نوفيلا سر وعلن الفصل الأول والثاني بقلم زيزى محمد حصريه
نوفيلا سر وعلن الفصل الأول والثاني بقلم زيزى محمد حصريه
الفصل الاول
أحيانًا تقذفك الحياة نحو عواصفها العاتية بلا رحمه، فـتجد نفسك تحارب بقوة، هدفك الوصول للنصر دون خسائر فادحة، أذا خسرت ستجعلك عبارة عن رماد لحرب غير مُنصِفة، ظاهرك يعلن شجاعتك، وداخلك يخفي سرك، يخفي خوفك من الهزيمة، هكذا نحن البشر عبارة عن عملة لـ وجهان هما السر والعلن!!
********
جلست كطفلة صغيرة تفتقد عائلتها، نظرت حولها بريبة، التوتر يزحف ببطء لقلبها فتضطرب دقاته وتصبح غير منتظمة، عقلها يدور به مئات الأسئلة، وضميرها يؤرقها على قرارها المتهور، جابت المكان بعينيها، تنظر حولها أحيانًا باشمئزاز وأحيانًا بخوف، لعنت تلك الرهبة التي تهاجمها عندما تجلس بمكان ضيق، ولعنت عدم نظافتهم أيضًا، تساءلت بداخلها كيف لهم أن يجلسوا بمكان غير نظيف وغير مرتب بهذا الشكل المقزز، حاربت آلام معدتها التي تقلصت مهددة بإفراغ ما في جوفها، يا الله يكفي محاربتها لذلك المنظر المقزز أمامها، يكفي تركيزها مع دقات الساعة، الدقائق تمر عليها كالدهر، منتظرة خروجهم من الغرفة المجاورة، استمعت لهمهمات صدرت من تلك الغرفة، فعلمت أنهم يتشاورون من أجل إستئجارها معهم سرير بإحدى الغرف، وعند هذه النقطة تمنت أن تبكي وتندب حظها التعيس، البلهاء قرأت إعلانهم على أحد وسائل التواصل الاجتماعي بحاجتهم لفتاة تستأجر غرفة معهم، دخلت الفرحة بقلبها واطمأنت لحصولها على غرفه لاستأجرها بهذه السرعة في بلد غريب عنها كـ دبي، تلك المدينة التى خطفت أنفاسها بكل شيء بها، من بداية المعمار والتصاميم التى تسحر العين، شهر ونصف بها ومازالت تكتشف بها أشياء جديدة عنها يومياً!، ورغم انبهارها الا انها تفتقد أمان بلدها الحبيب مصر التى طالما سخرت منه، وتمنت أن تسافر وتخرج منها متخيلة انها اذا سافرت حتمًا لا تريد العودة مرة أخرى، تبًا لمخيلتها الساذجة، الأن تتمنى ان تعود، او يعود الزمن بها للخلف!!، ارتسمت ضحكة ساخرة فوق ثغرها وهي تهتف لنفسها بداخلها "قول للزمان ارجع يا زمان" ....انتشلت من أعماق تفكيرها على جلوس الأربع فتيات أمامها، تفحصت وجههم ببطء، انتبهت لحديث إحداهم وخاصة ملامح وجهها العابسة ....
_ وأنتي يا سوسن فهمتيها النظام كله !!.
تحدثت تلك الفتاه المسماه بـ سوسن ببرود :
_ لا اتفقت معها على الإيجار بس، قوليلها أنتي يا شيماء على النظام كله !!.
هزت شيماء رأسها وهي تقول بنبرة آمره :
_أنتي هتقعدي في الاوضه دي مع منى ...
حولت بصرها نحو يدها التي تشير نحو غرفه تقع يمنيًا، انتقلت بيدها نحو منى وجدتها فتاة هادئة بسيطة تنظر لها بهدوء شديد، أرسلت نور إليها ابتسامة، فقابلتها الأخرى بلا شيء، تلاشت ابتسامتها تدريجيًا من إحراجها، استمعت لحديث شيماء :
_ الإيجار ميتأخرش كل شهر تدفعيه، الحمام هنا مشترك، أكلك وشربك لوحدك، احنا مش مسؤولين عنك في إي حاجة، وياريت بلاش تعملي أي مشاكل ..
ابتلعت نور ريقها بتوتر قائلة بارتباك :
_هو أنا هعمل مشاكل ليه !!، بالعكس أنا مبحبش المشاكل، انتوا بقي بتحبوها !!.
ابتسمت سوسن بوجهها ثم قالت :
_ احنا أبدًا، احنا حبوبين خالص وبنحب بعض جِدًا، وكمان بنخاف على بعض مش كده يا بنات ..
نهضت الفتيات دون رد نحو غرفهم، فتعجبت نور ، لتقول سوسن بضحك وكأن شيئا لم يكن :
_قومي يالا ادخلي مع منى الاوضه، وجهزي حاجتك فيها، عن أذنك ..
راقبت دخول سوسن الغرفة التي دخلت إليها شيماء، يا لحظها التعيس هي تستحق سوسن تلك، وليست مني الكئيبة، نعم كئيبة يكفي نظراتها وملامح وجهها، زفرت بخفه وهي تنهض وتجر خلفها حقيبتها الكبيرة، دلفت الغرفة فتسارعت دقات قلبها وكأنها في سباق للركض، احتبست أنفاسها بخوف عندما رأت صغر حجم الغرفة، ورائحتها الكريهة!!، شهقت بصدمة وهي تصيح باشمئزاز :
_ إيه ده هي الاوضه دي مش بتدخلها شمس !!؟
جلست منى على فراشها تبتسم باستهزاء : _افتحي الشباك يمكن يدخلك الشمس اللي نفسك فيها !..
