكِ يا ماما .... تمام ...
ام رحمه: ربنا يبارك فيكِ يا بنتي يا رب ويحفظك من كل سوء يا حبيبتي ....
رحمه بابتسامة : يا رب ....
إقتربت (رحمه) لتُقّبل رأس والدتها وخرجت بسرعة لمقابلة (هاجر) للذهاب إلى العمل .....
وقفت (هاجر) بإنتظار (رحمه) فى هدوء يناسب شخصيتها وطبيعتها الهادئة ....
("هاجر سليمان" ... فتاة جميلة قمحية اللون طويلة ذات عينان سوداوتين براقتين وأنف مدبب زاد من حسنها وجمالها الهادئ ... رغم ملابسها البسيطة إلا أنها أنيقة جدًا تتمتع بتفكير منطقي عقلاني ورزانة فكر ورجاحته ، مما أكسبها العديد من الأصدقاء ولفت نظر الجميع إليها لكنها لم تحب أحد كحبها لـ(رحمه) ...صديقتها منذ الطفولة ...)
إقتربت (رحمه) من (هاجر) لتتعانق أيديهما بحميميه لتمسك كل منهما بالأخرى لتسيرا جنبًا إلى جنب متخذات طريقهم إلى العمل ....
رحمه: إتأخرت عليكِ ...
هاجر: عادتك ولا حتشتريها .... يلا بينا ....
بعد سيرهما لمسافة طويلة قضتها (رحمه) و(هاجر) دون أن يشعرا بطول الطريق لحديثهم إلى بعضهما البعض ليفيضا بمكنونات حياتهما بمحبة ....
إستقلا الحافلة لتوصلهم لأقرب مكان تستطيعا الوصول إليه ليكملا طريقهم إلى المعرض سيرًا على الأقدام ....
وصلتا إلى معرض كبير لبيع المفروشات بمنطقة راقية للغاية ، تقدمت كل منهن إلى قسمها التى تعمل به لتبدأ كل منهما عملها اليومي ......
____________________________________________
مكتب الوزير...
ترك (علاء) المكتب منفعلاً فقد أصبح لا يتحمل أخطائهم التى زادت عن الحد ليخرج إلى الشرفة ليتنفس بعض من هذا الهواء البارد فربما يهدي نفسه قليلاً ...
أمال أحد الضباط المستجدين بالخدمة على الضابط (أحمد) متسائلاً....
الضابط: (علاء) باشا صعب أوى .. وبجد الموضوع ميستاهلش كل العصبية دى... إنتوا إزاى قدرتوا تتحملوا الشغل معاه كل السنين دى ...دة أنا لسه أول شهر وبفكر أطلب نقل ....
أحمد: أنت متعرفش حاجة .... هو مكانش كدة .... بس فيه ظروف فى حياته خلته دايمًا عصبي ومبيفوتش الغلطة .....
الضابط: معقول .... فاجئتني بصراحة ....
احمد: كلنا نفسنا يرجع (علاء) القديم إللى كل الناس كانت بتحبه وتحترمه .... أه كان قوى وشخصيته زى ما هى بس مكانش قاسي أوى كدة .....
الضابط: يعنى كل دة عشان فى حياته حاجة مستخبيه ... سر يعني ....
(أحمد) وهو ينظر بأسى نحو الشرفة حيث يقف (علاء) ....
احمد: كل واحد جواه سر .... مفيش حد خالي .....
وتركه متوجها لـ(علاء) فعلى الرغم أن عمل (أحمد) مع (علاء) لم يتجاوز الثلاث سنوات إلا أنه عرف معدنه الداخلى وأنه من أكفأ الضباط الذين قابلهم بحياته ... بل هو الأكفأ على الإطلاق .... لكنه عرف بالصدفة أن هناك شئ ما جعله بهذه القسوة لكنه لا يدرك ما هو فـ (علاء) بطبعه كتوم قليل الكلام .....
أحمد: وحد الله ...
علاء : لا إله إلا الله ....
احمد : يا أخى ما تنسى بقى وتعيش حياتك ...؟!!!
رمق (علاء) (أحمد) بنظرة ألجمته تمامًا وكأنه يخبره ألا يتدخل فيما لا يعنيه ... ليتفهم (أحمد) صمته مؤثرًا الذهاب حتى لا يشعل غضبه مرة أخرى ......
قبض (علاء) كفه بقوة وهو ينظر إلى السماء باحثًا بين الغيوم على قرص الشمس قبل المغيب يبعث بها رسالة لفيض الكيل بالتحمل لسنوات ... لقد أصبح فقط يعيش على الذكرى ، يعيش بغُربة داخل نفسه لا يقوى عليها لكنه مجبر على ذلك ......
صدح هاتفه برنين آثار إنتباهه ليظهر إسم أخيه (سامر)....
ليملأ رئته بالهواء ويطلقه بزفير قوى قبل رده على مكالمته .....
علاء: ألو .... إزيك يا (سامر) ....
سامر : إيه يا حضرة الضابط ... إنت نسيتنا ولا إيه ..؟!!
علاء: دة على أساس أن أنت قاعد فى البيت أنت كمان ....!!!!
سامر : مسكتني من إيدى إللى بتوجعني بس أعمل إيه ... ما هو شغل الشرطة مبهدلنا معاه ...
علاء بسخرية : الشرطة برضة ....؟؟؟؟!! خلينا ساكتين أحسن ...
تنهد (سامر) فهو يفهم قصد أخيه جيدًا ... وأن حاله لا يختلف عن أخيه كثيرًا ... فالإثنان محطمان يهربان من حاضرهم القاتم بالعمل بدلاً من أن يأكلهم الندم .....
سامر : لعنة وحلت على عيلة (عجب) حنعمل إيه ....
علاء : أخبار شغلك إيه... و(طارق)...؟!!
سامر : كله تمام .. و(طارق) جنبى أهو بيسلم عليك .... بس كنت عايز أقولك روح البيت أمك نفسها تشوفك ....
علاء : ححاول حاضر .... يلا كفاية رغي ورايا شغل ....
أغلق (علاء) هاتفه واضعًا إياه بجيبه مرة أخرى ناظرًا نحو السماء نظرة أخيرة قبل أن يدلف إلى الداخل باعثًا برسالة عبر الرياح "يا ريت الزمن يرجع من تانى"...
ولكن الزمان لا يعود وتبقى الحسرة والذكرى بالقلوب ......
___________________________________________
بيت رحمه ....
جلست (أم رحمه) على مقعدها المخصص لها والذى وضعته خصيصًا إلى جوار النافذة حتى تستطيع الجلوس والنظر إلى الحى مثل كل يوم ....
دلف إلى الشقة رجل أبيض ممتلئ الجسم متوسط الطول فى العقد الخامس من عمره يشبه (رحمه) إلى حد كبير ....
نظر نحو زوجته (أم رحمه) بإشفاق يود لو أن يجد طريقة يمحو بها حزنها وإنكسارها ، خاصة وهو يراها جالسة بهذا الوضع يوميًا ...
تتظر من النافذة وهى تستند بيدها إلى خدها متكئة على حافة النافذة الخشبية تنظر وتنتظر بحزن ...
ابراهيم: ربك رحيم .... كفاياكِ حزن يا (أم رحمه) ....
انتبهت (أم رحمه) لوجوده لتنظر نحوه بهدوء ..
ام رحمه: أنت جيت يا (إبراهيم)...
ابراهيم: جيت من شوية .... لحد إمتى حتفضلي قاعدة كدة فى البرد ....؟!!
أم رحمه بحزن: وحشني أوى يا (إبراهيم)... نفسي أطمن عليه بس ....
إبراهيم: ربك رحيم بعباده ... إن شاء الله حيطمنا عليه ...
ام رحمه: تسع شهور .... تسع شهور ولا نعرف عنه حاجة ولا حس ولا خبر ... قلبي بيتقطع عليه ... نفسي بس أطمن عليه ....
إبراهيم: يا ريت فى إيدينا حاجة نعملها .... إدعي له يا (إنتصار) ... إدعي له ربنا يحفظه ويرجعهولنا بالسلامة ....
ام رحمه: بدعي له ... وحفضل أدعي له ... ربنا يحفظه ويرعاه فين ما كان ... ويملي عيني برؤيته قبل ما أموت ....
إبراهيم : بعد الشر عنك .... ربنا يديكِ الصحة وطولة العمر .... بلاش الكلام إللى مالهوش لازمه دة .... حيرجع وحنفرح بيه كلنا ...
حاول (إبراهيم) أن يشتت إنتباه زوجته الحزينة ليغير مجرى الحديث بسرعة ....
ابراهيم: أمال فين الولاد ... مش شايفهم يعنى؟!!
ام رحمه: (محمد) و(عمر) راحوا يساعدوا (أبو محسن) جايب بضاعة وكان عايز حد ينقلها معاه .... و(رحمه) راحت الشغل مع (هاجر) ....
ابراهيم : ربنا يبارك فيها ويحفظها هي كمان تعبت معانا أوى البنت دى ....
ام رحمه: ربنا يسعدها نفسى أفرح بيها وأشوفها عروسة مع البنى آدم إللى يستحقها دى طيبة وبنت حلال ....
ابراهيم : ربنا يسمع منك ...ويفرحنا بيها هى وأخواتها وبرجعة عبد الله ..
ام رحمه: آمين يارب ...
ابراهيم : يلا .... تعالي إدخلي جوه بعيد عن الهوا البارد دة حيجيلك برد ...
ام رحمه: روح أنت بس نادى (محمد) و(عمر) وأنا ححضر لكم الأكل .....
ابراهيم: لا يا ستي ملكيش إنتِ دعوة حروح أنادى الولاد وإحنا حنحضر دول طبقين ....
ام رحمه: ما هو عشان كدة الموضوع سهل ... (رحمه) خلصت الأكل وححط لكم الأكل مش حيتعبني ولا حاجة وبعدين إنت طول النهار واقف فى المصنع على رجلك ... روح بس وأنا ححضره بسرعة ....
ابراهيم: الأمر لله .....
تركها زوجها لمناداة أولاده بينما جهزت (أم رحمه) الطعام لهم و إنتظرت هى قدوم (رحمه) لتناول الطعام معها فهى لا تشتهى الآن لتناوله معهم ....
___________________________________________
تركيا ....
عادت (أميمه) إلى بيتها الجديد الذى سكنته حديثًا كمرحلة جديدة بحياتها .....
حملت (يامن) المتعب من الركض واللعب طوال اليوم لتحممه أولاً وتبدل ملابسه قبل أن يخلد إلى النوم ....
يامن: مامي ...
(أميمه) بحب لهذا الطفل الصغير الذى أصبح كل عالمها ....
اميمه: عيون مامي ....
يامن: تنامي معايا النهاردة هنا ...
وأشار بكفه الصغير على فراشه الجديد ....
اميمه: حاضر ... ناكل بس الأكل بتاعنا كله وبعد كدة ننام هنا ....
