القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية حكاية بنت الريف الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم صباح عبد الله حصريه

 


رواية حكاية بنت الريف الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم صباح عبد الله حصريه 






رواية حكاية بنت الريف الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم صباح عبد الله حصريه 




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أتمنى منكم التشجيع ورأيكم في الرواية الجديدة نبدأ..


بسم الله الرحمن الرحيم..


الفصل الأوّل من حكاية بنت الريف.. الكاتبة صباح عبدالله فتحي.


في قرية ريفية صغيرة، في أرض ذراعيها عبارة عن جنينة عنب واحدة بصوتٍ عالي.. بيزعق لمجموعة بنات قاعدين تحت ظل شجر العنب من أشاعة الشمس. 


_أنتي يا بنت، أنتي وهي قاعدين عندكم بتعملوا إيه؟


البنات خافوا من صوت الشخص ده. واحدة من البنات:

الله في أي يا عم محمد، هو إحنا مش بشر ولا إيه؟


محمد، غفير جنينة العنب، عبارة عن قطعة أرض كبيرة جداً واعتبر نص البلاد شغالين فيها. محمد راجل كبير في السن عنده ٥١ سنة، بس اللي يشوفه يقول إنه لسه شاب بسبب قوّة جسمه. هو حد الطباع مع الكل.

محمد بصوتٍ عالٍ: وأنتِ علشان بشر تسيبي شغلك وتقعدي تدلعي هنا وهناك؟


واحدة تانية: الله يسمحك يا عم محمد، إحنا برضو بندلع.


محمد يبص على البت: أنتي بتعملي إيه هنا يا دهب؟


بطلة الرواية دهب. دهب دي بجمالها يخطف العقل بس هادية زي طبعتها. بظبط السن 20 سنة. دهب بقى هي اللي هتعرفنا على نفسها.


دهب: أقول إيه يعني عن نفسي غير إني بنت لا حول لها ولا قوة. أنا، عندي أم وأب بس أنا ماعرفش أي حاجة عنهم. وعمري ما مامي خدّتني في حضنها مرة، حتى أبي أنا مش عارفة شكله إيه. أنا عايشة مع سيدي وستي في بيت صغير، وهم اللي ربوني من وأنا عندي سنة. أبويا وأمي مطلقين، وكل واحد عايش حياته. أمي كانت الزوجة التانية، وأبويا طلّقها ورجع لمراته الأولى، وأمي اتزوجت. أنا عندي إخوات بس ماعرفش أسمائهم. يعني أنا وحيدة وعندي 8 خوات ويتيمة. أمي وأبوي مش عايشين معايا على ضهر الدنيا. 


دهب: معلش يا عم محمد، نزلت الأرض من غير ما أخليكي تشوفين، بس والله ستي تعبانة ومش قادرة تنزل الشغل. سبني الله يخليك.


واحدة من البنات اللي واقفين: هي وشي الفقر دي هاتشتغل معانا يبقى إن شاء الله في نصيبها هاتحصل النهارده.


دهب: آه، نسيت أقولكم إن ما فيش حد بيحبني، وبعتبروني وشي نحس، ومنين ما بروح مش بلاقي غير أهانة وشيتمة من الكل. من وأنا صغيرة قلت يمكن لما أكبر الناس هتحبني، بس لا، الكل بيقرف مني وما فيش حد حبني، وكل حاجة زَي ما هي.


دهب: الله يسامحك يا شيرين، أنا مش هأرُد عليكي. يا عم محمد، هاتسبني في الشغل ولا إيه؟


محمد: امشي يا دهب، شوفي شغلك بس رجليك ما تحطيها في الأرض دي تاني. أنا مش ناقص قرف، والناس كلها بتتشائم منك.


دهب ياقلبي: آه لو يعرفوا كلامهم بيعمل فيّ إيه، بس أعمل إيه ولا أقول إيه غير "يا رب". قلت له: ماشي يا عم محمد، وخدت نفسي ودموعي على  وشي من غير حرف تاني.


شيرين: يا رب، هو أنا كنت ناقصة؟ أنا متأكدة إنه طالما شوفت وشي الفقر ده هيحصل حاجة.


محمد بصوتٍ عالي: متتخلّصي بقي يا بت انتي وهي، وانزلي شوفوا شغلكم، أصل والله ما هتقبضي واحدة فيكم.


واحدة تانية: خلاص بالله عليك يا عم محمد، ده أنا نزلت مخصوص علشان القبض. عندي امتحانات وعايزة الفلوس.


محمد: ربنا معاكِ. يلا بقى شوفوا شغلكم.


شيرين: يلا نازلِين، اهو يا عم محمد.


شيرين دي بقى أكتر واحدة ممكن تكون بتكرهني. والله ما عرف أنا عملت لها إيه. هي ما بتشوفني غير لما بتحرق دمي بكلامها. هي من سني عنده 20 سنة بس مخطوبة لواحد مهندس، وكانت هتموت من الفرحة هي وأهلها. ومن يومها هي وأهلها مش بيتفشخروا غير بيها. هي متعلّمة مش جاهلة زي أنا، حتى مش بعرف أكتب ولا أقرا اسمي. والله يسامح أبوي، ما رضيّش يدخلني المدرسة. وسِتي وسِيدي حالتهم ما كانتش تسمح أروح مدرسة. ممكن لو كنت اتعلمت كان الناس احترموني شوية عن كده، بس هاقول إيه غير دي الله ودي حكمته. والحمد لله على كل حال.  الحمد لله، اليوم خالص على خير وخلاصة شغل. وطبعًا طول ما أنا بشتغل كلام البنات حرق دمي.


محمد: خدي قبضك اهو يا دهب وما أشوفكش هنا تاني، أنتِ فاهمة؟


دهب: حرام عليك يا عم محمد، ما تخلّيني أشتغل وآكل عيش. هاصرف على سيدي وستي منين؟ والله الاتنين تعبانين في البيت.


محمد يصعّب على دهب: خالص يا دهب تعالي الشغل، بس لو حصل حاجة من تحت راسك مش هقولك هعمل فيكي إيه.


دهب: والله يا عم محمد هاتسبّني في الشغل؟ والله فرحت كأني لقيت كنز مدفون تحت الأرض.


شيرين: إنت بتقولي إيه يا عم محمد؟ هي مين دي اللي هاتشتغل معانا؟ لو وشي الفقر ده اشتغل هنا أنا مش نازلة الأرض دي تاني، وهروح أشتغل مع عمي شحتة أحسن.


يا لهُوي... فرحة ما تمت والله. أنا مش عارفة البت دي عايزة إيه مني. أكيد عمّي محمد مش هايشغلني تاني.


محمد بصوت عالي: إنتِ بتقولي إيه يا بنت يا شيرين؟ بتهدّيني يا بنت محسن؟


شيرين: معليش يا عم محمد، ياني وشي الفقر دي في الشغل.


محمد بغضب وصوت عالي : بت إنتي أني مش علي  آخر الزمان، بنت مكسّورة الرقبة زيك تهدّديني؟ غوري في دَهيا واشتغلي مكان ما تشتغليش. هو مافيش غيرك ولا إيه؟


شيرين: بقى كده يا عم محمد بتطرديني علشان دي

طيب إيه رأيك بقى إنّي ما هنزل الأرض دي تاني؟


واحدة تانية: اسمع يا عم محمد، لو البت دي هاتشتغل هنا وشرين هاتسيب الشغل، أنا كمان مش هانزل الأرض تاني.


واحدة ثالثة: وأنا كمان. واحدة ربعة، وأنا كمان. والبنات كلهن رفضوا إنّي أشتغل معاهم. روحت لعمي محمد ودموع في عيني، صعب على نفسي.


خالص يا عم محمد مش نزلها تاني.


وخدت نفسي ومشيت، وانا حاسة إن في سكاكين بتقطع في قلبي طول الطريق. ودموعي ما نشفتش من على وشي. وصلت البيت، وقبل ما أدخل ماسحت دموعي علشان ستي وسيدي ما يزعلوش، هم أصلاً تعبانين لوحدهم... ست كبيرة في السن (50): رجعتي يا دهب يا بتي؟


دهب: أيوه يا ستي رجعت، بس فين سيدي جمال؟


ست دهب (أم نوال): سيدك طلع يا بتي من شوية ولسه ما رجعش.


دهب: طيب هدخل أعمل العشا على ما يرجع بسلامة.


أم نوال: مالك يا دهب؟ حد عملك حاجة أو قالك حاجة مزعلاك؟


مسكت دموعي بالعافية قدام ستي، ولفّيت نفسي وعملت إني رايحة على البوتاجاز علشان أعمل الأكل. لا يا ستي مافيش حاجة.


بصيت لاقيت ستي داخلة المطبخ ورايا.


أم نوال: بقى أنا مش عارفكي يا دهب. أنا اللي مَرَابِيكِ يا بتي، هاتخبي عني؟ يا دهب وعلى فكرة باين علي وشك إنك ماعيطي.


أنا: خلاص ما بقيتش قادرة أمسك دموعي قدام ستي، رميت نفسي في حضنها. هو أنا أصلاً مش عندي حضن غيرو أحس بالحنان. فضلت أعيط وستّي تسألني مالك، وأنا خلاص ماقدرتش أرد بكلام. وكل ما أفتكر كلام البنات وعدم موافقتهم إني أشتغل معاهم قلبي يوجعني ودموعي تزيد على وشي. بعد شوية قدرت أسيطر على نفسي وطلعت من حضن أمي اللي ربّتني ومسحت دموعي بكف إيدي.


ينفع كده يا اختي؟ خلتيني أعيط.


أم نوال: أنا برضو اللي خليتك تعيطي، ولا كلام الناس اللي زي السم هو اللي خلاكي تعيطي.


دهب: يووه بقى ومن إمتى الناس بطبطل كلام؟ طول عمري أنا بسمع كلام، يلا بقى خليني أشوف هاعمل إيه زمان سيدي جمال جاي.


أم نوال بحزن على اللي بيحصل في دهب: ماشي يا دهب.


واحد من وراهم: يا أهل البيت أنتو فين؟


أم نوال: أيوه يا إسلام يا بني، إحنا في المطبخ.


إسلام: السلام عليكم.


دهب وأم نوال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


إسلام: يلا بقى، عاملين أكل إيه؟ علشان أنا ميت من الجوع.


دهب: حاضر يا خالي، خمس دقايق بس على ما أقلي البطاطس وأعمل الملوخية، وعلى ما سيدي جمال ييجي هكون خلصت.


إسلام: طيب خلصي بسرعة علشان أنا جاي جعان. تعالي يا أما، عايزك في حاجة كده. وانتِ يا دهب اعملي لي كوباية شاي وهاتيها على ما الأكل يخلص.


دهب: حاضر يا خال.


نتعرف على إسلام… إسلام بيكون خال دهب، شاب عادي، عمره 25 سنة.


عملت الشاي لخالي إسلام وطلعت بيه، ولسه هدخل الأوضة، سمعت كلام خالي مع سِتي اللي قطع قلبي وقتل روحي.


إسلام: ياما، أنا زهقت، أنا عايز أخطب ومش عارف. كل ما أروح لوحدة، أبوها يَسم بدني بالكلام.


