القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية احببت نصابا الفصل الثالث والرابع بقلم نسرين بلعجيلي حصريه في مدونة قصر الروايات

 رواية احببت نصابا الفصل الثالث والرابع بقلم نسرين بلعجيلي حصريه في مدونة قصر الروايات 



رواية احببت نصابا الفصل الثالث والرابع بقلم نسرين بلعجيلي حصريه في مدونة قصر الروايات 


**أحببتُ نصّابًا**


بقلم : نسرين بلعجيلي..


الحلقة الثالثة... 


تجمّدت نور للحظات كأن الزمن توقّف عند المقطع الأخير من جملته : «تتجوزيني؟».

الكلمة دارت في رأسها مثل حجرٍ ألقي في بئرٍ ساكنة، فاهتزّت كل دوائر الماء في داخلها. أحست بدقّات قلبها تصطدم بضلوعها بعنف، وبصوتٍ آخر داخل عقلها يصرخ ويحذّر : «تمهّلي… لا تنخدعي… لا تعودي للجرح». لكنها رغم ذلك، وجدت عينيها تفضحان ارتباكًا طفوليًّا لم تختبره منذ سنين.


نور (بصوتٍ متلعثم، وابتسامة ذائبة على أطراف شفتيها) : رياض، الموضوع مش سهل كده.


اقترب رياض خطوة؛ كانت نبرته حازمة لكنها مكسوّة بنعومةٍ تُسكن الروع..


رياض : عارف إنه مش سهل، وعشان كده بسألك بصدق. أنا شايفك وشايف بنتك ومش عايز أكون ضيف في حياتكم، أنا عايز أكون جزء منها.


تبادلَتْ أنفاسُهما لحظةً من صمتٍ مشدود، قبل أن ينشقّ باب الغرفة على ضحكةٍ صغيرة تقفز إلى الداخل. دخلت مريم تحمل دميتها، شعرها منثور فوق جبينها، وعيناها تلمعان بفرحٍ بريء.


مريم : ماما، عمو رياض لسه قاعد؟ تعال نلعب أنا وأنت.


إلتفتت نور لابنتها، فاهتزّت كفة الميزان داخلها. ضحكة مريم مرّت كالسيف على حيرتها : كيف تُطفئ هذه البسمة الصغيرة نار الشكّ التي تشتعل في قلب أمٍّ تخاف المستقبل؟


جلس رياض على الأرض جوار الطفلة، مدّ يده ليصنع بيتًا من قطعٍ بلاستيكيةٍ مكسّرة، فتعلّقت مريم به أكثر؛ كانت تضع الدمية داخل “البيت” وتقول في سذاجةٍ محببة : «ده بيتنا… وأنا وماما وأنت».

ظلت نور واقفةً تراقبهما. في عينيها صورتان تتصارعان :

– صورة رجلٍ يملأ الفراغ، يتصرّف بحنوّ الأب، ويمنح طفلتها إحساس العائلة الذي افتقدته طويلًا.

– وصوتٌ خافتٌ في أعماقها يهمس : «إحذري… قد يكون هذا وهمًا جديدًا».


رفعت يدها تمسح دمعةً سالت على خدّها دون أن تشعر، وهمست لنفسها وهي تُطيل النظر إلى باب السماء : «يا رب… دلّني للطريق الصح. أنا بين الحُلم والخوف».


في تلك الليلة، سكنت المدينة مبكّرًا. كانت شقّة نور تتنفّس وحدتها على إيقاع ساعةٍ حائطيةٍ ثقيلة. نامت مريم سريعًا، وبقيت الأم وحيدةً على طرف السرير.

أضاءت مصباحًا صغيرًا يسكب دائرةً عاجيةً فوق مفكرةٍ قديمة. وضعت كفّها على صدرها؛ الخفقة ما تزال هناك، تُذكّرها بكلمةٍ واحدة.


فتحت الدفتر على صفحةٍ ملوّثةٍ بآثار الدموع القديمة، وكتبت :


«هو قالها ببساطة، تتجوزيني؟!

كلمةٌ صغيرة، لكنها قلبت حياتي.

أنا محتاجة راجل يقف جنبي، محتاجة ضهر أمان لبنتي.

بس الخوف، الخوف بياكلني من جوّه. إتجرحت قبل كده، إزاي أفتح قلبي تاني؟ ولو كان بيضحك عليا زيّ غيره؟ طب لو كان صادق؟

يا مريم… ضحكتك النهارده معاه كسرتني.

إزاي أقولك لا وإنتِ شايفاه بابا اللي اتحرمتِ منه؟»


سقط القلم من بين أصابعها، فارتجف الضوء على الورقة. أسندت رأسها إلى الوسادة، وكانت عيناها معلّقتين في سقفٍ لا يجيب. همست..

نور (بخضوعٍ مطمئن) : يا رب، لو هو خير ليا وليها قرّبه، ولو فيه شرّ أبعده عنّا.


أغمضت عينيها، لكن الفكرة ظلّت تسهر مكانها. كان النوم بعيدًا كزورقٍ يلوّح من الضفة الأخرى.


---


مع ضوء الصباح، جلست نور في المقهى الذي يجمعها ورياض. رائحة البنّ الدافئة تتسرّب من بين الأكواب، وأصوات الكراسي تتحرّك بتثاقل. كانت تحمل حقيبتها الصغيرة كأنها تحمل قلبها، وتنتظر.