إحتضن (يامن) (أميمه) بقوة لتبتسم (أميمه) لوجوده بحياتها....
خلد الصغير إلى النوم إلى جوار (اميمه) وهى تداعب شعره الأسود كسواد الليل تتأمل ملامحه البريئة وهو يغط فى النوم ....
أميمه: إنت أحلى حاجة حصلتلي فى دنيتي مش عارفه من غيرك كنت حقدر أعيش وأكمل إزاى بعد إللى حصل.....
قبلت (أميمه) (يامن) قُبلة طويلة فوق جبهته لتستمتع بالنوم الهادئ إلى جواره محاولة إبعاد طيف الماضي وذكرياته المؤلمة فعليها أن تتأقلم مع غربتها لتكمل الحياة ......
________________________________________
فى المطار ...
هشام....
توقفت سيارة الأجرة التى يستقلها (هشام) أمام بوابة الدخول بالمطار ، ترجل (هشام) واضعًا حقيبته الجلدية على كتفه مرتديًا نظارته الشمسية وأخرج قبعته المحببة ووضعها فوق رأسه قبل دخوله من بوابة الدخول ....
دلف (هشام) حاملاً جواز سفره مقدمًا إياه للضابط المسؤول لمراجعته ووضع ختم الخروج إستعدادًا لإستقلال الطائرة متجهًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ....
إنتهى من كافة الإجراءات ليجلس بقاعة الإنتظار لحين إقتراب موعد رحلته ....
مر الوقت سريعًا ليُعلَن بالتوجه إلى البوابة المخصصة للصعود للطائرة ليقف بصف طويل متجهًا إلى الممر الأنبوبى إلى الطائرة مباشرة....
جلس (هشام) على مقعدة بإنتظار الإقلاع وقرر النوم قليلاً فلم ينم منذ الأمس خاصة وأن ساعات الرحلة طويلة للغاية فيفضل قضاء معظم الوقت نائمًا ......
خلع نظارته وقبعته ووضعهم بجيب حقيبته وبانت ملامحه الوسيمة ...
طلب من المضيفة غطاء للعينين ووسادة لينام براحة حتى قرب وصول الطائرة .....
_________________________________________
فى المستشفى ...
حل المساء وحان موعد جديد لتدلف إحدى الممرضات إلى داخل غرفتها المعتمة وهى تفضل النوم دومًا فربما هذا هو حلها الوحيد ....
وضعت الممرضه يدها على قابس الإضاءة لتنير الغرفة المعتمة مما أزعج عيناها العسليتان لتغمضهما بقوة فقد سبب الضوء ألما مباشرًا بعيناها ....
الممرضه: نصحى بقى كفاية نوم ... معاد الوجبه جه ....
لترد عليها بملل حزين ( أنا زهقت أوى .... أنا تعبت من كتر الأكل .... أنا تقريبًا باكل كل ساعتين)
الممرضه: ما إنتِ عارفه إن دة هو علاجك الوحيد .... إنتِ نسيتي كنتِ عامله إزاى!!
مرددة بإنكسار( لأ... منستش)
الممرضه: خدي ...إشربي ده ...
( طيب حطيه عندك وأنا حاخده ...)
وضعت الممرضة كأس به عصير سميك للفواكه به بعض القطع وهى مرحلة متقدمة من تناولها للطعام بعد أن كان مجرد عصائر وطعام مهروس فقط...
فهى مازلت غير قادرة على بلع الطعام بصورته الطبيعية .....
نهضت من نومتها مستنده على ظهر السرير المعدنى وهى تمد بيدها لتناول الكأس ....
مالت شفتاها الباهتتان للأسفل بحزن طفولى متحليه ببراءة وسكينة شديدين ...
هى تدرك تمامًا مرضها لكن المؤلم أكثر هو وحدتها القاتلة التى تعيش بها ، غربتها داخل نفسها ... دمعت عيناها رغمًا عنها متذكرة لمحات من الماضى الحزين لحياتها الماضية....
أمسكت بكأس العصير وبدأت ترشف منه ببطء.....
ومازالت للأحداث والشخصيات بقيه،،
انتهى الفصل الثاني،،
قراءة ممتعه،،
قوت القلوب (رشا روميه )،،،
ذكريات مجهولة
الفصل الثالث
«أسرار القلوب»
بعد يوم مرهق طويل ، حل المساء وسط جوه الغائم ورياحه الباردة ...
فى المعرض....
نظرت (رحمة) إلى ساعتها بنظرة خاطفة وهى ترتب آخر المعروضات والبضائع بقسمها قبل رحيلها لتنظر نحو (هاجر) تسألها ...
رحمة: ها.... خلصتي ؟؟! .... أنا قربت أخلص ...
هاجر : ثواني أهو .. ححط البضاعة دى هناك وأبقى جاهزة ..
رحمه: إنجزي شوية الوقت إتأخر ...
هاجر: حاضر حاضر ...
أنتهت (رحمة) من وضع كل البضائع بأماكنها مرة أخرى بعد خروج آخر زبائن المعرض لتقترب من القسم الذى تعمل به (هاجر) لتساعدها فى وضع المعروضات بأماكنها حتى تستطيعا الإنصراف ....
رحمه: خليني أساعدك عشان نروّح ....
إنتهيتا أخيرًا من ترتيب كل شيء لتنصرفا نحو المنزل بنفس طريق العودة ...
إتخذوا طريقهم بداية بالسير على الأقدام للخروج من هذا الحي الراقي متجهات نحو موقف الحافلات ليستقلوا إحداهم بعد ذلك يترجلا لمسافة طويلة لوصولهم إلى حيهم المتواضع الذى تقطنان به ....
ليمر الطريق الطويل بسرعة وسط حديثهم الذى لا يملان منه أبدًا ...
وصلتا أمام بيت (رحمة) أولاً لتسألها (هاجر) قبل ذهابها إلى بيتها ...
هاجر: رايحة بكرة ولا إيه ؟!!
رحمة: طبعًا ... وأنتِ رايحة ؟!
هاجر: مع إنى هلكانه تعب من الشغل النهاردة بس لازم أروح طبعًا ....
رحمة: خلاص .... عدي عليا الصبح نروح سوا ....
ترددت (هاجر) كثيرًا فى سؤال (رحمة) .. فهذا هو سرها الوحيد الذى لا تعرفه عنها لكنها فضلت بقائه بداخلها حتى يحين الوقت المناسب لمعرفتها به ....
هاجر بتردد: ااااا.... (رحمة)...ااااا....
رحمة متعجبة : مالك يا بنتي فيه إيه... بتقطعي فى الكلام كدة ليه؟!!
هاجر: لا بس عايزة أسألك سؤال ...
رحمة ضاحكة: ياااه ... وهو السؤال صعب أوى كدة ومش قادرة تقوليه .... دة من كتر ما إحنا واخدين على بعض بنكرشك من بيتنا .....
هاجر: لا يعني .... هو سؤال جه على بالي كدة .... هو مفيش أخبار عن أخوكِ (عبد الله)...؟!!
رحمه بحزن: للاسف لأ ... لسه مفيش عنه خبر .... بقاله كدة تسع شهور مختفي ولا نعرف إيه إللى حصل له ....
هاجر بحزن: بإذن الله يكون بخير ... ويرجع بالسلامة ....
رحمه: يسمع من بوقك ربنا يا (هاجر)...
رحمه: أكتر حاجة صعبانة عليا فى الموضوع دة ... ماما .... من كتر غيابه قلبها تعب أوى ومبقتش مستحمله خالص .... أنا خايفة عليها أوى ...
هاجر: إن شاء الله يرجع وتبقى أحسن من الأول .... خالتي تعبت أوى فى غيابه ...
رحمه: يا رب يا (هاجر).... إدعيله يرجع بالسلامة ..
(هاجر) متضرعة من قلبها بالدعاء بالفعل ....
هاجر: ياااارب ....
رحمه : لما أطلع بقى أطمن عليها وأناااام ...
هاجر : خلاص يلا .... تصبحى على خير ... أشوفك بكرة ...
رحمه : سلام يا (جوجو) ...
تركتها (هاجر) متجهة نحو بيتها الذى لا يبعد سوى بيتين فقط عن بيت (رحمه) لتنتهي هذه الليلة الطويلة بعودة كل منهن إلى بيتها ....
_________________________________________
بعد مرور ساعات طويلة ....
مطار جون كيندى الدولي بنيويورك ...
بعد عناء طويل ورحلة مرهقة وصل (هشام) إلى نيويورك ، أنهى معاملاته وأوراقه حاملاً حقيبته فوق كتفه ليخرج من المطار متوجهًا إلى الفندق الذى سبق وقد قام بالحجز به قُبيل سفره من مصر فهذه ليست أول مرة يسافر بها ....
إستقل إحدى سيارات الأجرة وطلب من السائق إيصاله إلى الفندق الذى دون عنوانه بالتفصيل ....
مرت حوالى نصف الساعة حتى وصل (هشام) إلى الفندق وأوصله أحد العاملين بخدمة الغرف بالفندق إلى غرفته التى قام بحجزها ...
دلف (هشام) إلى الغرفة واضعًا حقيبته على المنضدة الموجودة إلى جوار النافذة وألقى بجسده المنهك من السفر الطويل على الفراش الوثير ...
أخذ (هشام) ينظر الى السقف يتأمل الثريا المتدلية منه دون أن يفكر بأى شئ فقط يصفى ذهنه قليلاً ويأخذ قسطًا من الراحة .....
_______________________________________
دولة الإمارات......
حوريه ....
جلست بهدوء تلتقط أنفاسها بعد عناء يوم قاسي ، فقد أُنهكت من هذا التنظيف المستمر و هذا الترتيب المُهلك رغم أنه لا يحتاج إلى ذلك مطلقًا ...
أغمضت عيناها تتذكر تلك الأيام التى مضت بحياتها لكنها اليوم أصبحت مجرد ذكرى ، وكل ما تستطيع فعله هو التذكر ...
فلم يعد بينها وبين الفرح سوى مجرد ذكريات ...
مدت يدها لتنزع ربطة شعرها الأسود الكثيف لينسدل بنعومة وحريرية فوق كتفيها ، كانت تشع منها أنوثة طاغية وجمال فاتن بوجنتيها الورديتين الممتلئتين ووجهها المستدير وعيونها البراقة المحددة بخضارها المميز وأهدابها الطويلة الكحيلة طبيعيًا ....
كم شعرت بالحنين إلى حضن بلدها الدافئ الذى ذاقت طعم مرار الغربة بعيدًا عنه ... كم إشتاقت له ولرائحة جوه ونسماته الجميلة ...
فها هي وقد مر الثلاثة أعوام تعيش هنا وحيدة ، لم ترى الوطن وتطأ خطاها أرضه ويبدو أنها لن تراه مرة أخرى ....
قامت بخطوات بطيئة أظهرت جمالها ورشاقتها تتقدم نحو خزانة ملابسها الكبيرة لتبدل ملابسها بأخرى فهذه الملابس ترتديها منذ الصباح أثناء تنظيف البيت ....
