القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

نوفيلا سر وعلن الفصل السادس والسابع الأخير والخاتمه بقلم زيزى محمد حصريه

 

نوفيلا سر وعلن الفصل السادس والسابع الأخير والخاتمه بقلم زيزى محمد حصريه



نوفيلا سر وعلن الفصل السادس والسابع الأخير والخاتمه بقلم زيزى محمد حصريه 




الفصل السادس ...

ليت هذه المواجهة لم تأتي ليتها لم تريّ تلك اللعينة صديقتها فهي الان جعلتها بموضع شك ... اغمضت عينيها بحزن شديد هي لم تكن تريده ان يعلم عنها شيء يكفي انه لم يتقبل فكرة انها فتاه وحيده تعيش معه بل الان اصبحت هاربة تعيش معه ...

 نظرت له وهي تحاول ان تتكلم وبالفعل اخذت نفس عميق ثم، خرج صوتها متلعثمًا وامتلأت عيناها بالدموع فـ اخفضت بصرها للأسفل : _أنا هقولك أنا بتمني أنك تتفهمي ومتبصليش بصه وحشه، أنا جيت بس هربت من أهلي علشان ....!.

 صمتت للحظة تستجمع حديثها أو قوتها، فسارع بحديثه وهو يقول بنبرة حاول إخفاء غضبه إن صحت ظنونه :

_ أنتي هربت من مصر مع واحد صح..

 رفعت بصرها تهتف بنفي قاطع :

_ لا طبعًا مش ..إيه اللي أنت بتقوله ده!.

 شعر بالراحة قليلًا، ولكن مازالت حواسه تتأهب لسماع قصتها، فحثها بعينيه حتى تتحدث أخذت نفس طويل تعود بذاكرتها للماضي، هذه المرة سمحت لنفسها بأن تغوص في بحر ذكرياتها المؤلمة لتقول بصوت ضعيف مهزوز :

_ أنا بابا وماما ماتوا وأنا عندي ١٢ سنه، كنت صغيرة أوي على أني أتقبل موتهم هما الاتنين ورا بعض، بابا وبعدها بشهر ماما، صحيح أنا عايشة مع أعمامي في نفس البيت، بس كل واحد له شقته وأولاده وأنا كنت لوحدي، في شقتنا من غير حد، مفيش حد يحتويني، أو قريب مني أعمامي بعدوا عني، لدرجه أنهم مبقوش يحسوا أن ليهم بنت أخ فوقهم...

 صمتت للحظات وسمحت لنفسها بالبكاء، برغم أنها حاولت وجاهدت أن تظهر قوتها، ولكنها فشلت فبكت تخبره من بين شهقاتها : 

_بقضي أيامي لوحدي نجاحي فشلي تعبي، كل فين وفين لما حد يفكر يسأل عليا ويفكر مثلًا أنه يعزمني عنده، كل واحد كان مهتم بحياته وبيته..

 قاطعها بصدمة : 

_  للدرجه دي !!.

 مسحت دموعها ثم قالت بنبرة مرتجفة :

_ مفيش حد احتواني، مفيش حد كان بيقولي الصح فين والغلط فين، كل اللي كانوا بيقولوه نور متخرجيش، نور ذاكري في البيت، نور بلاش تروحي مدرستك كتير، نور كليتك على قد محاضراتك، طب ليه ؟!، علشان لو عملتي حاجة غلط هتجيبي لينا العار..

صمتت لبرهة ثم قالت بعصبية : 

_مرات عمي قالتلي، أمتي تتجوزي أعمامك شايلنك فوق دماغهم خافيين أوي لتجبيلهم العار ، ليه أنا عملتلهم إيه، أنا كل اللي كنت بعمله أني كنت بسمع كلامهم وبس، بس لا خلاص مبقتش قادرة، مش هسمع كلامهم ولا هوافق أني أتجوز أي واحد يجبوه علشان يخلصوا مني!!.

 _ هما كانوا هيجوزوكي...

 ابتسمت بسخرية ومازالت عيناها تفيض بالدموع : 

_آه تخيل أول ما خلصت الكلية، لقيت عمي بيقولي أن في عريس وعاوز يجي يتقدم وهما موافقين..موافقين وأنا ماليش أي قرار..

 قاطعها يوسف يسألها بضيق :

_ نور مش معقولة للدرجه دي، طب هما عاوزينك تتجوزي ليه، كده كده مبيسألوش فيكي، مش فارقه يعني!.

 نهضت بغضب وهي تقول :

_ لا معقولة، عمي الكبير كان طمعان في شقة بابا وماما لابنه علشان يتجوز فيها، فكان عاوز يخلص مني ويرميلي قرشين واتجوز واهو يبقي خلصوا مني...

 ضرب يوسف كَفًا بآخر مستعجبًا : 

_لا حول ولا قوة إلا بالله، طب وجيتي هنا أزاي ؟!

 تقدمت نحو النافذة تنظر لفراغ وكأنها تنظر لخواء روحها من قسوة معاملتهم قائلة بحزن : _آلاء ... كانت صاحبتي الوحيدة عرفتها من على النت، وشوفتها مرتين تلاته في الكلية صاحبتها آوي، كنت بحبها وبأمنلها، بحكيلها على كل حاجة، وفي نفس الوقت كانت بتحكيلي على سفرها لدبي، وعن الحرية اللي عيشاها، حسيت أن نفسي أبقى زيها، أعيش بحرية من غير ما حد يخنقني، أو أحس أن عاله عليه، وفي وسط كلامنا....

                              ****

 انهارت بالبكاء وهي تحادث صديقتها بالهاتف : _شوفتي يا آلاء سمعت مرات عمي بتقول لمرات عمي التانية، أنهم ما مصدقين العريس يجي، وأنهم هايقروا فاتحة على طول ، ده كله علشان الشقة الزفت دي!!.

 هتفت آلاء محاولة تهدئتها تستمع لأدق التفاصيل بتركيز :

_ معلش يا حبيبتي محدش يقدر يجبرك، هو أنتي حيوانه بيجروكي وراهم، أنتي ليكي كيانك وحريتك، ومحدش يقدر يعملك حاجة..

 التوى فمها ساخرة :

_ لا هما يقدروا، عند مصلحتهم هيغصبوني، أنا عرفاهم كويس..

 _ طيب وهاتعملي إيه؟!.

 هتفت من بين شهقاتها :

_ وهعمل إيه، بإيدي إيه يا آلاء، كان نفسي أعيش حياتي وحريتي، كان نفسي أبقى زي بقية البنات...البس اللي أنا عاوزاه واخرج وأسافر..

 هتفت آلاء بحماس بعدما وصلت نور لنقطة التي تريد أن تدخل منها وتبث سمها في أذنها : ما أنتي لسه فيها، الحقي انفدي برجلك وعيشي حياتك، كده كده أنتي هاتخسريهم، خسارة بخسارة يبقى تكوني مبسوطة، وصدقيني هاتطلعي من الحكاية دي كسبانة حريتك.

 _ طب اعمل إيه، أروح فين، حتى أنتي هتسافري دبي لأخوكي، مينفعش أجيلك.

 ابتسمت الأخرى بخبث قائلة :

_ إيه رأيك تيجي معايا...

 مسحت نور دموعها قائلة بصدمة : 

_دبي، أجي معاكي دبي...أزاي.

 _ زي الناس يابنتي في إيه مالك، فتحي دماغك.

نهضت من فراشها، تتحرك بغير هدى وهي تستمع لحديث آلاء، الخبيثة تخبرها بأن تبيع قطعة الأرض التي ورثتها عن والدتها، وتسافر معها..حاولت إقناعها بشتى الطرق فقالت: وملكيش دعوة بأخويا يابت، هو مش فاضي لينا أصلًا، احنا هننطلق بقي مع بعض فسح وحياة تانية، حياة عمرك ما شفتيها..

 ابتلعت ريقها وهي تعود من شرودهااا قائلة بحزن ونبرة منكسرة : 

_بعت فعلا الأرض بتاعت ماما من وراه أعمامي، هي كانت مساحتها صغيرة، فلوسها مكنتش كتير، بس كانت مكفياني أن أسافر، واقعد شهر ونص مع آلاء واخوهااا.

 رفع أحد حاجبيه ليقول بصوت خشن قوي : _وقعدتي معاهم يا نور!!.

 هزت رأسها بإنكسار وأخفضت بصرها أرضًا تقول بصوت خافت :

_ آه، في الأول كانوا مرحبين بيا معاملتهم كانت لطيفة، بعدها بدأت تتغير وكل حاجة بدأت تبان ...

 ابتسم باستهجان وهو يعود بظهره يستند على الأريكة قائلًا :

_ وطبعًا كانوا عاوزينك تشتغلي في شغل مش تمام..

 رفعت بصرها ترمقه بتعجب :

_ إيه عرفك!!.

 هتف بحدة وخرجت حروفه غليظة :

_ أنتي مجنونة ما هو أكيد كانوا بيجروا رجليكي، أنتي أزاي مشيتي ورا صاحبتك دي عقلك كان فين يابنتي أنتي للدرجة دي ضايعه ..

 نهضت تقف بعصبية قائلة : 

_يوسف أبوس أيدك أنا مش ناقصه كفاية اللي جوايا..مش ناقصه كلام يوجعني..

 وقف أمامها ينظر بعيناها مباشرةً يعنفها :

_ لا لازم أقول وأقول، لازم أفوقك يا نور، لازم تعرفي اللي أنتي عملتيه ده مصيبة ومش أي مصيبة، أنتي أزاي متهورة كده، حرية إيه وزفت إيه اللي بتدوري عليهم، أنتي ياريتك هربتي من محافظة لمحافظة ده من دوله لدوله، من حياة لحياة تانية، وليه أصلاً فكرة الهروب، ما هو كان ممكن تتكلمي معاهم تقنعيهم ترفضي...