أم نوال: طيب يا قلب أمك، هنعمل إيه؟ هنرميها إحنا كمان؟ دي غلبانة مالهاش غيرنا. اصبر يا بني، والله لما ربنا يصلّح الحال هتلاقي عروستك جاية لحد عندك لوحدها.


إسلام (بزهق): أوف ياما، هافضل أقول كده لحد إمتى؟ أنا بقي عندي 25 سنة، واللي أصغر مني جابوا عيال. أنا زهقت! الناس بقت بتتشائم مني، وبيقولوا علينا إن بيتنا منحوس. وطول ما دهب فيه، حالنا هيفضل واقف، وأنا فعلاً ابتديت أصدق إن دهب هي اللي موقفه حالنا.


أم نوال: إنت بتقول إيه يا إسلام يا بني؟ من إمتى وإحنا بندوّر على كلام الناس؟


إسلام: من النهاردة ياما، أنا زهقت! إنتي نسيتي اللي حصل لدهب وهي صغيرة؟ وده اللي مخلي الناس تقرف منها. دي بقت عندها عشرين سنة ومافيش عريس دخل لها، وكل ده بسبب إنها…


أم نوال (تقطع كلامه بغضب): اخرس! قطع لسانك. دهب أشرف من الشرف بذاته، واللي هايقول عليها كلمة، أنا هقطع له لسانه. من الله أبوها! ربنا ينتقم منه، هو اللي طلع عليها الكلام ده علشان ما يصرفش عليها.


إسلام: اسمعي ياما، خلي دهب ترجع عند أبوها تاني. كفاية كده علينا. إحنا ربيناها وكبرناها، ودي بنت وكبرت، وسمعتها مش كويسة. خليها ترجع لأبوها بقى، وهو مش اللي جابها الدنيا؟ يبقى هو الملزوم بيها. خلي بقى يشيل القرف ده عننا، علشان أنا خلاص قرفت وزهقت.


دموعي نزلت تحرق في قلبي قبل وشي، وماقدرتش أقف أسمع أكتر من كده. خدت بعضي ورجعت المطبخ تاني. ماقدرتش أدخل كوباية الشاي. دخلت المطبخ، والشيطان لعب بيا، مسكت السكينة وقررت إني أخلص نفسي من العذاب ده.

ـــــــــــــ


في مكان تاني بعيد عن القرية.


في بيت اللي يشوفه يقول قصر. واحد بصوت عالي:


يلا هاتي العشا يأم مهند، أنا جاي جعان.


إم مهند من المطبخ:حاضر يا حج، جايه أهو.


في المطبخ واقف اتنين حريم بيجهزوا الأكل. "سماح" إم مهند مرات الحاج محمد، أكبر تاجر خضار في مصر.


سماح: يلا يا أم سعيد، الحج رجع وزمان الشباب جايين كمان.


أم سعيد (الخدمة): حاضر يا ستي سماح، والله كل حاجة جاهزة، بس هاحط الصحون على السفرة بس.


سماح: طيب يا أم سعيد وخدي بالك، مش عاوزة يحصل زي امبارح وتقعي وانتي ماشية. اشتغلي براحة.


أم سعيد (بخجل): حاضر يا ستي سماح.


واحد يدخل من الباب وهو بيقول بصوت عالي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أهل البيت، أنا رجعت.


سماح تطلع من المطبخ وهي بتقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حمد الله على السلامة يا قلب أمك.


الشخص يروح عند أمه ويقبل رأسها: الله يسلمك يا ست الكل.


الحج محمد أبو مهند: وأنا بقى مليش في الحنان ده يا سي مهند؟


البطل بتاعنا مهند.. شاب في منتهى الود والجمال، شخصية هادية، عارف ربنا وبيصلي. السن 25 سنة، شغال مع أبوه مهند هيعرفنا علي نفسه. 


إزيكم. أحب أعرّفكم على نفسي: أنا مهند محمد خطاب، شاب بسيط جدًا، جمالي هادي. مش هقول إن عيوني خضراء، ولا الأزرق… عيوني سودا زي سواد الليل. جسمي عادي زي جسم أي راجل. بكون في البيت غير الشغل، أنا في الشغل بكون شخص غير كده خالص. بحب الناس بس بكره الكذاب والنفاق، ومش بقرب من أي حد بسهولة. متخرج من كلية تجارة إنجليش وماسك مع أبويا الشغل. هو مش شركة كبيرة ولا حاجة، دي وكالة خضار بس ماشية في السوق وليها اسم كويس، والحمد لله بيدخل منها رزق كويس. والحمد لله هنشتري أرض كبيرة، وعاوز أكبر شغلي شوية وأعمل مشروع صغير كده على الأرض دي.


مهند: إزيك يا حاج، ده إنت الكل في الكل. وهات يا عم راسك أبوسها. ربنا يباركلي في عمرك يا رب.


أبو مهند (الحاج محمد الخطاب): راجل في منتهى الود والطيبة، بيحب زوجته ومخلص لأمه وبيعز عياله وبيحترم الصغير قبل الكبير. الكل بيحبه سواء في بيته أو في شغله. عمره 45 سنة.


ربنا يبارك فيك يا بني ويجبر خاطرك. بس قولي، عملت إيه في الموضوع اللي قلتلك عليه؟ والشغل اللي إنت كنت فيه، عملت فيه إيه؟


سماح (أم مهند): ست كويسة وطيبة جدًا، بتحب عيالها وبتخاف عليهم، مخلصة لجوزها، وبتراعي ربنا في أمه وعياله وفي بيتها. بس عندها أمنية واحدة: إنها تجوز عيالها على مزاجها، وبتحب تتحكم فيهم. عمرها 40 سنة.


الله يا حج، الولد لسه داخل يا أخويا من الباب، خليه يرتاح شوية بقى من الشغل والقرف ده.


مهند (يبص على أبوه ويغمز له): شوف، هي دي ست الكل اللي بتشيل همي وخايفة عليا.


أبو مهند: ابنك راجل يا أم مهند، متخافيش عليه.


مهند: تسلم يا حج.


أم سعيد: العَشا جاهز يا ستي سماح.


سماح: ماشي يا أم سعيد، يسلم إيدك.


مهند: إزيك يا خالتي أم سعيد؟ أخبار صحتك إيه؟


أم سعيد: سألت عليك العافية يا بني. الحمد لله بخير طول ما إنت بخير.


سماح: لا يا أم سعيد، اسمع يا مهند، أم سعيد من امبارح وهي مش مظبوطة وحاسة إن فيها حاجة.


مهند (بخوف): خير يا خالتي أم سعيد؟ حاسة بحاجة؟ تعبانة؟ نجيب دكتور يشوفك؟


أم سعيد: لا يا بني، أنا الحمد لله بخير يا قلبي. بس أمك هي اللي بتعزني شوية. ده بس من الكِبَر، أنا داخلة على 50، وده طبيعي إن جسمي يضعف شوية.


سماح: وليه ما أعزكيش يا ولية يا بركة؟ الله يعلم أنا بعتبرك أخت ليّ. أنا عمري ما شفت منك حاجة وحشة علشان أكرهك.


مهند: ربنا يديكي الصحة وطول العمر.


أبو مهند: اسمعي يا أم سعيد، إنتي أخت كبيرة لي أنا والحجة. لو احتاجتي أي حاجة، إحنا تحت أمرك. دي عشرة عمر.


سماح: ونِعِم العِشرة يا حج.


أم سعيد (بدموع): الله يبارك فيكم ويكرمكم ويزيدكم من نعيمه كمان وكمان.


سماح: ويبارك في عمرك يا رب.


مهند: هو هاني لسه ما رجعش؟


سماح: لا، لسه يا بني. هو اتصل وقال إنه هيتأخر شوية.


أبو مهند: أنا والله مش عارف الولد ده طلع لمين.


سماح: إيه يا حج؟ شاب يا أخويا وعايز يفرح.


مهند: والله دلعك ده اللي مبوظّه يا أمي. هو علشان شاب لازم يفضل لحد نص الليل بره؟


أبو مهند: ربنا يكملك بعقلك يا بني. يلا بقى نتعشى علشان أنا خلاص جبت آخِرتي. وآه… قبل ما أنسى يا مهند يا بني.


مهند: نعم يا حج، خير؟


أبو مهند: كنت عايز أقولك إني هانزل البلاد أنا وإنت علشان نشوف الأرض اللي إحنا هنشتريها.


مهند: حاضر يا حج، اللي إنت تشوفه، أنا معاك.


أبو مهند: الله يرضى عليك يا بني. خلاص، جهّز نفسك بكرة إن شاء الله هننزل البلاد.


مهند: حاضر يا حج.


ـــــــــــــــ


في القرية


دهب: استغفر الله العظيم… إيه اللي أنا كنت هاعمله ده؟ واستغفرت ربنا، ورميت السكينة من إيدي، ومسحت دموعي ودخلت صليت، ودموعي على خدي. وحتى مش حافظة قرآن أقوله في الصلاة غير "قل هو الله أحد" و"الفاتحة". بس واحدة الله يبارك لها هي اللي علمتهم ليا، وعلمتني إزاي أصلي. وبعد ما صليت، لقيت خالي إسلام دخل عليا.


إسلام: فين الشاي يا دهب؟


خفت من شكل خالي إسلام. هو مش حنين عليا زي أي خال بيكون حنين مع عيال أخته. بس بشوف الفارق اللي بيعمله مع خواتي من أمي لما بييجوا عندنا. بتمنى لو يكون معايا ربع اللي بيكون معاهم. مسكت نفسي ورديت عليه:


هو والله يا خالي عملته، بس افتكرت إني ماكنتش صليت، قولت أصلي الأول.


لقيته بصلي وضحك: هو اللي زيك هيتقبل منهم صلاة؟


دهب: والله بقى، ربنا اللي بيقول يقبل من مين ومش يقبل من مين، مش الناس يا خالي.


بصيت لاقيته بص عليا بغضب، وما حسّتش بنفسي غير وأنا واقعة على الأرض من القلم اللي أخدته.


إسلام: وكمان بتردي عليا؟ هو الحق عليا إني سايبلك السايب في السيب! بس متخافيش، أنا هاعرف إزاي أربيكي من أول وجديد!


يتبع…



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 🤝

الفصل 2 من حكاية بنت الريف


الكاتبة صباح عبد الله فتحي. بسم الله الرحمن الرحيم


دهب بصراخ: آه يا خالي والله خلاص مش هتتعدى تاني، والله بالله عليك خلاص!


إسلام: والله لا أربيكي يا دهب وهعلمك إزاي تردي عليا.


أم نوال: يا بني سيب البت، حرام عليك، هاتموت في إيدك.


آه يا نِي، جسمي مش قادرة، فضل يضرب فيا من غير أي رحمة. ما بقيتش قادرة أصدّه ولا أبعده عني خلاص، ما بقيتش حاسة بحاجة بتحصل حوالي، وحتى ضرب خالي فيّ مش حاسة بيه. سبت العالم الظالم اللي ما لاقيت حد فيه ياخدني في حضنه ويقولي: "أنا معاكِ، ما تخفيش". فقد واعي من كتر ضرب خالي ودموعي على خدي.