نظرت نور حولها تبحث عن نافذة، لا يوجد، ليس بها منفذ واحد فقط، حسنًا ستتجاهل كل هذا، وتتعامل وكأن شيئا لم يكن، وضعت حقيبتها جانبًا جلست على الفراش بجسد يصرخ بالراحة، يوم كامل بلا مأوى، يوم كامل قضته كقارعة طريق مهجور، جاهدت النعاس الذي زحف ببطء لعيناها، نهضت وأبدلت ثيابها ثم وضعت بعض ملابسها فوق الفراش ورقدت هي فوقهم، وفي ثوان كانت تغرق في النوم براحة، أحيانًا حاجتك للنوم تجعلك غير مدرك لمخاوفك، بعد مرور عدة ساعات تقلبت بالفراش بسبب جفاف حلقها، فتحت عينيها في دقائق جاهدت فيهم أن تفارق بين جفنيها، وقع بصرها على منى تجلس بمنتصف فراشها، تمسك أحد الكتب وتقرأ بصوت خافت وتحرك جسدها في حركة منتظمة لإمام والخلف !!، اعتدلت أكثر ولمحت الكتاب يبدو أنه من الكتب العتيقة والكبيرة، انصب تركيزها على الكتاب بفضول، فاجأة تقابلت عيناها بعيون منى الجاحظة، كتمت صرختها بداخلها، وخاصةً مع ملامح وجه منى الغريبة، خرج صوتها مرتجفًا وهي تشير نحو عنقها :
_أنا أنا كنت عاوزه ...
قطعتها منى بنبرة تعجبت هي لها وخاصةً أنها تختلف كُليًا عن تلك النبرة التي استمعت لها قبل نومها :
_متركزيش مع حاجة ملكيش فيها، علشان متتأذيش !.
ثانية، هي ثانية واحدة استغرقتها في الخروج، فرت هاربة بسرعة البرق من الغرفة، وجدت أمامها سوسن ترتشف المياه، التصقت نور بها تهتف بخوف :
_سوسن الحقي، اسمها إيه دي باين عليها ملبوسة!.
انتاب سوسن حالة من الضحك عندما سمعت حديثها ولكنه هدئت قليلاً وهي تخبرها :
_ باين !!، لا وحياتك هي فعلاً كده!.
ابتعدت نور بصدمة للخلف خطوتان غير مصدقة ما أوقعت نفسها به..
_ إيه، لا!..
وضعت سوسن الزجاجة برفق على الطاولة وهي تقول بهمس :
_بصي نامي وملكيش دعوة بيها وهي مش هتأذيكي والله... مهما عملت، أوعي تركزي معها.
تعلقت نور بيدها ترجوها :
_لا بالله عليكي خديني أنام معاكوا!.
قهقهت سوسن لتقول بعدها بسخرية :
_تنامي فين بقي على رجلي ولا على أيد شيماء وهي الصراحة حبتك آوي من أول لحظه حتى أنتي شوفتي الحب من كلامها...
عبست نور بوجهها لسخرية سوسن، فقالت الأخرى :
_ سوري لو طريقتي ضايقتك، بس أوضتنا متختلفش عن الاوضه اللي أنتي فيها، ضيقه والسراير مكفينا بالعافية..
جلست نور مكانها بقلة حيلة هامسة بضياع :
_هنام في الصالة على جثتي أنام معها جوه..
مرت الساعات عليها كالدهر، راقبت عقارب الساعة بتوتر وخوف أن تخرج منى في ساعات الليل المتأخرة وتقابلها وحدها، لم يهدأ عقلها من التفكير من أجل المبيت بهذا المكان، من رابع المستحيلات أن تشارك منى الغرفه، انتظرت الصباح حتى تحاول إقناع إحداهم للمكوث مع منى!، ابتسمت براحة مع ظهور نور الصباح، نهضت بكسل تبحث عن المياه، تروي جفاف حلقها الشديد، وفور أن رفعت الكوب نحو فمها التقط أذنها صراخ حاد، اندفعت نحو غرفة شيماء وسوسن تفتحها بقلق، حتى وقعت عيناها عليهم متشابكتان بعنف، وكل منهم تقذف الأخرى بأفظع الشتائم، دخلت بالمنتصف تحاول فض الشجار، حتى ابتعدت شيماء عنها قليلًا تهتف بعنف :
_ وربنا لو أخدتي اي حاجة من هدومي تاني، لأقتلك يا سوسن.
حاولت سوسن الوصول إليها وهي تقول بنبرة لا تقل عنف أبدًا عن نبرة شيماء ..
_ هدوم إيه يا معفنه، أنتي حيلتك حاجة!!.
حاولت شيماء أن تصل إليها حتى تلقنها درس قوي منعتها نور قائلة بصياح :
_ يا جماعة صلوا على النبي مينفعش كده احنا بنات بلد واحدة والمفروض نقف جنب بعض..
دفعتها شيماء بغيظ ثم قالت :
_أنتي إيه دخلك أوضتنا، أنتي مالك أصلاً.
أشارت نور نحوهما متعجبة :
_ انتوا كنتوا بتموتوا بعض، مش عوزاني أدخل وأفض الخناقة ما بينكم!.
صدح صوت سوسن مؤكدة حديث شيماء لتقول بعصبية :
_آه لو سمحتي متدخليش، باين عليها حشرية..
خصت حديثها الأخير بشيماء، فأكدت الاخرى حديثها وهي تهز رأسها بقوة
شهقت نور بقوة ثم تحدثت بعدها بتوبيخ :
_أنا حشرية!!، طب والله أنا غلطانة اني سكنت معاكوا أنا ماشية وابقوا دوروا على واحدة ترضى تسكن مع الملبوسة التانية ...
استدارت بجسدها نحو الباب مقرره الذهاب، وجدت منى تقف على أعتاب باب الغرفة تنظر لها نظرات غامضة، تبددت شجاعتها وارتبكت نبرتها وهي تشير عليهن :
_هما اللي قالولي عنك كده.