 صرخت بوجهه لتقول بصوت مبحوح : حاولت، حاولت والله وكانوا بيسكتوني، رافضين الكلام معايا، حسيت اني بشحت حريتي منهم، مع أنهم مالهمش حق!.

 _ لا ليهم، دول أهلك، دول سندك...

 شددت على خصلات شعرها قائلة ببكاء : مكنوش سند مكنتش بحس أن حد يحبني، أنا كنت بشحت الحب من عيونهم مش من كلامهم، أنا كنت باكل وبشرب لوحدي، بقعد لوحدي، بنام لوحدي..

 _ مش مبرر يا نور، اللي عملتيه كان غلط وأكبر غلط، أنا لو عندي بنت عملت كده هادبحها..للأسف دي كلها أسباب واهية أقنعتي نفسك بيها..

 التوى فمها بتهكم :

_أسباب!!، بس أهو ده السبب اللي خلاني مرجعش في مصر هموت، وهنا عايشة بس من جوايا ميتة أنا غلطت ومعترفة، بس مبقاش في فرصه أن أرجع، هكمل ولوحدي زي ما كنت عايشة في مصر...

 نظر لها غير مصدقًا من تفكيرها ليقول :

_ يعني هو ده الحل، نور اللي مكانك يندم بعد اللي شافه ويرجع لأهله يطلب منهم السماح ويعيش وسطهم...

جلست فوق الأريكة تضع يدها فوق رأسها هاتفه بخفوت ونبرة حزينة : 

_مبقاش ينفع صدقني، يا يقتلوني يا يطردوني بره، في الحالتين أنا ضايعة يا يوسف يبقي أكمل كده  هياخدوا شقتي، مش بعيد يكونوا أخدوها، أنا واثقه من كده، أنا هاكمل لوحدي..

 سألها متعجبًا : 

_لوحدك هتكملي لوحدك، هتقدري تعيشي لوحدك من غير ما يكون ليكي حماية، الحياة صعبة الرجالة هنا بتتفرم، ما بالك بالبنت..

 رفعت بصرها ترمقه بتحدٍّ وكأنها تخفي خلفه زعزعه ثباتها الذي كلما ذكرها يوسف بالوحدة التي ستعيش بها، يتزعزع ثباتها قليلًا، لا شك أن مكوثها معه عوضها عن مشاعر افتقدتها في غياب أهلها وحتى في وجودهم...

 _ هكمل يا يوسف وأنا مش خايفة ومتحاولش أنك تخوفني، أنا أخدت أكبر قرار خوفت منه وتخطيته، الباقي كله سهل..

 ابتسم بسخرية :

_ مجنونة ومتهورة، شوفت في عينك من اللحظه الأولى تهورك، وعلي فكرة يا نور حطي كلامي ده دايماً قدامك، أنتي متعدتيش قرار سفرك وهروبك، بالعكس أنتي لست عايشة عواقبه، ولسه منتهتش..

 وقفت نور تنهى الحديث يوسف يضغط بقوة على جراحها، وهي الآن في أمس الحاجة أن تتفادى أي حديث آخر قد ينكأ جراحها المتألمة، فقالت :

_ أظن أنك عرفت قصتي، يعني مبقاش في أسئلة غامضة من ناحيتي، أنا مازالت ممتنة ليك ولكل اللي أنت عملته، وفي أقرب وقت هلاقي سكن وهامشي من هنا..

 استدارت تتجه نحو غرفتها تمنع دموعها من الهبوط مجددًا، أما هو فقبل أن تدخل غرفتها هتف بصوت حاد : 

_مشكلتك مبتسمعيش إلا اللي أنتي عاوزه تسمعيه..

 التفتت له تطالعه بنظرة حاولت إخفاء انكسارها لتقول بجفاء  وقوة :

_ أنا إتعودت طول عمري اسمع نفسي، جاي دلوقتي وعاوزني اسمع رأي حد تاني، صعب آوي...عن إذنك.

 دخلت وأغلقت الباب خلفها، أغلقت آخر باب أمل لديها، يوسف كان الأمل الأخير، لطالما شعرت تجاهه بمشاعر كانت تتوق لتشعر بها، الآن وبعد معرفته بحقيقتها ونظرته لها انغلق ذلك الباب، ارتمت بجسدها فوق الفراش تبكي بإنهيار، لِمَ الألم زاد الضعفين، هل بسبب نظراته لها، أم كلماته اللاذعة بحقها، تساءلت ماذا كانت تريد، هل كانت تريد منه مواساتها مثلاً ووجدت العكس لذلك خابت آمالها، وبخت نفسها فهو في النهاية رجل شرقي، حتمًا  سيكون شأن تخطيه لواقع فتاة هربت من أهلها أمر غير مقبول ..يجب أن تبتعد عن هنا بأقصى سرعة، لا يجب أن تسمح لنفسها بالتمادي في علاقة دثرتها بين ثنايا قلبها، الابتعاد هو الحل الأول والأخير، وكأن الابتعاد والهرب وقع كالقدر فوق رأسها في كل طرق حياتها...

                          ********

بعد مرور أسبوع... وقفت بشرفة غرفتها تحاول التقاط أنفاسها الهائجة من فرط غضبها، اليوم سيء منذ بدايته، وتحديدًا عندما القت تحية الصباح على يوسف وتجاهلها، بدأت نيران غضبها تشتعل أكثر فأكثر، واكتمل اليوم بمصادفتها لـ " ألاء صديقتها وأخيها في  الفندق، اللعنه على تلك الصدف التي تضعها دائمًا في مأزق، كلما حاولت الفرار تعود وتصطدم بواقع مرير...هزت رأسها عدة مرات تحاول ابعاد تلك اللحظة التى وقعت فيها عيناها بمقابل أعين الاء...

                               ***

_ مستر حسام..لو سمحت!.

وقف حسام والتفت بجسده ينظر لها بإستفهام مبتسمًا : 

_ايوا يا نور، خير!!.

نظرت له بخجل ثم هتفت بأسف :

_ أنا أسفة لو كنت عطلت حضرتك، بس انا كنت عاوزة أسألك على حاجة.

_ لا طبعا، قولي ..

فركت يدها بتوتر لتقول : 

_انا كنت عاوزة حضرتك تساعدني الاقي سكن في اقرب وقت ممكن، السكن اللي قاعدة فيه مش مرتاحة وعاوزة اسيبه!.

هتف بتعجب : 

_سكن!!!.

هزت رأسها تجيبة :

_ ايوا، أنا عرفت من يوسف أن ليك علاقات كتير اوي فـ قولت يمكن تعرف، أي غرفة في سكن مع بنات..

وضع يده بجيب بنطالة قائلًا :

_ هو انا مجربتش ان اسال على حاجة زي دي، بس هاوعدك ان ابحث في الموضوع ده!.

اتسعت ابتسامتها الجميله ونظرت له بامتنان قائله :

_ شكرًا اوي اوي..

_ العفو، بس أنا عاوزك تركزي أكتر في الشغل علشان تطلعي بسرعة، ناوية كتير تفضلي في الكافية..

_ حاضر هحاول..

_ يالا على شغلك..

انطلقت نور صوب عملها تشعر بحماس كبير، متجاهلة شعور غامض لديها بشأن تركها شقة يوسف، شجعت نفسها أن تصب تركيزها فقط على عملها، حتى ترتقي بمستوياته، اخذت الصينية واتجهت صوب طاوله بالقرب من المسبح، تقدم المشروبات عليها، انصب تركيزها على المشروبات حتى لا تتعثر بشيء ما، وخاصة قامتها المستقيمة كما علمتها رئيستها، وابتسامة فوق ثغرها، وضعت الاكواب برفق، رفعت عيناها ببطء فقابلت أعين صديقتها، اهتزت يدها للحظات قائلة بصدمة : _الاء ..؟!!!!

التوى فم الاخرى بسخرية وهو تشير لأخيها عماد الجالس بجانبها يرمق نور بحسرة على جمالها : _شوفت يا عماد، آخره اللي مبيسمعش كلامي فين، اخرتها بتقدم مشاريب..

قبضت فوق الكوب بغضب حتى كادت ان تهشمة، تجاهلت حديثها واعتدلت بوقفتها مقررة أن لا تتجادل معها بشيء، هي صفحة وقد اغلقتها أو بمعنى أصح مزقتها من حياتها وفور أن استدرات، هتفت الاء بصياح :

_ استني خدي بقشيش..

التفتت نور حولها بحرج عندما جذب صوت الاء انتباه من حولها، فقالت بلهجة غليظة : شكرًا مش عاوزة..

 ما ان انهت كلماتها كان اقترب منها حسام بصفتة رئيس ادارة الفندق ليقول : 

_خير في حاجه يا فندم!!.

وضعت الاء ساق فوق الاخرى ورمقت حسام بتعالي وهي تشير نحو نور :

_ كانت عاوزة بقشيش فكنت بديها..

_ ايه؟!

قالها حسام بصدمة وغضب ناظرًا نحو نور، وخاصةً أن ذلك ضد بروتكول الفندق، أحتقن وجه نور من فعل الاء فتحت فمها حاولت تصحيح موقفها : 

_أبدًا والله يا مستر، انا لا يمكن اعمل حاجة زي دي!.

حولت الاء وجهها نحو حسام قائلة : 

_يعني أنا بكدب..

هز حسام رأسه بنفي أزهل نور : 

_لا يا فندم..

فتحت فمها مرة أخرى تحاول توبيخ الاء، فقال عماد بهدوء :

_ خلاص حصل خير...

هتف حسام بعملية :

_ اكيد حصل خير..

استطرد موجهًا حديثه لنور : 

_يالا على الشغل، وياريت متتكررش.