أم نوال: يالهووي! ابعد بقى يا مفتري، يا اللي مش عندك دين ولا رحمة، روح منك! حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا ابن بطني!


إسلام: أحسن علشان تتأدب وما تنساش نفسها هي مين. مش بعد ما ربنها وكبرناها، هتكبر علينا.


أم نوال (بدموع): قومي يا دهب يا بنتي. حقك عليّا، معلش يا بنتي. هو ده نصيبك في الدنيا، مكتوب عليكي العذاب والمرار ده. حسبي الله ونعم الوكيل في كل ظالم. وأبوك منه—هو السبب في كل اللي إنتي فيه.


❈-❈-❈


تاني يوم


دهب: آه، جسمي كله وجعني، مش قادرة أقوم من مكاني أو أدوس على رجلي. حسبي الله ونعم الوكيل. وبعد شويه لقيت ستي داخلة عليا وماسكة طبق في إيدها.


أم نوال: صحيتي يا قلب ستّك؟ أنا كنت لسه جاية أصحيك علشان تاكلي لقمة.


دهب: هو إيه اللي حصل يا ستي؟ أنا مش فاكرة غير لما كان خالي بيضرب فيّ وبعد كده مش فاكرة حاجة.


أم نوال (بحزن): معلش يا قلب ستّك، من كتر ضرب خالك فيّ اغمي عليكي.


دهب: صعب عليّ نفسي ودموعي نزلت. ما افتكرت إزاي خالي كان بيضربني من غير رحمة.


أم نوال (تحتضن دهب): معلش يا حبيبتي، نصيبك نعمل إيه؟


دهب: الله يسامحكم، أنا تعبت والله العظيم تعبت. مش لاقية حنان من غريب ولا من قريب.


أم نوال: الحمد لله على كل حال. والحنان مش بيجي من الناس يا بنتي.


طلعت دهب من حضنها ومسحت دموعها: يلا يا بنتي، كلي حاجة علشان أنزل الشغل.


دهب: لا يا ستي، إنتي لسه تعبانه. أنا هنزل، ممكن ربنا يهدي الحال ويوفقوا إني أشتغل في الأرض معاهم.


أم نوال: لا خليكي انتي. إنتي مش شايفة جسمك عامل إزاي؟ من لله يا ابن بطني.


دهب (بحزن): يلا يا ستي، الله يسمحه بقى.


أم نوال: طيب يلا يا حبيبتي، كلّي لك لقمة وأنا هنزل أشوف حالي.


ستّي طلعت وسابت صينية الأكل جنبّي. قومت وشيلت الصينية، ماجليش نفس إني أحط حاجة في حنكي. حسيت إني مخنوقة ودموعي اتجمعت في عيني. استغفرت ربنا، قومت توضيت وصليت، وطلعت أتمشى على الترعة اللي في القرية عندنا. رحت وقعدت تحت الشجرة، سندت ظهري على الشجرة، مسكت عصاية وفضلت ألعب في المية وأرمي في الترعة طوب. بحس وأنا برمي الطوبة في المية كأنّي برمي كل اللي في قلبي معاها.


---

علي طريق القرية في عربية مهند.. مهند سايق والحج محمد قاعد جنبه. 


مهند: هو لسه كتير يا حاج على ما نوصل؟


أبو مهند: لا يا بني، قربنا نوصل أهو. أنا عارف إن المكان بعيد، بس الأرض كويسة.


مهند: بعد إذنك بقى يا حاج، أنا عايز لو ربنا أصلح حال الأرض دي أعملها مشروع صغير كده.


أبو مهند: مشروع إيه اللي انت عايز تعمله يا مهند؟


مهند: كنت عايز أعمل مشروع شركة استيراد وتصدير في الخضار والفواكه يا حاج.


الحاج محمد: إزاي ده يا بني؟ ما إحنا عندنا الوكالة والحمد لله الرزق اللي بيدخل منها كويس.


مهند: المشروع حلو ومضمون، وبعدين يعني مش قصدي حاجة. الوكالة كويسة والحمد لله، بس أنا عايز أكبر في الشغل يا حاج. وبعدين شركة استيراد وتصدير في الخضار مش وحشة.


الحاج محمد: وهتشتغل إزاي دي؟


مهند: يا حاج، إحنا كل اللي علينا هنـبني الشركة وبعد كده هنعمل لها اسم في السوق، وهنبقى نصدر الخضار والفواكه. وفي نفس الوقت هنستورد يعني إحنا هناخد خضار من بلاد تانية، وفي نفس الوقت هنسفّر الخضار لبلاد تانية، وده اسمه استيراد وتصدير يا حاج.


محمد يبص على مهند ويسكت شوية. وبعد وقت مش كتير: بس يا بني، الشغل ده كبير ومحتاج مجهود كبير.


مهند (بكل ثقة): بإذن الله يا حاج أنا قدها، وربنا إن شاء الله هيعينني عليه. بس إنت وافق يا حاج.


الحاج محمد: إن شاء الله.. بس نشوف الأرض الأول. أهو وصلنا الحمد لله.


مهند: حمد لله على السلامة يا حاج. قولت كده وبصيت من الشباك بتاع العربية. شوفت المكان جميل وهادي. المكان كان عبارة عن جنينة جنبها ترعة كبيرة أوي، والمية بتاعتها كانت صافية جدًا، ومزروع عليها شجرة خروع. لدرجة إني حسيت إني بجد حابب أروح أقعد على الترعة دي وأنسى كل مشاكل الدنيا. وخدت بالي إن في حد قاعد تحت الشجرة وبيعلّب في المية بتاعة الترعة. مش عارف ليه حسيت إحساس غريب ناحية الشخص اللي قاعد. مش فاهم السبب مع إني ما شوفتش هو مين. فوقت من كمية المشاعر اللي حسيت بيها على صوت الحاج.


الحاج محمد: إيه يا بني؟ رحت فين؟ خد بالك وانت سايق العربية، إحنا في قرية والعيال عمالة تلعب. خد بالك يا بني.


مهند: معلش يا حاج، بس سرحت شوية. كلمت أبويا وأنا عيني في المراية بتاعة الشباك، وحابب أشوف الشخص اللي قاعد تحت الشجرة.. بس ما قدرتش أشوفه.


***

دهب: وأنا قاعدة تحت الشجرة، وحسيت بالأمان لأول مرة في حياتي. حسيت إن في حد دخل حياتي وهاينسيني كل العذاب اللي أنا فيه. حسيت فعلاً إن في حد واقف جنبي، وبصيت وراي من غير ما أحس، بس ما شوفتش حد، وسمعت حد بينادي باسمي:


طفل من أطفال القرية: يا دهب! يا دهب!


دهب: أيه مالك يا خالد؟ جاي تجري ليه كده؟


خالد الطفل: الحق يا دهب! ستك—!


لمّا سمعت كلمة «ستك» قلبي وقع في رجلي من الخوف،  ليكون حصل حاجة لها؟ يا ربي، أنا ماليش حضن غير حضنها. وبصوت عالي ودموعي نزلت: مالها ستي يا خالد؟


خالد: ستك وهي بتشتغل وقعت على الأرض ومش عايزة تقوم.


ما حسّيتش بنفسي غير وأنا بجري في الشارع زي الهبلة.


❈-❈-❈


مهند: هي دي الأرض يا حاج؟


الحاج محمد: بسم الله ما شاء الله، دي كبيرة قوي. أنا كنت عارف إنها كبيرة بس ما تخيلتش إنها كبيرة للدرجة دي.


مهند: فعلاً الأرض كبيرة، بسم الله ما شاء الله. بس دي يا حاج مزروعة جنينة عنب.


الحاج محمد: أيوه، أنا كنت عارف بس نسيت أقولك.


مهند: ماشي يا حاج حصل خير. بس هو في إيه؟ ليه الناس متجمعة كده؟


الحاج محمد: مش عارف يا بني. تعال نروح نشوف في إيه، لايكون حد محتاج مساعدة.


مهند: ربنا يبارك فيك ويكرمك يا حاج.


روحنا نشوف في إيه؛ لقينا ست كبيرة في السن باين عليها حوالي الخمسين، واقعة على الأرض، واغمي عليها. الناس ملمومة حوالينها وما فيش حد بيعمل حاجة. جريت على الست دي وبقيت أحاول أفوقها بس ما فقتش. وفجأة لقيت بنت جاية تجري وهي عماله تعيط؛ ما حسّيتش بنفسي غير وإن عيني على البت دي وفي حاجة بتشدني ليها ومش قادر أنزل عيني عنها.


دهب: وصلت الجنينة ومش عارفة إزاي. لقيت ستي واقعة على الأرض والناس ملمومة حوالينها. ما فيش حد قرب منها غير شاب؛ أنا أول مرة أشوفه. بس من خوفي على ستي ما خدتش بالي منه. دموعي على وشي، وقعدت على الأرض واخدت ستي في حضني ومش عارفة أعمل إيه ولا أقول إيه. دموعي نازلة وخدّها في حضني وخلاص، وحسّيت كأني خلاص هخسر حضنها.


مهند: مش عارف ليه عيني عليها. واخد بالي من جمالها؛ كان شكلها هادي، عيونها عسلي صافي، وبشرته قمحاوية. كانت شبه الأطفال؛ شفايفها ما كانتش حمراء، ولون بشرتها حلو. حطّت طرحتها بس نازل منها شعر جاي على عينيها. بالنسبالي هي أجمل بنت في العالم كله؛ مش عايز حاجة غير إني أفضل أبصلها. ومش عارف ليه حسيت اني نفسي أروح وأخذها في حضني وأمسح لها دموعها وأقولها «متخفيش، أنا موجود معاكي»؛ بس أنا ماعرفش اسمها حتى، وفقت على صوتها.


دهب (بدموع): بالله عليكم حد يعمل حاجة! ستي هتروح مني!


مهند: ما حسّيتش بنفسي غير وأنا بقولها «متخفيش يا آنسة، إن شاء الله هتكون كويسة». لازم ناخدها المستشفى، بس أنا ماعرفش هنا فين المستشفى؛ أنا أول مرة أجي هنا. أنتي تعرفي فين المستشفى؟


دهب (بدموع): أيوه، أعرف. بس بالله عليك بسرعة!


مهند شال الست من على الأرض، بس مش عارف ليه مش قادر يشيل عيني عنه؛ أنا عارف إن كده حرام، ربنا أمرنا بغض البصر بس مش قادر. حطّيت الست في العربية وهي قاعدة جنبها، وخوفها على ستها خلّاني أحس إن هي مش عندها حد غيرها. قفلت باب العربية ورحت عند أبوي آخد إذنه علشان أخد الست المستشفى.


مهند: بعد إذنك يا حاج، هاخدها المستشفى وانت اتفق مع صاحب الأرض على ما أجي.


الحاج محمد: روح يا بني. ودي حاجة تخد عليها إذني. روح خدها على المستشفى وخد الفلوس دي معاك واعمل لها اللازم.


مهند: متخفّيش يا حاج، معايا فلوس. بعد إذنك يا حاج.


ورحت وركبت العربية وهي بقت توصف لي الطريق. وبعد شوية وصلنا المكان اللي هي وصفته، ونزلت وأخذت الست ودخلنا المستشفى. وبعد حوالي ربع ساعة لقيت الدكتور جاي.