كانت تنوي الذهاب وهي بالفعل فرت بأقصى سرعة بحقيبتها، المكوث بالطريق أهون من هؤلاء الفتيات، أخرجت هاتفها مرة أخرى تبحث عن الإعلان الثاني التي تجاهلته عندما قرأته ظناً منها أنها وجدت مبتغاها، قرأت الإعلان بسرعة بفعل حرارة الشمس التي تضرب رأسها بقوة لتقول بهمس :
_ حلو آوي الإعلان ده أكلمه بقي ويارب ما تكون اتحجزت...
رفعت أصابعها الصغيرة تكتب بسرعة:
_"ممكن أشوف الغرفة لو سمحت "
ويا لحظها السعيد جاءها الرد في دقائق
_ أكيد العنوان" ........ ".
ابتسمت بسعادة كبيرة وهي تدعو ربها أن يوفقها في اختيارها هذه المرة، لا يوجد لديها مال لاستأجر غرفه في فندق ولم تجد أمامها سوى البحث عبر الإنترنت ولم تجد سوى إعلانين فقط، الأول بلوى والثاني...امممم لا تعرف!!، والبلهاء من فرط توترها لم تلاحظ قط الملحوظة الأخيرة المدونة في آخر الإعلان...
( هذا الإعلان للرجال فقط)..
******
وصلت نور عند البناية أخيرًا بعد ساعة ونصف استغرقتها بالطريق تشاهد الأبنية العملاقة بانبهار واضح على ملامحها، شعرت بالقلق قليلًا المنطقة راقية وخاصةً تلك البناية التي تقع بها الشقة التي تريد استأجر غرفه بها!، صعدت بالمصعد لطابق الخامس.. وجدت شقه واحدة بالطابق، هندمت ثيابها ورتبت شعرها للخلف أخذت نفس عميق ثم رسمت ابتسامة صغيرة وهي تطرق الباب بلطف، بعد عدة ثوان فُتح الباب فظهر أمامها شاب قمحي البشرة ذو جسد رياضي، وملامح تصرخ بالرجولة، انتبهت على نظراته المتنقلة بينها وبين حقيبتها، فقالت بنبرة خجله :
_ السلام عليكم!.
أجابها بسلاسة :
_ وعليكم السلام، مين حضرتك!.
اتسعت ابتسامتها أكثر لتقول بفرحة :
_ إيه ده أنت مصري!.
رفع حاجبيه لفرحتها قائلًا :
_آه.
دفعته للخلف بحقيبتها ودخلت وهي تقول : _ده أنا ربنا يحبني آوي آوي آوي.
كتمت انبهارها بداخلها وهي تشاهد جمال الشقة واتساعها وتنظيمها الذي خطف أنفاسها، تسربت الراحة لقلبها فرحه، غير مدركه أنها بشقة رجل!!، في النهاية رجل، تلك هي نور فتاة طائشة متهورة تبحث عن الحرية والانطلاق نحو تحقيق أحلامها، أحلامها التي تجهلها هي أساسًا، كل ما تريده أن تقتنص الحرية التي طالما سمعت عنها من فتيات الإنترنت!!، وفي طريقها للبحث عن الحرية، وقعت في بحر من الأخطاء تفاجأت هي بها، وكأنها تجهل مآسي الحياة ومصاعبها!.
أما هو فمازال عقله لم يستوعب وجود تلك الفتاة بمنزله، ماذا تريد تلك؟!، تساءل بداخله، ولم يجد أي إجابه، فخرج صوته حادًا بعض الشيء :
_هو أنتي مين، ممكن اعرف .
استدارت بجسدها تجيبه :
_ أنا المستأجرة الجديدة !!.
التوي فمه غير مصدقًا، مازال عقله يعطيه مع كل كلمه تنطق بها تلك الغريبة خطأ!،..وقف على أعتاب الباب يبحث عن وجود رجل وهو يقول :
_ هو فين أستاذ نور، اللي كان يكلمني اسمه نور أحمد!.
أشارت على نفسها بفخر :
_ أنا نور أحمد!.
وقحة!، هكذا سبها بداخله، تقف بكل فخر وتشير على نفسها أنها المدعوة نور أحمد!!.
انتبه على حديثها وهي تجلس فوق المقعد المجاور للباب بحرية :
_هو أنت مش منزل إعلان وطالب مستأجر للغرفة في الشقة دي!.
كتم ذلك اللفظ البذيء بداخله بصعوبة، ليقول بصوت أجش :
_ وأنتي ماخدتيش بالك إن أنا قايل في آخر الإعلان إن أنا عاوز راجل!.
اتسعت عيناها حرجًا منه قائلة بتلعثم :
_بجد، والله مخدتش بالي!، أنا...
صمتت للحظات تحاول استجماع ذهنها للخروج من ذلك المأزق، نظرت حولها بتمعن وجدت بالشقة غرفتان فقط، رفعت بصرها تسأله بغباء: يعني دي مش شقه كلنا بنتأجر فيها وكده..
قاطعها هو بنفاد صبر : لا دي شقتي، وأنا واخدها إيجار، وعاوز أجر اوضه فيها من الباطن، والإعلان ده كان لراجل مش لبنت فهمتي!.
نفد صبرها هي الأخرى ليست منه، بل من كل شيء، من جميع الضغوطات التي مرت بها لتقول بشيء من العصبية : بقولك إيه أنت بتكلمي كده ليه!!.
أشار إليها نحو الباب حانقًا من تصرفات تلك الغبية ليقول :
_ طيب إتفضلي بره..
احتدت ملامحها لعنجهيته قائلة :
_أنت بتطردني من الجنة إنسان قليل الذوق بصحيح!!.
اقترب منها خطوتان قائلًا بحده :
_أنتي بتشتميني في بيتي على فكرة !.