انطلقت نور بسرعة نحو المرحاض، تمنع دموعها من الهبوط، اللعنه على عملها، واللعنه على الغربة أيضًا وما بها من قسوة وجفاء، هي من أوقعت نفسها بتلك الدائرة ومهما حاولت النجاة ستقع مجددًا تتذوق مرارتها الذي كان بمثابة العلقم، ولكن ما بيدها حيلة، ستخرج وعلى وجهها ابتسامتها حتى تستطيع مواكبة عملها دون خسارته، وبالفعل خرجت لتعود لعملها وكأن شيء لم يكن، وقبل أن تخطو لبهو الفندق وجدت أمامها عماد، رمقته بغضب وحاولت أن تتخطاه، ولكن منعها عندما قبض فوق يدها قائلًا : انتي رايحة فين انا جاي اعتذرلك على اللي الاء عملته فيكي.

حاولت الابتعاد عنه، قربه منها بهذا الشكل يؤذيها فقالت بلهجة عنيفه : 

_ابعد ايدك دي عني..

اقترب خطوة أخرى ليقول بنبرة تفوح منها الخبث :

_ خسارة جمالك يشتغل هنا، خسارة انتي مكانك في حتة تانية، لازم يتقدر صح، ألاء ضيعتك بغبائها..

وبكعب حذائها دعست فوق قدماه بقوة، حتى ابتعد عنها مجبرًا، فقالت :

_ الله الغني عن شغلكوا القذر أنت وأختك، اياكوا أشوفكوا في طريقي تاني..

عادت من شرودها على طرقات الباب، استدرات بجسدها تعجبت بداخلها، تُرى ماذا يريد منها في هذة الساعة المتأخر، فتحت الباب ووجها عابس، فأشار اليها يوسف حتى تخرج دون أن يتحدث، خرجت خلفة وعلى وجهها علامات الاستفهام، فقال يوسف فجأة وبدون أي مقدمات : 

_ايه اللي حصل في الفندق النهارده..

نظرت له بعدم فهم ، ثم هتفت ببلاهه :

_ نعم!!، مش فاهمة.

احتدت ملامحه أكثر ليقول :

_ لا انتي فاهمه كويس، مين الناس اللي طلبتي منهم فلوس دول، وبعدها نفس الراجل واقف ماسك ايدك وكلمك، ياترى في ايه ياهانم..

_ وانت مالك..

قالتها نور بحدة، ولكن عادت أردفت بإستفهام : _ثواني بس مين قالك على كل ده، انت بتراقبني!!.

_ براقبك!!، وسعت منك دي! .

_ زي ماهي وسعت منك علشان تيجي وتقولي كده!، وبعدين وانت مالك، ده يديك الحق انك تيجي وتخبط على باب اوضتي وتكلمني كده..

وفي لحظه كان يقبض فوق يدها بغضب هاتفًا بنبرة خرجت حادة من بين أسنانه :

_ المفروض تجاوبيني، علشان يا هانم حسام متصل بيحكيلي، وبيقولي أن المفروض  تاخد بالها من تصرفاتها شوية علشان محدش يشتكي منها..

أبعدته عنها بعنف وانفجرت باكية :

_ تصرفاتي!، مالها بقى هو كان سألني مين دول، ده حكم عليا بدون ما يسألني، اللي كانوا قاعدين دول الاء وعماد اخوها، وكانت بتحاول تستفزني وتعملي مشكلة علشان الجأ ليها تااني، واخوها كان بيحاول يقنعني وانا كلمتهم بهدوء مع أن انا غلطانه كان المفروض اديهم بالجزمة...

جلس مكانه عندما استمع لجوابها وقد هدأت نيرانه قليلًا ولكن لن تهدأ نهائيًا الا اذا إنفجر بها، رفع بصره يهتف بضيق : 

_تستاهلي، تستاهلي كل حاجه انتي غلطانه من الاول، غلطانه في كل حاجة، بتلومي على مين على حسام اللي ميعرفكيش ما له حق، الراجل كلمني علشان عارف أنك قريبتي، غير كده كان زمانه طردك، شوفتي اخرة تصرفاتك، شوفتي اخرة طريقك..

صرخت بوجهه قائلة :

_ بس بقى، اقعد ساكت مش كل شوية، تسمني بكلامك ده، ارحمني..

وقف مقابلًا لها يهتف بغضب ونبرة مرتفعة : وانتي مرحمتيش نفسك ليه، لما اخدتي قرارك المتهور ده..

أشارت على نفسها بعصبية قائلة من بين دموعها : 

_ضحكت عليا، وفهمتني حاجه ولقيت حاجه تانية..

اتجة نحو غرفته حتى يمنع نفسه من التعاطف معها :

_ متعلقيش أخطائك على شماعة غيرك انا وصلتلك رسالته، وحافظي بقى على شغلك..

دلف غرفته وأغلق الباب خلفه بقوة، افزعها في وسط بكائها ونزيف قلبها المتألم...

********

مر أسبوع أخر على تلك المحادثة، محادثه أوقدت جمرات الغضب والحنق والحزن، مشاعر متضاربة لكل منهما  وخاصةً هو، هو من يعاني ويجاهد نفسه، صراع قوي نشب بين عقله وقلبه، قلبه الذي أيقن وأدرك أنه وقع كالأحمق في حب فتاة طائشة، وعقله يحثه على الابتعاد هي ليست من نمطه، رجولته لا تتوافق مع تصرفاتها الهوجاء لاحظ بُعدها عنه، حتى لحظاتهم على مائدة الطعام يسود الصمت بينهم، هي ليست بقادرة أن تتخطى نظراته لها وكلماته اللاذعة، وهو حاول أن يهضم ما فعلته ولكن في نهاية الأمر لا يستطع، رغم  أن عقله الباطن مازال مُصر على إقحامها داخل أحلامه، وحتى بيقظته يفكر بها اللعنة عليها هي مثل السحر أو التعويذة التي إذا وقعت على أحد لن تتركه حتى نهايته، ونهايته سيكون صريعًا لغرامها....خرج من غرفته بعدما قررت معدته التمرد وإعلان حاجتها للطعام، فقرر أن ينهض ويطهى شيئاً خفيفاً، وقف بالمطبخ تائه للحظات ينظر حوله بتفكير، انتبه على صوت أنين خافت يأتي من غرفتها، رفع بصره يضيق عيناه بتركيز هاتفًا بهمس : هي بتعيط ولا أنا متهيألي..

 ركز أكثر حتى انتبه لصوت بكائها وأنينها، فاندفع بقلق نحو غرفتها يطرق بسرعة :

_  نور مالك..

 خرج صوتها ضعيف هاتفه :

_ مفيش شوية تعب.

 هتف آمرًا : 

_افتحي ..بسرعة.

 دقيقة..اثنتان، حتى فتحت هي تمسك بطنها وعيناها منتفختان من شده البكاء ووجهها شاحب اللون، جسدها يرتعش بين كل ثانية والأخرى، فور أن وقعت عيناه عليها بهذا الشكل، وضع يده فوق جبينها يتحسسه بقلق، فابتعدت هي خطوتان للخلف بحرج، حتى كادت أن تفقد توازنها وتقع أرضًا، أمسكها يوسف من مرفقها : 

_ حاسبي..

 أبعدت يده بضعف بعدما استعادت توازنها واستندت بيدها على مقبض الباب : 

_ متقلقش هكون كويسة.

 زم شفتاه بضيق ليقول ساخرًا: 

_واضح إنك هتكوني كويسة..

استطرد حديثه بآمر لا يحمل الجدال :

_ ادخلي البسي فورًا، و يالا هاوديكي المستشفى!.

 هتفت بوهن : 

_مالوش لزوم صدقني..

 زفر حانقًا مردفًا : 

_بتموتي وتجادلي أخلصي يابنتي، أنتي مش شايفه نفسك.

 حسنًا لن تجادله هي حاربت الآمها اليوم بقدر ما استطاعت، انصاعت لأمره بعدما شعرت بمعدتها تنكمش بقوة، فتعتصرها وكادت تخرج روحها، أبدلت ثيابها بصعوبة وهي تجاهد لالتقاط أنفاسها، وعرقها يتصبب بغزارة ، سمحت له بأن يمسك يدها ويساعدها على السير، لم تكن بحالة أن تبتعد وتجادل معه، ودت أن تصرخ بأعلى صوتها لتعبر عن شدة آلامها ولكن كتمت بداخلها واستطاعت ضبط نفسها لأقصى درجة، أما يوسف فكان يشعر بها، تعجب لقدرتها على تحمل آلامها غريبة تلك الفتاة عبارة عن خليط غريب من القوة والضعف، الحزن والسعادة، مشاكسة ومسالمة، تجاهل تلك الغصة التي وجعته عندما علم بأمر مرضها المفاجئ وانغمس في اكتشاف شخصيتها العجيبة ...

 وصل بها إلى المشفى بعدما فقدت وعيها لا شك أنه في هذه اللحظة انسحبت روحه خوفًا عليها، وضعها على السرير المتنقل وعيناه أبت أن تبتعد عنها، وكأنها تواسي قلبه المتعلق بها..

                             *****

حل الصباح، وبدء يوم جديد وهو مازال هنا جالس بجانبها بعدما قاموا الأطباء بواجبهم وتقديم علاج فورًا لها بعدما أخبروه أنها قد تعرضت لحالة تسمم شديدة وجسدها الضئيل لم يقاوم، لم يرفع عيناه من عليها وكأنه يشبع روحه وعقله منها، حفر بعقله ملامحها وخاصة جمال شامتها، شجعه شيطانه كثيرًا بأن يلمس شفتاها متذوقًا رحيقها، ولكنه جاهده وحاول ألا ينغمس في ملذات قد حرمها الله، رفع بصره للأعلى متنهدًا ماذا يفعل معها وجودها يجعله يحارب جمالها الفاتن، ناهيك عن روحها التي دخلت واستوطنت قلبه، ابتسم بلطف حينما أدرك أنه يشتاق لمشاكستها وحديثها الأرعن معه، رغم أنه كان سبب قوي في بداية الأمر حتى ينفر منها، ولكن انقلبت الآية عليه، وأصبح يعشق مشاكستها وتلك الحالة التي أضفت على حياته روح جديدة...