الدكتور: أنا آسف يا جماعة، الحالة متأخرة؛ المدام ماتت—إنا لله وإنا إليه راجعون. البقاء لله.


دهب: نزلت كلمة الدكتور على ودني كأن فيه حد جاب جمرة نار وحطها على جسمي؛ بيعذبني ببطء ومش قادرة أرد على الدكتور. أقول له: «أنت بتقول إيه؟!» وحسِّيت إن جسمي بقى تقيل من الحديد ومابقِتش حاسة ولا شايفة أي حاجة قدامي. رحت لعالم جميل ما فيه لا حزن ولا وجع ولا إهانة—ما فيه غير دهب، دهب وبس. بس حسّيت إن في حد خدني في حضنه، ما كنتش حاسة بحاجة بتحصل حواليّ، بس حسّيت بحنان كتير وأمان. مش عارفة ليه، بس أول مرة أحس الإحساس ده؛ كان جميل قوي.


❈-❈-❈


مهند: كنت واقف جنب الدكتور، لما قال خبر وفاة ستها حسّيت كأني ستي أنا اللي ماتت. حسيت بالحزن والألم اللي هي حاسة بيه دلوقتي، وكان باين إنها هتغمى عليها. ما حسّيتش بنفسي غير وهي في حضني، ومش عارف إيه كمية المشاعر اللي أنا فيها دلوقتي، والمشاعر دي مش قادر ألاقي لها تفسير. يا آنسة، أنتي كويسة؟ حد يجيب دكتورة فورًا!


الدكتور: لو سمحت أبعد شوية وأنا هكشف عليها.


مهند (بصوت عالي): إنت ما سمعتش؟ أنا بقول دكتورة مش دكتور!


الدكتور بصلي باستغراب، وحتى أنا استغربت من نفسي. عادي ييجي الدكتور يكشف عليها، ولقيتوا بيقول:


الدكتور: هي المدام مراتك؟


مهند: ماعرفتش أرد أقول إيه. أنا ماعرفش اسمها أيه أصلاً؟!!


❈-❈-❈


مهند: لا هي مش مراتي، بس برضه مش هتِكشف عليها؟


بصيت لقيت الدكتور بيبصلي باستغراب أكتر.


الدكتور: طيب اللي حضرتك عايزه؟ ادخلوا الغرفة دي لحد ما ألاقي دكتورة من الدكاترة.


مهند: تمام.


شلتها بين إيدي ومش فاهم إيه اللي بيحصل. أول مرة في حياتي أحس بالمشاعر دي اتجاه أي بنت. وبعد وقت الدكتورة جاتت وكشفت عليها.


الدكتورة: أنا علّقت لها محلول، وإن شاء الله مش هاتطول علي ما تفوق. هي بس اتعرضت لصدمة وعلشان كده فقدة الواعي.


مهند: هي ستها ماتت من شوية علشان كده هي في الحالة دي؟


الدكتورة: إِنّا لله وإنا إليه راجعون… البقاء لله. 😔


مهند: ونعم بالله؟


الدكتورة: بعد إذنك، وبعد ربع ساعة هاجي أشوفها.


مهند: اتفضلي، أذنك معاكي.


عيني جات عليها وهي نايمة؛ كانت زي ملاك. قعدت على كرسي موجود في الغرفة وعيني عليها وبكلم نفسي: "أنا مش عارف أنتي مين ولا ايه حكايتك، بس فيكي حاجة بتشدني. يا ترى إيه حكايتك؟ وإيه السر اللي فيكي بيشدني بالشكل ده؟" ده أنا حتى ماعرفش اسمك، وأول مرة أشوفك. وفجأة سمعت صوت عالي جاي من بره. طلعت أشوف في إيه، لقيت شاب ورجل باين عليه في سن الستين بيدوروا على الست اللي ماتت من شوية، ومعاهم ناس تانية.


إسلام: لو سمحت يا دكتور، فين الست الكبيرة في السن اللي جابها الشاب ده؟


الدكتور: قصدك الست اللي الأستاذ ده جابها؟


مهند بصيت لقيت الدكتور بيشير ناحيتي. رحت عندهم ولقيت الشاب بيسألني:


إسلام: هو إنت اللي جبت أمي على المستشفى؟ هي فين؟


مهند: بصيت له ومش عارف أقول له إيه. بعد ما عرفت إن دي أمه، يا ترى أرد أقول له "أمك ماتت" ولا أعمل إيه؟ لقيت الدكتور اللي رد عليه:


الدكتور: الست اللي الأستاذ جابها—البقاء لله. المدام ماتت.


إسلام: إنت بتقول إيه يا دكتور؟ أمي ماتت؟!


الحاج جمال: يا دكتور، هي فين؟


الدكتور: هي موجودة، بس لازم تخلصوا إجراءات المستشفى الأول علشان تستلموا الجثة بتاعتها.


مهند بصيت عليهم: لقيتهم تايهين من الصدمة، ما فيش واحد فيهم قادر يرد على الدكتور. قلت: "اتفضل إنت يا دكتور طلع المدام وانا هاعمل إجراءات المستشفى." 


وبعد نصف ساعة كنت خلّصت إجراءات المستشفى واستلمنا جثة الست. لكن اللي استغربته إن ما فيش حد سأل على الآنسة. لقيتهم واخدين الست وماشيين من غير ما حد يسأل على الآنسة.


مهند: لو سمحتم يا جماعة، في واحدة أغمي عليها وهي في الغرفة دي.


إسلام: واحدة مين؟ إحنا ما عندناش بنات في العيلة بعد إذنك.


مهند: غريبة دي. كنت بتقول سِتّي… وبعد شوية لقيتها ابتدت تصحى.


دهب فتحت عينيها وقفلتها تاني علشان تشوف كويس. بصوت واطي ومش مركزة: "فين ستي؟ ستي فين؟"


وفجأة افتكرت لما الدكتور قال إن ستي ماتت، فضلت الكلمة تتردد في ودني كأنّي بحاول أحفظها أو أستوعب معناها: "ماتت، ماتت، المدام ماتت، الحالة متأخرة، آسف، المدام ماتت." ودموعي نزلت على وشي ولساني كأنّه مجروح ومش قادر ينطق كلمة واحدة. في سكاكين بتقطع في قلبي، في حاجة جواتي بتحاول تسحب روحي وتقتلني على البطيء. أخيرًا نطق لساني وبصوت يمكن كل اللي في المستشفى سمعوه، صرخت:


دهب: ستي! ما تسبنيش! لواحدي أنا ماليش حد غيرك، بالله عليكي—مش إنتي كمان هاتسبيني في العالم الظالم اللي ما بيرحمش!


فضلت أصرخ بكل ما عندي لحد ما ارتحت من البركان اللي جوايا.


يتبع


الكاتبة: صباح عبدالله فتحي


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 🤝

الفصل 3 من حكاية بنت الريف

بِقلم صباح عبدالله فتحي. بسم الله الرحمن الرحيم


مهند: كنت واقف وهي عمالة تعيط وتصرخ وبتنادي على ستي. واقف مش قادر أقولها حاجة ولا عارف أعمل إيه. لو سمحتي يا آنسة، اهدي شوية، حرام اللي إنتِ بتعملي ده.


دهب رددت عليه ودموعي على وشي زي ماء من النار، نزلت تحرق كل حتة في جسمي. رديت بكل قهر وحزن علي ستي والحضن الحنين الوحيد اللي كان في حياتي. 

_ومش حرام اللي أنا فيه؟ أنا ماليش حضن غيرها، ما فيش حد بيقولي «ما تخفيش يا دهب، أنا معاكي» غيرها، وما فيش حد بيطبطب على قلبي بكلامه غيرها. وهي كمان راحت وسبتني — هي كمان خانتني واتخلت عني.


مهند: سمعت كلامها، مش عارف ليه حاسس بوجع كل كلمة هي بتقولها. ما حسّيتش بنفسي غير وأنا خدتها في حضني وبحاول أحسسها بالأمان: «ما تخفيش يا دهب، أنا موجود وهفضل دايمًا معاكي، أنا مش هاسيبك». مسحت لها دموعها وبصّت ليّ باستغراب.


دهب: إنت مين؟ أنا ماعرفش إنت مين فعلاً، بس حسيت براحة كبيرة لما أخدني في حضنه. حسيت بالأمان فعلًا، زي ما يكون كنت عايزة حد يحضنّي ويقولي الكلمتين دول فعلاً. 


مهند: أنا مهند، وأنا آسف علشان قربت منك بالشكل ده، بس ماكنش عندي حال تاني غير كده علشان تهدي حضرتك.


دهب بصت له وسكت وسيبت دموعي ترد بدالي.


مهند: إنتِ مين وفين أهلك علشان أوصلك ليهم؟


دهب: أنا دهب… والست— ماقدرتش أنطق الكلمة وفضلت أعيط. هو رد كأنه فاهمني.


مهند: البقاء لله وحده يا آنسة… بس الناس اللي أخدوا الست قالوا إنهم مش يعرفوكِ.


دهب: إنت بتقول إيه دي؟ ستي أم أمي وهي اللي مربّيتني هي وجدّي وخالي إسلام!


مهند: غريبة… ما هم بيكونوا أهلها ليه قالوا إنهم مش يعرفوها؟ ما حبيتش أوترها أكتر. طيب ممكن أنا اللي ما سمعتش كويس؟ اتفضّلي علشان أوصلك.


دهب مسحت دموعي وعدّلت الطرحة. الممرضة جات وشالت المحلول من إيدي، ومشيت معاه. ما أنا ماعرفش هو مين بس مرتاحة ليه، واتمنيت لو يفضل جنب مني… بس مين بيتمنى دهب؟ وطول الطريق دموعي ما نشفتش.


مهند: يا آنسة، تحبي أجيب لكِ حاجة تشربيها؟


دهب: لا، شكرًا.


مهند: مافيش داعي للشكر، ده واجبي.


وسكّت، وماكانش في صوت غير صوت عياطها ودموعها اللي نزلت. مش عارف ليه مش قادر أشوف دموعها. وبعد وقت وصلت القرية. فين بيتك يا آنسة؟


دهب: كنت قاعدة أفكر في ستي لما كنت قاعده معها، افتكرت كلامها وضحكتها، افتكرت دموعها اللي كانت بتنزل على دموعي، افتكرت كل حاجة كنت بعملها أنا وستّي. وفقت من تفكيري على صوت جنبِي: "دهب؟ ها، معليش بتقول إيه؟ ماخدش بالي."


مهند: كنت بقولك فين بيتك علشان أوصلك؟


دهب (بصيت حوالينا): ما أنا مش واخدة بالي إن إحنا بقينا في القرية. لا، اكتر خيرك لحد كده تشكر. نزلّني هنا وانا هاروح لوحدي. كفاية كده، وأنا بشكرك على كل حاجة.


مهند (مش عارف ليه زعل): لمّ تخيّلت إنّي مش هشوفها تاني، وماخدتش بالي أنا بقول إيه. لا، أنا مستحيل أسيبك.


دهب (بستغراب): مش فاهمة.