نظرت نحو الخزانة الممتلئة بشتى أنواع الملابس لتمد يدها بلا إكتراث تسحب أحدهم دون تفكير أو إختيار ...
فلو إستطاعت الإختيار لطالبت بالتنازل عن كل الملابس الفخمة والرفاهية التى تعيش بها مقابل قضاء ليلة واحدة سعيدة فى فقرها القديم ....
بدلت ملابسها بسرعة ، كانت جميلة أنيقة باهرة للأعين وهذا أقل وصف لها ... لكن مع ذلك فعيونها يملؤها الحزن والإنكسار ....
إتخذت خطواتها البطيئة هابطة درجات السلم الداخلي لهذه الفيلا الرائعة المصممة على أحدث طراز متجهة نحو المطبخ لتشرب أى مشروب أو عصير يمدها بالطاقة ويروى ظمأها ...
_________________________________________
نيويورك ....
الفندق....
أحس (هشام) بالملل فهو لا يشعر بالنعاس مطلقًا فقد أمضى ساعات رحلته بالطائرة نائمًا ....
فقرر أن يكتب بعض المقالات القصيرة على "اللاب توب" الخاص به أو ربما تصفح بعض الصفحات على الإنترنت ....
نهض من إستلقاءه المريح جالسًا على المقعد المواجه للمنضدة الخشبية التى وضع عليها حقيبته عند دخوله الغرفة وأخرج حاسوبه "اللاب توب" من الحقيبة ليلفت نظرة الدفتر القديم الذى أعطته إليه أخته (سمر)....
نحى الحاسوب جانبًا مخرجًا الدفتر واضعًا الحقيبة على الأرض ليتلمس هذا الدفتر المميز متفحصًا إياه ...
كان عبارة عن دفتر قديم ذو غلاف مصنوع من الجلد السميك وعلى ما يبدو أنه يدوي الصنع ...
أخذ (هشام) يتأمل شكله وكيف يبدو عليه أنه دفتر قيم .....
فتح غلاف الدفتر ليجد صفحاته وقد مال لونها إلى الإصفرار مما يدل على قدم هذا الكتاب...
نظر بأول صفحاته ليجد إسم منقوش بطريقة فنية جميلة وتصميم رائع لإسم فتاة ....
﴿ نهـــال ﴾
هشام : (نهال).... يا ترى مين (نهال)؟!!
قلب (هشام) صفحة أخرى من هذا الكتاب وجد إهداء كُتب فيه ....
﴿ إلى إبنتي الغالية ...(نهال) ....كل عام وأنتِ بخير ...أهديكِ هذا الدفتر .... دفتر الذكريات ...جعل الله كل ذكرياتك سعادة وفرح ...والدك ﴾
تلاها بخط طفولي منمق....
﴿بابا حبيبي ... أنا (نهال) ... وبحب بابا وماما أوى .... بابا النهارده جاب لى هدية ... أجمل هدية ...دفتر ذكرياتي ...النهاردة عيد ميلادي التاسع ...أنا فرحانة ومبسوطة أوى أوى... وفرحانة أكتر لأن بابا جاب لى فستان أبيض ... لأنه عارف إنى بحب اللون الأبيض أوى ﴾
شد هذا الدفتر إنتباه (هشام) بصورة بالغة ....تعجب لعدم وجود هذا الدفتر مع صاحبته ووجوده مع أخته (سمر)...
قرر قراءة دفتر الذكريات حتى يعرف صاحبة الدفتر ويحاول إعادته إليها فور عودته إلى مصر فبالتأكيد هى تبحث عنه الآن ...
بدأ (هشام) يقلب فى دفتر الذكريات كانت فتاة صغيرة مرحة تكتب ذكريات بسيطة عن والديها وذهابها الى المدرسة وصديقاتها ...
ذكريات طفولية جميلة أحس وقتها بمدى الفارق بين طفولة هذه الفتاة وبين طفولته
المحرومة من كل حنان ....
أحب (هشام) هذه الذكريات التى تمنى لو كان هو صاحب هذه الذكريات والطفولة البسيطة لصاحبة الدفتر ... ليندمج بقراءة هذه الذكريات بتمعن أكثر وأكثر ...
أحب بالفعل هذه الطفولة وهذا الأب وهذه الأم ... وبعد قراءة عدة صفحات وصل إلى صفحة مكتوبة بنفس خط الفتاة لكنها كانت غير منسقة ومنقوشة بنفس الورود كسابقاتها ...
بل إنها فقط عبارة عن عده كلمات على صفحة الدفتر كتب فيها ..
﴿ ناس كتير أوى جم النهاردة .... كلهم لابسين اسود فى اسود ... أنا مش بحب اللون الأسود أبدًا ....طول عمري بحب اللون الأبيض ... الناس كلها بيقولولي إن بابا وماما ماتوا .... ماتوا فى حادثة وسابوني ..... بابا وماما راحوا عند ربنا ... أنا زعلانة وحزينة أوى ....أنا مش عارفة أعمل إيه ... أنا عايزة أبقى معاهم وهم يبقوا معايا ... هو يعنى كدة خلاص ... مش حشوفهم تانى ..؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟..... (نهال)..﴾
موجة حزينة عصفت بـ(هشام) بهذا الوقت .... شعر لحظتها بكل حرف كتبته ... فهو يدرك جيدًا أن فقدان الأهل موجع خاصة عندما يكون الشخص يحب أهله ومتعلق بهم إلى هذا الحد ... فهو فقد والدته منذ زمن بعيد ويعلم جيدًا مرار اليتم ....
_________________________________________
تركيا....
أميمه..
إستيقظت على صوت قرع لجرس الباب لتنهض من نومها إلى جوار "يامن" لتهبط نحو الأسفل لتفتح الباب....
اميمه: (سيلا)... صباح الخير...
سيلا: صباح الخير... معلش صحيتك من النوم بس أعمل إيه ..... حكم القوي ...
وأشارت سيلا بحاجبيها بطريقة مضحكة على والدتها التى تلحق بها من الخلف....
إبتسمت (أميمه) فهى تعلم بالتأكيد طبع السيدة (توتشا) والدة (سيلا) ومحبتها للإستيقاظ مبكرًا .....
اميمه: حبيبتي أبلة (توتشا) ... تيجي فى أى وقت....
سمعتها (توتشا) عندما إقتربت منهما فهي تستطيع التحدث باللهجة المصرية جيدًا لتعلمها ذلك من زوجها "يحيى " رحمة الله عليه ....
توتشا: شايفة الناس إللى بتفهم ...
ورمقت (سيلا) بنظرة جانبية وهى تتعداها لتحتضن (أميمه) التى رحبت بها بحرارة ....
اميمه: وحشاني جدًا يا أبلة (توتشا).... بقالي كتير مشفتكيش ...
توتشا: شغلك الجديد أخدك مننا ..
اميمه: ولا أقدر والله ...
توتشا: فين (مينو)... واحشني ....
اميمه: لسه نايم فوق فى أوضته ...
توتشا: أنا طالعه له أقعد معاه خليكم إنتوا فى شغلكم....
اميمه: تعبتكوا معايا ...
توتشا: (أميمه)....!!!! إنتِ زى (سيلا) بالضبط .... ولا إيه؟؟
قالتها (توتشا) مهددة (اميمه) بمزاح لتتسع إبتسامة (أميمه) لهذه السيدة الرائعة التى إحتوتها منذ قدومها إلى إسطنبول .....
صعدت (توتشا) نحو غرفة (يامن) بينما أدخلت (أميمه) و(سيلا) الحقائب التى أحضروها معهم لبقائهم مع (أميمه) و(يامن) لمساعدتهم خلال هذا الشهر حتى تعود (ماندى) مربية (يامن) من إجازتها .....
سيلا: حطلع أنا الشنط دى فوق فى الأوضة وأنزلك حااالا ..
اميمه: وأنا حجهز لنا فطار بسرعة كدة ....
دلفت (أميمه) إلى المطبخ حين سمعت صوت قرع جرس الباب مرة أخرى متعجبة من سيأتى إليها الآن فـ (سيلا) و(توتشا) قد وصلا بالفعل ...
فتحت الباب لتفاجئ بهذا الزائر الغير متوقع .....
اميمه: (ضيا)... !!!!
( "ضيا"... شاب ثلاثيني مهذب وسيم الطلعة ذو بشرة بيضاء وشعر بنى قاتم ثائر بشكل عشوائي زاد من وسامته يرتدى نظارة طبية مستديرة .. يعمل (ضيا) مع (أميمه) و(سيلا) بنفس المكتب تحت قيادة (أميمه) ... تركي الأصل لكن والدته مصرية وهى السبب فى تعلمه اللهجة المصرية ، تعرف على (أميمه) عن طريق صلته ب(سيلا) والسيدة (توتشا) قبل مجيء (أميمه) إلى إسطنبول ، حاول (ضيا) التقرب أكثر وأكثر من (أميمه) التى وقع عشقها بقلبه منذ رؤيتها لأول مرة .... لكنه لم يصرح لها بذلك مطلقًا ... يرى دائمًا (أميمه) تميل إلى الجانب العملي والتحفظ معه ومع الجميع ليدرك أن بداخلها حاجز ما يمنعها من العيش بحرية وربط ذلك بأنه ربما يكون والد (يامن) السبب بذلك .... قرر وجوده معها بشكل دائم ليبقى إلى قربها ومساندتها على أى الأحوال ... حتى يستطيع البوح لها عما بداخله يومًا ما .. فهو لن يتحمل خسارتها وبُعدها عنه إذا رفضت وجوده بحياتها ...)
ضيا: صباح الخير يا (أميمه).... قلقتك ولا إيه ؟!!
اميمه: لا أبدًا... بس مكنتش متوقعة حد حييجى دلوقتِ ....
ضيا : أنا كنت ....
قطع حديثه صوت (سيلا) المهرولة بطفولية فوق درجات السلم المواجه للباب قائله بفرحة ....
سيلا: (ضيا)... يا (ضيا)... إيه إللى حدفك علينا على الصبح ...؟!!
تفاجئ (ضيا) بوجود (سيلا) ببيت (أميمه) لينظر نحوها بصدمة ....
ضيا : (سيلا)...!!! إنتِ بتعملى إيه هنا...؟!
سيلا : سؤال عجيب والله.... أنا إللى بعمل إيه هنا.... أنت إللى جاى لـ(أميمه) عاوز منها إيه بدري كدة...؟!!
(ضيا) وهو مشيرًا إلى سيارته المتوقفة بيده ....
ضيا: كنت معدى بالصدفة وقلت أجى أسلم على (أميمه) وكدة...
سيلا بعدم تصديق: اااااه....
قطعت (أميمه) حديثهم الذى إعتادت عليه ...
اميمه: إتفضل يا (ضيا)... تعالى نفطر كلنا سوا ....