دخل رياض بملامحه الهادئة نفسها. جلس أمامها وألقى التحية بعينين تحاولان طمأنتها.


رياض (منخفض الصوت) : شكلك تعبانة يا نور، طول الليل ما نمتيش، صح؟


نور (تهرب بنظرها إلى فنجانها) : طبيعي، بعد الكلام اللي قلته مبارح.


حرّك فنجانه ببطء، كأنه يرتّب كلماته في قاع القهوة قبل أن يرفعها..


رياض : عارف إني فاجأتِك، بس أنا ما لعبتش. إحنا محتاجين نبدأ من جديد. إنتِ محتاجة ضهر وسند وأنا محتاج بيت يلمّني.


نور (بصوت مبحوح) : أنا مش ضدّ الجواز، بس خايفة. خايفة أكرر الوجع. أنا عندي بنت، ما ينفعش أدخل حد حياتنا وبعدين يسيبنا.


مدّ يده حتى لامست أطراف أصابعها، ثم سحبها بخفّة كي لا يخيفها..


رياض : لو كنت ناوي أسيبك ما كنتش دخلت حياتك. أنا مش طالب رفاهية، ولا فلوس، ولا حاجة. طالب بيت وواحدة زيّك تخلّيني أصدّق إن الدنيا لسه فيها أمان.


كان الكلام ينساب ببطءٍ مألوف. وفي النهاية إبتسم ابتسامةً صغيرة...


رياض : خذي وقتِك، بس إعرفي إني موجود. مش هضغط عليكِ، ومش هتراجع عن طلبي.


رفعت نور عينيها إليه. سؤالٌ ثقيل تجمّع في حدقتيها ولم يخرج : «بيحبني فعلًا؟ ولا دي خطوة في لعبة أكبر؟».


---


المساء التالي كان رطبًا. جلست نور على الأريكة تقلب أوراق القضية. ثقل الصفحات أثقل من طاقتها. طرق رياض الباب فدخل.

جلس قبالتها، نبرته ممزوجة بالقلق..


رياض : شكلك مضغوطة، إيه اللي مضايقك؟


تنفّست بعمقٍ كي لا تنهار..


نور : مشاكل الورث ما بتخلصش، أهل المرحوم مش سايبني. فيه مبلغ كبير في البنك متجمّد لحد ما القضية تتحسم. وشغلي بيهرقني. ومريم محتاجة وقت، وأنا باتقسم نصّين.


أومأ برأسه وهو يصغي كطبيبٍ نفسيّ محترف، ثم قالت وهي تخفض عينيها خجلًا وصرامةً معًا..


نور : رياض، فيه حاجة لازم أقولها. وجودك في البيت كتير مش صح. الناس بتتكلم، والجيران واخذين بالهم. وأنا مش عايزة بنتي تشوف حاجة غلط.


مرّت سحابةُ انزعاجٍ على وجهه ثم انقشعت بابتسامةٍ حزينة..


رياض : فاهم، بس مريم بتحبّني، وكل مرة بامشي بتزعل.


وكأنها سمعت إسمها، دخلت مريم من غرفتها تحمل كتاب تلوين. اقتربت وجلست قربه وقالت وهي تُزَمّ شفتيها..


مريم : ماما قالت ما تجيش البيت تاني ليه؟ أنا بحبك يا عمو رياض.


تبادل رياض ونور نظرةً مرتجفة. ربّت على شعر الصغيرة برفق، وعاد يحدّق في نور..


رياض (مكسور النبرة) : يمكن ما تعرفيش يا نور إنتِ وبنتك إيه بالنسبة لي.


ساد الصمت. قطعَه وهو يبتلع غصّة..


رياض : أنا كنت متجوز وكان عندي بنت صغيرة زي مريم. من خمس سنين كنا راجعين من سفر، وأنا اللي سايق. حصلت حادثة، مراتي وأهلي كلهم راحوا، وأنا اللي فضلت. من يومها وأنا غرقان في اكتئاب، عايش، بس مش عايش. لحدّ ما قابلتك إنتِ ومريم، رجّعتوني للحياة.


إتسعت عينا نور، وانزلقت دمعةٌ صامتة. إقتربت مريم أكثر من رياض ووضعت رأسها على كتفه..


مريم : ماتسيبناش يا عمو.


جلس بينهم كمن وجد عائلةً تُعيد تشكيله من رماد. أما نور فكانت تتأرجح بين خوفٍ قديمٍ وأملٍ جديد.


---


في اليوم الذي تلاه، التقت نور صديقتها القديمة سلمى في مقهى صغير. كانت سلمى لا تجامل. بعد دقائق من حديثٍ عابر، انقلبت نبرتها إلى الصرامة...


سلمى : يا نور، رياض واخذ أكبر من حجمه عندك. طالع نازل على بيتك، والناس كلها بتتكلم. ما تخليش الطيبة تعميكِ.


شدّت نور على كوبها حتى بيّضت مفاصلها. رفعت رأسها بثباتٍ غريب..


نور : لأ يا سلمى، إنتِ مش فاهمة. رياض مش زي أي حد. هو الوحيد اللي وقف جنبي وأنا منهارة.


إبتسمت سلمى ابتسامةً ساخرة..