مهند: أنا قصدي إني مش هسيبك تنزلي وإنتي في الحالة دي. لازم أوصلك لبيتك وأطمن إنك كويسة ومع أهلك.


لقتها بصت باستغراب، بس أنا قلت لها إيه وأنا حتى مش عارف إيه اللي بيحصل. سبتها وبصيت من شباك العربية، وبعد شوية لقيتها بتقول: "هو أنت اسمك إيه؟"


مهند: بصيت لها: "أنا مهند محمد خطاب."


دهب: "إنت مش من هنا، صح؟"


مهند: "لا والله، أنا مش من هنا. أنا من مكان بعيد شوية عن هنا. أنا جاي علشان أشتري أرض العنب."


دهب: "هو أنت اللي هتكون مالك الجنينّة الجديدة؟"


مهند (بستغراب): مالك إيه؟ لا، أنا هاشتريها بس.


دهب: ما هو أي حد بيشتري جنينة العنب دي بنقول عليه مالك الجنينة.


مهند: آه، بس أنا بعد ما أشتري الأرض دي أنا هاشيل العنب ده كله.


دهب: إنت بتقول إيه؟ إنت عايز تشيل العنب ليه؟ ما تسيب ده؟ نص القرية مش بيأكل عيش غير منه، حرام عليك تقطع عيش الناس دي كلها.


مهند: بصيت عليها، ومن نظرة واحدة وعشان خوفها على أهل قريتها عرفتها قد إيه هي إنسانة جميلة  مش بس شكل، وطبع وقلب كمان. بس أنا عايز الأرض علشان أعمل مشروع عليها.


دهب: بس مشروعك ممكن يقطع عيش ناس كتير. وانت لو ربنا كرمك ورزقك من نعيمه، ما فيش داعي إنك تقطع رزق غيرك. وزي ما أنا قلتلك، بسبب الجنينة دي كل واحدة في القرية بتأكل عيش منها وبتصرف منها على عيالها. وانت ممكن تشتري أرض تانية وتعمل مشروعك عليها.


اتكلمت معاه ونسيت كل حاجة أنا فيها لحد ما وصلنا قدام البيت، ولقيت كل أهلي القرية هناك علشان عزاء ستي. ودموعي نزلت تاني من غير أي رحمة، بتحرق في قلبي. ونزلت من العربية ودخلت البيت ودموعي على وشي، وما فيش واحدة من أهلي القرية جات قالتلي "الباقي في حياتك يا دهب"  مفيش حد صعب عليه دموعي، ولا واحد طبطب على كتفي وقال "شدي حالك يا دهب". آه يا ربي  قد ايه الإحساس اللي أنا فيه بيوجع. لقيت خالي إسلام جاي، فكرت إنه هاخدني في حضنه، جريت عليه وحضنته. وانا بتكلم بقهر وحزن علي ستي. 

"ستي ماتت يا خالي، ما بقيش ليا حد غيرك انت وجدي جمال."


لقيت خالي ذقني من غير أي رحمة.


إسلام: إنتي إيه اللي جابك هنا يا بت؟ إحنا ما نعرفكيش.


دهب (بصت على خالي ودموعي نزلت): فكرت إنه بيهزر. ضحكت: "إيه يا خالي، هو إنت من كتر الزعل على ستي استني، أنا دهب بنت نوال أختك.


لقيت خالي مسكني من إيدي جامد وشدني ورا منه من غير رحمة. بقيت أتكعبل وأقع، بس هو من غير رحمة ما وقفش ثواني حتى ولقيته جاري راميني برة البيت قدام الكل وبصوت عالي:

إسلام: اسمعي يا بت، لو شوفك هنا مرة تانية أنا هقتلك، فاهمة؟


دهب: قومت من على الأرض ومن كتر الدموع مش شايفة بعيني. "إنت بتقول إيه يا خالي؟ أنا هروح فين؟ طيب أنا ماعرفش حد غيركم معقوله يا خالي بعد ما ربتني وكبرتني ترميني؟ بالله عليك يا خالي سبني، والله هاعيش خدامة، بس سبني في البيت."


رحت عند خالي وحضنته، قلت يمكن قلبه يحن ومش يرمني في الشارع زي ما أبويا وأمي ما عملوا فيّ. بس لا، ده واحد ربنا ما خلقش له قلب؛ ذقني جامد. بس ما لمستش الأرض المرة دي حد مسكني قبل ما أقع على الأرض. بصيت لقيت نفس الشاب اللي خد ستي للمستشفى. أتصدمت من كل حاجة بتحصل، وبصيت على الشاب ودموعي في عيوني بتاكل فيهم. رجعت بصيت على خالي: "طيب أنا هروح فين يا خالي؟ أنا ماعرفش حد ولا ليا حد غيرك أنت وجدي." جريت على جدي: "بالله عليك يا جدي خلّي خالي يخلّيني أفضّل في البيت، الله يخليك." بصيت لقيت جدي أداني ميتين جنيه في إيدي وقال:


جمال: "خدي دول وارجعي عند أبوكي يا دهب."


دهب: "إنت بتقول إيه؟ هو أنا أعرف اسمه إيه؟ حرام عليكم! ليه ترموني بعد ما ربتوني؟ ليه تاخدوني من الأول؟ كنتم أرموني زي ما أبويا ما رماني وخلاص. ساعتها كان أرحم لي. آه يا ربي، هو أنا عملت إيه في حياتي علشان يحصل معايا كل ده؟ أنا بتعاقب على ذنب مين؟"


واحدة من أهل القرية: "والله يا حاج جمال أحسن حاجة إنكم أخيرًا هتسيبوا البت دي تمشي."


دهب (بدموع وصوت عالي): "بس بقى حرام عليكم ارحموني! هو أنا مش إنسانة زي زيكم؟ وانتي يا خالتي أم شيرين، لو كانت شرين مكاني كنتِ قولتي كده؟ وانتي لو واحدة من بناتك كنتي قولتي كده؟" ومسحت دموعي: "ماشي، عايزين البت أم وش فقر تمشي؟ ماشي أنا همشي، بس افضّلوا فكرين الكلام واللي انتوا بتعملوه فيّا حصل لواحدة من بناتكم تعرفوا اي اللي كان بيحصل في دهب."


رحت عند جدي وحطيت راسي على إيده ودموعي نزله زي الشلال وقلت: "أنا ماشيه يا جدي، بس مش عايزة فلوس. خلّيني أشوف ستي آخر مرة."


وحطيت الفلوس في إيد جدي. لما شفت دموع جدي قلبي اتقطع. دموعي نزلت: "مالك يا جدي؟ والله أنا همشي بس، متزعلش نفسك."


جمال (ياخد دهب في حضنه): "سامحيني يا دهب. أنا مش قادر أعمل حاجة علشانك. سامحيني يا بنتي. امشي من هنا يا دهب، ووعي ترجعي للذل ده. عيشي حياتك وانسي."


دهب: "ماشي همشي، بس كان نفسي حد يقولي خليكي بس." مالقتش غير نفس النظرات من الكل، ما لقيتش نظرة حنان واحدة. رحت عشان أقبل ستي قبل ما أمشي.


إسلام: "إنتي رايحة فين؟"


دهب: "بالله عليك ما تحرمنيش من السلام. هسلم بس عليها وهطلع، ومش هتشوف وشي تاني والله العظيم."


واحدة: "اسمعي يا دهب، ستك—الله يرحمها—اتغسلت، وانتي ما ينفعش تلمسيها."


دهب: "ليه؟ أنا والله طاهرة وبصلي."


واحدة تانية: "لا يا دهب، إنتي مش طاهرة، وإحنا كلنا عارفين إيه اللي حصلك، علشان كده بنقولك ما ينفعش."


دهب: "بالله عليك يا خالي، مالكش دعوة بيهم وسبني أشوف ستي قبل ما أمشي."


بصيت لقيته ذقني وقعني على الأرض من غير أي رحمة. وصرخ في وشيء ما شوفتش في عيونه رحمه ولا حتي زعل علي موت أمه. زي ما يكون كان مستني الفرصة دي علشان يرمني في الشارع لكلب السكك تقطع فيا. 

إسلام: "مش سامعة؟ بنقولك إيه! غوري في دهيا بقى يا شيخة. قرفتيني وقرفتي الناس فينا يا دِك القرف."


---


يتبع


ياتار هيحصل اي مع دهب ولا هتروح فين؟


الفصل 4 من حكاية بنت الريف. 

بقلم صباح عبدالله فتحي

بسم الله الرحمن الرحيم


دهب وقعت على الأرض وفضلت عليها لحد ما خالي خلص كلامه وراح وخد ستي هو وجدي علشان يدفنوها. والناس كلها راحت معاهم، وأنا فضلت زي ما أنا ودموعي نازلة، وما حسّتش بنفسي غير وواحد ماسكني من كتفي وبيقومّني من على الأرض، وكان باين عليه أصغر من جدي جمال، وكان معاه نفس الشاب.


الحاج محمد: قومي يا بنتي.


دهب: إنت مين؟


بصيت لقيته ابتسم في وشي.


الحاج محمد: أنا محمد، أبو الشاب ده.


دهب: أيوه هو اللي أخد ستي… ومن كتر العياط ماقدرتش أكمل كلامي.


الحاج محمد (بحنان): معلش يا بنتي، البقاء لله. بس إنتي إيه حكايتك؟ ليه كل الناس اتخلت عنك؟


دهب (بصت له): من إمتى؟ وكان في حد جنبِي غير ستي—الله يرحمها. الناس بتذّلني، دول  مش بشر دول أسوأ من الوحوش. من وأنا عندي خمس سنين ما شفتش منهم حاجة حلوة افتكرهم بيها كلها بحاجات وحشة. حتى أمي وأبويا ما شفتش منهم حاجة أفتكرها كأنهم مش أهلي.


الحاج محمد بزعل: ده انتي حكايتك حكاية يا بنتي. مع إنك باينة صغيرة، بس همومك كبرتك.


دهب: وانهي حكاية والهموم شيبتني عن اذنكم ومشكورين قوي. 


ولسه همشي سمعته بيقول 


محمد: هتروحي فين يا بنتي؟


دهب: بصيت على الرجل الطيب وانا مقهورة ومن كتر العياط مش عارفة أنا بقول إيه.

_بالله عليك تسألني سؤال تاني غير ده، أنا أصلاً ماعرفش الجواب إيه.


الحاج محمد: وانتِ بقى مفكرة إني هسيب بنت زي القمر كده تمشي لوحدها؟


دهب: إنت قصدك إيه؟ مش فاهمة.


الحاج محمد: انتِ وشك سمح ومش باين عليكي زي ما هم بيقولوا عليكي. إيه رأيك تكوني بنت ليا؟ أنا ربنا ما رزقنيش ببنت، بس انتِ هتكوني بنتي وهتيجي تعيشي معايا.


مهند: انت بتقول إيه يا حاج؟ أنا مش عندي مانع إنها تيجي تعيش، بس دي بنت وانتِ سمعت وشوفت بنفسك الناس بتقول إيه عليها.


دهب: واقفت وسمعت كلام الشاب اللي أنا فكرته كويس — او هو فعلاً كويس — بس مش مع دهب. وخدت نفسي ودموعي سبقتني من غير ما أقول كلمة تاني. ومش عارفة أنا هروح فين ولا هاجي منين، ومين هايقبلني، ومين هايقول دي بنت وش فقر وعديمة الشرف. وما حسّيت غير واحد ماسك إيدي.