 فتحت عيناها ببطء، تجاهد فيهم أن تفرق بين جفنيها، نور أبيض ساطع وغرفة غير غرفتها، حولت بصرها في أرجاء الغرفة، وقع بصرها عليه يجلس بجانب السرير، ناظرًا للأعلى بتفكير فقالت بوهن : 

_يوسف.

 هبط ببصره فورًا مبتسمًا بإطمئنان :

_ الحمد لله أنك فوقتي، ده كله نايمة..هو أنتي مكنتيش بتنامي في البيت ولا إيه!.

 _ هو أحنا أمتي ولا في إيه .

 حاولت أن تنهض وتعتدل في جلستها، فنهض يوسف متمتمًا: 

_أساعدك.

 أشارت له بيدها قائلة بنفي :

_ لا شكرًا..

 وضع إحدى الوسادات خلفها وهو يقول : حضرتك، باين عليكي أكلتي حاجة ملوثة، وحصل تسمم وعشان أنتي ضعيفة وعندك مشاكل في القولون مستحملتيش..الدكتور قالي من الأفضل تقعدي هنا يوم ويطمنوا عليكي..

 اكتفت بقولها وهي تنظر للأمام :

_ الحمد لله..

 اقترب بالكرسي منها هاتفًا بقلق :

_ أنتي فيكي حاجة، زعلانه من حاجة، حسام أو حد مضايقك في الشغل..

 حولت بصرها له ودت أن تقول أنت من يحزنني، نظراتك تذبح ما تبقى من روحي!!، خرج صوتها ضعيفًا يحمل بين طياته الحزن والأسى : 

_ بالعكس مستر حسام محترم جِدًّا، وعاوز مصلحتي على طول، رغم إن أنا لوحدي في الغربة بس ربنا موقفلي ولاد حلال زيك وزي مستر حسام، وقفتكوا معايا عمري ما أنساها..

 بلهاء، لِمَ واو الجماعة تلك، فعل كل هذا حتى ينقسم الفضل بينه وبين حسام...انتبه على حديثها وهي تقول بخجل  : 

يوسف أنا عارفة أني طولت عليك في السكن وكان أخرى شهر وامشي، بس طولت، يعني أنا قربت..

 صمتت لبرهة تفرك يدها بتوتر قائلة :

_ إن شاء الله قربت ألاقي.

 قاطعها وهو يقول بوجه جامد :

_  إن شاء الله..

 واكتفى بالصمت، وبداخله كان يثور ويتمرد حتى يمنعها من قرار ذهابها، ولكن مازال عقله يلجم لسانه من الكلام، مكتفيًا بكلمة أوحت لها أنها ليس إلا عبأ وثقل فوقه ويتمنى أن يتخلص منها، فبدا  في حاله تضاد غريب، يظهر شيء للعلن ويخفي سر بداخله..تعجب لحاله بعدما أيقن أنه أوقع نفسه فيما يسمى بـ تضاد الحب...




الفصل السابع و( الاخير )...

"أدخلي براحة.."

 هتف بها يوسف وهو يساعدها في الدخول للشقة ... ابتسمت بلطف ، ورفعت بصرها إليه وهي تقول بمزاح خفيف : 

_أنا مش عاملة عملية يا يوسف، ده تسمم عادي يعني...

 جلست فوق أقرب مقعد ومازال جسدها يعاني من الإرهاق والتعب فجلس مقابلها يهتف بحنق زائف :

_ تصدقي أنا غلطان، يالا قومي خدي الشقة كله مسح وتنضيف...

 وعلي ذكر الشقة حولت بصرها في أرجاءها بحزن، هي تعلم أن فترة مكوثها قليلة، ولكن شعرت بها بمشاعر لم تعهدها من قبل حتى وهي وسط عائلتها، رغم جفاء الغربة وقسوتها، إلا أنها هنا شعرت بالدفيء والاحتواء، شعرت بالمأمن والسكينة، سكينه احتلت قلبها لم تشعر بها قط..فظهرت إبتسامة جميلة فوق ثغرها، تقابلت نظراتها معه، فتدفقت الدماء لوجهها خجلاً، وضعه هكذا وهو جالس بأريحية فوق الكرسي المقابل لها ينظر لها بقوة جعلها ترتبك وتهتز ابتسامتها، فقالت بهدوء :

_ في إيه، مالك!!.

 أشار نحو ثغرها ليقول بحنو : 

_ابتسامتك دي متتخليش عنها..

 ارتجفت يدها توترًا فوضعتها فوق وجنتاها تتحسسهما برفق قائلة بمزاح يُخفي خلفه خجل : 

_ليه محسسني أنك بتتكلم عن بنت أختي يا يوسف، ضحكة إيه اللي متخلهاش عنها..

 وبخها بضيق :

_ يا باردة، أنتي فاهمة قصدي كويس...

 رمقته بعدم فهم، فقال هو موضحًا :

_ أصل ليكي ضحكة لما بتضحكيها بيبقى نفسي الزقك في أي حيطة، أنا متخيلتش نفسي أبدًا أن في حاجة ممكن تنرفزني زي ابتسامتك الملعونة..

 انفجرت ضاحكة ضحكة خرجت من القلب، وقد هجرتها لفترات طويلة، ضحكة خرجت من أعماقها للحظات نسيت ماضيها ومستقبلها وحاضرها، وكأن العالم من حولها توقف وتبقى مشهدهم معًا، راحة ما بعدها راحة ملأت صدرها، ودت أن تنغمس أكثر وأكثر، تمنت ألا تنتشلها أحزان الماضي مجددًا من لحظة جميلة قد لا تكرر ثانيًا، لحظه أجمل ما بها وجوده معها.... 

عم الصمت بعد حديثه، أكتفي يوسف منذ دخولها  بعد نوبة الضحك تلك بالنظر إليها، وكأن روحه كانت تكتشف شيئاً جديداً بها..شعرت بالخجل من نظراته فقالت بتوتر : 

 _ أنا عارفة أني عطلتك عن شغلك...

 ابتسم بهدوء : 

_عادي أخدت أجازة..

 نهضت تقول بحرج : 

_إيه اجازة علشاني، لا روح طبعًا..علشان ميتخصمش يوم كامل منك..

 اتجه نحو غرفته وهو يقول منهيًا الأمر : الصراحة أنا بتلكك، يالا غيري هدومك، وأنا هاعملك غدا..

 ردت خلفة بدهشة : 

_وكمان غدا !!.

 وقف والتفت لها ليقول بهدوء :

_ إيه في إيه مالك مصدومة آوي كده ليه، هو أنا قصرت في حاجة قبل كده !!.

 هزت رأسها بنفي والتزمت الصمت، فقال هو قبل أن يغلق باب غرفته : 

_طيب ادخلي ارتاحي، وأنا هاعمل الغدا واناديكي، ومتخافيش مش هعملك مكرونة بالتونة..

 أنهى حديثه بغمزة من طرف عيناه، وبسمة مشاكسة لها، فضحكت نور بخفة واتجهت لغرفتها، شعرت بصفاء بداخلها، ذلك النقاء التي كانت تبحث عنه وسط غيوم الماضي بدأ في الظهور، هل سيسطر على مشاعرها المضطربة أم ستظل غيوم الماضي تفرض سيطرتها الأبدية!!، فضلت أن تعطى ذهنها وقتًا من الراحة، لقد أرهقته بالفعل بالتفكير، وأرهقت روحها بمشاعرها المضطربة!.

                               *****

 رغم إرهاقه، وتعب جسده، يوم كامل لم يذق طعم النوم به، بسبب جلوسه معها بالمشفى إلا أنه يقف الآن بالمطبخ ويطهو لها الطعام بكل صدر رحب، أمس كان لا يكترث لأحد غير نفسه وأخته، والآن ها هو أضاف شخصًا جديداً لإهتماماته، وضعها القدر أمامه جبرًا كان بيده الفرار من واقع غرامها، ولكن وقع به متجاهلاً كل حبال النجاة، الحب يأتي فجأة دون مقدمات، يقتحم مشاعرنا في لحظات، فنقع به كالحمقى بدون استئذان...مقولة قد رأها من قبل وابتسم ساخرًا بعدها، ولكن الآن يبتسم ساخرًا على حاله حينما أدرك صدقها...

 انتهى أخيرًا من إعداد الطعام، لأول مرة يستغرق ساعة ونصف في إعداد وجبه، ولكنه اهتم بها جيدًا وخاصة مذاقها، حتى لا تعلق الكونتيسة تعليق سخيف مثلاً "الأكل دلع أوي، أبقى زود ملح، ولا أنت بخيل" ...

 ألقى منشفة يده بهدوء مبتسمًا واتجه صوب غرفتها وقبل أن يدق بابها، ارتفع رنين جواله، استدار مرة أخرى واتجه صوب الطاولة، جذبه وهو يطالع اسم المتصل...أجاب على الفور عندما وجده حسام.. 

_ألو، أبو الشباب أخبارك!.

 _ حبيبي أنت كويس!..

 _ جِدًا..

 _ يوسف ممعكش رقم تاني لنور، أو تعرف عنوانها فين، تليفونها مقفول!.

 رفع يوسف بصره فورًا نحو غرفتها، وبعد ثوان من الصمت هتف يوسف بهدوء : 

_رقمها اللي معاك هو ده بس اللي معها، خير في حاجة عاوز تقولها..

 _ مفيش مجتش الشغل، بس أنا عديت اليوم ده خلي بالك أنا بعمل ده كله علشانك..