انفجرت باكية فجأة تهتف من بين بكائها :
_ هو ليه المصريين كده، ليه منقفش جنب بعض!.
تفاجئ لبكائها فقال ضاحكًا :
_أنتي يابنتي قلبتيها مشكلة قوميه ليه!.
نظرت له بحزن طفيف :
_علشان قولت هارتاح أخيرًا وألاقي سكن بعد المرمطه دي وطلعت في الآخر لراجل، وطبعاً مينفعش أقعد معاك..
صمت يستمع لها بتركيز لما تقوله، أما هي فغرقت في بحر من الأسئلة التي ليس لديها أجوبة عنها في هذه اللحظة، ما مرت به يجعلها تتغاضي عن كونها في بيت واحد مع رجل غريب، ذهنها المعتوه صور لها أنه أهون من الجلوس مع هؤلاء الفتيات، أو مع... حسنًا هي لا تريد التذكر حاليًا يكفي ما يدور برأسها، وكالعادة أقنعت نفسها بما هو مرفوض أو ممنوع، باحثة عن جميع المبررات حتى تستطيع الجلوس معه، وفي نهاية الأمر اكتفت بجملة " ما باليد حيلة"، وكأن تلك الحيلة التي اختارتها سابقًا حتى تخرج من بلدها كانت جيدة، جميع حيلها مخبولة تمتاز بالغباء وسرعة التصرف دون أدنى تفكير في العواقب المستقبلية، فاندفعت تخبره برجاء :
_طب مينفعش أقعد هنا، أنا مش هاعمل إزعاج لحضرتك وهاكتفي باوضتي بس لغاية ما ألاقي سكن في أقرب وقت.
أخبرته وسقطت دمعه لعينه من مقلتيها كفيلة للتعبير عما تشعر به، مشاعر لأول مرة تتذوقها لما عاشته من قسوة الحياة غير مراعية أنها بالنهاية فتاة بسيطة عمرها لا يتعدى الثاني والعشرين...فتاة لأول مرة تختبر أشياء كانت قد تجهلها، فتمسكت بأول طرف للنجاة من حيث اعتقادها...جاءت أجابته تخرجها من عمق مشاعرها...
هز رأسه رافضًا تلك الفكرة :
_ لا طبعًا، أنتي مجنونة، تقعدي مع راجل غريب في بيت واحد.
مسحت دموعها بيدها وهي تقول بنبرة حزينة تحاول استعطافه:
_ يعني اقعد في الشارع عادي، أنا مفيش مكان حرفيًا أروحه.
أجابها ببساطة وهو يفتح الباب :
_ارجعي مصر بسيطة!.
تقدمت نحو الباب بوجه حزين وصوت مجهد : _مينفعش، استحالة ارجع!.
للحظة انتابه الفضول فقال :
_ ليه؟!.
رفعت بصرها نحوه ترمقه بحده وغيظ :
_ وأنت مالك!.
عقد ذراعيه أمامه وأشار برأسه نحو الباب محاولاً ألا ينفلت لجام لسانه نحوها!، أما هي فوجدت نفسها تسأله بهدوء :
_ياعني ده مش بيتك ملك !.
نفخ بعصبيه من أسئلتها :
_ لا ده إيجار أي أسئلة تاني!.
هزت رأسها بنفي وخرجت من الشقة، وبداخلها يصرخ باكيًا، أين تذهب في هذه المدينة، المال معها لا يمكن أن يغطى جميع احتياجاتها، جاء بذهنها فكره، فقررت أن تنفذها بسرعة دون التفكير كعادتها دومًا، قبل أن يغلق الباب كانت تضع يدها حائلًا تدفع الباب مرة أخرى ثم دخلت مرة ثانية ترسم على وجهها الجمود وبداخلها كان التوتر سيد مشاعرها...
_ بص بقي أنت لازم تقعدني هنا، علشان مدورش على صاحب العمارة دي وأقوله إنك بتأجر من الباطن، وشوف بقي هيعمل..أكيد هيطردك من الشقة دي، ويبقى ولا أنا ولا أنت..
ضحكت في الآخر بسخرية، رفع أحد حاجبيه متعجبًا من جرأتها، الوقحة تقف بكل جرأه وتهدده، فقال هو بتهكم :
_ الحقد هينط من عينك، روحي دوري عليه وقوليله أنا بايع القضية!.
زفرت بحنق هاتفه برجاء :
_ بجد هي دي الرجولة، أنا بنت بلدك، أنت مصري أزاي تسيب بنت بلدك كده، هما دول المصريين في الغربة، المفروض نقف جمب بعض.
كركر ضاحكاً بسخرية :
_اسكتي مش بقوا بياكلوا في بعض..
رفعت بصرها تناظره كالأطفال هاتفه بنبرة مرتعشة وأعين تهدد بالبكاء :
_ بردوا هتمشيني، هي دي الأخلاق!.
كتم غيظه بصعوبة فخرجت حروفه غليظة من بين أسنانه :
_يابنتي ما علشان الأخلاق مينفعش نقعد مع بعض، ياستي أنتي جميلة ومينفعش تقعدي معايا خلصنا!.
اهتزت مشاعرها لتصريحه ذلك، لأول مرة تتعرض لغزل صريح هكذا، ولكن رسمت ببراعة ملامح الجمود والقوة :
_هو أنت فاكر أنك ممكن تقربلي ده أنا أدب السكينة في قلبك أطلعها من دماغك!.
ارتفع صوته وهو يقول باستهجان :
_ يا ولاه!، مجدي يعقوب نفسه ميعرفش يعملها!!.
حركت أصبعها برجاء مجدداً قائلة :
_ هو شهر واحد بس، ألاقي في شغل وسكن جديد وهمشي، بجد أنا اتبهدلت، والله لو تعرف أنا مشيت من إيه، هاتفهم أكيد ليه مُصره اقعد هنا، أنا محترمه على فكره ومؤدبه، بس الظروف اللي خلتني آجي هنا، وأنا توسمت فيك خير، اعتبرني أختك وساعدني!.