مهند: رايحة فين؟ أنا آسف والله، مش قصدي أجرحك.


دهب: بصتله وما ردتش، بس دموعي رددت بدالي. لقيته بيقول:


مهند: أنا آسف والله، ما عندي مشكلة إنك تيجي تعيشي معانا في البيت. بس يعني، انتي إيه حكايتك؟ هو في حد عمل فيكي حاجة؟ أو مثلاً واحد ضحك عليكي وسابك؟


دهب: ما حسّيتش بنفسي غير وإيدي على وشّها. "أيوه أنا ضربته بالقلم." ومرة واحده طلعت كل قهري وحزني وجعي في وشه كأني قنبلة وانفجرت ماحستش بنفسي ولا عارفه انا بقول ايه: اخرس! قطع لسانك! أنا أشرف من الشرف! بس منو اللي طلع بالكلام ده؟ وبعدين أنتم إيه؟ ما بتحسوش؟ حرام عليكم، أنا تعبت والله العظيم تعبت. 


وجيت منهارة على الأرض. أنا والله تعبت يا ربي تعبت من كل حاجة. أنا البنت اللي في سني بتحلم تلبس فستان فرح، بس أنا بحلم بس إن واحد — آه والله يا ربي — واحد بس يقول إني بنت.


الحاج محمد: معلش يا بنتي. مهند ابني مش قصده، اعذريه. هو لسه أول مرة يعرفك. وإحنا عارفين إيه اللي حصل والكلام اللي اتقال، بس أنا ولا هحكم عليكِ ولا هحكم عليهم. قومي يا بنتي تعالى معايا.


دهب: أنا ما سمعتش حتى هو قال إيه، ما حسّيت بأي حاجة. بس حسيت إني مرتاحة، وكمان شوفت ستي. وبعدين ما بقيتش عارفة إيه اللي بيحصل. لما صحيت لقيت نفسي في مكان لأول مرة أشوفه. غمَّضت عيني، فكرت إنّي بحلم، بس كل ما غمّض وفتحت نفس المكان. سمعت ست بتقول:


أم سعيد: البت فاقت يا حاج محمد.


بصيت لقيت الراجل الطيب اللي كان في القرية ومعاه اتنين ستات؛ فيهم واحدة كبيرة في السن والتانية صغيرة شوية.


الحاج محمد: حمد الله على سلامتك يا بنتي، كده تخوفينا عليكي يا قمر.


دهب: أنا فين؟


لقيت واحدة بتقول:


سماح (بحنان): إنتي في بيتك يا بنتي. الحاج قالي على كل حاجة حصلت معاكي. البقاء لله. يا بنتي…


دهب (بدموع): ونعمة بالله…


أم سعيد: والله يا بنتي، باين عليكي الطيبة وبنت حلال.


دهب: الله يخليكي.


الحاج محمد: معلش يا حجّة، اعملي لدهب حاجة تقولها.


دهب: لا شكرًا، ما ليش نفس.


سماح: عملت والله يا حاج، عملت بس هاجيبها وهارجع. وبعدين إزاي ما ليكش نفس؟ لو ماكلتيش هناكلك بالعافية. يلا يا أم سعيد تعالى معايا نجيب الأكل.


عند مهند.


مهند: بعض ما ضربتني بالقلم وغمى عليها وأبويا اصر إن لازم نجيبها عندنا في البيت. أنا زهقان ومش طايق نفسي — إزاي بنت زي دي ضربتني بالقلم؟ والله لا أربيكي يا دهب. إزاي ترفعي إيدك على مهند؟ ومن ساعة ما رجعنا وانا قاعد في اوضي ومش قادر احط عيني في عين ابوي من بعد اللي حصل بس مش ناوي لها على خير ولازم أدفعها تمن القلم ده غالي اوي


في المطبخ عند سماح وأم سعيد


سماح بقلق: مش عارفة يا أم سعيد، مهند من ساعة ما رجع وهو مش على بعضه ليه؟


أم سعيد: والله مش عارفة، وأنا كمان حسيت إنه في حاجة.


سماح: ربنا يسترها. يلا ناخد الأكل لدهب.


أم سعيد: والله البت دي صعبانة عليا قوي، لسه صغيرة على اللي هي فيه ده.


سماح (بحزن): والله صعبانة عليّا أنا كمان، بس هانعمل، ربنا يصلح حالها.


أم سعيد: يارب.


في الاوضه اللي فيها دهب. 


دهب: الست الطيبة جابت الأكل وأصرت عليا إني آكل. أكلت، وشالوا الأكل، وسابوني لوحدي علشان أنام. وهما كمان راحوا يناموا لأن دلوقتي الساعة عشرة ونص بالليل. حسيت إني مخنوقة، رحت وفتحت الشباك وقعدت عليه. عيني على القمر. القمر كان حلو وفضلت أعيط وأفكر في كل حاجة حصلت. كل ما افتكر إن جدي جمال وخالي رموني في الشارع، ولا ستي اللي ما سلمتش عليها قبل ما تتحط في التراب، دموعي تزيد على وشي وتحرق قلبي.


مهند: كنت قاعد في الجنينة زهقان ومخنوق علشان الهانم رفعت إيديها عليا. فجأة لقيتها فتحت شباك الغرفة وقعدت عليه. يا لهوي كانت في منتهى الجمال. مع إنها هادية جدًا بس كانت روعة؛ ما كان في غير نور القمر على وشها. كانت حطَّة طرحها بس طلع منها شعر نازل على وشها. فضلت قاعد ومش قادر أنزل عيني. والشيطان لعب بيا وفضلت أحلم واتخيلها في حضني. وبعد وقت مش عارف قد ايه خدت بالي إني بفكر إيه، استغفرت ربنا علشان ما اسمحش للشيطان يفتح لي باب من أبواب الفتنة، أو أفكر في واحدة وأتخيّلها وهي مش مراتي. قمت من الجنينة على بعضها واول ما دخلت وسمعت حد بينادي عليا.


دهب: كنت قاعدة وشوفته وهو داخل، قومت جريت علشان أعتذر، هو غلط في حقي وجرحني بكلامه، بس ما كانش ينفع إني أرفع يدي عليه.


دهب: مهند استنى!


مهند: لمّ سمعتها بتقول اسمي، مش عارف إيه اللي حصل ليا. بس فجأة اتعصبت عليها: "إنتي عايزة إيه؟ وبعد كده اسمي ما ييجِش على لسانك تاني." وبصت عليها وحسَّسها إني قرفان منها — في واحدة محترمة تطلع في وقت زي ده تكلم شاب؟


دهب: دموعي نزلت من كلامه ونظرته ليا: "لا والله أنا محترمة. بس الناس اللي تفكيرهم مش مظبوط." على العموم أنا كنت جاية علشان أقولك إني آسفة. بس حرام عليك تحكم على حد بالشكل ده وأنت ما تعرفوش عنه حاجه، بعد إذنك.


مهند: لما قالت كده ودموعها نزلت حسيت فعلاً بتأنيب الضمير. استنى، راحة فين؟ أنا كمان آسف. بس الكلام اللي حصل يخلي أي حد يفكر كده. وأنا قلت اللي أنا فكرت فيه، بس معاكِ حق — حرام نحكم على الناس بالشكل ده وإحنا ما نعرفهاش.


دهب بحزن: عارفة… ولو كان واحد غيرك كان قال أكتر من كده. بس أعمل إيه؟ منو الله اللي طلع عليا الكلام ده؟


مهند: إيه رأيك نِجي نقعد في الجنينة وتحكيلي ليه الناس بتقول عليكي كده؟ ممكن لو فتحتِ قلبك ترتاحي.


دهب: أنا فعلاً محتاجة أفتح قلبي. ممكن الحمل اللي عليا يتشال، بس فتح القلب مش بالساهل للناس اللي زيي. وكمان الكلام معاك بيغضب ربنا؛ أنت شاب غريب وأنا كمان بنت. ما ينفعش يكون في بيني وبينك أي كلام.


خلصت كلامي وسبته ومشيت.


مهند: فضلت واقف وعيني عليها لحد ما دخلت غرفتها. مش عارف ليه كبرت في نظري جامد وأثبتت إنها بجد محترمة وبتخاف من ربنا. ولو كانت بنت فاسدة ما كانتش رفضت تسهر معايا وكمان قالت "الكلام معاك بيغضب ربنا" اعجابي بيها زاد دخلت اوضي انا كمان وانا مش بفكر غير فيها ومش عارف اخري الحكاية معاها اي بالظبط


تاني يوم


دهب: صحيت من النوم لقيت فستان جميل جنب مني على السرير، عرفت إن الست الطيبة هي اللي حطّاه. أخدته ودخلت غسلت ولبست الفستان وصليت، بس كنت مكسوفة أنزل بيه علشان هو مش أسود وأنا سِتّي لسه ميتة. بعد شوية زهقت ونزلت. وأنا نزلة سمعت الحديث بينهم وهما قاعدين على السفرة بيفطروا. كان في شاب تاني أنا ما شُفتوش، كان عمال يتكلم ويهزر هو ومهند.


هاني: أخو مهند، شاب حلو في الشكل وعكس مهند خالص في الطبع، عنده 22 سنة.


هاني: اسمع يا مهند، إنت لو ما خلصتش نفسك بقى أنا هتجوز قبلك… والكلام للكل.


مهند: ما تتجوز؟ هو أنا ماسكك؟


سماح: والله يا ابني ده يكون يوم الهناء لما أشوفك إنت وأخوك متجوزين. بس أخوك مش عارفة دماغه فيها إيه، كل ما أجيب له عروسة يطلعلي فيها مية عيب.


هاني (بمشاكسة ويغمز لمهند): ما تلاقيه بيحب واحدة كده ولا كده ومش عايز يقول.


مهند: كنت باكل وعيني في الطبق اللي قدامي، ولما هاني قال إني بحب، رفعت عيني وبالصدفة شوفتها واقفة على السلم. كانت في منتهى الجمال والشياكة في الفستان اللي لابساه؛ كان فستان قطيفة نبيتي في أسود، وحطّة طرحة سودة. كانت أكتر من جميلة، ما قدرتش أنزل عيني عنها.


دهب: أخدت بالي من نظرته، اتكسفت وبلعت ريقي بالعافية، ورُحت ورميت السلام عليهم.


الكل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.


الحاج محمد: الله وأكبر! إيه الجمال والحلاوة دي على الصبح؟


مهند: مسكت المعلقة اللي في إيدي جامد، ومش عارف ليه اتضايقت لما أبويه قال عليها جميلة.


سماح: بسم الله ما شاء الله عليكِ يا بنتي، الفستان يجنن عليكي، ربنا يحميكي من العين يا بنتي.


هاني: في إيه يا جماعة؟ ما حد يقوللي إيه اللي بيحصل، ومين القمر دي؟


مهند: خلاص جبت آخري لما سمعت هاني كمان بيقول عليها قمر. من كتر العصبية غرست الشوكة في رجل هاني وهو قاعد جنبي.