تنحت (أميمه) جانبًا وهى تشير لـ(ضيا) بالدخول ليدلف إلى داخل المنزل بخيبه رجاء لظنه أنه يستطيع التحدث لـ(أميمه) بمفردهما .....
سيلا : بجد يا (ضيا) ... إيه إللى جابك..؟!!
ضيا بحدة : إنتِ ليه مش مصدقة ... كنت معدي من هنا عادى ....
سيلا: خلاص خلاص متزعقش ....
ضيا : (أميمه) ااااا...... بقولك .... عيد ميلاد (يامن) ... أنا مجهز حفلة ليه ... عشان متعمليش حسابك فى أى حاجة .... ومفيش أعذار أنا بقولك من بدرى أهو تمام ....
اميمه: دة لسه بدرى أوى .... دة لسه شهر ....
ضيا : قلت أقولك من بدرى عشان تعملي حسابك ....
شردت (أميمه) وهى تتمتم ....
اميمه: ياااه ... (يامن) حيكمل أربع سنين .... !!!
سيلا: مش مصدقه ابدااااا.... كبر بسرعة ما شاء الل ه....
إنتبهت (أميمه) لـ(ضيا) و(سيلا) ...
اميمه: عمومًا نخلى الموضوع دة بعد ما نخلص كل التصميمات المطلوبة من الشركة الراعية عشان نجهز للديفيله (العرض) الأول ....
ضيا : أه طبعا أكيد .... نجهز كل التصميمات ونحضر الـ meeting( الإجتماع) وبعدها على طول حفله (مينو) ....
اميمه برسمية: إن شاء الله .. يلا نفطر بقى عشان نبدأ الشغل ... أنا جهزت كل حاجة هنا يا (سيلا) عشان نبدأ بالتصميمات على طول لأنى مش حقدر أبعد عن (يامن) كتير فنشتغل من البيت ...
سيلا: حلو حلو .... أحب أنا الشغل إللى من منازلهم ده ... وأهو (ضيا) موجود ويشتغل معانا ....
اميمه بسرعة : ومين إللى حيكون موجود فى المكتب بقى ؟!
سيلا: أه صح ...
ضيا : أنا حشتغل فى المكتب وبرضه حبقى أجى هنا أشوف لو كنتم محتاجين حاجة ....
سيلا: ظبطت أهى .... كدة تمام ... تمام....
وضعت (أميمه) و(سيلا) طاولة الطعام ليتناولوا جميعًا الطعام سويا بحضور (توتشا) والصغير (يامن).....
_________________________________________
نيويورك....
على نفس جلسته مازال (هشام) منكبًا على دفتر الذكريات مستكملاً قراءته فقد أثارت (نهال) كل مشاعره وكأنه يعرفها عن قرب ....
نظر إلى الصفحة التالية حيث كتب بها...
﴿ النهاردة خالي قالي أنى أروح أعيش معاه فى بيته ... مع مراته وولاده ... وأنا معنديش حد تانى أروح له ... حتى خالي ده أنا معرفهوش ... مشفتهوش كتير ... بس خلاص أنا لازم أروح ... لازم أعيش معاهم من أول النهاردة .... (نهال)﴾
ليقرأ (هشام) هذه الجمل المكتوبة التى يبدو أنها لم تكتب بنفس الأيام فكل منها له تاريخ مختلف .....
﴿مرات خالى مش بتحبنى أبدًا.... أنا بخاف منها .... (نهال)﴾
﴿ أنا جعانة أوى .... الدنيا بقت ليل ومحدش إداني أى حاجة أكلها .... ماما كانت دايما بتجيب لى الأكل...﴾
﴿ النهاردة لما رحت أجيب الأكل لقيت خالي ومراته بيقولوا أنهم مش بيحبوني وأنهم بيكرهوني .... طيب هما لو مش بيحبوني .... جابوني هنا ليه.... وحشتني أوى يا بابا إنت وماما.... أنا بقيت زعلانة أوى ﴾
رق قلب (هشام) لهذه الفتاة وكأن ما حدث معها حدث معه أيضًا.....
قرأ فى الصفحة التالية والتى كانت مدونة بتاريخ بعدها بفترة طويلة ...
﴿ مش قادرة أبطل عياط .... أنا مش عارفة أنا فين ... مرات خالي جابتني هنا عند الناس دول .... أنا معرفهمش .... بس أخدوا منى كل حاجة ... بس أنا خبيت منهم دفتري وقلمي عشان محدش ياخده مني ... أنا مش عارفة أنا فين... (نهال)...﴾
أغلق (هشام) دفتر الذكريات وفى داخله ألم مما يقرأه لكنه أحس بتعب ورغبة فى النوم وقرر أن يكمل قراءة باقى الذكريات فى الغد بعد عودته من الخارج ......
ويبقى للأحداث والشخصيات بقيه،،،
انتهى الفصل الثالث،،
قراءة ممتعة،،
قوت القلوب ،،،
ذكريات مجهولة
الفصل الرابع
« سِجن »
فى الصباح.....
بيت رحمه....
فتحت عينيها بإرهاق فهى لم تشعر بالراحة خلال نومها لكن عليها الإستمرار ...
نهضت من فراشها بتكاسل محاولة التنشط قليلاً لتبدأ يومها بمهام إعتادت عليها قبل مغادرتها فى الصباح ....
قامت بترتيب الشقه جيدًا وتحضير الفطور ووضعه على المنضدة قبل إستيقاظ الجميع...
إرتدت ملابسها بغرفتها التى كانت شرفة بالأساس قبل أن يحولها والدها إلى غرفة خاصة بها بعيدًا عن إخوانها الذكور (عبد الله) و(محمد) و(عمر)....
خرجت إلى غرفة المعيشة لتجد والديها قد إستيقظا ومعهم أخويها (محمد) و(عمر) يتناولون الإفطار الذى قامت بتجهيز لهم منذ قليل....
رحمه بإبتسامة مشرقة : صباح الخير...
الجميع : صباح الخير ..
جلست (رحمه) تتناول فطورها معهم بجلسة يغمرها الراحة والدفء لا ينقصها سوى الغائب (عبد الله)....
إبراهيم: صاحيه بدرى النهاردة... رايحه الكلية ولا إيه..؟!
رحمه: أيوة يا بابا... رايحه النهاردة...
إبراهيم: ربنا ييسر أمورك يا بنتي ....
رحمه: آمين يارب...
وقفت (رحمه) وهى تضع آخر لقمة بفمها بتعجل مُلوحة لهم بيدها مُودعة ...
رحمه: أنا يادوب أمشي بقى.... سلام...
ام رحمه: أقعدي يا بنتي كملي فطارك ....
رحمه: لا الحمد لله ... شبعت ... يلا يا (محمد) يلا يا (عمر) ... حتتأخروا كدة...!!!
عمر : لا متخافيش لسه قدامنا وقت.... روحي إنتِ أحسن (هاجر) زمانها مستنياكِ ....
رحمه: طيب تمام... يلا سلام...
ثم عادت ببصرها نحو والدتها مستكملة ....
رحمه: ممكن متتعبيش نفسك لحد ما أرجع وأنا حعمل كل حاجة ... ماشى..
ام رحمه: روحي إنتِ بس كليتك ومتشيليش هم خالص...
رحمه: أنا نازله على طول ... سلام...
الجميع : مع السلامة ...
خرجت (رحمه) مسرعة وهى تحمل حقيبتها ممسكة بأحد الملازم بيدها لتقابل (هاجر) التى وقفت تتنتظرها كعادتها كل يوم...
هاجر مازحة : إنتِ عمرك ما حتنزلي بدري وترحميني من الوقفة دى كل يوم...
رحمه: شوف مين إللى بتتكلم ... بلاش أنتِ يا (جوجو) دة أنتى مطلعة روحي وبتلطعيني بالساعات ولا ناسيه .... مجتش يعنى على خمس دقايق الصبح ....
هاجر: يا ساتر يا رب... مبتفوتيش حاجة أبدًا ... يلا يا أختي إتأخرنا على الأتوبيس....
رحمه: ناس ما بتجيش إلا بالـ......
هاجر: بالـ... إيه..؟؟؟
رحمه ضاحكة: بالعسل... يلا بينا....
إتخذتا طريقهم نحو الجامعة فهما طالبتان بكليه التجارة بالسنة الرابعة ولم يتبقى على تخرجهما سوى شهور قليلة ....
ومع ذلك فلظروف أسرتيهما المتواضعة ماديًا تعملان بعد إنتهاء يومهم الدراسي بمعرض المفروشات لمساعدة أسرتيهما وتحمل نفاقاتهما قدر المستطاع...
________________________________________
مديرية الأمن العام ....
يتقدم بخطوته الثابتة متجهًا نحو مكتبه بثبات ... وفور وصوله إلى المكتب إنتفض الشرطي قرابة باب المكتب بالوقوف بإستقامة رافعًا يده أعلى جبهته مؤديًا التحية العسكرية قبل أن يقوم بفتح الباب له ....
دلف إلى المكتب هذا الشاب القوى بطوله الفارع وهيبته القوية .....
( "طارق العربي" ... شاب قوى البنية ذو ملامح جادة وسيم ، قمحى البشرة ذو عيون حادة ونظرات قوية وملامح شرقية أصيلة محببة ، لكنها فى بعض الأحيان مخيفة عندما يظهر غضبه )
نظر إلى داخل المكتب ملاحظًا صديقه وزميله (سامر) يجلس خلف مكتبه يقرأ بأحد الملفات الموضوعة أمامه ....
( "سامر عجب" ... شاب بشوش الوجه ذو ضحكة صافية يتسم بالهدوء بالرغم من بنيته الجسمانية القوية المشابهة لـ(طارق) بفعل التمرينات الرياضية القوية التى يقومان بها ... لكن ملامحه تشبه أخيه (علاء) بشكل كبير حتى مع زُرقة عيناه التى ورثوها عن أمهم ...)
طارق: صباح الخير ....
سامر متعجبًا : (طارق)...!!! صباح الخير ....
طارق : إيه اخبارك ... ؟!!
سامر بتعجب: إيه أخباري أنا ...؟! أنت إللى إيه أخبارك مش كان عندك مأمورية إمبارح بالليل ... جيت بدري ليه كدة ...؟!!
(طارق) وهو يجلس على المقعد الخاص به خلف مكتبه ...
طارق: متقلقش كدة ... وراك أسد ....
سامر : دة أمر مفروغ منه .... أنا متأكد ... بس إحكي لي عملتوا إيه فى الحملة إمبارح ....؟!!
طارق بفخر: عيب يا بني .... كلهم تحت فى الحجز ....
سامر: يا ريتني طلعت معاكم إمبارح...
طارق: ولا يهمك المرة الجاية أنت أكيد معانا ...
سامر: ضروري .... مش حسيبكم أبدًا ...
__________________________________________
فى المستشفى .....
وقفت تتأمل الماره كـ كل يوم من النافذة... تهيم بتأملاتها لهؤلاء الغرباء فهذا يعبر الطريق وآخر يسير بعجالة وهذا يركض وهذا وهذا .....