وعلي ذكر سيرة أخته، تألم قلبه قليلًا، فأخته الوحيدة أصابها مرض لعين "السرطان" وبسببه اضطر أن يرسل لها شهرِيًا نصف مرتبه، والنصف الآخر لم يكفي لتغطيه احتياجاته وإيجار شقه مثل هذه، وقع في حيرة، ولكن يجب عليه أن يساعدها في النهاية هي فتاه!!، هو يعرف نفسه جيدًا، ولكن لا يعرف ماذا ستفعل معه تلك الساذجة إذا أصر على رفضه لها.
أغلقت الباب ببطء وهي تبتسم ابتسامه عريضة :
_سكت يبقى موافق، أنت اسمك إيه بقي؟!.
ضيق عيناه يحاول فهم مكنوناتها، كيف لها أن تتعامل معه هكذا فقال متعجبًا :
_ أنا لو كنت ابن خالتك مكنتيش هتعامليني بالحب ده!.
عادت سؤالها مرة ثانية متجاهله حديثه وبنفس الابتسامة : _اسمك إيه!!.
أجابها بصوت رجولي وهو يتقدم للداخل : يوسف.
صمت لبرهة والتفت نحوها يرمقها بتهديد : يوسف مش جو، علشان نكون لذاذ مع بعض!!.
هتفت بهمس :
_يوسف، يوسف هو أنا هاتجوزك...
التفت نحوها مرة أخرى يهتف بتساؤل : قولتي إيه!!.
_ قولت قد إيه أنك راجل وطيب، وابن بلد بصحيح، مرضتش تسيب بنت بلدك لكلاب السكك، برافو أخلاقك عاليه جدًا.
هتف يوسف باشمئزاز :
_ قد إيه أنتي أوفر يا...نور.
لجمت لسانها السليط بأعجوبة، هذه الشقة مثل الحلم، و إستئجار غرفه بها ستكون راحة كبيرة لها، من المؤكد ستعيد صفاء ذهنها وتستطيع إخراج نفسها من تلك المصائب، وتبدأ رحله جديدة بحياة جديدة محاولة أن تبني أساس حياتها القادمة على بقايا الماضي!!.ؤ
الفصل الثاني ...
دخلت نور بخطوات بطيئة تتفحص الغرفة بهدوء واسعة إلى حد ما، نظيفة مرتبة، هي لا تحتاج أكثر من ذلك، ينقصها بعض من الهدوء وصفاء ذهنها حتى تستطيع استكمال المرحلة القادمة واجتيازها بسرعة، انها في قرارة نفسها لا تود المكوث هنا بتاتاً، في النهاية هي مع رجل، وهذا غير مقبول بالمرة، ستمكث وأثناء استئجارها ستبحث بكل قوتها عن سكن جديد مع فتيات مهذبات غير هؤلاء المجانين، يكفي المصائب التي تقع فوق رأسها، يكفي ما مرت به أثناء مكوثها مع إحدى صديقاتها، تدفقت الذكريات أمامها لتُذكِرها بأحداث تتمنى أن تمحيها من حياتها ...
****
اعتدلت بالفراش وهي تُتابِع هاتفها بضجر ، بدء الملل يدخل حياتها ويسيطر على مسارها هي لا تتمنى ذلك، أين ما قالته لها صديقتها آلاء، أين ما شجعتها عليه، أسبوع أسبوعين، ثلاث، شهر وبدأ كل شيء يتبخر، حتى ترحاب صديقتها وأخيها بدء يتراجع، قطع تفكيرها دخول آلاء عليها، فقالت نور بحماس :
_ما تيجي نخرج النهارده توريني مكان جديد في دبي !.
جلست آلاء أمامها تناظرها بضيق :
_وبعدين وأخره الفُسَح إيه ؟!!.
تبدد حماسها لتقول بنبرة مستفهمة :
_ مش فاهمة قصدك إيه ؟!.
_ قصدي أن الفلوس اللي معاكي أكيد بدأت تخلص يا نور، ولازم تشوفي حل، أنتي يا حبيبتي مهما كان بردوا قاعدة في غربة!.
جف ريق نور وقالت بنبرة متوجسة خوفاً أن تتخلى عنها صديقتها :
_ طب إيه الحل، لو عندك قولي على طول.
اعتدلت آلاء أكثر في جلستها تنظر لها نظرات ذات مغزى، جهلتها نور ولم تستطع تفسيرها : لازم تشتغلي، ومش أي شغل، تشتغلي شغل يحقق ليكي ربح كبير علشان تقدري تحققي اللي نفسك فيه، وأنا بقي يا ستي عندي الشغل ده، شوفتي بقي صاحبتك بتحبك أزاي!.
أنهت حديثها بابتسامة خبيثة، فقالت نور بحماس :
_طب لما هو عندك ما تقولي من بدري، إيه هو بسرعة؟!.
صمتت آلاء لبرهة ثم تحدثت بهدوء :
_شغلانه حلوة أوي وهاتكون بليل، وفي نفس الوقت هاتشوفي اللي عمرك ماشفتيه، هاتشتغلي في night club.
اتسعت عيناها قائلة بصدمة :
_إيه!!، فين؟!.
التوى فم الأخرى باستهزاء :
_ نايت كلب يا حبيبتي، هو أنتي فاكرة أنه زي الكباريهات اللي في مصر، لا دي حاجة عالية أوي، وشيك، ومقولكيش على اللي هاتشوفيه هناك، بلاش منظورك الضيق ده!.