هاني: آه! إيه يا ابني، رجلي مالك؟ وبصيت على مهند لقيت عيونه فيها حريقة، وعرفت إنه بيغير على البنت اللي أنا ما أعرفش اسمها إيه. ضحكت وقلت: أخيرًا هتجوز! وبصوت واطي: إيه يا ريس، هي المزة تخصك في حاجة؟


مهند (بنفس الصوت لكن باين فيه العصبية): أقسم بالله يا هاني، لو ما لمّيت لسانك متلومش غير نفسك.


هاني: ضحكت وبصيت على البنت وبغيظ في مهند: بس البنت قمر يا إخواتي… عسل. وقبل ما مهند يولّع فيّ قومت من على الأكل.


مهند: طبعًا ما سبتش هاني يقوم كده من غير حساب، مسكت قزازة الميه ورميتها عليه. ومن عصبيتي ما خدش بالي إن الحاج قاعد.


الحاج محمد: الله! في إيه يا مهند؟


سماح: يوووه عليكم! هو إنتوا مش هتكبروا بقى؟


مهند (بإحراج): آسف يا حاج.


دهب (بكسوف): معلش… ممكن تشوفيلي عباية سودا غير الفستان ده؟ يعني أنا لسه سِتّي ميتة والفستان مش أسود… ولسه مخلّصتش كلامي لقيته بيقول:


مهند: الفستان حلو. وبعدين إنتي بنت، والبنات ما يلبسوش أسود على ميت.


خلصت كلامي لقتها هي والكل بيبصوا عليا بأستغراب ما عرفتش اقول اي سبتهم وطلعت اشوف شغلي انا نفسي مش عارف هو حصلي مش معقولة وحده لسه عارفها امبارح تقلب حياتي بشكل ده.


وعدّت الأيام، ودهب بقت لها في بيتنا 3 أسابيع دلوقتي، وقدرت بطيبة قلبها تخلي الكل يحبها. أما أنا فهي بتكبر في عيني يوم بعد يوم.


دهب كنت قاعد علي الاكنبه جنب الحاج محمد وخالتي سماح وهم بيشربوا في الشاي اللي انا عمله لهم.  كنت عاوزه اتكلم بس مش كنت عارفه اقول اللي انا عاوزه ازاي بس كان لازم اتكلم. 


دهب: معلش يا عمي محمد، ممكن تشوفلي شغل؟


الحاج محمد: عايزة تشتغلي ليه يا دهب؟ هو إحنا مقصّرين معاكي في حاجة يا بنتي؟

دهب: لا والله، دا انتو كتر خيركم. كفاية إن انتو خدتوني في بيتكم وخلّيتوني واحدة منكم. بس أنا بقالي ثلاث أسابيع قاعدة ولا شغل ولا مشغلة.


مهند: (كنت نازل وبالصدفة سمعت  كلامها مع الحاج  اتعصبت لما فكرت إن في واحد غيري هيشوفها)_إنتي بتقولي إيه يا بنت انتي؟ إحنا ما عندناش بنات تشتغل، والموضوع ده لو اتفتح تاني ما تلوميش غير نفسك.


دهب: اتّرعبّت من صوته العالي ومش عارفة ليه كل ما أجيب سيرة اني عاوزه أخرج برّة أو أشتغل يزعق بالشكل ده. 


سماح: اهدي يا مهند يا ابني، دهب مش قصدها حاجة. وبعدين إنتِ يا دهب يا بنتي بقيتي واحدة مننا وإحنا اعتبرناكِ بنتنا. وانتي كمان اعتبريّني أهلك. وبلاش الكلام ده، وبعدين مين قال إن انتي مش بتشتغلي؟ أنا يا بنتي من يوم ما دخلت البيت أنا ما دخلتش المطبخ ثلاث أو أربع مرات، وانتِ ماسكة شغل البيت كله. عيب عليكي يا دهب الكلام ده.


الحاج محمد: الحجة معاها حق يا دهب.


دهب: فضلت واقفة وعيني على مهند، ومن خوفي منه ماقدرتش أقول كلمة. مش عارفة ليه بيتضايق ويزعقلي بالشكل ده، بيخوفني منه بقيت بترعب منه كل ما اشوفه او اسمع صوته حتي اكتر من خالي اسلام. 


مهند: بصيت لها وانا مش عارف ليه اترفزت بشكل ده   بس انا حاسس اني خلاص اتجننت وصلت معايا اني اغير عليها من ابوي وخويا. حاولت اتجاهلها ورحت قاعد على السفرة علشان أفطر. وفجاة سمعت أمي بتكلمني. وفي نفس الوقت كان هاني نزل وجه قاعد جنبي يفطر معايا. 


سماح: اسمع يا مهند، أنا وأبوك شفنا لك عروسة بنت ناس محترمة، بسم الله ما شاء الله عليها، زي القمر. وإن شاء الله لو وافقت هنروح نقرا الفاتحة يوم الجمعة. إيه رأيك؟


مهند: بصت على دهب إزاي أفكر في واحدة غيرها وهي ساكنة في قلبي وعقلي؟


_ لأ مش مواقف يا حاجّة، أنا مش بفكر أتجوز دلوقتي.


الحاج محمد: وبعدين معاك بقى يا مهند، مش كل عروسة تقول مش موافق. ولو ما وافقتش دلوقتي هاتوافق امتى؟


سماح: اتكلم انت بقى يا حاج، علشان أنا تعبت مع مهند يا بني. لو في واحدة في دماغك قول عليها واحنا نجوزها لك من الصبح.


هاني (بصوت واطي): الفرصة جات، لو حد عندك قول إنك بتحب دهب وعايزها. وبصراحة البت قمر، وما شفتش في احترامها. تكون غبي لو ضيعتها من إيدك.


مهند (بنبرة عصبية): اسكت يا غبي! بتقول إيه؟ دهب مين دي اللي أنا أفكر فيها؟ انت ناسي هي مين دي؟ حتى ما نعرفش مين أهلها. وغير سمعتها ماكنتش كويسة في القرية اللي كانت عايشة فيها.


مهند: خلاص يا أمي، اللي انتي تشوفيه انت والحاج أنا موافق عليه طالما البنت محترمة وبنت ناس وانتم راضيين. أنا ما عنديش مانع.


خصلت كلامي وقامت من على الكرسي وقفت مكاني لما لقيها واقفة وراي وفي ايديها فنجان القهوه بتاعي والدموع في عيونها بصت لها وخاف لا تكون سمعت كلامي أنا وهاني. مع متأكد أنها سمعت بس أتمنى تكون ما سمعتش اللي قولته


يتبع…


الفصل الخامس من "حكاية بنت الريف"

✍️ بقلمي: صباح عبدالله فتحي 

بسم الله الرحمن الرحيم


دهب: كنت جايبة القهوة لمهند من المطبخ وسمعت كلامه بالصدفة، مش عارفة ليه أنا اتجرحت وحسيت بقهر من كلامه، مع إنه معاه حق… هو واحد متعلم ومال وجمال، هيبص لوحدة زيي؟ وأنا حتى ما أعرفش شكل أهلي إيه!


هاني: يلا يا مهند…


وبالصدفة بصيت لقيت دهب واقفة ودموعها على وشها، وعرفت إنها سمعت كلام مهند. والله زعلت علشانها.


دهب: مسحت دموعي وحطيت القهوة علي السفرة ولسه هامشي سمعت خالتي سماح بتنادي عليا.


سماح: استني يا دهب يا بنتي، عايزة أقولك حاجة طالما الكل موجود.


دهب مسحت دموعي وقفت شوية ساكتة علي ماعرفت ابص لها وانا بقول: خير يا خالتي؟


سماح: اقعدي جنبي هنا، تعالي.


دهب: بصيت على مهند وقعدت جنبها.


سماح بهدوء وحنان أم: بس يا دهب يا بنتي، بما إنك قاعدة في بيتنا، فانتي ملزومة مننا. في واحد ابن حلال اتقدم لعمك الحاج وطلبك منه.


الحاج محمد بأبتسامة: والله يا بنتي الجدع أدب وأخلاق، بس القرار في الاول والإخري ليكي إنتِ.


دهب: استغربت إن في عريس متقدم لي، وما قدرتش أرد أو أقول حاجة.


مهند: كنت ماشي، بس لما سمعت كلام أمي والحاج رجعت تاني، وعفريت الدنيا قدامي ومش شوفت انا بقول اي.

– إنتو بتقولوا إيه؟! عريس مين ده اللي اتقدم؟! (وبص لدهب بحدة وانا بقول) ومين ده اللي بص لها وشافها فين أن شاءلله. 


الحاج محمد بأستغراب وصوت عالي: الله في إيه يا مهند؟ ما تحترم نفسك شوية. وبعدين فيها إيه يا دهب؟ علشان ما حدش يبص لها — بت زي القمر، الله أكبر عليها.


سماح: اهدي يا حاج، أكيد مهند مش قصده حاجة.


مهند (بعصبية): أنا مش موافق على جواز دهب.


الحاج محمد (بعصبية أكثر): وانت مالك؟ إن شاء الله القرار الأول والأخير هيكون لدهب. والله أنا ما عارف إيه اللي مزعلك في الموضوع أصلاً.


مهند (يروح عند دهب وبغضب): إنتِ عايزة تتجوزي؟


هاني في سره: يا لهوي! هو الولد اتجنّن ولا إيه؟(وبعدين بص لمهند وهو بيقول) عيب عليك يا مهند كده.


دهب بأستغراب: أنا مش فاهمة هو إيه اللي حصل؟ أنا قولت حاجة؟


مهند (بغضب): ردي! عايزة تتجوزي؟


دهب خوفت  منه وبصيت على الكل ومن الخوف ماقدرتش أرد أقول إيه. وأخيرًا لساني نطق: "أنا ما قلتش حاجة، ولو إنت مش موافق أنا خلاص مش عايزة."


سماح بهدوء: اهدي يا دهب، وانت يا مهند ابعد عن البت. والله أنا مش فاهمة إيه اللي حصل لك.


مهند: بصيت لها: "أنا عايز أتجوزك — توفقي تتجوزيني؟"


دهب اتصدمت مش عارفة أقول إيه ولا أعمل إيه، مش مصدقة اللي ودني سمعته وفضلت أبص له زي الهبلة وخلاص.


سماح (بصدمة): إنت بتقول إيه يا مهند؟


هاني يبص لهمند بصدمة: الله يخرب بيتك يا مهند، مافيش حد يقدر يتوقعك!


مهند: زي ما سمعتم، أنا عايز أتجوز دهب. ما هو أنا مش هاسيبها لواحد غيري — عايزها تتجوز جوزها ليّ، أنا مش لغيري.


الحاج محمد (بصوت واطي وهو بيكلّم هاني): هو في حاجة بين أخوك ودهب وإحنا آخر من يعلم ولا إيه؟


هاني (بنفس الصوت): أنا عارف من زمان إنه بيحبها، بس ابنك كان متكبر على البنت الغلبانة. شوف في الآخر عمل إيه لما حس إن حد ياخدها منه.


الحاج محمد يبص لمهند بخبث وهو بيقول: والله كويس، بس اصبر  لازم أربيه شوية الأول علشان يقوم يحترم نفسه شوية عن كده.


هاني: قصدك إيه يا حاج؟


الحاج محمد بعند لمهند: بس أنا مش موافق يا مهند، مش علشان دهب فيها حاجة، لا علشان أنت ما تستاهلهاش.


مهند (مسك إيد دهب جامد): ليه؟ في ايه علشان ما ستاهلهاش؟ ولو ماكنتش ليه مش هتكون لغيري يا حاج.


دهب (بدموع): إيدي وجعتني.


مهند (بغضب): بس اسكتي! عايزة تتجوزي واحد غيري؟ والله ده أنا أقتلك وأقتله هو كمان علشان فكر يبص لكي. إنتي لو ماكنتيش ليه مش هتكوني لغيري، أنتي فاهمة؟


الحاج محمد (يضحك وهو بيحط إيده على بقّوه وبعدين يقول بغضب مزيف): سيب البِت يا مهند… إحنا مش موفقين عليك. 


مهند بعند يبص على أبوه وهو بيقول: خلاص هاخدها وهامشي من البيت، هاتجوزها وهعيش في الشقة اللي في إسكندرية أنا وهي. أما أسبها لواحد غيري فده مستحيل.


سماح بزعيق وغضب: انت اتجنّنت ولا إيه؟ تاخد مين يا مهند؟ هي البِت لعبة ولا إيه؟ سيب البِت وابعد عنها أحسن لك. أنا بقولك كده.


مهند: أنا مش عارف إيه اللي حصل ليا لما اتخيلت إنها ممكن تكون لواحد غيري… لا مش سايبها غير ليّ. وغير لما توفقوا أنكم تجوزوها ليّ.


هاني (يضحك): هههههه يا حاج، جوزهم وخلصوني علشان عايز أتجوز وأفرح أنا كمان.


الحاج محمد (يضرب هاني على دماغه بخفة): اسكت انت دلوقتي.


هاني: هو أنا قلت حاجة غلط؟ مش شايف الواد عامل إزاي؟


الحاج محمد يتجاهل هاني ويقول: ده آخر كلام عندك يا مهند.


مهند: يبص على دهب: أيوه، آخر كلام عندي يا حاج.


الحاج محمد (بفرحة): وانا والله مش هلاقي أحسن من دهب ليك يا مهند. بس حافظ عليها وحطها في عينك، دي جوهرة غالية قوي يا بني.


سماح: انت بتقول إيه يا حاج؟ دهب مين اللي هتكون مرات ابني؟


دهب: دموعها نزلت من كلام سماح.


سماح: معلش يا بنتي، مش قصدي أزعلك والله، بس دي الحقيقة. إنت واحدة دخلتي على حياتنا من تلات أسابيع، وربنا يعلم حبنكي ازاي. بس جوازك من مهند ده على جثتي. معلش يا بنتي، إحنا ناس و لنا سمعتنا برضه.


الحاج محمد: إيه الكلام الفارغ ده يا حجّة؟ من إمتى وإحنا بندوّر على كلام الناس؟ أنا خلاص قررت: دهب ومهند يكتبوا الكتاب. والشبكة الأسبوع الجاي. إيه رأيك يا دهب يا بنتي؟ توفقي على مهند ابني؟


دهب: بس أنا… (وتسكت).


مهند يتكئ على إيد دهب قبل ما تكمل كلامها لما حسي إنها هترفض وهو بيبص لها بغضب وهو بيقول. 

– دهب موافقة يا حاج، أنا وهي متفقين على كل حاجة.


دهب بصت عليه بصدمة أنا ماعرفش أي حاجة! ليه بيقول إننا متفقين على كل حاجة؟ بس من خوفي منه ما اتكلمتش، سبته يقول اللي هو عايزه. وأنا مين علشان أقول أنا عايزة إيه؟ وأنا كنت أطول واحد زيه أصلًا؟ ده أنا ماكنتش أحلم بيه!


سماح: بقى كده يا حاج؟! وانتي يا دهب، كنت فاكرّاكي غلبانة وعلى نيتك، بس طلعتي بترسمي! وأنا اللي هبلة وعلى نياتي!


دهب بصيت عليها، دموعي نزلت ومش قادرة أرد عليها...  وعدّت الأيام وجه اليوم اللي أنا خايفة منه… النهاردة الجمعة، كتب كتابي أنا ومهند. ومافيش شبكة ولا حاجة، هنكتب الكتاب بس. ومهند لغى الدخلة علشان أنا كنت عايشة معاه في البيت، فقال مالهاش لازمة القعدة. وراح لجدي جمال وخالي إسلام وقالهم إني هتجوز، بس رفضوا يحضروا فرحي. جابولي فستان، وواحدة جهزتني.


المأذون: يلا يا جماعة كفاية تأخير كده، أنا لسه عندي كذا مشوار كمان.


الحاج محمد: حاضر يا مولانا… وانت يا بني، اطلع هات عروستك كفاية كده تأخير.


مهند: حاضر يا حاج. (ولسه طالع يجيبها، لقى خالته أم سعيد منزلاها. وقف مكانه وعينه عليها).

يا الله على الجمال! كانت أجمل من الجمال في فستانها الأبيض والمكياج الهادي اللي عاملاه. كانت أكتر من روعة. خدتها من خالتي أم سعيد، وأنا مش قادر أرفع عيني عنها.


المأذون: بسم الله ما شاء الله يا ابني، عروستك قمر… الله أكبر!


الحاج محمد: الله أكبر عليكي يا بنتي، إيه الجمال ده!


مهند (وعينه عليها): عارف… دي عروستي أجمل من القمر.


دهب بصت عليه واتكسفت، نزلت عيني على الأرض وما اتكلمتش كلمة واحدة وفضلت علي الحال ده لحد ما سمعت الشيخ بيقول. 


المأذون: بارك الله لكم وبارك عليكم، وجمع بينكم في الخير إن شاء الله. ألف مبروك يا ابني، مبروك يا بنتي… مبروك يا جماعة.


الكل في صوت واحد: الله يبارك فيك يا مولانا.


الحاج محمد: مبروك يا مهند يا ابني، مبروك يا دهب يا بنتي.


دهب ومهند (في صوت واحد): ربنا يبارك في عمرك يا حاج.


أم سعيد: مبروك يا مهند يا ابني، مبروك يا دهب يا بنتي. والله فرحتلكم… أنتم الاتنين ولاد حلال وتستاهلوا كل خير.


هاني: مبروك يا أخويا! وأخيرًا اتجوزت وخلصت منك  يلا بقى جوزني أنا كمان يا حاج.


دهب بصيت حواليّ وما لقيتش خالتي: خالتي سماح فين؟ مش باينة ليه؟


مهند: أمي فوق، ما نزلتش… تعالي نطلع نسلم عليها قبل ما نمشي.


دهب (بستغراب): نمشي؟ هنروح فين؟


مهند: هاخدك ونعيش في الشقة بتاعتي.


دهب: ليه؟ هو احنا مش هنعيش هنا مع عمي الحاج وخالتي سماح؟


الحاج محمد: لا يا بنتي، إنتي ومهند هاتعيشوا معانا، بس في شقة مهند في الدور التالت. في شقتين: واحدة ليكي إنتي ومهند، والتانية لهاني.


دهب (استغربت): أنا عايشة في البيت بقالي شهر وزيادة، وأول مرة أعرف إن في دور تالت! مهند مسك إيدي وطلعنا علشان نسلم على خالتي سماح. 


مهند (بيخبط على باب الأوضة):

– أمي… مش عايزة تباركي ليّا؟


سماح (من غير ما تفتح الباب، وبدموع): لا… ولا عايزة أشوفك يا مهند. مش انت عملت اللي انت عايزه؟ وأنا كمان هعمل اللي أنا عايزاه. روح يا مهند، ربنا يباركلك… بس أنا مش مبركة على الجوازة دي.


الحاج محمد: انتي بتقولي إيه يا سماح؟ افتحي الباب… حرام عليكي تزعلي العيال في يوم زي ده.


سماح: مش كل واحد عمل اللي هو عايزه! وأنا هعمل اللي أنا عايزاه!


الحاج محمد: معلش يا دهب يا بنتي، شوية وهترُوق… خد مراتك يا بني واطلع شقتك، وما تخافش على أمك.


مهند: حاضر يا حاج. يلا يا دهب.


دهب: بس خالتي سماح زعلانة! إزاي هنسيبها زعلانة؟


الحاج محمد: اطلعي انتي يا بنتي مع جوزك، وما تخافيش على سماح… أنا موجود.


مهند: يلا يا دهب، ما تخافيش… الحاج معاها.


دهب: مسكت إيده وطلعنا سوا الشقة.


مهند (بفرحة): نورتي شقتك يا قمر.


دهب من كتر الخوف والتوتر ماقدرتش أرد. 


مهند (مسكني): إيه يا قمر؟ مش هتردي عليّا؟


دهب حسيت إن وشي مولّع نار من كتر الكسوف، وفضلت ساكتة. مهند ضحك على كسوفي، وشالني علشان يوريني الشقة. 


دهب: نزلني… أنا همشي.


مهند: بس أنا عايز أشيلك وأفرجك على الشقة وأنا شايلك كده.


دهب: وإيه الحلو في كده؟


مهند: هو انتي ما تعرفيش إنك على بعضك حلوة؟ وبعدين إنتي مالك؟ هو أنا اللي شايلك ولا إنتي اللي شايلاني؟ 


وبعد مافرجتها علي الشقه اخدها ودخلنا اتوضينا علشان نصلي العشاء سوا. وبعد ما صلينا، حطيت إيدي على راسها وقلت:

– اللهم اجعلها خيرًا لي وخير ما جبتها… اللهم اكفني شرها وشر ما جبتها.


دهب: ياه على الفرحة اللي حسيتها وهو واقف يصلي بيّا! فعلًا أول مرة أدوق طعم الفرحة. وأول مرة دموعي تنزل مش علشان زعلانة، لأ… من كتر الفرحة اللي أنا حاساها دلوقتي.


مهند: إيه ده يا جوهرتي؟ زعلانة ليه؟ هششش… دموعك دي أنا مش عايز أشوفها تاني. إنتي ما تعرفيش دموعك دي بتعمل فيّ إيه.


دهب مسحت دموعي وأنا بضحك: لا والله، دي دموع الفرحة… اللي أنا أول مرة أحس بيها.


مهند (خدها في حضنه): ربنا يفرّح قلبك كمان وكمان، يا قلبي. أنا بحبك يا دهب. تقبلي تكوني زوجتي بما يرضي الله ورسوله؟


دهب (بدهشة): مش فاهمة؟ مش أنا بقيت مراتك؟ (بصيت لقيته بيضحك). يالهوي! على ضحكته اللي خطفت قلبي.


مهند: أيوه، ما أنا عارف إنك بقيتي مراتي. بس أنا ما ينفعش أغصبك على أي حاجة. اللي أنا عايز لازم اخده برضاكي، وانا مش هعمل غير اللي يريحك. لو محتاجة وقت… أنا هاصبر عليكي. بس أهم حاجة إني اتطمنت إنك ليّا ومش لحد غيري فاهمه. 


يتبع


تكملة الرواية من هناااااااا 


لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كاملةمن هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا






تعليقات

close