لتمضى وقتها وترى كيف الدنيا تدور من حولها دون أن يشعر بها أحد ...
كل ما تفعله بحياتها هو التأمل من النافذه بإتجاه أُناس لا تعرفهم ولا يعرفونها ولا يشعرون بوجودها ، وكأنها فى سجن كبير تطل من نافذتها هذه على العالم من حولها ...
ما عليها سوى متابعة المارة و تناول الطعام الذى أصبحت مجبرة على تناوله كل ساعتين بحد أقصى .....
__________________________________________
تركيا....
جالست (توتشا) الصغير (يامن) بغرفته بالدور العلوى ليلهو ويلعب بعيدًا عن (أميمه) حتى تستطيع أن تعمل هى و(سيلا)....
بالدور السفلى....
وضعت (أميمه) العديد من الأوراق والألوان وعينات من الأقمشة المختلفة أمامها كذلك وضعت جهاز الحاسوب "اللاب توب" الخاص بها للعمل على التصميمات المطلوبة منها لهذا الديفيلة " العرض" الضخم الذى سيقام بعد شهر ....
أميمه بإرهاق: أووف .... تعبت أوى ... يلا نرتاح شويه ونشرب حاجة ونرجع نكمل أنا دماغى وعنيا تعبوني أوى ....
سيلا: طيب أنا حقوم أعمل لنا كوبايتين نسكافية وأجى نرغي سوا شوية ...
أميمه بتملل : (سيلا)...!!! بقولك عايزة أريح دماغي ....
سيلا بشقاوة: طيب وأنا قلت حاجة ... كلمتين مع النسكافية ....
أحضرت (سيلا) كوبان من النسكافية لتضعهما على المنضدة وتجلس إلى جوار (أميمه) على الأريكة لتلتفت إليها وجها لوجه وهى تبتسم بسماجة ....
سيلا: ها.... نرغي فى إيه ؟؟!
إعتدلت (أميمه) لتنظر نحو (سيلا) التى مازالت متحفزه للحديث وبإصرار شديد ....
أميمه: مالك يا (سيلا) ... هاتي من الآخر ....!؟؟؟
سيلا : (أميمه) إحنا بقالنا مع بعض حوالي خمس سنين ... ومع ذلك معرفش عنك كتير ... هو إحنا مش أصحاب ... نفسي أعرفك أكتر ... إنتِ غامضة أوى ...
اميمه: ولا غامضة ولا حاجة ... عادى يعنى ... جيت تركيا وإشتغلت وتعبت لحد ما عرفت أبقى مصممة أزياء كبيرة بالشكل دة ...
سيلا: (أميمه)...!!! أنا عارفة كل دة كويس أوى .... عارفة إنك جيتي تركيا وكنتِ مرهقة وتعبانة جدًا وإشتغلتي مع ماما وبابا فى المطعم بتاعهم ... وماما حبتك وإعتبرتك زى بنتها لحد ما ولدتى (مينو) بالسلامة .... وبعدها قررتي تصممي حاجات وعرضتيها على مكاتب كتير لحد ما إتقبلت منك وسبتي المطعم واشتغلتي فى شركة أزياء وبعد كدة عملتي شركة لوحدك وبقى عندك براند بإسم (مينو) .... كل دة معروف ... أنا عايزة (أميمه) إللى جوه إللى مستخبية أو بمعنى أصح ... فين بابا (يامن)؟؟؟ ... عرفتوا بعض إزاى؟؟؟ ... وكدة يعنى ....
(اميمه) بتفاجئ من سؤال (سيلا) المباشر وغير المتوقع بنفس الوقت ...
اميمه : بابا (يامن) ..!!!!!
سيلا: أيوة يا (أميمه).... إفتحي لي قلبك وإحكي لي ...
للحظة تفكير ظنت (أميمه) أنها ربما إذا قصت على (سيلا) قصتها ستتخلص من تلك الذكريات الحبيسة بقلبها وتبدأ حياة جديدة بعد تخلصها من تلك الذكريات حلوها ومرها .....
أميمه: ممكن .... ليه لأ .... أبدأ لك منين ؟!!
سيلا: من الأول خاااالص .... وبالتفصيل الملل أنا مش مستعجلة .....
__________________________________________
الجامعة ....
تقابلت جميع الفتيات يتكلمون ويتحدثون ويتضاحكون ....
كانت (رحمه) تتمتع دومًا بقدرتها على الحديث المشوق الذى يجعل الفتيات تلتف حولها وتحب وجودها وحديثها الرائع اللواتى لا يملوا منه أبدًا ....
إقتربت تجاههم تسير بدلالها المصطنع وقد تبدو للوهلة الأولي أنها ربما ذاهبة إلى حفل ما .. بإرتدائها لتلك الكنزة الضيقة و سروالها الجينز الملتصق بساقيها وله تمزقات عدة لمواكبة الموضة ، ومساحيق التجميل التى تزين وجهها بصورة مبالغ فيها لتُلفت جميع الأنظار إليها وهذا ما تحبه وتسعى إليه ....
هايدى : صباح الخير ....
الجميع: صباح الخير ....
بسمله: إتأخرتي ليه يا (هايدى) ؟!!
هايدى بغرور : أنا إتأخرت.... لأ لأ متأخرتش ولا حاجة ....
رحمه مازحة : يا شيييخة .... ده فيه محاضرة خلصت من ساعة وأنتِ لسه بتقولي متأخرتيش ....!!!
(هايدى) بعدم إكتراث لحديث (رحمه) فهى لا تطيق تلك الفتاة الفقيرة ولا صديقتها تلك التى تدعى (هاجر)....
هايدى بملل: مش بحبها ....
رقيه: طيب يلا إنتِ وهى قبل ما المحاضرة إللى بعدها تبتدي ....
تحركت جميع الفتيات نحو ذلك المدرج لحضور المحاضرة قبل أن تبدأ بالفعل ...
___________________________________________
الإمارات.....
حوريه....
يوم جديد يبدأ ككل يوم لا يختلف عن سواه شيئًا بالنسبه لها ..
تستعد بعمل روتينها اليومي الإجباري الذى تقوم به دائمًا خوفًا من أى مفاجأة قد تحدث و يعود مبكرًا لأى طارئ فهو لن يتهاون معها على أى تقصير من وجهه نظرة الموسوسة ...
إستعدت للقيام بمهامها المرهقة فوق المعتاد .. فيجب عليها تجهيز البيت كاملاً وتنظيفه مرة أخرى رغم أنه مازال نظيفًا فقد قامت بتنظيفه بالأمس ، لكنها لن تحتمل قسوته وعقابه إذا لاحظ خطأ أو تقصير ولو بسيط وغير متعمد ....
لملمت شعرها الأسود الطويل بضفيرة سميكة مرتديه غطاء لشعرها وملابس مريحه تساعدها على الحركة والتنظيف ....
نظرت بملل وتكاسل نحو هذا البيت الكبير فقد ملت من هذا العمل الشاق طوال الوقت .....
فعلى الرغم من ثراء زوجها وقدرته المالية والثراء الذى يتمتع به ، إلا أنه يرفض تمامًا وبصورة قاطعه أن يكون بالمنزل خادمين على الإطلاق ...
ويصر دومًا على الترتيب والتنظيف المَرضي كل يوم حتى إذا لم يتواجد بالمنزل فربما يأتى من سفره القصير على حين غرة دون حتى إخبارها ....
وحتى لو أراد أخبارها لن يستطيع فهو يمنعها من إستخدام أى هاتف ، لتبقى بهذا البيت الكبير حبيسة جدرانه كالأسرى ...
إذا سافر للعمل أو للتنزه أو حتى بذهابه اليومي لعمله لابد من أن يوصد الباب مغلقًا إياه بالمفتاح ليتركها وحيدة لا أنيس ولا ونيس ولا حتى هاتف تكلم به أى شخص ولا حتى أهلها ....
لا يختلف وجودها بهذا البيت البهى عن السجن شيئًا سوى رفاهية العيش التى يوفرها لها وتتمنى بكل جوارحها وقلبها أن تتنازل عن كل ذلك مقابل يوم واحد سعيد وسط أهلها ... فقط يوم واحد ....
بدأت بتنظيف الدور العلوى بغرفه المتعددة الخالية بالطبع من أى سكان .... وبعد وقت طويل إنتهت من هذه الغرف لتنظف السلم الداخلي وحتى الدور السفلى ....
شعرت بأن كل عظامها قد تكسرت من الإنهاك والتنظيف خاصة وهى لم تتناول شئ منذ الصباح ..
جلست على المنضدة بالمطبخ لتستريح قليلاً ....
حوريه: أااه .... جسمي كله إتكسر .... معدتش قادرة خلاص ....
وقعت عيناها على الساعة لتنتفض مسرعة فقد إقترب موعد عودته ... هى تشعر بذلك بالفعل .... فهو لن يتأخر عن ذلك فعادة سفره لا يتعدى الخمس أيام واليوم هو اليوم الخامس ...
حوريه بذعر : ياااه .... هو أكيد زمانه راجع .... أيوة ... زمانه راجع .... لازم أخلص بسرعة وأعمل الأكل هو دة بس إللى باقى .....
وبدون أن ترتاح أو تتناول شيئًا يكسبها قوة لمجابهة ذلك المجهود الذى يفوق قدرتها يوميًا ، أسرعت لإنهاء ما توجب عليها من أعمال ....
وبعد جهد شاق .. مر الوقت وأخيرًا إنتهت من التنظيف وإعداد الطعام .....
صعدت (حوريه) إلى غرفتها ثم توجهت على الفور بإتجاه المرحاض لتغتسل وتبدل ملابسها ....
وبالفعل فى وقت قياسي أنهت حمامها وتوجهت نحو خزانة الملابس لتجد كالعادة جميع فساتينها وملابسها المتشابهة التى يشتريها لها زوجها ...
ملابس فعلاً جميلة وباهظة الثمن لكنها ليست من إختيارها فكلها من إختيار زوجها لها .....
إرتدت فستان أصفر قصير ذو علاقات رفيعة يبرز لون بشرتها البيضاء ... وضعت بعض مساحيق التجميل بدون تكلف فكانت جميلة مشرقه وزادها إشراق لون فستانها ....
أسرعت تركض نحو الدور السفلى جالسة بإنتظار وترقب زوجها الغائب منذ أيام لزيارة أهله بمصر وربما اليوم هو يوم عودته إلى البيت ....
___________________________________________
فى أحد السجون ....
بأحد زوايا هذه الزنزانة التى قضى بها أيام وشهور طويلة وليالِ قاسية جلس بهدوء يقرأ القرآن محتسبًا صابرًا منتظر فرج الله القريب فهو يأمل دائمًا فى فرج الله....