 هتف يوسف بإرتياح : 

_حبيبي تسلم هي كانت تعبانه جِدًا وقالتلي أبلغك ونسيت.

 _ ألف سلامة خليها ترتاح وهي بكره اجازة، بس  قولها بعد كده تتصل وتبلغ، وخليها بقي تكلمني ضروري لو أنت بتشوفها!.

 عقد يوسف حاجبه ليقول :

_ تكلمك ليه، في إيه؟!..

 هتف حسام بلامبالاة : 

_مفيش، كانت طالبه مني سكن غير اللي هي قاعدة فيه، لأنها مش مرتاحة فيه، وأنا لقيت بس هيفضى بعد يومين، خليها تكلمني افهمها التفاصيل..قولها بس تفتح تليفونها.

 _ طيب.

 رد مقتضب مناسب جِدًّا لما يشعر به الآن، أغلق الاتصال معه وبدأت تتوهج نيران غضبه، حتمًا لو طالتها ستحرقها وتجعلها مجرد رماد لذلك الشعور الذي بدأ بالوخز في عقله وصدره ألا وهو الغيرة، شعور صعب السيطرة عليه وخاصةً أن اكتملت أركانه، لهذه الدرجة تقدمت علاقتها بحسام، التوى فمه متهكمًا حينما تذكر سببها لترك الشقة عدم راحتها! الوقحة لِمَ لا تشعر بالراحة بها، ماذا فعل حتى تقول هذا، لم يصدر منه أي فعل قد يزعجها...زفر بحنق وهو يقف كالأبله بمنتصف الصالة يفكر بها وبأسبابها الواهية التي قد افتعلتها لترك الشقة، وبخ نفسه ليقول بهمس : 

_وأنا متضايق ليه، ما تولع..

 انتشل من أعماق تفكيره على صوتها حينما خرجت من الغرفة مبتسمة :

_ أنا شميت ريحه الأكل قولت اطلع أسليك لغاية ما تخلص!.

 هتف بغيظ هامسًا : 

_ده انا هتسلي عليكي وأنا بقتلك.

 وقفت أمامه تجهل تمتمته مبتسمة : 

_بتقول إيه !.

 _ مبقولش..

 هتف بها بضيق، فقالت هي متعجبة من عبوسه : 

_في إيه!!.

 _ مفيش!.

 التفت نحو المطبخ، فأوقفته بقولها :

_ يوسف، أنت بس من كام ساعة كنت كويس معايا دلوقتي مضايق، في إيه!!

 انفجر يوسف بوجهها هاتفًا بحنق :

_ في إيه أنتي، لغاية أمتي ناوية تفضلي كده  مش ناوية تتغيري للأحسن، ولا هو مفيش أمل.

 عادت خطوة للخلف تقطب ما بين حاجبيها قائلة :

_ أمل إيه إيه الجنان ده هو أنا عملت إيه المرادي...

 اقترب منها خطوة يقول بعصبية :

_ أيوه اعملي نفسك مظلومه، وكل الناس جاية عليكي حتى أنا ، للدرجة دي أنا مسببلك إزعاج مفيش راحة هنا..

 جعدت جبينها أكثر تحاول فهم حديثه فقالت : 

_أنت بتقول إيه إزعاج إيه، ما تفهمني.

 _ أنتي مروحتيش وطلبتي مساعدة من حسام يدورلك على سكن علشان مش مرتاحة هنا، حقيقي مستغرب تعاملك كله مع رجاله بس!..

 _ أخرس!.

 هتفت بصوت مبحوح :

_ متتعداش حدودك معايا، مش معنى أني اعتبرتك أخ ووثقت فيك، يبقى تقول عليا كده..

 _ وسبتي دبي كلها ورايحة تسألي حسام، ويا ترى ليه؟!، أخ بردوا!!..

 _ حقيقي أنا مستغرباك ومستغربة طريقتك معايا، مالك أنت أسال ده ولا مسألش ده يخصك في إيه!!. 

حدق بها والشر يتطاير من عيناه : 

_تصدقي صح يخصني في إيه اهتم بواحدة زيك ليه، بواحدة سابت أهلها لأسباب مريضه في دماغها..

 كانت قد وصلت إلى ذروة غضبها، لم تعد تعي أي شي، ولا تهتم بما سيحدث لها رغم ألام معدتها الشديدة، فقط هو، هو من سبب لها كل الانزعاج والغضب :

_ أنت بتخليني أندم على كل لحظة  قولتلك فيها سري، أنا كرهت اليوم اللي قعدت هنا فيا..

 عقد ذراعيه أمامه ليقول بنبرة جافة باردة : أنا مش ماسكك براحتك، عاوزه تقعدي او تمشي براحتك..

 أنفاسها المتقطعة جعلت صدرها يعلو ويهبط بسرعة عجيبة، استعادت شجاعتها الزائفة، وانتفض عقلها كما لو كان لدغها عقرب فقالت : 

_أنت صح، وأنا هامشي الليلة ومش هاقعد هنا ثانية واحدة، حتى لو نمت في الشارع أهون عندي من أن اقعد معاك..

 أنهت حديثها وانطلقت بسرعة نحو غرفتها تغلق الباب خلفها بقوة، أما هو فظل واقفًا مكانه وبداخله صراع قوي ما بين تركها حتى تذهب بعيدًا عنه، أو الذهاب خلفها، جلس مكانه بتفكير، كل طريق منهما له عواقبه على مشاعره، أي منهما سيتخذ بدأت أجراس الإنذار تنطلق بعقله بشأن تماديه في مشاعره المتدفقة نحوها، ولكن ها هو يقف عاجزًا أمامها  تَبًّا لتلك المشاعر التي بدأت تتدفق به كالمياه فتجرف معها كل أفكاره السلبية نحوها، آه لو تعلمين يا نور ماذا يوجد بداخلي تجاهك حتمًا ستشفقين علي ، ولكني أَحيَانًا أنا أشفق عليك من عنفوانها...أمم حسنًا نحن الاثنين نريد الشفقة لِمَ نمر به..           

                          ****

 أما بالداخل فكانت تتوالى الشتائم بداخلها عليه، كان الغضب قد بلغ أشده معها.. لم تعد تتحمل أكثر من ذلك فجلست تنفجر باكية تشهق بخفوت كالأطفال، إلى متى ستُحاسب على قرار قد اتخذته في لحظة تهور، لِمَ لا يرحمها أحد، قدرنا لا نختاره بل نسير وفقاً لدربه، داخلنا مجبر له حيث لا فِرار من ماضي أهوج، ماضي ترك لدينا فجوة عميقة، تبتلع روحنا وتجعلنا عاجزين أن ننجو منها...

 أكثر ما يؤلمها نظرات الناس لها، وخاصةً نظراته هو، تستشف رؤيتهم لها من خلالها، ودت الصراخ بأعلى صوتها لتقول أنا لست بتلك الباردة التي ترونها، علني يظهر لكم برودتي وداخلي يغلى كحمم البركان، أنا أبالي بكل شيء حولي، أنا أتوجع لماضي أبى أن يغادرني، ومستقبل أجهله، وحاضر يذبح روحي، حتى الآمي المستترة خلف ابتسامتي المصطنعة أنا أتعذب بسببها..أنا أظهر للجميع بأني لا أكترث وأنا أكترث وأكترث، لم تجد أمامها سوى النهوض وأن تلملم بقاياها المبعثرة يكفي تألمها إلى هذا الحد، والغريب هنا أن ما يؤلمها ليس ماضيها بقدر ما يؤلم قلبها ، حبه الذي وشم فوق قلبها دون إراده منها، حاولت مقاومته وفشلت، ستحتفظ به بداخلها، ستجعله سلاح قوي تحارب من أجله شدائد الحياة ومحنها الصعبة.. 

نهضت بثقل وتجاهلت آلام جسدها ومعدتها، وقررت أن تترك المكان الليلة وبالفعل جمعت كل شيء قد يخصها ورتبت الغرفة كما كانت، وقبل أن تغادر ألقت عليها نظرة أخيرة تودعها، جلست بشقتها في مصر لأعوام طويلة وحدها وحينما قررت الهروب لم تلتفت خلفها لثانية، تركت كل شيء بصدر رحب على الرغم من أن فترة مكوثها هنا أقل ولكن تتعذب لترك تلك الغرفة التي طالما شعرت بها بمشاعر أسعدت قلبها ولو ثواني، قلب لم يذق معنى السعادة، قلب عانى من الجفاء وقلة التقدير وأحيانًا الحسرة...

 خرجت من الغرفة وجدته أمامها يجلس واضعًا يده فوق رأسه، مسحت أخر دمعه متبقية بوجنتها، قررت أن تظهر قوتها له، اقتربت بخطى ثابتة تجر خلفها حقيبتها الكبيرة، رفع بصره فورًا وجدها أمامه تقف بشموخ نظراتها تحتد له وخلف تلك الحدة ضعف وخوف من مستقبل قد تجهل عواقبه...

 _ أنا ماشية وبشكرك على حسن استضافتك ليا...

 وضعت يدها بحقيبتها الصغيرة وجذبت ظرف متوسط الحجم، ألقته بإهمال فوق الطاولة مشيرة نحوه : 

_ده إيجار المدة اللي قعدتها، وفوقهم فلوس الأكل اللي اكلتوا، وكمان مصاريف المستشفى..

 البلهاء وضعت ما تبقى معها من مال في ذلك الظرف، مقنعة نفسها أنها بتلك الطريقة تحافظ على ما تبقى من كرامتها..

_ مش هرد عليكي، شيلي فلوسك دي!.

حركت رأسها برفض لتقول :

_ لا طبعًا ده حقك، وبعدين انت تصرف عليا وتتحمل حاجه فوق طاقتك وانا حيالله مخصكش في حاجه، انا مجرد واحدة غريبة..