رمقتها نور بجمود وبداخلها غير مشجع لهذه الفكرة، صحيح هي تبحث عن الحرية والانطلاق، ولكن مازالت قيود العادات و التقاليد تفرض سطوتها بداخلها، مما جعلها تفكر بأفكار غريبة تجاه صديقتها، فقالت مستفهمة بفضول :
_وهو أنا هاشتغل إيه بقي هناك، أقدم مشاريب.
هزت آلاء رأسها بنفي قائلة بمكر :
_ لا حاجة أعلي انتي هتروحي وأخويا بيشتغل هناك..
قطعتها نور وقد أصابتها الدهشة من صدمه جديدة وهي تصيح :
_ هو مش أخوكي ده قولتيلي بيشتغل مندوب!.
التوى فم الأخرى بتهكم :
_ أنتي فاكرة يا حبيبتي أن شغل المبيعات هنا يأكل عيش، الحياة هنا غالية أوي أوي، بدليل الفلوس اللي أنتي جايه بيها بدأت تخلص وكل اللي قعدتيه شهر ونص، شغلانته بليل هي اللي معيشنا في المستوى ده...
هزت نور رأسها عدة مرات تحاول ترجمه عمل أخيها، فقالت آلاء موضحة :
_ عماد أخويا هياخدك معاه، وهتقفي جنبه وأنتي لابسه يونيفورم المكان، لو حد من الزباين شاور عليكي هاتروحيله تقعدي معاه، تتكلمي وتضحكي وتشربي معاه وتقضي وقت لطيف وعلي حسب قعدتك ومدتها تتحاسبي شوفي بقي أنتي وشطارتك ...
قطعتها نور وقد احتلت الصدمه ملامحها قائلة بصياح معترضة :
_ بس، اخرسي خالص، هو أنتي عوزاني اشتغل إيه، إنتي اتجننتي ... انا اشتغل فتااااحه ؟!!!!!
نهضت آلاء وتحولت ملامحها لتظهر مشاعر قد دفنتها منذ مجيء نور لدبي قائلة بحدة :
_آمال أنتي فاكرة نفسك جاية دبي تعملي إيه، تتفسحي وتخلصي فلوسك وبعدين تقعدي في رقبتي أنا وأخويا ولا إيه لا فوقي، أنتي في غربه يا حبيبتي أنتي تتفرمي هنا ومحدش يحس بيكي، مين هايشغلك وأنتي ممعكيش أي خبرة، فوقي يا حبيبتي أحنا مش أهلك..
نهضت نور تقف بمقابلتها تناظرها بغضب قائلة :
_بس ده مكنش كلامك ليا..
قاطعتها آلاء بغضب ولهجة عنيفة :
_هو ده الكلام من هنا ورايح عجبك تمام، مش عجبك اتفضلي دبي واسعة.
اختل توازنها للحظات بعدما وقعت كلمات صديقتها عليها، جلست على طرف الفراش تشعر بالتيه، كلماتها كانت أحد من السيف، كلماتها أصابتها في مقتل أفاقتها من تلك الحياة الوردية التي رسمتها لنفسها فور أن وطأت قدمها دبي، ماذا أوقعت نفسها به، لقد ألقت بنفسها في التهلكة، لم يسعفها عقلها بالتفكير سوى بشيء واحد فقط هو أن ترفض بقوة، يكفي ما فعلته لن تزيده سوء..
رفعت رأسها وناظرت آلاء بقوة وبداخلها يهتز ألف مرة لما تقوله :
_ زي ما قولتي دبي واسعة، وأنا هامشي، ومش هتقف عليكي...
ابتسمت الأخرى بسخرية :
_ وريني بقي شطارتك يا قلبي..
استكملت حديثها وهي تقترب منها، تسلط أعينها الحادة عليها هاتفه بتحدً :
_ وأنا بوعدك أنك هاتيجي تاني علشان تشتغلي الشغلانه دي.
نظرت نور لها بتحدٍّ مماثل قائلة :
_ لا...وألف لا مش هاشتغل الشغلانه دي، وهاحقق اللي أنا عوزاه و بشرفي.
أنهت حديثها وجذبت حقيبتها تفتحها بعصبية، وبداخلها يغلي ويغلي من صديقة زالت قشرتها وظهر جلدها الحقيقي، حَقًا مثل الثعبان تلونت حتى أقنعتها بما تريد والبلهاء اندفعت خلف حديثها بدون تفكير، لملمت باقي أشيائها وقبل أن تخرج استمعت لحديث آلاء وأخيها عماد الخافت نوعًا ما ...
_ أنتي أزاي تمشيها يا آلاء، أنتي اتجننتي، صاحب المكان مستني الوش الجديد اللي هناك كلهم اتهرسوا !.
أجابته آلاء بثقة :
_ اللي زي دي يابني، لازم تتقرص صح علشان تعرف النعمة اللي كانت فيها، صدقني هاترجع زي الكلبة لغاية هنا، أنا فاهمة كويس متقلقش....
كتمت شهقتها بصعوبة، بعدما أدركت معنى حديثهم، كيف لها أن تنخدع بهذا الشكل، يجب أن تهرب وبسرعة من هذا المكان....
عادت من شرودها وبداخلها يتمزق حزناً على قرار قد أخذته في لحظه تهور، ليس أمامها سوى طريق واحد هو أن تبقى بدبي وتبدأ حياة جديدة، أحياناً شدائد المحن وصعوبتها تجعلك في دوامه غريبة من التفكير، لن تستطع وقتها حساب نفسك ما بين ماضيك ومستقبلك أي منهم الجحيم، ولكن من المؤكد أن جحيم الماضي سيكون أهون من جحيم مستقبل قد تجهله...رفعت بصرها للأعلى تناجي ربها بحديث غير مرتب ولكن هي في أمس الحاجة أن تخرج ما تخفيه تخرج سرها، يكفي ما تظهره لقد سئمت من كل شيء :
_يا رب أنا عارفة أنه غلط اقعد مع راجل غريب في بيت واحد بس أعمل إيه، مقدميش غير كده مفيش مكان أروحه، ولا بقي ينفع ارجع مصر، كل حاجة اتدمرت قدامي، أنا واثقة فيك وعارفة أنك معايا في كل مكان وهتحميني حتى منه لو فكر يأذيني ...
خرجت من عمق مشاعرها بتنهيدة قوية تخرج جميع خباياها...
أما هو فكان يقترب من الغرفة حتى يتحدث معها، استوقفته كلماتها الغير مرتبه ونبرتها الحزينة المنكسرة، نفض كل تلك الأفكار التي هاجمته لتفكير بها، أثارت فضوله وخاصةً تصرفاتها غير المحسوبة، طرق الباب عدة طرقات هاتفًا :
_ لو سمحت تعالي برة علشان نقعد نتكلم...
أتاه ردها السريع لتقول :
_ آوك...ثواني..
وبالفعل قبل أن يتخذ من الأريكة الموضوعة بمنتصف الصالة مكانًا للجلوس كانت تخرج من الغرفة وعلي وجهها ابتسامة، بعد سماع حديثها ذلك أدرك أن تلك الابتسامة التي استفزته قبل قليل ليس سوى إلا ابتسامه مصطنعه فقط، هذه الفتاة تخفي الكثير والكثير، جلست أمامه ومازالت تلك الابتسامة اللعينة ترسمها فوق ثغرها...
_ هو أنتي بتضحكي كده ليه؟!.
حدثها مقتضبًا الجبين، فأجابته بعفوية :
_ يعني أبوز في وشك تقول عليا كشريه و تقول لا والله ما أنا مقعدها معايا، وبعدين الابتسامة في وش أخيك صدقة، وأنا اعتبرتك أخويا...
رفع حاجبيه بدهشة قائلاً بسخرية :
_بتحاولي تبيني نفسك ذكية، بس مفضوحة آوي.
امتعض وجهها من سخرية حديثة، وضعت ساق فوق الأخرى بكل عنجهية :
_ أنا ذكية جِدًا، وأقدر أوقف أي حد عند حده، أنت بس متعاملتش مع نوع زي من البنات!!.
التوى فمه متهكمًا :
_بجد يا نور فعلاً، أنتي بتقولي فيها أول مرة أشوف نوعية زيك كده!!.
أشارت له بيدها وهي تصطنع الحدة :
_ بقولك إيه أولًا قولي يا أنسه نور أو أستاذة نور، ثانيًا أنت عاوز إيه جايبني من أوضتي ليه؟!.
ضحك بصوت مرتفع قائلًا :
_هي بقت أوضتك خلاص، مش بقولك أنتي حبوبه آوي يا..
صمت لبرهة يرمقها باستهجان :
_ يا أستاذة نور !.
مطت شفتاها بضيق منه والتزمت الصمت، بينما هو استطرد حديثه :
_ كنت عاوز أسألك أنتي جاية دبي ليه؟!.
اندفعت بإجابتها :
_وأنت مالك!.
ضغط فوق شفتاه بغيظ ليقول بعدها بنبرة تهدد بنفاد صبره :
_أنتي جاية هنا دبي ليه؟!، لو مجاوبتيش اعتبري اتفاقنا لاغي!.
ضيقت عيناها بغيظ من طريقته في التهديد، ولكن يجب عليها أن تتحلى بالبرود والصبر، فأجابت :
_ عادي جاية اشتغل!.
_ أهلك ميتين ولا أيه!.
اندفع بسؤاله، فاهتزت مشاعرها وظهر ذلك جليًا على ملامحها وخاصةً عينيها التي تجمعت بها الدموع، خرج صوتها ضعيف :
_ آه.
حمحم هاتفًا بأسف :
_ أسف، بس يعني لازم اعرف عنك كل حاجة، بصي يا نور .. قصدي يا انسه نور أنتي باين عليكي صغيرة وقراراتك متسرعة وأنا متعودتش أشوف حد وخاصةً لو مصري ومساعدوش ما بالك بقي ببنت بلدي، ولو جاية هنا تاكلي عيش وتشتغلي فـ أنا هاساعدك واسمحلك تقعدي هنا المدة اللي أنتي عاوزاها لغاية ما تنقلي لسكن فيه بنات، اللي أنا بعمله ده علشان أنا دوقت طعم الغربة وشوفت حاجات كتير انتي صعب تتخيليها..
ودت أن تبكي وتخبره أنها رأتها ووقعت فريسة بها، ولكنها حاولت النجاة وستحاول ولن تهدأ حتى يعود الأمان والطمأنينة لنفسها، استمعت له بصمت تام، استمعت له وهي تسمح لعقلها أن يقتنع بحديثه حتى يهدأ من تلك الأفكار اللعينة التي تهاجمه بخصوص مكوثها معه بمكان واحد، وفور انتهائه قالت بنبرة هادئة وعينيها تنتقل في كل مكان ترفض النظر الية :
_وأنا زي ما قولتلك أنا مؤدبة ومتفكرش فيا تفكير وحش، أنا بس الظروف اللي جبتني هنا، وأكيد أنت أحسن الوحشين علشان كده طلبت اقعد هنا، وأنا أوعدك مطولش وألاقي سكن بسرعة!!.
_ أتمنى..بصي بقي طبعا أوضتك دي وياريت تلتزمي بيها، الحمام هنا...
أشار بيده ثم انتقل بيده نحو مكان آخر :
_ وده المطبخ، ياريت تلتزمي بكل حاجة في مكانها..
هزت رأسها بالموافقة والتزمت الصمت، انتقلت ببصرها هنا وهناك تدقق النظر بالشقة وتفاصيلها حَقًا أعجبتها...أما هو فشرد بها وخاصة ملامحها وجد نفسه يتفرس بتفاصيل وجهها ، جميلة جِدًّا، جميلة حد الفتنة، بيضاء، أعينها يندثر من خلالها العسل الصافي، خصلات شعرها المموجة ما بين الذهبي والبني القاتم، وخاصةً تلك الشامة الصغيرة التي تقع فوق فمها تثير الشغف في قلب من يدقق النظر بها، نهر نفسه على ما يفعله، هي ستكون أمانته وسيحافظ عليها، استفاق على حديثها ويدها الممدوة أمامها :
_هات مفتاح الاوضه بتاعتي..
رمقها لثواني يستشف ملامحها الحادة، جذبه من جيب بنطاله بسلاسة وألقاه نحوها وهو يقول بنبرة هادئة :
_أهو..
رفعت بصرها تسأله بترقب :
_ في نسخ تانية ...
أجابها بعبث :
_ آه ..
آه مستفزة تصاحبها بسمة ماكرة، أثارت الرعب بداخلها للحظة أنبت نفسها على قرارها ذلك، أما هو فلاحظ اضطرابها فقرر أن يتراجع عن طريقته معها :
_اهدي بهزر لا هو صاحب الشقة مسلمني نسخة واحدة لكل اوضه.
أنهى حديثه هو ينهض قائلًا :
_ أنا نازل اشتري حاجات، لو حد جه وخبط متفتحيش آوك.
هزت رأسها مرة أخرى دون رد، فقال هو متعجبًا وهو يتجه نحو الباب :
_سبحان الله اتخرست فجأه .
خرج من الشقة وفور إغلاقه للباب قامت هي بتقليده :
_ وياريت تلتزمي بكل حاجة، هسرق حلة مثلاً، إنسان غريب...
رفعت بصرها تنظر للمطبخ وبدأت معدتها تصدر أصواتا عجيبة، تشعر بالجوع الشديد، لا بأس أن تأخذ القليل من المعكرونة وستعيره كميتها فور شرائها لاحتياجاتها، نهضت تبحث عنها ولكن لم تُكمل بحثها بسبب ارتفاع رنين جوال ما..
التفتت بجسدها تبحث بعيناها عن مصدر الصوت حتى وجدته بالقرب من الأريكة، اقتربت منه ببطء، لابد أنه قد نسي جواله، طالعت الاسم بفضول وجدت اسم "ريم" ... همست بالاسم بتفكير لثوان ولكن نهرت نفسها في الانغماس في حياة الغير وقررت أن تتجاهله وتلبية نداء بطنها الصغير...ولكن رنين الهاتف المتواصل أفقد تركيزها وجعله ينصب حول هوية ريم تلك، اقتربت مرة أخرى من الهاتف تحادث نفسها "طب أرد، ولا ماليش دعوة..."
_ أرد، وأتكلم رسمي!.
_ لا مردش عيب مينفعش..
انتهى الرنين فحمدت ربها قائلة :
_ الحمد لله فصل لوحده..
وقبل أن تتحرك خطوة واحدة كانت يرتفع رنين الهاتف مرة أخرى بنفس الاسم، فقررت أن تجيب وتنهى إزعاج تلك المتصلة :
_ الو..
_ أنتي مين؟!.
حمحمت بحرج تحاول إخراج كلمات لائقة : _أنا...
شعرت بجسد ما يقف خلفها استدارت وجدت يوسف يقف ويناظرها بغضب...أعطته الهاتف بسرعة، فآخذة هو مُجِيبٌ :
_ الو..
استمع لصوت ريم أخته قائلة:
_ مين دي يا يوسف اللي ردت عليا !!.
أغلق الاتصال فورًا صائحًا : إيه ده أنتي رديتي على ريم!!.
_ ريم مين؟!.
سألته ببلاهة، فأخشن صوته قائلًا : وأنتي مالك، أنتي كمان هتدخلي في خصوصياتي..
امتعض وجهها لتقول باستنكار : خصوصيات، أنت مش شايف أن الكلمة دي كبيرة شوية حضرتك، ده مجرد تليفون رن وزهقني من كتر الاتصالات فقولت أرد أقول إنك مش موجود..
_ يا بجاحتك!!.
رفعت أصبع السبابة تشير في وجهه وهي تقترب منه هاتفة : بقولك يا محترم أنت، متحاولش تتعدى حدودك معايا..
أي حدود وهي تقترب منه بهذا الشكل!!، اقتربت منه لدرجه اضطربت بها مشاعره ما بين توبيخها على ما فعلته، والانغماس بملامحها التي جذبته عن قرب، ملامح بها هجين غريب بين الشرق والغرب، ركضت عيناه فوق ملامحها فشعر بمشاعر غريبة للحظات، لحظات وأصر على تجاهلها، هي وهو لا يمكن أن يتقابلا عند نقطة واحدة!!، انتبه على انفعالها قائلة : فاهم ولا لا..
_ فاهم إيه؟!..
أبعدت خصلات شعرهااا للخلف كحركة اعتيادية منها حينما ينتابها التوتر : إنك متعدداش حدودك معايا..
كتم لفظ بذيء كاد أن يخرج من شفتاه القاسية، فقال بحدة : لا بقولك إيه أنتي اللي متعدديش حدودك معايا مهما كان، خصوصياتي دي خط أحمر وبالذات ريم، فاهمة ولا لا..
اقترب منها بخطوات بطيئة، عقله يشجعه أن يفتك بها لفعلتها تلك حينما خرج من اضطراب مشاعره بسبب قربه منها الغير مقصود، المجنونة تعدت على أهم شيء لدية، أما هي شجعت نفسها أن تكون قوية تسيطر على توجسها منه حتى تستطيع أن تظهر له قوتها، دون أن ينفلت من يدها زمام الأمور وتقع فريسة سهلة له، هي مازالت تجهله وتجهل أخلاقه!!.
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملةمن هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا


تعليقات
إرسال تعليق