سلمى : كل الرجالة بيبتدوا كده، كلام حلو واهتمام، وبعدين الحقيقة.


إغتاظت نور، لكن صوتها ظلّ منخفضًا متماسكًا...


نور : أنا مش بنت صغيرة. لو كان بيدوّر على مصلحة، كنت عرفته من أول يوم.


مالت سلمى وقالت بجدّيةٍ أمومية..


سلمى : أنا خايفة عليكِ. ساعات اللي بيظهر ملاك يطلع أخطر من الشيطان نفسه.


خرجت الكلمة الأخيرة كجرحٍ جديد. لكنها، على قسوتها، لم تنتصر؛ إذ شعرت نور أنها مضطرة للدفاع عن رجلٍ أعاد الروح في صدرها.


---


عاد رياض ليلتها، فوجدها ساهمةً. همس..


رياض : إنتِ مش على طبيعتِك، في إيه؟


نور : كنت مع سلمى، مش مرتاحة لعلاقتنا. شايفة وجودك مش صح.


تنهد كمن تلقّى طعنةً توقّعها..


رياض : كنت متوقع. أي حد هيقول: «إيه اللي جابه في حياة أرملة ومعاها بنت؟». يشكّوا، بس ما يشوفوش الحقيقة.


إقترب حتى كادت يداه تطوّقان وحدتها..


رياض : أنا مش جاي آخذ، أنا جاي أدي. لو شافوا اللي شُفته في عينيكِ، كانوا عرفوا إن وجودي معاكِ مش نزوة… دي حياة.


فرت دمعة من زاوية عينها. قال بثبات..


رياض : الناس عمرها ما هتسكت. المهم إنتِ تصدقيني.


وفي الغرفة المجاورة كانت مريم تتقلّب في نومها وتتمتم : «عمو رياض… ماتسيبناش».

إلتفتت نور إلى الباب نصف المفتوح؛ شعرت أن القدر نفسه يضغط عليها لتختار.


---


بعد أيامٍ قليلة ثقيلة، قررت نور أن تفتح خزائن قلبها حتى آخر درج. كان البيت هادئًا، وأضواء الغرفة خافتة. جلست قبالة رياض، وبدأت  اعترافاتها الكبيرة...


نورو: كنت ساكنة في فيلا كبيرة مع المرحوم، جزء من ورثه. بعد ما رحل، الدنيا اتشقلبت. عمّ بنتي دخل في كل تفاصيل حياتي، ضغط عليّا لحدّ ما سبت البيت من كثر المشاكل.  وفيه مبلغ كبير في البنك متجمّد لحدّ ما القضية تتحسم. بروح وأرجع كإني في دوامة، والفلوس واقفة وأنا اللي بتبهدل. والأسوأ عم بنتي عايز يتجوزني. بيستغل وضعي، وكل ما يلمّح بكلمة بحسّ إني مخنوقة. حتى مع المرحوم، الله يرحمه، ما كنّاش في هدوء. كنت بأدي واجب… مش بعيش حب. لكن معاك، الوضع غير. مطمئنة وأنا بكلمك. حبيتك من غير ما أفكر. وأكثر حاجة خلتني أتعلّق بيك إنك بتحترمني. عمرك ما طلبت مني حاجة حرام، ولا استغليت ضعفي.


كانت كلماتها كالمفاتيح التي تفتح كل الأبواب أمامه. جلس رياض يراقبها؛ وفي داخله كان شيءٌ آخر ينتفض : صورةُ رجلٍ يرى الفريسة تفتح الأقفاص بنفسها، وصورةُ إنسانٍ وجد قلبه أخيرًا.


---


في مكانٍ آخر من المدينة، في مخزنٍ تحت عمارةٍ قديمة، جلس رياض مع توفيق. كان الليل كثيفًا، ودخان السجائر يعلّق في الهواء كضبابٍ ثقيل.


توفيق (هامسًا) : وشّك متغيّر من يوم ما رحت للهانم.


رياض (يمسح وجهه بكفّه) : نور ما تستاهلش اللي إحنا بنعمله. حكتلي عن الورث وعن عم بنتها اللي بيضغط عليها. قلبي وجعني. مش قادر أكمل الخطة.


قهقه توفيق بنبرةٍ ساخرة...


توفيق : نسيت نفسك؟ إحنا مش شغالين لحسابنا. صفاء هي اللي بتخطط. والمحامي اللي ظاهر في صفها من طرفها. معمول علشان تكسب القضية، وبعدين كل حاجة تبقى تحت إيدها.


خفض رياض رأسه...


رياض : عارف… بس مش قادر أشوفها صيدة. الست دي صعبت عليّا بجد.


في تلك اللحظة انفتح الباب بعنف، ودخلت صفاء. كانت في الأربعينات، أنيقةً حدّ القسوة. خلفها بنتان من العصابة. إبتسمت ببرودٍ من يعرف ما لا يعرفه الآخرون...


صفاء : شكلك اتأثرت بالهانم. نسيت نفسك ولا إيه؟


حاول رياض التماسك..


رياض : ما نسيتش، بس الوضع مش زي ما إنتِ فاكرة.


إنحنت فوق الطاولة، سحبت ملفًا سميكًا ورمته أمامه..


صفاء : ده جزء بسيط من اللي عندي عنك. ورقة واحدة تودّيك في ستين داهية. تفكر تختار؟ لأ، أنا اللي باختارلك. وعلى سيرة الاختيار، الجواز جه وقته. أنا مش هسيبك لحد غيري.