إقترب منه أحد المساجين ليجلس إلى جواره متحدثًا إليه محاولاً قضاء الوقت الطويل بأى شئ حتى لو كانت محادثة معادة للمرة الألف فليس هناك ما يساعد على مرور هذا الوقت الطويل ...
عزوز : كفاياك وأنا أخوك .... تعال حادثنا .. سامرنا ... خلى الوقت يقصر ... ما يصير تفضل لحالك طول الوقت ..
إعتدل (عبد الله) وقد نحف كثيرًا منذ أن قدم لهذا المكان القابض للنفس ، سيطر على ملامحه الحزن واليأس ...
( "عبد الله" .... أخو (رحمه) الكبير يكبرها بعامان فقط .. ملامحه قريبه جدًا من ملامح (رحمه) وأبيه (إبراهيم) تخرج من جامعته منذ عامين وقرر بدء رحلته بالسفر لإدخار بعض المال كمثل نظرائه الذين يسعون للسفر كطريق مختصر لبدء حياتهم وأعمالهم وتوفير بعض الأموال بطريق أسرع من بقاءه ببلده حتى يستطيع أن يبدأ حياته ، كان كأى شاب فى سنه يريد توفير حياة كريمة له ويؤسس أسرته الصغيرة ... )
عبد الله: وهو أنا لو قعدت معاكم ومقعدتش لوحدي دة حيقلل إحساسي بالظلم والقهر يا (عزوز) ..!؟؟؟
عزوز : يا خوى .... بيكفى ... مظلوم ... مظلوم .... كلنا بالحبس مظاليم يا خوى .... خلاص ... ما عاد فيه حيل .. ثماني شهور ظليت تقول مظلوم مظلوم وإيش إللى صار .... ولا شي .... كلنا مثلما تقولون بمصر فى الهوا سوا ......
عبد الله : سيبني على راحتي يا (عزوز) الله يخليك .. أنا حابب أبقى لوحدي ....
عزيز: هاه .... كيف ما تريد....
قد كان (عبدالله) بطبعه شاب متفائل وبشوش لكن الحزن والظلم والإنكسار لم يبقوا من تفاؤله شيئًا فقد سُجن ظلم نتيجة شهادة ظالم جعلته يقضى هذه الثمانية أشهر بهذا المحبس بعيدًا عن الأهل والأحباب ....
كم كان يود أن يرجع إلى حضن بلده ووطنه أو على الأقل يطمئن والديه وإخوانه فهم لايعرفون شئ عنه منذ أن قرر السفر للعمل بالخارج ......
جلس فى إنعزالته يكمل قراءة القرآن وباقى المسجونين ينظرون إليه بحقد لتفضيله دائما البقاء بمفرده فى هذه الزاوية منذ مجيئه إلى هنا ......
___________________________________________
تركيا..
بيت أميمه....
جلست (سيلا) منصتة بإستمتاع فـ (أميمه) أخيرًا ستبوح عما بداخلها وتبدأ بقص حكايتها عليها ...
تعلق بصر (أميمه) بإحدى زوايا الحائط وكأنها ترى كل ذكرياتها الحبيسة داخل سجن قلبها ، تتذكر كل تفاصيلها وكأنها حدثت بالأمس فقط ....
بدأت (أميمه) تسرد على مسامع (سيلا) ما حدث ذلك اليوم بالتفصيل ...
أميمه: عارفة يا (سيلا)... أنا كنت وقتها فى آخر سنة فى الكلية .. كنت حبوبة أوى وبرضه كنت بتكسف أوى أوى ... اليوم ده كنت معزومة على شبكة واحدة صاحبتي .... قعدت أتحايل على بابا أو ماما ييجوا معايا مرضيوش أبدًا وأنا طبعًا كنت البنت الوحيدة وماليش إخوات ... فإتفقت مع أصحابي البنات يعدوا عليا نروح كلنا سوا .. وجهزت ولبست فستان طوبي وحطيت ميك أب خفيف ولقيتهم بيرنوا عليا يقولوا لى أنهم مستنيني بالعربية تحت البيت ...
نزلت جرى عشان متأخرش عليهم وأنا ماسكة الموبايل والشنطة فى ايدي ... لقيت العربية رحت راكبه على طول فى الكرسي إللى ورا ..
سيلا بحماس: أها .... وبعدين....
اميمه مستطردة: إتفاجئت إنى ركبت عربية غلط وفيه ثلاث شباب راكبين العربية واحد جنبى وإتنين قدام ... روحي راحت فيها وأعصابي سابت خصوصًا لما إللى جنبي ده بص لي أوى وإبتسم لي ... قلت له أسفه أسفه شكلي غلطت فى العربية ... مش عارفة قالي إيه من كتر الإرتباك والتوتر إللى بقيت فيه ... كان تقريبًا وشي بقى لون الفستان من الكسوف .... نزلت من العربية جرى أدور على أصحابي لقيتهم لسه واصلين بالعربية ركبت بسرعة من غير كلام وأنا حاسه إن قلبي حيتخلع من كتر ما بيدق .... وحضرنا الخطوبة ورجعت على البيت وأنا لسه حاسه أنى مضروبة على دماغي .... تاني يوم وأنا نازله من البيت لقيت واحد واقف على الجنب التاني وشكله مستني بقاله شوية أول ما شافني قرب ناحيتي بسرعة أول ما شفت وشه إفتكرت إنه هو ده إللى كان قاعد جنبي فى العربية إمبارح ... بس ملامحه أوضح فى نور الشمس ... إنكسفت تانى من إللى عملته إمبارح ... لقيته بيقولى إنتِ نسيتي الموبايل فى العربية إمبارح ..
هزيت راسي من غير ولا كلمة كل الكلام ضاع وأنا قلبي عمال يدق تاني جامد أوى مش عارفة من الخضة ولا من الشاب أبو عيون زرقاء ده ...
أخدت الموبايل وهو سابني ومشى ولقيته بيلف لي ويقولي وهو مبتسم وكله ثقة وقوة أنا سجلت لك رقمي وأخدت رقمك حرن عليكِ ... سلام ... وقفت مذهوله طبعًا وأنا مش عارفة أنطق ولا كلمة بس كنت من جوايا مبسوطة أوى...
سيلا بإندهاش: وااو.... ده حب من أول نظرة بقى ... وإلا مكنتيش سكتي ... إنتِ مش بتسكتي يا (أميمه)... محدش يقدر ييجي عليكِ أو تعملي حاجة غصب عنك....
أميمه : دلوقتِ بس ... زمان كنت غير كدة ... بس إنتِ عندك حق ... أنا دقة قلبي من يومها نفس الدقة لما كنت بشوفه أو حتى تيجى سيرته ....
طارت (اميمه) بذكرياتها بحبها الوحيد ....
(علاء) ... وبتذكرها لهذا اليوم الذى لا تنسي تفاصيله على الإطلاق بل وكأنها تراه الآن يبتسم لها وهو يعطيها الهاتف ليتحرك بضع خطوات مستديرًا نحوها مرة أخرى مشيرًا لها بكفه بحركة الإتصال وكأنه يعدها بالإتصال بها ....
ذلك الإتصال الذى ظلت تنتظر دقته كما تنتظر الحياة ... ولم يتأخر عنها كثيرًا فبعد وقت قليل دق الهاتف معلنًا إسم غريب بالنسبة لها لكنها أيقنت أنه هو ذو الأعين الزرقاء والشعر الأسود القاتل ( علاء ) ....
تذكرت أول مكالمة ودقات قلبها تتنافر بين ضلوعها وهى توارى إبتسامتها وفرحتها بإتصاله وكأنها تنتظر هذا الإتصال منذ أمد بعيد ....
كم كانت كلماته رقيقة وهو يشرح لها إبتعاده حتى لا يسبب لها الحرج الآن ...
وكيف ظل متيقظًا أمام عتبة بيتها طوال الليل لرؤيتها فقد شغلت عقله وتفكيره وربما قلبه بدون إستئذان .....
إنتبهت (أميمه) إلى (سيلا) التى مازالت تحدق بوجهها المشرق بإبتسامه بلهاء رسمت عليه ، لتغمض عيناها على ذكراها السجينة جدران قلبها لتعود متقمصه دور (أميمه) الجاد الجديد الذى أتقنته جدًا خلال السنوات الماضية ...
اميمه: (سيلا) ... مش نقوم نشوف شغلنا طيب ولا حنقضيها حواديت ....
سيلا: طيب أهو ... بس تكملى لى الحكاية بعد شوية ....
اميمه: نخلص شغلنا الأول وبعدين نحكي لما نفضى ....
نهضتا لإستكمال بقيه التصميمات ليتجسد خيال (علاء) أمام أعين (أميمه) بإبتسامته الرائعة وقوته وثقته بنفسه التى أحبتهما به ليظل أعظم ضابط رأته عيناها يومًا ...
ويبقى للأحداث والشخصيات بقيه،،
انتهى الفصل الرابع،،
قراءة ممتعة،،
توقعاتكم للأحداث القادمه يسعدنى،،
قوت القلوب ،،،
ذكريات مجهولة
الفصل الخامس
« طيف الأحبة »
علاء....
بعد ترتيب المجموعات التى تحرس الوزير قرر زيارة أهله كما طلب منه أخيه (سامر) حتى يطمئنهم عليه ويعود لعمله مرة أخرى ....
زيارة سريعة لن تكلفه شيئًا سوى ضيق النفس ، لكنه مجبر عليها من حين لآخر ...
توقف بسيارته أمام بيت والديه لينظر نحو البيت المقابل له مباشرة بحنين وهو يرفع عيناه بإتجاه أحد الشقق متأملاً بحزن لتهبط فوق ذاكرته ضحكة (أميمه) الرنانة وهي تقذفة بأحد الأقلام ....
"أميمه: والله يا (علاء) لأوصل لك .... بقى كدة تبهدلني كدة قدام باباك ومامتك ...!!
علاء ضاحكًا : أنا قايل لك ملكيش دعوة باللي بيحصل هناك ... ولا تروحي ولا تطبخي ... أنا عايزك هنا أميرة وملكة ... أروح ألاقى الملكة بتعجن فى المطبخ .... فيه ملكة بتعجن ..؟!!
أميمه: (علاء) حبيبي ... البيت فى وش البيت ... أسيبهم يعني ... وبعدين إنت قلت حنتغدي كلنا سوا فقلت أساعدهم ....
علاء: هم كتير وإخواتي البنات كلهم هناك ... يبقى مفيش داعي تروحي .... إنتِ ...مـ لـ گ ـه فاهمة ...
(أميمه) بإستنكار وهى تشير نحو ملابسها الملطخة بحبيبات الدقيق البيضاء المتناثرة ...
أميمه: وهى الملكة ترشها بالدقيق كدة ؟!!
علاء: عشان بعد كدة تفتكري كلامي ...
اميمه: طب والله ما أنا سايباك وحتتبهدل بالدقيق زيي كدة بالضبط ....
لتركض (أميمه) نحو المطبخ حاملة بكفيها الرقيقتين حفنة من الدقيق التى أصرت على نثرها على (علاء) مثلما فعل معها ....."