 عندما وجدت صمته قد طال وعيناه المتنقلة بينها وبين ذلك الظرف نظراته جهلت تفسيرها ولكن أدركت معظهما ساخرة وغاضبة، حسنًا لن تقف كالبلهاء وتفسر نظراته، خطت بخطواتها تجاه باب الشقة، وقلبها يحثها على الالتفات والنظر إلية و لو لمرة واحدة، نظرة تحتفظ بها بقلبها شهقت بصدمة حينما وجدت يده تقبض فوق يدها قبل أن تفتح الباب، رفعت بصرها تأمره بنبرة قوية : 

_ لو سمحت أبعد..

 _ لا..

 هتفت باستهجان :

_ هو إيه اللي لا، بقولك أبعد.

 قبض أكثر فوق يدها وهو يقترب منها أكثر فأكثر رجعت هي للخلف تلقائيًا حتى اصطدم ظهرها بالباب، ركز ببصره بقوة فوق عيناها ليقول بخفوت : 

_متمشيش.

 وضعت يدها الأخرى فوق صدره تحاول دفعه بعيدًا عنها : 

_بقولك أبعد، ميصحش تقرب كده مني..

 ظل جسده ثابتًا لم يتزحزح للخلف كما أرادت فقال : 

_هو يصح تمشي في وقت زي ده!.

 التوى فمها ساخرًا : 

_لا كتر خيرك بجد، بس عادي بليل الصبح مش فارقة كتير بالنسبالي..

 جذبها نحوه لتصطدم بصدره العريض أكثر :

_ لا ما هو أنتي مش هتمشي خالص، أنتي هاتقعدي هنا على طول..

 توترت بشدة من درجه اقترابهم، رفعت بصرها تحاول إدراك ما حدث له، لِمَ يتعدى جميع حدوده بهذا الشكل، ولكن ملامحه القريبة منها لجمت لسانها حتى عيناه أربكت مشاعرها، حثها عقلها على الابتعاد والخروج من تلك الحالة التي وقعت بها، ابتعدت خطوة تقول بنبرة مهزوزة :

_ مينفعش اقعد هنا هقعد بصفتي إيه، إذا كنت قعدت في الأول كان لسبب قوي وهو ان مكنش فيه مكان بس حتي لو مفيش مش هق.... 

لم يتحمل مزيد من الترهات فـ قاطعها قائلاً:

 _ أنا قررت اعطف عليكي واتجوزك.

 _ تعطف وتتجوزني!!. 

 قالتها باستنكار شديد..فهز رأسه مبتسمًا، أغاظها إبتسامته تلك فقالت بنفي وبداخلها جزء من مشاعرها كانت تتراقص لحديثه :

_ لا طبعًا، بقي أنا أهرب من مصر علشان مرضاش اتجوز واجي هنا علشان اتجوز!!.

 _ يتمنعن وهن الراغبات..

 ضحكت ساخرة تحاول أن تخفي مشاعرها : _راغبات إيه يابني بجد، هو أنت مجنون بقي أنا اتجوزك أنت.. 

 أنهت حديثها حينما أرجعت خصلاتها للخلف بكبرياء وابتسامة ساخرة فوق ثغرها، لم يبعد عيناه عنها متأملاً لكل حركه من جسدها : 

_أنتي تطولي تتجوزي واحد قمر زي، وبعدين أنا قررت ألمك واتجوزك، أنتي محتاجة حد يلمك..

 حدقت فيه .....مستغربة فكرة الزواج هذة وردت قاطبة الجبين :

_ جواز إيه لا طبعًا، مش موافقة!.

 هز رأسه بِتَحَدً واقترب منها : 

_هتوافقي.

 _ طبعًا مش موافقة، متحاولش تتحايل عليا لأني رافضة.

 وضع يده حولها يحاصرها ليقول بِتَحَدً وإصرار : 

_هتوافقي..

 حاولت إبعاده قائلة برفض وداخلها كان يتصارع في حيرة من ذلك الأمر المفاجئ : 

_هو عافية ولا إيه، أنا رافضة أني اتجوز دلوقتي..

 اتسعت ابتسامته ليقول :

_ بس مش مني!، أنا مترفضش..

 لم تستطع منع ابتسامتها أكثر من ذلك، فظهرت جليًا له قائلة : 

_أنت بقيت مجنون..طيب أنت عاوز تتجوزني ليه..

 اعتدل بوقفته واضعًا يده بجيب بنطاله : 

_من غير أسباب..هتجوزك وخلاص.

 عقدت ذراعيها أمامها قائلة بمكر :

_ لا طبعًا لازم يكون عندك أسباب، وبالذات بقي أنك أكتر واحد عارف الماضي بتاعي واللي ممكن يعارضك بعدين و وبعدين انت مقتنع أنه أنا غلط .

 هز رأسه متفهمًا حديثها،  وفاجأها حينما قال : ومازالت على فكرة...

 _ طيب وإيه اللي غاصبك أنك تتجوزني!!.

 أشار نحو قلبه ليقول : 

_المهزأ ده...

 فغر فاها فقالت متعجبة  وتعلق بصرها بقلبه: _نعم؟!.

 أومأ إيماءه صغيرة ليعود قائلًا بنبرة بعثرت مشاعرها : 

_المهزأ اللي حبك، تتخيلي أن مفيش واحدة قدرت تخطف قلبي غيرك، غيرك أنتي أعمل فيه إيه بقي، لازم أريحه وأريحك من التشرد ده.

 انفجرت ضاحكة لتقول بدهشة :

_ يوسف بطل هزارك بجد إيه الجنان ده، تشرد إيه بابني أنا زي الفل وقادرة على التحدي والمواجهة كمان، شكرًا على تعاطفك..

 عاد يستند بيده فوق الباب محاصرًا لها قائلًا : هي البعيدة مبتفهمش ولا غبية، بقولك خطفتي قلبي، يعني خلاص مبقاش فيه مفر، هتجوزك غصب عنك، وبعدين مواجهة مين ي ام مواجهة أنتي قادرة تتنفسي، احمدي ربنا وبوسي أيدك وش وضهر أن  أنا هانقذك من الضياع.. 

ضربت كَفًا بالآخر لتقول متعجبة : 

_حقيقي ده أحقر طلب جواز شفته بحياتي كلها...أنت بتحبني ولا بتهزقني!!.

 وبحركة واحدة أغلق باب الشقة بالمفتاح، فحولت بصرها نحو القفل قائلة :

_ إيه ده!!.

 _ قفلته علشان بكره هتجوزك زي ما أنا قررت، وأول ما تكوني على اسمي صدقيني هأربيكي وهاعلمك الأدب، وبعدين اهدي شوية أنتي هاين عليكي ترقصي من كتر فرحتك بيا..بذمتك أنتي مش بتحبيني...

 ضحكت بتهكم وأردفت :

_ لا طبعًا.

 عاد إليها مجددًا يقترب بعدما قد ابتعد بضع خطوات : 

_أنتي مش بتحبيني!..

 هزت رأسها عدة مرات بنفي ولم يستطع لسانها قولها، فقال هو بعبث :

_ مبتحبنيش، قوليها...قولي مش..

 هتفت خلفه بِتَحَدً : 

_مش.

 ليقول هو بخبث بعد ثانية : بحبك يا يوسف.

 _ بحبك يا يوسف..

 ابتسم بمكر ليقول بفخر : 

_عارف..

 لم تستوعب ما قالته لتو، إلا بعد ابتسامته ونظرته الماكرة لها فقالت بضيق :

_ أنت ضحكت عليا...

 استدار متوجهًا نحو غرفته قائلًا : 

_يالا ادخلي نامي، وبكره هانعرف مين ضحك على مين..

 دبدبت بقدمها أرضًا بغيظ : 

_على فكرة بقي مش هتجوزك، ولو على جثتي..

 قبل أن يغلق غرفته غمز لها :

_ هانشووف..

 اغلق الباب بوجهها، وظلت هي واقفة مكانها تحاول استيعاب ما حدث، ولكن ضجيج قلبها ودقاته العنيفة التي كادت تكسر قفصها الصدري يمنعها من أي شيء سوى  أن تشعر بسعادة زحفت نحو قلبها لتخبره وأنه أخيرًا قد وجد ملاذه، أما هو فاستند بظهره على باب غرفته، أخيرًا أنهى صراعه حينما حسم لقلبه، ضاربًا بكل تحذيرات عقله عرض الحائط، معًا سيتخطى أي شيء قد فعلته .. سيقومها، سيعوضها عن ما فقدته، ويشبع روحه بها..غريب الحب له القدرة على تحويل قلبك من ظلام دامس، لقلب يشع بنور لامع تنبض له الأوردة بعنفوان..!!. 

                         ****

حل الصباح سريعًا، ولم يذق جفنيها طعم النوم، لقد أرهقت عقلها بالتفكير، أمر زواجها منه يستحيل، لن تبني حياتها على أسس واهية، ومع أول صدام تقع المصائب فوق رأسها مجددًا، والخاسر الوحيد بهذه الرحلة ستكون هي، لم يعد قلبها في حالة لاستيعاب خسارة مجددًا، يكفي ما تعانيه الآن، ظلت بالصالة هي وحقيبتها تنتظر الصباح بفارغ الصبر حتى تتحدث معه بعقلانية، رفعت يدها تطالع ساعتها بملل، لم يتأخر من قبل في استيقاظه مثل اليوم، ماذا حل به...انتفضت بفزع، عندما فتح باب غرفته بقوة..وضعت يدها فوق صدرها تقول :

_ بسم الله..

 _ إيه اللي مقعدك هنا..

 اعتدلت بجلستها تبتلع ريقها وهي تشير له : _يوسف ممكن تيجي نقعد ونتكلم مع بعض.

 _ الناس بتقول صباح الخير يا نكدية..