تصلّب رياض كمن يحاول أن لا يُسمع صوت انكساره. وبينما يعلو صدى تهديداتها، كانت صورة نور، بصدقها ودمعتها، تحاول أن تشقّ طريقها إلى قلبه المحاصر.


---


إنسحب رياض من عند صفاء وهو يحمل داخله حربًا كاملة.

وفي قهوةٍ ضيّقة على ناصية شارعٍ مظلم، جلس مرّةً أخرى مع توفيق. هدير السيارات يختلط بصفير غلاية الشاي.


رياض (بصوت مبحوح) : أنا تعبت يا توفيق. الست دخلت قلبي، أنا بحبها.


ضرب توفيق الطاولة بكفّه المُخشّن وهمس بغضبٍ خائف...


توفيق : إنت إتجننت؟ صفاء لو شمت ريحة الكلام ده هتدفنك حي. وهي بتحبّك، مش هترحمك. ونور لو عرفت الحقيقة مش هتسامح. إنت واقف في نص دايرة نار.


أطفأ رياض سيجارته بعصبية، ورفع عينيه كأنه يقرّع السماء..


رياض : يمكن أتحرق، بس مش هارجع زي الأول. نور مش صيدة، دي حياتي.


ظل توفيق صامتًا، يرمقه بقلقٍ ثقيل؛ فكلاهما بات يدرك أن النهاية أقرب مما يتخيّلان.


---


في شقةٍ فخمةٍ بوسط البلد، حيث السجّاد السميك يبتلع وقع الخطى، جلست صفاء على كرسيٍّ جلديّ، وأمامها كأس ويسكي يلمع تحت الضوء الأصفر. دخل رياض مترددًا.


صفاء (باردة الملامح) : اتأخرت ليه يا حبيبي؟ ولا كنت عند “الهانم”؟


وقف متصلّبًا، يحاول أن يخفي ارتباكه..


رياض : كنت مع توفيق بنظبّط شغل.


ضحكت ضحكةً قصيرة..


صفاء : توفيق؟! أنا عارفة كل خطوة. فيه حدّ أخذ عقلك مني.

(تقترب، تحدّق في عينيه)

– قول يا رياض، بتحبها؟


تراجع خطوة. تردّد طويل، ثم قال بصوتٍ واهن...


رياض : الموضوع مش زي ما إنتِ فاكرة.


إبتسمت ابتسامةً لا دفء فيها، وسحبت ملفًا آخر...


صفاء : لأ يا حبيبي، أنا اللي باختارلك. والجواز؟ جه وقته. هتعمل اللي أقول عليه. وإلا هتطلع البلاوي كلها للنور.


إستقام جسده كمن تلقّى أمرًا عسكريًّا، لكن داخله كان ينزف.

رأى بعيني قلبه نور وهي تكتب في مفكرتها، وتبكي خوفًا وأملًا، ورأى في المواجهة ظلّ امرأةٍ لا تعرف الرحمة.


رياض (بصوتٍ داخليّ يخفت) :

«أنا مربوط بسلاسل صفاء… لكن قلبي هناك مع نور.»


وقف للحظة على العتبة، نظر خلفه ثم أمامه؛ كأن بابين يفتحان على طريقين : طريقٌ يجرّه إلى ظلامٍ أبديّ، وآخر يلوّح بوميض أملٍ بعيد.

مدّ يده إلى جيبه، تحسّس هاتفه، فكّر أن يكتب رسالةً قصيرة : «سامحيني لو اتأخّرت، أنا بحارب.»

لكنه لم يكتب شيئًا.

أغلق الباب خلفه… وتحرّك.


**أحببتُ نصّابًا**


بقلم : نسرين بلعجيلي


الحلقة 4


---


كان الليلُ ثقيلاً على صدرِ رياض وهو يمشي في شوارع وسط البلد. بدأت أنوارُ المحالّ تنطفئ، وخفتَ صوتُ الباعة، غير أنّ العاصفةَ في داخله لم تهدأ. شعرَ كأنه ينساق بخطواته نحو هاوية، وكلّما حاول أن يقاوم، وجد سلاسلَ صفاء تشدّه أكثر.


رفع رأسه إلى السماء، فوجد القمرَ نصفَه محجوبًا بسحابةٍ سميكة. تمتم بينه وبين نفسه..


رياض (بصوت داخلي) : «يا ترى هو ده مصيري؟ أعيش طول عمري لعبة في إيد واحدة ست ماسكة عليا كل حاجة؟ ولا أسيب كل ده وأمشي ورا قلبي حتى لو الثمن حياتي؟»


---


في الوقت نفسه، كانت نور جالسةً في بيتها. الشقة ساكنة، لكن عقلَها منشغل. كلُّ كلمةٍ قالتها سلمى كانت تتردّد في داخلها، وكلُّ ضحكةٍ من مريم وهي مع رياض كانت تربّت على قلبها.

أمسكتْ صورةً قديمةً لها مع زوجها ـ رحمه الله ـ إبتسمت ابتسامةً باهتة وقالت...


نور (تهمس) : يمكن أنا ما حبيتهوش زي ما المفروض، يمكن عمري ما حسيت معاه بالأمان اللي حسّيته مع رياض.


إنحدرت دمعةٌ على خدّها سريعًا، مسحتْها، وقالت في سرّها : «بس يا ترى أنا ماشية ورا إيه؟ إحساس حقيقي، ولا فخّ جديد؟»


---


في صباح اليوم التالي، ذهب رياضُ لمقابلة توفيق في القهوة الشعبية. كان صوتُ الملاعق يصطدمُ بالكؤوس، والدخانُ يملأ الجو.


توفيق (بصوت منخفض) : رياض، وشّك مسوّد، شكلك ما نمتش.


رياض (ينفخ دخان سيجارته) : مش قادر يا توفيق. كل ما أبص في وشّ نور، بحس إني خنتها وأنا لسه ما عملتش حاجة. الست دي بريئة، وأنا محاصر بين حبلين، واحد بيشدّني للحياة معاها، والتاني بيشنقني باسم صفاء.


توفيق : إنت بتهلك نفسك. صفاء مش هتسيبك، والهانم لو عرفت الحقيقة هتكرهك.


رياض (بحزمٍ متردّد) : يمكن أقولها، يمكن أحكيلها كل حاجة وأشوف هتسامحني ولا هتطردني من حياتها.


توفيق (يضحك بسخرية) : إنت عايش في فيلم رومانسي يا صاحبي. دي حياة مش رواية. لو فتحت بقّك، صفاء هتقطعك حِتَت.


سكتَ رياض، لكن في داخله كان القرارُ يغلي كبركانٍ ينتظر لحظةَ الإنفجار.


عند الظهر، كانت نور في مكتب المحامي تراجع أوراق القضية. الجوّ خانق، ورائحةُ الورق المصفرّ تملأ المكان. فجأةً دخل حامد ـ عمّ ابنتها ـ بابتسامةٍ باهتة تخفي وراءها نوايا غامضة.


حامد (بصوتٍ متصنّع اللطف) : إزيك يا نور؟ أخبارِك إيه؟


رفعتْ رأسها بتوتّر؛ لا تحبّ وجوده.


نور : خير يا أستاذ حامد؟


جلس قبالتها، شبك أصابعه وقال..


حامد : إنتِ عارفة إن الدنيا مش سهلة على واحدة ست لوحدها. وإنتِ لسه صغيرة محتاجة حدّ يسندِك.

(يبتسم ابتسامة مريبة)

– أنا شايف إن أنسب حدّ ليكِ أنا.


إتسعت عيناها بدهشةٍ ممزوجةٍ بالقرف. رفعت صوتها..


نور : إنت بتتكلم جد؟ بعد اللي بتعمله معايا ومع بنت أخوك؟!


حامد (بهدوءٍ بارد) : ده مش عرض، ده اقتراح لصالحك. الورث مش هيتحلّ غير وأنا واقف في صفك. الجواز هيخلّي الأمور تمشي أسرع.


وقفت نور، وارتفع صوتها لأول مرة..


نور : لو فضلت آخر راجل في الدنيا عمري ما هتجوزك.


تركتْه وغادرت المكتب بخطواتٍ سريعة، وقلبُها يخفق كالطبول.


---


في الليلة نفسها، كان رياضُ جالسًا مع صفاء في شقتها. الأضواء خافتة، وأصواتُ موسيقى هابطة تأتي من الغرفة الأخرى.


صفاء (بهدوءٍ مخيف) : سمعت إنك بقيت ملزّق بالهانم زيادة. شكلك نسيت إحنا هنا ليه.


رياض (بعصبية) : أنا ما نسيتش، بس الست دي مش زي ما إنتِ متصوّرة. دي تعبانة ومكسورة، وأنا مش قادر أكمّل في الخطة.


ضحكت صفاء ضحكةً مليئةً بالاستهزاء..


صفاء : إنت هتعمللي فيها فارس أحلام؟! إوعى تنسى يا رياض، كل ورقة، كل ملف، كل قرش، أنا ماسكة زمامه. كلمة واحدة مني تخليك في السجن بقية عمرك.


رياض (بغليان داخلي) : لحد إمتى هتفضلي ماسكاني زي أسير؟


إقتربتْ منه، وضعتْ يدَها على صدره وقالت بنبرة ساخرة..


صفاء : لحد ما أبقى مراتك رسمي، ووقتها مش هتقدر تبصّ لغيري.


إرتعش رياض من داخله، يعرف أنّ القفص يضيق حوله، لكن قلبه كان ينفلت كلّ مرةٍ ويذهب عند نور.


---


في شقتها، كانت نور على سريرها تُلهي مريم في اللعب، لكن عقلها عند كلام عمّ ابنتها الذي لا يزال يرنّ في أذنيها. أمسكتْ هاتفها وكتبت رسالةً لرياض :

«أنا محتاجة أتكلم معاك… فيه حاجة كبيرة حصلت».

ضغطت إرسال، وقلبُها يرتجف.

بعد دقائق، أجابها:

«أنا جاي حالًا.»


جلستْ تنتظر، وعيونُها مليئةٌ بالخوف، وخيطٌ صغيرٌ من أمل.


في المساء، جلست نور على الأريكة، عيناها نحو الباب، ويدُها تنهض وتعود على ذراع الكرسي بعصبية. كانت مريم قد نامت مبكرًا بعد يومٍ طويلٍ في المدرسة، فعمّ الصمتُ إلا من أنفاس نور المتقطّعة.