لاحت شبح إبتسامة على وجه (علاء) وهو يتذكر حُبه الوحيد لـ (أميمه) ... الوحيدة التى دق لها قلبه ... كيف كانت حياتهم سعيدة ... كيف كان حبهما قوي لا يهزه شئ ليصطدم بالواقع المرير ... فهى ليست هنا ... هى ليست معه ... ولا يدري أين إختفت منذ خمس سنوات ....
إنتبه (علاء) لصوت طرقات على زجاج السيارة ليلتفت نحو مصدر الصوت ليغمض عيناه وكأنها آخر شخص كان يود رؤيته الآن .....
هند : (علاء).... (علاء) ...إزيك .... واقف كدة ليه...؟؟؟
("هند"... فتاة جميلة نحيفة تتمتع بطول فارع وجسد ممشوق كعارضات الأزياء ... ذات وجه نحيل وبشرة بيضاء منمشة ، هى إبنة خالة (علاء) و(سامر) تعمل بإحدى شركات الدعاية والإعلان .... ولطالما أحبت (علاء) بجنون منذ صغرهم لكنه فضل الزواج بـ(أميمه) ليقطع أملها بالإرتباط بحب عمرها لتتسع هذه الفرصة الآن لغياب (أميمه) التى طالما شغلت تفكيره ....)
علاء بملل: إزيك يا (هند)... إيه إللى جايبك هنا ...؟!!
هند: كنت جايه أزور خالتي ... إيه بلاش ..؟!!
علاء: لا طبعًا ...إزاى ... إتفضلى...
هند : كويس إنك جيت عشان تطمنهم عليك ... أنا مش فاهمة أنت ليه مش بتيجي تعيش معاهم هنا بدل ما أنت قاعد لوحدك بعيد كدة ....!!
علاء بإقتضاب : كدة أحسن ... عشان أقرب للشغل ....
أشار (علاء) لـ(هند) بأن تتقدمه للصعود إلى بيت عائلته أولاً ليلحق بها وهو يعلم بالتأكيد ما سيقال ويطلبونه منه مثل كل مرة ... إضافة إلى وجود (هند) أيضاً ....
صعد (علاء) لتقابله أمه بترحاب شديد .....
دلال (ام علاء) : كدة برضة .... ولا حتى تليفون تطمن أمك عنك ...!!!
علاء: شغل يا ماما ... أعذريني معلش ...
ام علاء : شغل ...!!! طب ما هو (سامر) شغال هو كمان ... بس بييجي وقاعد معانا بقاله شهرين أهو ... أنا عارفة .... منها لله .... هى السبب إللى خلتك تكرهنا وتبعد عننا وعن الدنيا كلها ....
علاء بانفعال: هي مالهاش دعوة .... مش كل ما تشوفيني تقولي كدة .. أنا تعبت....
ام علاء: يعنى عاجبك حالك كدة .... خمس سنين عايش ميت .... ما تشوف حالك زى ما هي شافت حالها....
(علاء) وهو يكظم غضبه وضيقة فلم يعد يتحمل كل ذلك فيكفيه غيابها الذى قتل كل ما بداخله ....
علاء بحدة : ماما .....!!!! وبعدين بقى .... أمشى ...؟؟؟
أم علاء بإنكسار: لأ .. تعالى حسكت خالص أهو ....
دلف (علاء) إلى غرفة المعيشة ليجد والده (صادق) وأخته (رباب) يجلسون إلى جوار (هند) التى سبقته منذ قليل ....
علاء: السلام عليكم ...
الجميع: وعليكم السلام ...
صادق : ياااه ... عاش من شافك يا حضرة الضابط ...
علاء : إزيك يا بابا ... عامل إيه..؟؟.
صادق : أنا كويس ... أقعد أقعد...
جلس (علاء) ليجد أن نفس الحوار ونفس الطريقة لا تتغير يلومون (أميمه) على وحدته وإنعزاله ، ثم يلمحون كالعادة بالزواج من جديد وكأنهم يلقون الأسهم بقلبه لتصيب جرحه الغائر بصمت خاصة مع زيادة تلميحهم بمحاسن (هند) و رُقيها وكأنهم ينتظرون منه إبدال حُبه وعشقه بزواج وعائلة ...
وكيف يقيم عائلة وعشقه قابع بقلبه وعقله لا ينساه أبدًا حتى لو بقى فقط مجرد ذكريات ...
نهض (علاء) منصرفًا فلم يعد يتحمل كل هذا مثل كل زيارة لهم ....
علاء: بعد إذنكم عشان إتاخرت ورايا شغل .....
خرج من البيت ليتجه إلى البناية المقابلة صاعدًا درجات السلم الطويلة ليتذكر وجودها معه وإرهاقها من درجات السلم فهى لم تكن متواجده عندما تم تركيب هذا المصعد ..
وصل إلى باب الشقة التى تركها كما هي بدون أى تغيير فهذه مملكتها ، لها هي فقط ....
أغلق الباب من خلفه متجولًا بعيناه إلى تفاصيل الشقة الممتلئة بالذكريات ...
دلف إلى غرفة النوم مخرجًا شالها الحريري الوحيد الباقي من ملابسها قبل رحيلها ..
تركته دون أن تدرى ليبقى عطرها المميز به ليستنشقه (علاء) بألم فرغم كل القوة التى يتحلى بها إلا أنه يشعر أنه هش جدًا الآن ...
محطم من إشتياقه لها ...
وشاحًا منسيًا فقط ما تبقى به عطرها المميز به ، ليتنفس عطرها الياسمين فربما يشعر بوجودها قُربه ، دمعة حائرة تلتها مثيلاتها دون توقف بهذا الركن الوحيد الذى يشهد على إنهياره و إشتياقه لها ...
_________________________________
الإمارات .....
حوريه...
جلست تنتظر وتنتظر فى كل دقيقة تمر عليها تزداد إرتجافًا وإضطرابًا....
لم تعبئ لإنهاكها الجسدي فى التنظيف والترتيب ... لم تعطى إهتمامًا لهذا الألم الذى يجتاحها منذ فترة ...
كل ما يشغل تفكيرها الآن ... هل سيأتي اليوم أم لا ....
حيرة مؤلمة تنتظرها كل يوم بنفس الموعد لتتنفس بعدها الصعداء حينما يمر الوقت ولا يأتى ...
تحبس أنفاسها خوفًا كل ليلة من قدومه .... فهل سيكون لها نصيب من الراحة اليوم بغيابه أم أنه سيعود ....
حُطمت كل آمالها ودعواتها التى ذهبت هباءً فلقد سمعت صوت البوابة الزجاجية وقد فُتحت ليتبعها صوت إغلاق قوى إهتز له قلبها من مكانه برجفات قوية إنتفض له جسدها خوفًا وأصيبت نفسها بغثيان شديد فور تأكدها أنه عاد برائحة عطرة النفاذة التى كرهتها ....
كل خطوة يخطيها تدق بقلبها ذعرًا لتتقدم بخطوات بطيئة نحو الباب ....
دلف بقامته الطويلة وجسده العريض يجول البيت بعيونه السوداء البراقة قبل أن تقع عيناه عليها ..... ناظرًا نحوها بعمق وحِدة وبدون أن يتفوه بأى كلمة يمد يده كالعادة بحقيبته نحوها ...
وقفت لبرهة بدون حراك تتأكد أنه عاد بالفعل لتسمع صوته الجهورى مناديًا إياها بقوة وغلظة ....
"(حوريه)..... مالك فيه إيه شفتي شبح.... خدى الشنطة من إيدى ..."
إنتبهت (حوريه) لصمتها وتجهمها لتهرول مسرعة بإتجاهه حاملة الحقيبة من يده ....
وبصوت منخفض ببحة صوتها الساحرة .....
حوريه: حمد الله على سلامتك يا (عماد)....
عماد : ومالك بتقوليها كدة .... إنتِ مش فرحانه أنى جيت ولا إيه ..؟!!
حوريه بتلعثم: ااا... لا ...لا طبعًا .... فرحانة .... فرحانة طبعًا ....
نهرها عماد بغلظة : طيب ما تتحركي ... مالك واقفة زى الصنم كدة .... جهزي لي الحمام أنا تعبان من السفر وعايز أرتاح ....
حوريه: حاضر ... حاضر....
تقدمت (حوريه) رغم الألم الذى تشعر به نحو السلم لتصعد إلى الدور العلوى لتجهز لزوجها المرحاض للإستحمام .....
عماد فى نفسه " قد إيه بكره براءتك دى .. بكره كل حاجه فيكِ ..... بس جمالك بيقتلنى .... خصوصًا اللون الأصفر إللى أنتِ لابساه ده ..."
___________________________________________
نيويورك ...
على الرغم من غطاء السماء الليلي الذى يحيط بأبطالنا إلا أنه الصباح فى نيويورك .....
إستيقظ (هشام) من نومه وبدأ يومه بنشاطه المعتاد تناول قهوته الصباحية وأخذ الكاميرا معلقًا إياها برقبته وإنطلق باحثًا عن معلومات عن الموضوع الذى يبحث به ليكتب عنه فى الصحيفة التى يعمل بها .....
وبعد عدة ساعات عاد إلى الفندق الذى يقيم فيه ليكمل قراءة دفتر المذكرات الذى أخذه من (سمر) .....
خرج (هشام) من المرحاض وهو يجفف شعره المبلل ويعيده إلى الخلف بيده قبل أن يجلس خلف المنضدة الصغيرة بجوار النافذة ليبدأ قراءته فى دفتر الذكريات ......
فتح (هشام) الدفتر ليقرأ ....
"الست إللى أنا عايشه معاها دى مش بتحبنى أبدًا أبدًا ... حتى أولادها وبناتها هم كمان مش بيحبونى أبدًا ... طول الوقت يطلبوا منى حاجات أعملها لهم ... وأنا تعبت أوى من طلباتهم إللى طول الوقت دى..... (نهال).."
وفى الصفحة التالية كان تاريخ الصفحة بعد خمسة أيام من الصفحة السابقة ......
"النهارده كان يوم طويل أوى أوى ... جه ضيوف كتير أوى النهاردة وتعبت وأنا بحضر الأكل مع الست دى ... ولما قلت لها إنى تعبانة وعايزة أنام ضربتني بالألم على وشي ..... وقعدت تقولي إنى خدامة هنا... وإن أنا لازم أشتغل عشان يأكلوني ويشربوني ... هو أنا خدامة بجد .... يعنى خالي ومرات خالي جابوني هنا أشتغل خدامة ... أنا مش مصدقة الست دى ... دول كدابين .... أكيد كدابين .... تعالى خدني يا بابا .... تعالى يا ماما خديني فى حضنك وإحميني منهم ... أنا تعبت أوى ..... (نهال).."
لمعت عينا (هشام) بدمعة على حال هذه البريئة التى قسى عليها خالها .....
كم يشعر بنفس شعور حرمانها وقسوه الأيام عليها .....