 قلد ملامح وجهها العابس، فأشارت له ثانيًا دون أن تنطق بحرف، امتثل لأمرها وجلس بمقابلها، فقالت هي:

 _ يوسف، أنت طلبت مني نتجوز امبارح..

 صحح لها بصيغة قوية :

_ لا أنا مطلبتش، أنا قولتلك هنتجوز، وده اعتبريه أمر، اعتبريه زي ما تعتبريه بقي.

 ضحكت بسخرية لتقول :

_ أما أنت غريب، دي حياتي أنا... وأنا اللي أقرر..

 أشار لها بنفي قائلًا : 

_لا..أنتي واحدة أساسا هبله ومش عارفة مصلحتك، أنا بقي عارف مصلحتك فين وهنتجوز..

 قررت مجاراته بالحديث فقالت :

_ بالعكس مصلحتنا عمرها ما تتقابل يا يوسف، أنت عمرك ما هتتخطى اللي عملته، ومع أول مشكلة ما بينا أبسط حاجة هاتشك فيا، يمكن أنت انجذبت ليا علشان قصتي، حسيت بتعاطف فحبيت تساعدني..

 قاطعها مصححًا لها بنبرة جادة : 

_بتعاطف معاكي فبساعدك مش هاتجوزك، أنتي عارفة يعني إيه جواز، ما هو أصله مش لعبه يا نور الجواز حياة، وأنا خلاص أستقريت على اللي قلبي شاور عليها، مش قولتلك مهزأ.

 رفعت يدها تشير نحوه بضيق خفيف : 

_أهو شوف بتشتم قلبك علشان حبني..

_ مانتي فعلًا غبية، بقولك أنا بحبك وعاوز اتجوزك أثبتلك أكتر من كده إيه..

 _ أنا وأنت مش متكافئين.

 قالتها بعصبية، فأردف هو بهدوء :

_ هنتكافئ، ميبقاش نفسي فيه وأقول أخيه..

 زفرت بحنق قائلة : 

_طيب أنا عرفتك كل حاجة عني، أنا معرفش حاجة عنك.. معرفش غير أنك اسمك يوسف...

 _ ومصري، وأختي اسمها ريم وأبويا وأمي متوفيين، وريم أختي الوحيدة، وماليش حد غيرها..عاوزة تعرفي إيه تاني!!.

 تساقطت الدموع من عيناها بغزارة وهتفت تعبر عن حيرتها : 

_أنا خايفة أوافق ارجع أتكسر تاني، أنا مش عاوزاك تكون ذكرى في ماضي يلاحقني بعدين . 

اقترب منها ثم أمسك يدها ليقول بنبرة هادئة : _تقدري تقوليلي انتي بعدتي عن اهلك ليه وجبتي هنا، تقدري تجاوبيني..

أجابته وهي مازالت تبكي فخرجت نبرتها مهزوزة : 

_علشان انا تعبت من الوحدة، كان نفسي يكون ليا سند وضهر، يكون ليا بيت دافي مش واحد بارد، جدرانه عمرها ما كانت امان ليا، علشان ملقتش الحب منهم ملقتش الدفى، ملقتش حد يحتويني..مشيت وقررت ان اكون لوحدي واهرب، أحسن من أن اكون مع ناس نفسهم يخلصوا مني..

طبع قبلة فوق كفها ببطء هامسًا بحب :

_ وانا مش نفسي اخلص منك، بالعكس أنا نفسي تفضلي معايا على طول، رغم جنانك ولسانك الي عاوز قصه، وتصرفاتك اللي عاوزة تتلجم، الا انك ضفتي روح على حياتي اللي كانت شبه بلا روح تقريبًا، يمكن جنونك عدوة وعداني بس انا بقي راضي بيه ومش عاوز ادور على علاجه بالعكس انا هافضل عايش كده، علشان أنا حابب كده، كل اللي انتي هربتي بسببه انا هاعوضك عنه..نور انتي حابة ترجعي واتجوزك منهم انا موافق، اي حاجة أنتي تختاريها انا موافق ومعاكي..

هتفت سريعًا وهي تبكي من اثر كلماته التي دخلت قلبها وقيدته بحبه، ولجمت عقلها عن التفكير او الرفض حتى :

_ لا خلاص يا يوسف انا مبقاش ليا أهل، لو فكرت ارجع هايقتلوني، وابسط حاجه هايجوزوني لحد غيرك، أنا مش فارقه معاهم يا يوسف، منزلوش منشور واحد عني ان مثلا ضايعة...

ضربها بخفه برأسها ليقول : 

_غبيه، ضايعة ايه وانتي اصلا لامه هدومك كلها، ومشيتي..

نظر لحقيبتها بمزاح :

_ دي هدومك ولا شنطة فاضية بتمثلي بيها عليا...

ضحكت من وسط دموعها قائلة : 

_لا فعلا هدومي، اقصد انهم عايشين حياتهم، ولاد اعمامي محدش قال حاجه توحي أن انا وحشاهم...

_ قولتلك وهافضل اقولك، ده قرارك متعلقيش اخطائك على شماعة غيرك، والحياة مبتقفش على حد ومش هتقف عليكي، رغم اني مش معاكي في كل اللي عملتيه!؟.

رفعت بصرها بحزن : 

_علشان مجربتش تحس انك عاله على حد، مجربتش تشحت الحب بنفسك من حد، الوحدة انت اللي فرضتها على نفسك، متفرضتش عليك غصب، انا كنت ظاهرة للناس من بره إني في بيت العيلة و قد ايه اهلها بيحبوها، ومن جوا مكنش حد بيهتم، أوقات معاش بابا كان بيقصر معايا، من كتر ماهما بُعاد عني، كنت بتكسف اقول تلاجتي فضيت، بلاش اتكلم واقول حاجات كل ما افتكرها تكسرني ألف مرة..

مد أصابعه ومسح دموعها برقة :

_ بس ده رأي انا كمان، نرمي اللي فات ورا ضهرنا، ونبص على حياتنا دلوقتي ونبدأ حياة جديدة، حياة نتعاهد أننا منبعدش عن بعض مهما حصل..

_ أنا مش هابعد يا يوسف، حد يلاقي وطنه وميقعدش فيه ويتمسك بيه بكل قوته...

انتظر لدقائق يستوعب جملتها ليقول بعدها بنبرة تحمل مشاعر الحب : 

_حقيقي لو مكتوب كتابنا حالاً، كان زماني ردي هايكون عليكي مناسب، بس حاليًا هاضطر ابلعه واسكت..

لم تدرك حديثه، وخاصةً حينما طبع قبله أخرى بيدها، فابعدت يدها تقول بحنق :

_ هي بقت تسلية كل شوية تبوس ايدي!!.

دفع يدها بعيد عنه هاتفًا بمزاح : 

_احمدي ربنا ان رضيت واتنازلت وبوستها..

ضحكت وهي تشاكسه : 

_وفر بوساتك لنفسك..

 ضحك هاتفًا : 

_ده يبقى عيب في حقي..

ارتفعت ضحكهما معًا، متناسين أي شيء قد يعكر صفوهما، قد يكون زواجهما متهور، وقد يراه البعض غير منطقيًا، ولكن كل هذا وقع تحت مسمى الحب، والحب كل شيء به مباح، يمر قطار الحياة بنا ونحن ننغمس في آلامنا، مشاعرنا تجعلنا في حالة من الجمود، الا أن أملاً واحد اذا وقعت أعيننا عليه، يخرجنا من دائرة المرار التي استوطنت داخلنا..


الخاتمة .....

مصيرك منذ البداية شعرت أنه مربوط بي بوثاق قوي، أدركت بعد مرور الأيام أن طريقنا واحد، شمس طريقك قد بدأت في السطوع وها أنا أخطو معاكِ أولى خطواتنا، عهدت نفسي ألا أتخلى عنكِ مهما حدث، قصتنا غريبة وأنا نفسي لم أتوقع أن أتزوج بفتاة لقبتها في بادئ الأمر بالبربرية المجنونة..وها أنا أصبح مجنون مِثلك متهور وكأنكِ عدوى، وفي نهاية الأمر أُحب أن أُخبركِ بشيء قد يكون مجنون أخفيه بقلبي، شامتك إن نظرت لها تجعلني تائه في بحر غرامك، فما هذا السحر الذي أصابني عند رؤيتك!!. 

                                ****

بعد مرور ثلاث أشهر..

 استيقظت نور من نومها بكسل، مازال عقلها لم يستوعب أمر وجودها في مصر، لقد وصلت البارحة مع يوسف..واليوم هي بأحد الفنادق المطلة مباشرةً على النيل ، رغم مخططاته لتحضير مفاجأة لأخته بشأن حضوره، ورغم علمها بها عندما أقنعها بضرورة ذهابهم لمصر وموافقتها بعد محاولاته في إقناعها، إلا أنها أفسدت كل شيء عندما اصطنعت مرضها المفاجئ، طلبت منه حينها تأجيل لقائهم بأخته وقلبها يدق بعنفوان خوفًا من رفضه مازالت تهيب تلك اللحظة التى ستقابلها بها وخاصةً أنه أصر على عدم معرفة أخته بزواجهما، لاشك انها شعرت بالغضب والخوف، غضبت لقراره ذلك الذي لم يُقدم أي مبررات حتى لها عن اصراره في عدم اخبرها، و خافت بسبب تلك التخيلات التى هاجمتها عن شخصية ريم تلك، تفاجأت حينما وافق على تأجيل لقائهم بها وأبدى اهتمامه بصحتها اولاً، ظهر القلق جليًا على ملامحه، يوسف.. يوسف من أي نوع رجال أنت، تزوجته من ثلاث أشهر تذكرت حينما كانت تضع توقيعها بخوف بوثيقة الزواج، وكأن تلك الورقة تحولت إلى طريق أمامها جهلت ملامحه، حينها سألت نفسها سؤال هل سيكون لديها القدرة على تحمل عواقب طريق قد اختارته بمحض إرادتها، تذكرت نظراته لها، قرأت بهم الأمان والحب..هي لا تحتاج أكثر من ذلك، وقعت ولم تمنع ابتسامتها في الظهور، حتى لحظة وقوفها أمام باب الشقة في تلك الليلة التي أصبحت بها زوجته لم تغب عنها أبدًا، تضاربت بها الأفكار والذكريات معًا، تعجبت لتغير الزمن وتغير حالها من حال إلى حال بسرعة، الأمس مستأجرة والحاضر متزوجة..ياله من قدر .....توقفت عند تلك النقطة مجددًا لم تعد تعرف ماذا تسميه هي مازالت على مشارف الطريق، تركت القوس مفتوح وبداخلها رعب غريب...تقلبت بالفراش وبدأت ذكرياتها مع يوسف تتدفق وابتسامتها لم تفارقها وخاصةً أن ملامح اليوم التي أصبحت فيها زوجته مازالت متعلقه بذهنها...تذكرت حينما اكتشفت أولى صفاته..حنون، شهم، ذكي، صفات عديدة تكتشفها به يَومِيًا، ورغم اعتيادها عليه إلا أن أصابتها رعشة قوية حينما حاول احتضانها..دقيقة والأخرى وبدأ في أغداقها بكلماته الحنونة، كلمات هي ممتنة لها ، لقد زال الرعب بداخلها بكلمات كانت كالبلسم فوق مخاوفها.. 

                                *****

_ أهدي يا نور، أنا مش هاعمل حاجة...

 قالها يوسف وهو يحتضنها برفق، هزت رأسها عدة مرات تهتف بتلعثم :

_ أنا مش خايفة، أنا كويسة.

 ابتعد قليلًا عنها، ليقول بحنو : 

_وفيها إيه لما تقولي إنك خايفة مني ده طبيعي، أنا معاكي وأنا هاخدها معاكي خطوة بخطوة..

 عادت من شرودها وهي تدفن وجهها بالوسادة مبتسمة بسعادة، حينما تذكرت قبلته الشغوفة فوق شامتها، معبرًا لها عن مدى حبه لها، وأن تلك الشامة الصغيرة هي من جعلته وقع بغرامها..وصدق بالفعل حينما قال لها سيخطو طريقهما بهدوء، كان متفهمًا لتقلباتها وخوفها، لم يغصبها على شيء قط سوي أمر واحد ألا وهو عملها، رفضه بتاتًا وخاصةً مع اتصالات حسام المستمرة وأسئلته عليها، ضحكت بقوة على شجارهم بعد أسبوع من زواجهم، متذكرة خطته الخبيثة في رفضه لعملها ....

                               ****

_ لا بقى يا يوسف هشتغل يعني هشتغل، انا جاية دبي علشان ابني كياني ومستقبلي ..

 قالتها بعصبية شديدة وهي تبحث عن السكين، فأشار لها بعينيه هاتفًا : 

_ السكينه أهي..

أكمل حديثه ساخرًا :

_ بذمتك دي منظر واحدة عاوزة تبني مستقبل ومش عارفة سكاكين بيتها فين، يا شيخة اتنيلي..

زفرت بحنق وهي تدبدب بقدمها أرضًا بغيظ : 

_يوووه، بطل تستقل مني بقى، مش كل شوية تقعد تحبطني بكلامك، أنا هاشتغل يعني هاشتغل..

_ وماله، لو مضحكتيش بعد اللي هعمله، أنا هاخليكي تشتغلي.

 اقترب منها وداعب خصرها بلطف، تمايلت هي بضحك قائلة وهي تحاول الفرار منه :

_ كده ظلم..ظلم، ابعد بقى..

ابتعد عنها وهو يرفع يده لأعلى :

_ اهو أنا عملت اللي عليااا وانتي اللي فشلتي، تحبي نجرب تاني اللعبه دي معنديش مانع، بس الليفل التاني بمدة أطول.

ضحكت بصوت مرتفع كالبلهاء، نهضت واعتدلت بفراشها وهي تقول لنفسها : 

_اطلع من دماغي بقى يا يوسف..

_ واطلع ليه فيها ايه لما أفضل فيها قاعد واخد مكاني ومركزي..

رفعت بصرها بصدمه وخجل قائلة : 

_انت هنا..

اغلق الباب خلفه بقدمه، واتجه صوب الفراش يرتمي بجسده فوقه فأصبح مقابلًا لها :

_ طبعا هنا، هو أنا اقدر اروح مكان من غيرك..

ضيقت عيناها بتفكير لتقول : 

_اممم، أكيد عاوز حاجه علشان كده بتثبتني..

ضربها بخفه فوق رأسها مبتسمًا : 

_مش محتاج على فكرة تثبيت، بتحبي تجيبي لنفسك التهزيق ليه...

ابعدت يده بغيظ وهي تقترب منه أكثر تشاكسه : 

_أمال عينك فيها كلام كتير ليه..

هز رأسه نافيًا، ولم يبعد بصره عنها فقال :

_ لا هو مش كلام كتير، هما كلمتين وعاوزك تقدريهم وتفهميهم..اختى وحشتني وانا  كنت محتاج أشوفها..

وعند ذكر اسم أخته، توترت وابتعدت بوجهها عنه، تحاول إخفاء نظراتها المرتبكة من لقاء أخته، فأمسك بها وهو يحاول إعادة الموضوع مواجهًا له  : 

_في ايه يا حبيبي مالك انتي خايفة من ريم، دي طيبة اوي والله وهاتفرح بيكي، على فكرة انا قابلتها انهارده الصبح...

اتسعت عيناها تقول بدهشة : 

_ايه روحتلها من غير ما تعرفني، طب هي قالت ايه ، رفضتني..

فركت يدها بتوتر بالغ قائلة : 

_رفضتني صح، طب هاعمل ايه..

اعتدل يوسف بجلسته هاتفًا بتعجب :

_ تعملي ايه في ايه، انتي مراتي هاتروحي فين يعني، ريم لازم تتقبلك علشاني أنا، هي عمرها ما هتضايقني ولا هتضايقك هي اه  زعلت مني علشان اتجوزت من غير ما أعرفها بس بردو أنا عرفت  اراضيها كويس والموضوع عدى، ريم أهم حاجه عندها سعادتي وبس..المهم عندي اوعي تزعليها..

_ لا انا مش هزعلها والله، هزعلها ليه أصلاً .

أوضح لها حالة ريم بحزن :

_ ريم بتزعل من اقل حاجه الفترة دي وخصوصًا أنها تعبانه..

صمت لبرهه يأخذ نفس طويل ثم قال :

_ عندها كانسر وتعبانه..

شهقت بصدمة قائلة :

_ وليه متقوليش!!...

نهض مقتربًا من احدى النوافذ ينظر للفراغ : 

_محبتش اضايقك، مرضها وجعني وكسرني هي لسه في بداياته بس حاسس كأنه فيا أنا وخصوصًا لما شوفتها النهارده وازاي اتغيرت، اتوجعت اوي يا نور..

احتضنته من خلفه بقوه تقول بحزن وخوف : بعد الشر عليك، ان شاء الله هتكون كويسة، يوسف متبينش ضعفك ليها، بالعكس المفروض تكون مصدر قوتهااا..

التفت لها يقول بنبرة اوضحت مدى خوفه على أخته : 

_بحاول، هي اللي بقيالي وعندي استعداد  ادفع نص عمري وتعيش وتكمل حياتها، انا حتى اصريت عليكي تيجي معايا وتشوفك علشان  هي نفسها اتجوز اوي..

ابتسمت بحنو وهى تمسد فوق يده : هنروحلها وهخليها تحبني غصب..

قبل جبينها بحب وهو يحتضنها : 

_حبيبي ربنا يخليكي ليا، تعرفي ان ريم هي بردو كانت السبب في لقائنا..

رفعت بصرها دون ان تبتعد عنه قائلة بدهشة : _ازاي بقى ؟!.

_ لولا مرضها وان ببعتلها فلوس كل شهر تقريبًا، أثرت معايا في ميزانيتي، فاضطريت ان أجر غرفه في الشقة..وحصل اللي حصل..

ضحكت بخفه قائلة :

_ غريبة الصدفة، بس تعرف ان دي احلى صدفة حصلتلي..بس ثواني ليه فضلنا فيهااا..

رفع وجهها بطرف أصابعه قائلًا بحب :

_ ما علشان على وشك القمر ده، انا اترقيت ومرتبي بقى أعلي..

التمعت عيناها ببريق الحب : 

_يوسف انت ازاي قمر كده..

 خرجت ضحكاته مرتفعة ولم تفشل أبداً نور في إخراجه دومًا من حزنه، نظر لها بعبث وهو يقول بمشاكسة : 

_أعملك ايه، نصيبك وقع مع حد قمر زي..

ضربته بدلال فوق صدره قائلة : 

_ما بلاش غرورك ده ، علشان معاك قمر بردو..

رفع اصابعه وتحسس شامتها بحب هاتفًا بهمس : 

_هو انا صبحت على القمر بتاعي..

هتفت بغنج :

_ لأ، مسلمتش..ينفع كده، هأوقع عليك غرامه..

لثم ثغرها بحنو هاتفًا من بين قبلاته : 

_أحب انا الغرامات دي أبقى وقعيها كل شوية..

ارتفعت ضحكتها للعلن، ولأول مرة ينصهر سرها وعلنها معًا، لأول مرة يتحدا منذ أعوام طويلة، لأول مرة يتفقا على شيء، ألا وهو سعادتها معه، سعادة لم تذق طعمها إلا عندما قابلته.

                          تمت



تكملة الرواية بعد قليل 

 لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كاملةمن هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا




تعليقات

close