دقّ الجرس. قامت بخطًى متردّدة، فتحت، فإذا برياض واقفٌ بملامحَ مُجهَدة، وابتسامةٍ صغيرة لا تفارق وجهه. دخل وسلّم بهدوء، وجلس قبالتها وقال..


رياض (بقلق) : إيه يا نور؟ صوتِك في الرسالة كان مخضوض.


نور (تنهّدٌ عميق) : حصلت حاجة النهارده، حاجة قلبتني من جوّه.


رياض : خير؟ قوليلي.


رفعت عينيها، نظرتها خليطٌ من غضبٍ وخوف..


نور : عم مريم… حامد… عرض عليّا الجواز. قالّي إن الموضوع لمصلحتي وإنه هيسهّل الورث لو بقيت مراته.


شدّ رياض قبضتَه من غير أن يأخذ باله. كان صمتُه ممتلئًا بالنيران.


رياض (بحِدّةٍ مكبوتة) : الراجل ده قليل الأصل. بيستغل ضعفِك عشان يضغط عليكِ.


نور (بحزن) : أنا حسّيت إني محاصرة من كل ناحية. حتى وأنا واقفة قدّامه، كنت عايزة أصرخ. بس اللي قلته كان قليل قوي.


إقترب منها رياض، صوته ثابت، لكن عينيه فيهما قلق..


رياض : إنتِ مش لوحدِك يا نور. أنا موجود. أنا ضهرِك. واللي يفكر يقرّب منك أو من مريم لازم يعدّي عليّا الأول.


تأثّرت بكلامه، ولمعت الدموع في عينيها، لكنها همست..


نور : نفسي أصدقك يا رياض، بس كل مرة بافتكر كلام الناس، كلام سلمى، بخاف.


مدّ يده ومسح دمعةً عن خدّها..


رياض (بحنان) : سيبي الناس تقول اللي هي عايزاه. المهم إنتِ، وإنتِ بس.


سكت لحظةً، ثم قال بصوت منخفض...


رياض : أنا عمري ما حسّيت إني بني آدم بعد الحادثة غير معاكِ. إنتِ رجّعتيلي روحي. عشان كده مش هسيبِك تواجهِي ده لوحدِك.


---


في تلك اللحظة، كان توفيقُ جالسًا مع صفاء في مكتبها. ضحكتُها العالية تخترق جدران المكان.


صفاء (بخبث) : رياض غرقان معاها للودان. شايفة بعيني إزاي بقى بيتردد أكثر على بيتها.


توفيق (بتوتّر) : وده مش خطر؟ الراجل شكله بجدّ متأثّر بيها.


صفاء (ببرود) : وأنا عايزة كده. طول ما هو فاكر إنها طوق نجاة، هيفضل مربوط بيا. أنا اللي مسكاه، والليلة اللي يفكر فيها يسيبني هيبقى وقّع على حكم إعدامه بنفسه.


---


كانت نور لا تزال بجوار رياض تفضفض.

نور (بصوتٍ متقطّع) : أنا مشكلتي إني تعبت من الوحدة. تعبت من اللفّ والدوران حوالين المحاكم والورق والفلوس المجمّدة. تعبت من خوف مريم ومن نظرات الناس. يمكن عشان كده لما لقيتك، حسّيت إنك أمان.


نظر لها رياضُ نظرةً صادقةً ـ أو هكذا بدا. لكن داخله كان الصراعُ يمزّقه: صفاء تمسكُ رقبته، ونور تمسك قلبه.


رياض (في داخله) : «أنا لازم أختار… يا صفاء والظلام، يا نور والنور الحقيقي. بس هل أقدر أهرب من صفاء؟»


في الليلة التي تلت، كان رياض واقفًا في شرفة شقته، سيجارةٌ بين أصابعه والدخانُ يصعد بخطوطٍ متقطّعة في الهواء. رنّ هاتفُه، وظهر اسمُ صفاء.

أجاب وهو يعلم أن المكالمة لن تمرّ بلا وجع:


رياض (بفتور) : أيوه يا صفاء.


صفاء (بصوتٍ بارد) : عايزاك بكرة في المكتب، عندنا كلام مهم. ما تتأخرش.


أغلق الخطّ سريعًا، وقلبُه يخفق. كان يعرف أنّ «الكلام المهم» ليس إلا شدَّ حبلٍ جديدٍ حول رقبته.


---


في اليوم التالي، دخل رياضُ مكتبَ صفاء. كانت جالسةً على كرسيٍّ دوّار، ظهرُها مستقيم، وعيناها تلمعان بدهاء.


صفاء : رياض، اللعبة طولت. أنا عايزة قرار واضح. يا أنا… يا الهانم.


وقف مذهولًا...


رياض : إيه اللي بتقوليه ده؟


قامت من مكانها واقتربت بخطواتٍ محسوبة، مدّت ملفًا سميكًا وألقته على الطاولة..


صفاء : هنا كل بلاويك. شبكات، صفقات مشبوهة، حوالات بنكيّة… كلمة مني والملف يوصل للنيابة. إمّا تتجوزني رسمي وتنسى الحلم اللي عايش فيه، يا إمّا… انتهيت.


صمت رياضُ لحظة، وصدرُه يرتفع ويهبط بسرعة. مرّت صورُ نور ومريم أمام عينيه كأنهما يتوسّلان.


رياض (في داخله) :

«أنا مربوط. أي خطوة غلط تروح حياتي. بس إزاي أسيب نور؟ إزاي أبصّ في عين مريم وأقول لها إني مش هرجع؟»


---


في اللحظة نفسها تقريبًا، كانت نور في البيت. ركضت مريم إليها وهي تمسك رسمةً ملونة..


مريم (بحماس) : ماما شوفي! أنا رسمت عمو رياض.


نظرت نور إلى الرسمة، فوجدت بيتًا فيه ثلاثة أشخاص : هي، ماما، وعمو رياض. إنقبض قلبُها. جلست على ركبتيها أمام الصغيرة وقالت..


نور (بابتسامةٍ حزينة) : بتحبيه كده يا مريم؟


مريم (ببراءة) : أيوه. نفسي يبقى بابا. هو طيّب، وبيضحكني. ما تخلّيهش يمشي يا ماما.


ضمّتها نور بقوّة، وانحدرت دمعةٌ منها رغمًا عنها. همست لنفسها..


نور : يا رب… أنا خايفة أكون بدخّل الوحش لبيتي بإيدي.


---


رنّ هاتف نور. إسم رياض. أجابت وهي متوتّرة.


رياض (بصوتٍ منكسّر) : نور… محتاج أشوفِك الليلة. عندي كلام لازم يتقال.


إرتبكت؛ وقع قلبها بين أملٍ وخوف.


نور : حاضر… هستنّاك.


أغلق الخط. جلس في مكتبه واضعًا رأسه بين يديه. كان يعلم أن أيّ كلمةٍ سيقولها في تلك الليلة ستغيّر مصيرَه… ومصيرَ نور ومريم كذلك.


غطّى الليلُ القاهرةَ بوشاحٍ أسود، وتسرّبت الأضواءُ الخافتة من الشوارع عبر نافذة بيت نور كخيوطٍ ضعيفةٍ تصارع العتمة. جلست في الصالون متوتّرةً تعدّ الدقائق.

دقّ الباب، فقامت سريعًا. فتحته، فوجدت رياض واقفًا أمامها بملامح مرهقة، وعينين غارقتين في شيءٍ لم تعرفْه: أخوفٌ أم وجع؟

دخل وجلس، مدّ يده إلى فنجان الشاي الذي وضعته أمامه، لكنه لم يشرب. رفع عينيه إليها مباشرة..


رياض (بصوتٍ متردّد) : نور… أنا جاي الليلة علشان أكون صريح معاكِ.


شدّت نفسها وقالت..


نور : في إيه يا رياض؟ شكلك مش طبيعي.


تنفّس بعمقٍ، أمسك الفنجان ثم أعاده..


رياض : فيه حاجات… حاجات ثقيلة أنا مربوط بيها. مش بإيدي. ساعات بحسّ إني محاصر، مش قادر أختار.


نور (بقلق) : محاصر بإيه؟ تقصد إيه؟


أدار وجهه لحظةً بعيدًا عنها، كأنّه يخشى عينها..


رياض : خلّيني أقولك كده، فيه ناس مش سايباني. ناس لو فكّرت أبعد عنهم ممكن يضيّعوا حياتي.


شهقت نور، وتسرّب الخوف إلى قلبها..


نور : تقصد إنك في مشكلة كبيرة؟


إبتسم ابتسامةً حزينة..


رياض : ممكن تسمّيها كده. بس صدّقيني، اللي حسّيته معاكِ ومع مريم، ده الحاجة الوحيدة اللي مخلّياني لسه واقف.

سكت لحظةً، ولمعت عينُه وهو يكمل..


رياض : أنا يمكن ما اقدرش أشرحلك كل حاجة دلوقتي. بس عايزِك تعرفي إنك إنتِ وبنتِك بقيتوا حياتي. حتى لو الدنيا كلها وقفت ضدي.


غشيت الدموعُ عيني نور. شعرت بصراعٍ بين الخوف الذي أعاد لها وجعَها القديم، والأمان الذي يحاول رسمَه بكلامه.


نور (بصوتٍ منخفض) : رياض… أنا محتاجة أمان مش مشاكل جديدة. لو فيه حاجة ممكن تدمّرنا، قول من دلوقتي.


مدّ يده فوق الطاولة وحاول أن يمسك يدَها، لكنها سحبتها خوفًا.


رياض (بصوتٍ متكسّر) : أنا مش هاسمح لحد يلمسكم. حتى لو كان الثمن أنا.


---


في تلك اللحظة، بعيدًا، كانت صفاء في سيارتها السوداء، متوقّفةً أمام بيت نور. عيناها تُراقب الشباك المضيء، سيجارةٌ في يدها، وابتسامةٌ ماكرة على وجهها.


صفاء (تتمتم): فاكرة نفسك هتخطفيني يا نور؟ أنا اللي بكتب النهاية… مش إنتِ.


في صباحٍ رماديّ، إستيقظت نور على قلبٍ مثقَل، كأن الليل لم ينصرف تمامًا. توضّأت وصلّت، ثم جلست إلى الطاولة الصغيرة وكتبت سطرين في مفكرتها :

«قلقٌ بلا اسم… وغموضٌ يكبُر.»

أغلقت الدفتر وقرّرت ألّا تواجه وحدها.


قبيل المغيب، اجتمعت سلمى وفيروز وياسمين وفرح مع نور في مقهى هادئ على النيل. كان ضوءُ الشمس الأخير ينسكب على الزجاج، ورائحةُ البنّ تملأ المكان.


سلمى (تبدأ بلا التفاف) : إتكلمي يا نور… شكلك متكهرب. في إيه حصل؟


نور (تشدّ أطراف وشاحها، وبصوتٍ منخفض) : رياض جه امبارح، كلامه كله غموض. بيقول «مربوط»، و«في ناس مش سايباه»، وكل ما أسأله مين دول وإيه اللي وراه، يلفّ ويدور. أنا خُفت.


فيروز (تقرّب الكرسي، بصوتٍ حنون لكن حازم) : الخوف هنا صحّ، يا نور. الغموض في راجل مش بيدّيك أمان… بيدّيك فخ.


ياسمين (عقلانية، تفتح نوت صغيرة) : خلينا نقسّم المشكلة:


1. غموض في ماضيه وعلاقاته.


2. عدم استقرار في الشغل.


3. ضغط إجتماعي عليكِ بسبب تردده على البيت.


4. مسؤولياتك مع مريم والقضية والفلوس المجمّدة.

– لو الراجل مش شايل معاكِ، هيزوّد الحمل عليكِ.


فرح (تَمِيل بتعاطف) : طب هو حاول يطمّنك بتفاصيل حقيقية؟ أسماء؟ مواقف؟ خطة شغل واضحة؟


نور (تهزّ رأسها) : لأ… كله عايم. وده غير إن مريم اتعلّقت بيه قوي، وده مكسّرني.


سلمى (بصرامة أم) : اللي يضحّك بنتِك النهارده ممكن يكسّر قلبها بكرة لو مش ثابت. إحنا مش بنكره رياض، إحنا بنكره الغموض.


فيروز (تنظر في عينيها بصدق) : اسمعيني: حُبّك محتاج حدود، وعقلك محتاج إجابات. الراجل اللي يسيب أسئلة كبيرة من غير ردّ ما ينفعش تدي له قلبك.


نور (متنهّدة، بنبرةٍ حائرة) : أعمل إيه بالتحديد؟


ياسمين (تعدّ على أصابعها) : ثلاث خطوات واضحة:


1. حدود: مافيش زيارات للبيت الفترة دي؛ لقاءاتنا تكون في أماكن عامة.


2. شفافية: أسئلة محددة ومكتوبة: شغلك إيه بالظبط؟ مين «الناس» دول؟ إيه اللي ممكن يضرّني؟


3. أمان: أيّ تعامل قانوني يخص قضيتك يمرّ عبرِك ومُحاميك فقط، وهو يبقى خارج الملف تمامًا.


فرح (بابتسامة دعم) : ولو صادق هيقدّر ده. اللي ناوي يعيش بجدّ، ما يخافش من الوضوح.


سلمى (تلخّص) : ولو تهرّب أو عصّب أو حاول يقلب الطاولة، يبقى خطوة لورا من غير وجع قلب. إحنا حواليكِ.


سكتت نور لحظة، ثم أومأت ببطء. بدا في عينيها مزيجٌ من الحذر والقوة المستعادة.


نور (أهدأ، وكأنها تمسك بزمام نفسها) : تمام، هقابله وأطلب إجابات واضحة، وهحطّ الحدود. ومش هسيب البيت مفتوح تاني قبل ما أفهم كل حاجة.


فيروز (تضغط على كفّها) : وأنا معاكِ في أي مواجهة. لو عايزة، أبقى قاعدة على ترابيزة قريبة.


سلمى (تبتسم نصف ابتسامة) : وهو لو نيته سليمة، مش هيخاف من النور.

انفرج وجه نور قليلًا. رفعت نظرها إلى صفحة النيل التي أخذت درجةً داكنة قبيل العشاء، كأنّ الماء يقول: الوضوح خلاص جاي.


---


على الجانب الآخر من المدينة، تلقّت صفاء رسالةً قصيرة من أحد رجالها :

«نور اجتمعت مع صاحباتها، كلام عن حدود وأسئلة.»


ضحكت ضحكةً قصيرة، وأرسلت ردًّا :

«كويس… نزود الغموض. خلّوه يشكّ فيها زي ما خلّيناه يشكّ في نفسه.»

ثم رمقت المرآة المقابلة، وعدّلت أقراطها، وتمتمت ببرودٍ حاسم :

– اللعبة لسه في إيدي.


---


عادت نور إلى البيت تلك الليلة أكثر تماسكًا. جلست إلى مكتبٍ صغير، وكتبت في ورقة :

– شغلك الحالي؟ عقود؟ دخل ثابت؟

– مين «الناس»؟ نطاق خطرهم؟

– إيه حدود تواجدك في حياتنا؟ (مريم أمانة)

– أيّ دور ليكِ (أو عليك) في القضيّة؟ ممنوع تدخل.


طوت الورقة ووضعتها في حقيبتها. مرّت على مريم النائمة، قبّلت جبينها، ثم أغلقت المصباح.


نور (تهمس في الظلام):

– يا رب… إن كان خيرًا فثبّتْه، وإن كان شرًّا فاصرفْه.


تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كاملةمن هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا







تعليقات

close