هشام : للدرجة دى ... يقسى على طفلة ضعيفة للدرجة دى .... حسبى الله ونعم الوكيل ....
ثم أكمل قراءته للدفتر ......
"أنا بكتب تاني وأنا بعيط .... الست دى ضربتني ... ضربتني جامد أوى بالعصاية .... غصب عني الطبق وقع وأنا بغسله وإتكسر ... والله كان غصب عني ... إللى واجعني أكتر مش الضرب .... ولا جسمى إللى وارم وبيوجعني .... إللى مزعلني إنهم مش حيخلوني أروح المدرسة .... يظهر إنى هنا فعلاً ..... خداااااامه .... (نهال).."
" أنا حاولت كتير أكلمهم إنهم يرجعوني المدرسة بس رفضوا ... حتى أولادهم بيعاملوني إنى خدامة عندهم .... ليه يا بابا أنت وماما سبتونى فى الدنيا دى لوحدي ... ليه ....."
تألم (هشام) مما يقرأه وأغلق دفتر الذكريات ليذهب لتناول الغذاء ثم يعود ليكمل قراءته .....
____________________________________________
فى الليل وظلمته .....
رحمه...
بعد عودتها من العمل إستعدت (رحمه) للنوم وضعت رأسها على وسادتها وهى مسلطة عيناها نحو السقف متفكره بسرها الذى تكتمه بداخلها ...
رحمه " هو ممكن ييجي اليوم ويحس بيا .... ممكن يحس بحبي ليه .... بس إزاى بس دة ولا ملاحظ وجودى أساسًا ... أعمل إيه عشان ياخد باله مني ويعرف قد إيه أنا بحبه وحبه مغروس فى قلبي ... "
ثم أكملت بسخرية من حالها " وأنا اكون مين !! ... بس بحبه .. وعمري ما حبدأ وأخد أنا الخطوة فى البداية .... أنا ليا كرامتي برضه.... "
تنهدت (رحمه) وإلتفتت على يمينها لتغط بنوم مرهق بعد يوم طويل .....
لم يكن حالها أفضل من حال صديقتها التى تخفى سرها هى الأخرى بداخلها ... فكم من النفوس المعذبة وراء أسرار لا تستطيع البوح بها ....
هاجر...
جلست على مكتبها الصغير أمام كتبها الموضوعة فوقه تنظر نحو الكتاب لكنها لاترى ولا تعى هذه الكلمات المكتوبة فهي ترى طيفه يمر أمامها ولا تستطيع إبعاده عن تفكيرها .....
مدت يدها لتخرج ورقة صغيرة من داخل الكتاب ...... كانت رسالة منه ..... أول رسالة وآخر رسالة تتلاقاها منه .... عبد الله ....
رسالة يعترف لها بحبه وأنه سيفعل المستحيل كى يتزوجها فظروفه المالية لاتسمح له بالزواج لهذا قرر السفر للعمل بالخارج ليكون بعض المال اللازم لإتمام زواجهم ......
هاجر " اااه يا (عبد الله).... وحشتني أوى.... يا ترى أنت فين ... ورحت فين .... معقول تكون نسيتني ... معقول شغلك غيرك وبعدت عني .... أيوة أنت مسمعتهاش مني بس عنيا قالتها قبل لساني ... أيوة بحبك يا (عبد الله) ... نفسي أطمن عليك .... بس خايفه .... خايفه لأعرف خبر يكسر قلبي و إنك عرفت غيري .... أو حتى تكون إتجوزت زى ما بسمع عن ناس كتير ... كل ما أفكر بس فى كدة بخاف وقلبي بيوجعني ... ليه يا (عبد الله) ....ليه تعترف لى بحبك وتوعدني وتختفي كدة...."
وسط حيرتها أغلقت كتابها وأطفأت الأنوار لترتاح قليلاً لكن مع راحه جسدها ما الذى سيريح قلبها وفكرها.....
أغمضت عينيها لتجد صورته متجسدة أمام عينيها ......
_________________________________________
الإمارات.....
جهزت (حوريه) المرحاض لـ(عماد) كما طلب منها .. وضعت الحقيبة التى أعطاها إياها على المنضدة الصغيرة بالغرفة بنفس المكان الذى يضع به حقيبته بالضبط فهو دقيق جدًا ولا يحب أى أخطاء أو تغيير أبدًا ....
جلست على المقعد المجاور للمنضدة فى هدوء لا تستمع سوى لصوت الماء المتساقط بداخل المرحاض نظرت حولها وجالت بنظرها فى الغرفة .....
حوريه فى نفسها " على قد جمال الأوضة دى بس بحس بخنقه فيها ... بيتنا القديم على قد ما كان صغير بس أنا كنت بحبه أوى .. غنية وعندى فلوس بس عمرى ما حسيت إنى مبسوطة وسعيدة ...."
وبدأت (حوريه) فى تذكر أول أيام حياتها مع (عماد) يوم زفافها ......
" كانت (حوريه) بكل ما فيها إسم وصورة ، بهيه جدًا بفستانها الأبيض وجمالها الآخاذ .....
كانت تنتظر عريسها بخجل فـ (عماد) كرجل أعمال ثرى تقدم لخطبتها ليجده أهلها فرصة لا تعوض لتتم خطبتهم ثم يسافر بعدها مباشرة ليُحدد موعد الزفاف بعد عدة أشهر لم يكن هناك إتصال كبير بينهما لإنشغال (عماد) أغلب الوقت ولخجل (حوريه) الشديد أيضًا ...
إستطاع (عماد) أن يصل من سفره قبل الزفاف ببضعة أيام ...
كان غريبًا عنها ومع إلحاح والديها إضطرت للموافقة على هذا الزواج الذى سيساعد أهلها وإخوانها ماديًا بصورة كبيرة .....
تذكرت ليلة العمر حينما إنتهى حفل الزفاف ليتجها إلى الفندق الفخم الذى قد حجزه (عماد) لهما لليلة واحدة فقط ليسافرا باليوم التالي إلى الإمارات حيث يعمل زوجها ....
تقدمت (حوريه) بخجل إلى داخل الجناح المحجوز لهما وقد إنبهرت بجماله وفخامته ...
وقفت بدون حراك من خجلها الزائد فى هذه اللحظة الحرجة ......
تقدم منها (عماد) وبصوته القوى....
عماد: تعالي .....
(حوريه) ببحه صوتها العذب الذى يكاد يخرج من حنجرتها .....
حوريه : ااا.... حدخل بس الحمام أغير هدومي ....
عماد: بسرعة ....
توترت (حوريه) ليتملكها الخوف الطبيعي كفتاة رقيقة بليلة زفافها خاصة وهى لم تتعرف به بصورة تسمح لخجلها أن ينقشع ...
جلست على طرف حوض الإستحمام محاوله إستجماع الجرأة التى تحتاجها لكنها تزداد توترًا وخجلا ...
زاد توترها حينما دق (عماد) الباب تابعًا دقته بصوته الجهورى الغليظ ...
عماد: يلا يا (حوريه)... بتعملي إيه دة كله ..؟؟!
حوريه بإرتباك: ثواني حاضر ....
أخذت (حوريه) ملابسها وخلعت فستان الزفاف لتبدل ملابسها ....
مفاجئة غير متوقعة ... عذرا إجباريًا لاح بالأفق ليعطى (حوريه) بعض المتنفس بوضعها الجديد مع شخص غريب عنها ....
إبتسمت (حوريه) وأدركت أن الله يعطيها فرصة لتتعود على وجود (عماد) فى حياتها قبل أن يقترب منها بدلا من توترها وخوفها الآن ....
بدلت ملابسها براحة وخرجت من المرحاض .......
وقف (عماد) إلى جوار الفراش معطيًا إياها ظهره عابثًا بهاتفه حين إستمع إلى صوت الباب يفتح ليستدير بإتجاه (حوريه) ....
تعلقت عيناه بها وبجمالها الساحق نظر إليها نظرات شعرت (حوريه) بحرج بالغ منها
فلم ينظر لها أحد من قبل بهذه النظرات المتفحصة فى سائر جسدها .....
إقترب (عماد) خطوتين من (حوريه) رجعت فيهم (حوريه) إلى الخلف ....
حوريه: إإإإ.....(عماااد)...أأأنا ....أنااااا
عماد: إيه ....؟؟؟؟
حوريه : إحنا يعني .... مش حينفع ... ااااا.... أنا عندي عذر .... أصل.... مينفعش النهاردة ...
عماد بغضب: نعــــم ....!!!! هو إيه إللى مينفعش النهاردة .... ولا أى حاجة فى الدنيا حتوقفنى النهاردة .... هو أنا دافع دم قلبي عشان تقوليلي مينفعش ....
تراجعت (حوريه) بصدمة وهى تضم أصابع يدها مشيرة له بالهدوء قليلا ...
حوريه: إهدى بس ... غصب عنى والله ... أصله فجأة كدة .... الأيام جايه كتير .... حتى ..... يعنى .... نكون أخدنا على بعض شوية ....
عماد: مش حيحصل ... النهاردة ... يعني النهاردة....
حوريه : حرااام ..... مينفعش ....
وقبل أن تكمل (حوريه) كلامها قاطعها (عماد) وهو يسحبها بقوة وألقاها فوق الفراش ....
تذكرت (حوريه) تفاصيل هذه الليلة وكأنها كانت بالأمس فقط وأنه لم يمر عليها ثلاثة أعوام كاملة .....
تتذكر كيف شعرت بجرح كبير داخل نفسها من (عماد) وما فعله ....
تذكرت كيف شعرت بالإنكسار لتدرك أنها زوجة إشتراها بالمال ولن تتجرأ يومًا أن ترفضه بأى وقت أو بأى شكل ....
تذكرت كيف نظرت نحوه بإنكسار لتجده نائم بعدها وكأنه لم يفعل شيئًا ......
كيف قضت ليلتها جالسة على المقعد تنتظر الصباح لترحل من هذا المكان الكئيب رغم بهائه ....
ليأتى الصباح ويسافرا إلى الإمارات حتى هذه اللحظة ......
أفاقت (حوريه) من ذكرياتها على صوت (عماد) يخرجها من ذكرياتها الأليمه لواقعها المر ....
عماد: حضرتي العشا....؟!!
حوريه : أيوة .... تحت ...
عماد: إسبقيني وجهزي السفرة زى ما بحب على الله ألاقى غلطة ... أنا جاى على طول...
حوريه: حاضر....
تحركت (حوريه) بآليه فهى لا تستطيع أن تخالفه أو حتى تعترضه وإلا سيكون عقابها شديد ومؤلم ...
لتنصاع (حوريه) لأمره برضوخ تام و سلبية شديدة ....
،،،ويبقى للأحداث بقيه،،،
انتهى الفصل الخامس ،،
قراءة ممتعة،،
توقعاتكم للأحداث القادمه يسعدنى،
قوت القلوب ،،،
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملةمن هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق